والتقينا (13)

391 22 2
                                    


13_مخدرات

_إسراء، تتجوزيني؟
لِما بدت لها كلمته كقنبلة تفجرت بين جوانحها، فطفق صدرها تارة يعلو وتارة ينخفض بحركات متتالية وبأنفاسٍ متلاحقة، وتطلعت إليه مندهشة كأنه ألقى طلبًا من الخيال، متسعت العينين حتى يُخيل للراءى إنهما سيخرجان من محجريهما، وفغرت فاه ثم أخذت تطرف بأهدابها وتحدق فيه، ونطقت أخيرًا بصوت متلعثم، وَوجهٍ أسيف:
_أنت قُلت إيه؟
وأتبعت تقول وهي تشير بسبابتها إلى صدرها:
_عايز تتجوزني أنا!
زَمَّ بلال شفتيه، وجَهْم المُحَيَّا، وتوجس فؤاده خيفة من رفضها، لكنه بدده بحبها له، وطأطأ طرفه، قائلًا في هدوء:
_هو كلامي مش مفهوم؟! ها قُلتِ إيه تقبلي تتجوزيني؟!
فشخصت البصر به، كأنها ترى شبحًا خفيًا، هل يعي ما يتفوه به؟! بل هتسمع أذنيها جيدًا؟! أم تراهما قد أصيبتا بالصم؟! هل تصبح الدعوات نُصب العينين في طرفة عين بتلك السرعة الفائقة؟! لقد كان عشية أمس حلمٌ بعيد المنال! كقمرٍ تدور جُل افلاكها في محوره ولا تستطع أن تمسَّه!
وسالت أدمعها بغتة على خديها، فهاله ذلك وذُهل واندفع يقول منفعلًا:
_هو أنا قُلت حاجة غلط؟ بتعيطي ليه؟
فأسبلت جفنيها على دمعٍ لحلمٍ بات نُصب العين، وفتحت أجفانها تتطلع فيه بصمتٍ، وانفرجت شفتيها بترددٍ، فأستغلق عليه فهم ما تمر به، وتململ في جلسته وهو يسترخ في مقعده، وتطلع إلى عينيها بنظرة حانية، وقال بصوتٍ رخيم مبددًا توترها:
_لما بياكِ يطلع بخير وسلامة ويصبح بأفضل حال أنا هاجي أتقدم رسمي.
وأدهشه دمعها الذي استمطر في غزارة، ثم فعلت ما لم يكن يتوقعه، فقد هبت واقفة ورمقته بنظرة أخيرة ثم انطلقت تعدو من أمامه، فاستوى في جلسته مصدومًا، وبصره تعلق بظهرها الذي يندفع مثيرًا فضول وأعين كل الحاضرين، لم تلبث أن ألتفت إليه فأشاح بوجهه.

🌺ربي اغفر ليّ ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات 🌺

أمسكت ندى إسراء الراكضة من كتفيها لتوقفها وهي تسأل بذعر:
_إسراء، مالك في إيه، بتجري ليه؟
فلهثت إسراء وهي تلتقط أنفاسها في صعوبة، وحاولت أن تتمالك نفسها، وهي تقول بصوت به رنة فرح:
_بلال قلي تتجوزيني.
حدجتها ندى بنظرة ثاقبة وقالت بجدية:
_وِوفقتِ؟
هزت إسراء رأسها وكتفيها وهي تُردد:
_لا جريت.
فدُهشت ندى وهي تتطلع إليها في بلاهة، متمتمة:
_جريتِ! جريتِ! جريتِ يا إسراء، زمانه بيقول عليكِ هبلة يا فقرية.
فضحكت إسراء وهي تواري ثغرها بكفها، وغمغمت:
_ما أنا هبلة فعلاً، في إيه لما يعرف إني هبلة..
واسترسلت وهي تهز منكبيها:
_دي الحقيقة عادي يعني.
فضربت ندى كفٍ بكف، قائلة:
_لا إله إلا الله.. أنتِ مش بس هبلة لأ وكمان عبيطة.

       🌺أستغفر الله وأتوب إليه 🌺

عدلت إسراء الوسادة وراء ظهر أبيها، وعاونته على الاسترخاء جيدًا على الفراش، بعد عودتهما من المستشفى، وهمت أن تبتعد عنه، عندما امسك معصمها وأجلسها بجانبه وهو يقول بنبرة أبوية:
_متقلقيش يا بنتي أنا اول ما هصلب طولي هدور على هشام البسيوني وهخليه يندم على اليوم اللي فكر فيه يأذيكِ فمش عاوزك تخافي لإني هقتله قبل ما يقتلك.
لم تستعب إسراء ما يقوله والدها، واعتقدت إنه يُلقي كلامًا غاضبًا فحسب، فهتفت وهي تربت على كفه:
_خف يا بابا بس الأول وبعد كده كل حاجة هتعدي بخير.
ونهضت وهي تتابع:
_هروح أشوفهم حضرولك الأكل ولا لسه.
وفي سيرها علا رنين الجرس، فصرفت الخادمة بإشارة من يدها وتوجهت هي لفتحه، وما كادت تفعل وترَ وجه القادم، حتى تهللت أساريرها مُهللة في سرور:
_عم مدحت أخيرًا قدرنا نشوفك يا راجل؟
وأفسحت الطريق مرحبة به وهي تهتف:
_تعالَ أدخل يا عمو أتفضل.
ضحك مدحت وهو يعبر الباب، وقد سُر بها سرورًا بدا على وجهه وهو يقول:
_وحشتي عمك مدحت جدًا يا سوسو، طمنيني عنك عاملة إيه؟
كان مدحت صديق أبيها المُقرب، يمتلك مصنع حلويات.. بل مصانع حلويات شهير وله اسمه في ذاك العالم.
جذبته إسراء من مرفقه إلى إحدى الأرائك وأجلسته، واستقرت بجانبه وهي لا تزل متعلقة بذراعه، وتغمغم بصوتٍ خافت:
_قبل ما تدخل لبابا عايزة منك طلب!
فتلاشى المرح من على صفحة وجهه، وحل محله مسحة من حنان واهتمام، وقال بجدية وهو يرنو إليها ببصره:
_طبعًا يابنتي اطلبي اللي أنتِ عايزه.
فتحمحمت إسراء تجلي حلقها، ثم غمغمت في هدوء:
_صراحة هما طلبين مش واحد.
فغمغم مدحت:
_عشرة ياستي مش اتنيين أنتِ تؤمري وعمك مدحت ينفذلك.
فتضرج وجنتيها من شدة الخجل، وهي تهمس في صوتٍ خفيض:
_في شخص أعرفه عايزاك تشوف له شغل عندك بمرتب حلو.
فتبسم مدحت في بساطة، وقال وهو يهز كتفيه في استخفاف:
_كل المقدمة والتوتر ده علشان الطلب البسيط ده، يا ستي اعتبريه حصل وكفاية إنه حد تبعك ومعرفة عشان أثق فيه، حتى إني كنت محتاح حد يوصل الطلبيات وأهِه تحلت على أيدك.. أبعتيه بكره على المصنع الرئيسي وهتفق معاه على كل حاجة.
ومال عليها مستطردًا:
_والطلب التاني؟!
صمتت إسراء وهي تخفض بصرها تارة وترفعه تارة في توتر ملحوظ، قبل أن تغمغم في ارتباك:
_هو طلب خاص، خاص بيا أنا.
وسكتت لردحًا من الزمن رفعت فيه بصرها إلى السقف، وثبتت قليلًا على ذلك، ثم هبطتت بصرها إليه، فحثها على الحديث بإماة من عينيه، وتنهدت في عمق، قبل أن تستطرد في صوت تشوبه المرارة:
_في شاب عايز يجي يتقدم ليّ.
فقال مدحت متعجبًا:
_ومالك بتقوليها بمرارة كده ليه؟
ومال بفمه على أذنها هامسًا:
_بتحبيه؟!
فأطرقت برأسها للحظات، ثم هزت رأسها بالإيجاب، فتبسم مدحت في هدوء، قائلًا:
_فين المشكلة بقا؟
_بابا مش موافق!
ضيق مدحت عينيه مقطب الجبين، وتمتم:
_امم، فهمت أنتِ عايزني اقنع بابا بيه!
أومأت مجددًا برأسها، وهتفت وهي تتطلع إليه في لهفة:
_أنت مش كنت دايمًا معترض إني ابقى ممثلة؟ الشاب ده هو اللي أقنعني.. بل هو اللي رد فيَّ الروح وأنعش قلبي.
ربت مدحت على كتفها، ثم  استوى واقفًا وهو يردد لها بكلماتٍ مطمئنة وإنه سيفلح في رضا أبيها حتمًا.

والتقيناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن