الحديثُ الأول

33 2 0
                                    


عُدنا للصف وجلس كل منا بعيد عن بعض. لكننا تبادلنا النظرات بابتسامات وكنا نضحك أحيانًا في بعض، فرغم البعد إلا أننا كنا نفهم بعضنا البعض.
في الحقيقة لم يكن الحديث الطويل الذي دار بيني وبينه في الاستراحة هو أول حديث، فقد سألته بعض الأسئلة في الصف بالقرب من صديقي محمد. فلما كان محمد يعبث بدفتري الصغير، وهو كثير العبث، وجد بأن هناك كلامٌ بلغة أخرى ولما سألني قلت له بأنها الفرنسية وكان يعلم بأنني درست الفرنسية لمدة سنتان. فسألني: " ما المكتوب ؟ " فعاندته بعدم الاجابة وقال لي بأنه سيجد المعنى غصبًا عني.. فأجبته قائلًا :
- لن تتمكن من ذلك، فلا أحد هنا يعرف الفرنسية غيري أنا وبعض الاساتذة..
فأصر على معرفة المعنى فقلت له :
- ستعرف المعنى لكن بشرط.. لست أنا من سيخبرك، بل ستخرج أحدًا من الصف يعرف الفرنسية وهو سيقول لك.
كنت أعلم بأن لا أحد يتحدث الفرنسية غيري وغير الطالب الجديد ولعلها كانت فرصة لي لأتحدث إليه فلم أضِعها. كان محمد مصرًا على معرفة المعنى خاصة وأني كنت أجننه بكلمة أخرى " ça va " وكان يظنها سبة. فأصر على معرفة المعنى.
بدأ يسأل الطلاب بالفعل إن كانوا يفهمون الفرنسية وكانت اجاباتهم مُستهزئة فكنت استهزئ به. كان بعضهم يعرف التركية لكنها غير مفيدة الآن.. كنا أكثر من الثلاثين طالب فتذكر محمد بأن الطالب الجديد قد أجاب على استاذ الفنية عندما سأله سؤال بأنه كان يدرس الفرنسية في مدرسته الخاصة، فراح وهو يشعر بالانتصار يقترب من مُحَمَّد وسأله دون مقدما : " هل تعرف الفرنسية ؟ ". فضحكت أنا وقلت :
- هدء من روعك قليلًا.. أنت لم تكلم الرجل من قبل وهو لا يعرف اسمك حتى، أهكذا يدخلون على الناس ؟ هه..
ثم وجهت كلامي لمُحَمَّد وكان محمد نافذ الصبر وبيده دفتري الصغير، قلت :
- مرحبًا.. أنا عبدالحليم وهذا محمد. كيف حالك ؟
أجاب مُحَمَّد :
- مرحبًا.. وأنا محمد، بخير.. وأنتم..؟
- بخير بخير..، يسألك صاحبي هل تتحدث الفرنسية ؟ فهو يريدك منك خدمة ما بشأنها..
نظر مُحَمَّد للدفتر وكان يعرف ما هي الخدمة فكان ينظر إلينا ونحن نسأل الطلاب ويريهم محمد بحماس الدفتر إن قالوا " نعم " مستهزئين. كنت أنظر أنا إليه وأنتظر الدور متى يأتيه ؟ وقبل أن تنتهي حصة الفراغ.. قال :
- نعم..
وضع محمد الدفتر أمامه وأشار لكتابات قد كتبتها سابقًا وكانت كلمات أُغنية فرنسية لمغنية مغربية، نظر إليها مُحَمَّد وابتسم ففرح صاحبي وسأله : " ما معناها ؟ تعرفت على المعنى أليس كذلك ". لم يراني صاحبي وأنا أغمز لمُحَمَّد بعيني بأن لا يجيب ويقول أنه لا يعرف المعنى.. فأجاب عليه : " أنا آسف..، لم أفهم المكتوب.. " فابتسمت في وجهه وشكرته ثم استهزأت على صاحبي وعدنا لأماكننا.

<<<

على ضِفاف النيلWhere stories live. Discover now