والتقينا (18)

434 21 36
                                    

18_زواج

أبَى القلب إلا أن يراها قريبة
كأن رضاها مُزنةٌ تتحدر
(محمود شاكر)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل قراءة الفصل في قارئة عزيزة على قلبي لها ابن عمة مريض أدعوا له بالشفاء لعل منكم من هو أقرب إلى الله منا ودثروه فيها (اللهم إني اسألك إني اشهد إنك أنت الله الشافي الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تشفيه وتعفو عنه وتجعل كل ألم مغفرة لكل ذنب، ورفعة في الدرجات ومحبة وقربة، اللهم إنك اقرب إليه منا تعلم ألمه ولا نعلم فخفف عنه وأتمم شفاؤه يا ذا الجلال والأكرام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينال المرء دومًا حصاد ما يجنيه، سواء كان خيرًا أم شَر، ورب العالمين ليس بظالم للعبيد، لكل منا يوم يجد فيه بذور ما ذرعه.
(لا بقا أنت ناوي على موتك الليلة دي!)
صرخ بها شابٌ نحيل البدن، بائن الطول، وسط زنزانة السجن على وجنتيه تكمُّن ندوبٌ عميقة وخدوش توحي إلى أنه (بلطجي) يبحث عن المتاعب ويتوغل فيها غير عابىءٍ بنفسه، التي لم تعد إلا حبيسة بين قبضان من الحديد، وجدران ميتة، فآثر الشغب عله يجد فيها ما يجعله يشعر إنه لا يزل حيًا والفرق بينه وبين الميت هو نفسٌ يتردد في صدره الذي يضيق به.
وتراجع هشام البسيوني مرتعشًا، مرتجفًا، واجف القلب، وبفمٍ ينتفض ردد في ذعر:
_موتي، أنت عايز تموتني يا فرج؟!
وصرخ بصوتٍ مرتفع وهو يهرول تجاه باب الزنزانة الحديدي ويدُق عليه بقبضتيه:
_يا شاويش أنتوا ياللي هنا حد يلحقني.
تناهى إليه ضحكة فرج الهادئة، فأستدار إليه ودب الرعب في قلبه وهو يجده يقترب منه، والتصق بالباب وهو يحدق فيه في ارتياع، بينما الآخر يجذبه من ملابسه، زاجرًا:
_بقولك إيه بلا مخرج بلا يحزنوه، أنت هنا واحد ملهوش لا أصل ولا فصل زيك زينا فـ يلا يا حبيبي هات الأتاوة اللي عليك وإلا تبات على الأرض انهاردة.
ودفعه بقسوة على الأرض، فسقط هشام على وجهه، ورفع رأسه إلى الشاب وقد شحب وجهه، وقال في ضعف:
_أنا معيش اتاوة، بس، بس عندي أكل أكل يلا جاي خده.. خده كله.
ارتسمت على وجه الشاب بسمة شرسة ماكرة، وهو يلتقط حقيبة الطعام ويجلس على طرف الفراش، فوق رأس هشام، وفض الطعام وأخذ يأكل، وهو يقول:
_طيب، من انهاردة كل لبسي أنت اللي هتغسله، والسرير تنضفه كل يوم لأ كل يوم إيه؟! كل ما اقعد عليه واقوم.
وصمت مبتلعًا ما بفمه، ووضع قطعة أخرى من لحم الدجاج راح يلكها في تلذذ، ويقول:
_اممم، إلا صحيح يا هشام أنت على كده عندك فلوس كتير؟!
أجابه هشام وهو يقوم من سقوطه، ويقلب كفيه:
_متعدش. معايا كتير ومستعد اديك اللي أنت عايزه.
تبسم الشاب وهو يقف قبالته وقد ترك الطعام من يده، وقال وهو يطوق كتفه ويسير به داخل الزنزانة:
_كده تبقى حبيبي يا أبو الهشاشيم.
ردد هشام في ازدراء:
_أبو الهشاشيم؟!
ضرب الشاب على كتفه مقهقهًا، وقال:
_بدلعك يا جدع إيه مدلعكش دا إحنا هنبقى حبايب.
ودفعه من قفاه نحو فراشه، وهو يقول:
_يلا بقا يا حبيبي نضف ليّ السرير عايز أريح جددتي حبتين.
ودار هشام رأسه الساقط على الفراش إلى الشاب الذي أطلت من عينيه شبح الشقى..
وأيام العذاب..
وما جناه..
والثائر على كل جرائمه..
وما اقترفه يمينه..
وعن ظلمه وتجبره..
الأيام دارت وباتت عليه وليست له..
كان يتجبر ويظلم ويقسو كيفما يشاء وها هو ذا يُسقى مما اقترف.
يظنُّ الظالم إن في إمهاله نجاة وقد نسى إن الله عدلٌ يحبُ العدل، فيتناسى إن الله مطلع عليه ويغمض عينا القلب ويتجبر كما يحلو له، ويكون في امهاله تدبر وحكمة عظيمة من الله عز وجل فإن الله يمهل ولا يهمل.

والتقيناWhere stories live. Discover now