الفصل الثاني

67 9 12
                                    

- البيض حبيبي! ليه كده؟ مش تحاسبي يا ست الكل يا..

بترت عبارتها وابتلعت لسانها ما إن رأت الخرطوم السميك - أو عريس عزيزة كما يسمونه - في يد والدتها، وعيناها تطلقان شررًا يكاد يخرق جدران المطبخ، ومن خلفها يتفجَّر بركانٌ حام.

ارتعد قلبها، فارتجفت ملامحها وتصبب العرق من جبينها وهي تضع يديها أمامها متخذة وضع الدفاع، قائلة في سرعة وكأنما بلعت شريط تسجيل:

- إيه ده بس؟ استهدي بالله يا قمر وسط الشحوم يا شمس وسط الفَيُّوم.. انتوا محتاجنِّي افتكري ها؟ لو رحاب شافت المنظر ده هتقول علينا إيه؟ الجوازة الحلوة دي هتتفركش كده اسمعي مني.

وأتى أحمد غاضبًا خلفها، فتسمَّر ما إن رأى وجه والدته، وازدرد لعابه وقد أُطلقت صفارات الإنذار في عقله تنصحه بالتراجع حالًا.

إلا أن الوقت لم يسعفه، فانتفض جسده ما إن اخترق صوت أمه أذنه وهي تقول بهدوء ما قبل العاصفة:

- أحمد، امسكلي الجزمة دي، لو فلتت منك هتضرب بدالها.

وكأي أخٍ شهم عندما يرى أمه غاضبة بهذا الشكل، اندفع أحمد بكل تقدير واحترام، مقيدًا حركة أخته حرصًا على سلامة حياته الغالية، فصرخت هي فزعة:

- يا خاين سيبني، والله لأوريك يا صرصار يا جبان.

وأعادت نظرها نحو والدتها، بينما ترفسه وتتلوى ألف مرة في الثانية محاولة الإفلات منه، قائلة في هلع:

- ماما، ماما حبيبتي، ست الكل أحلى عروسة استهدي بالله كده، انتَ مش انتَ وانتَ جعان يا ماما، تاخديلك سنيكارز؟ لسه أحمد مديني اتنين دلوقتي عن طيب خاطر، ومستعدة أتبرع بواحدة منهم فلذات أكبادي عشان خاطرك بس، أقسم بالله، سيبي بس معتصم من إيدك لا عزيزة تزعل، تفتكرُه بيخونها وهيبقى يوم ما يعلم بيه إلا ربنا.

وأخيرًا استطاعت الإفلات من قيد أخيها، فانطلقت بسرعة البرق نحو باب الشقة لتنجو بحياتها، وإذ به يُفتح وحده، ليدخل رجل أربعيني يشبه محمود شبهًا كبيرًا - أو ربما العكس هو الصحيح! - تشبثت به منة في لمح البصر تستغيث به قائلة:

- بابا حبيبي الحقني، عاملين عليَّا رُبَّاطِيَّة وماما بتدافع عنهم عشان هم بس ولاد، وظالماني قال إيه؟ أنا بت مليش لازمة وهم رجالة البيت، ينفع كده يا بابا يا غالي؟

مسح والدها على رأسها قائلًا بابتسامة حنون:

- لا أكيد يا قلبي مينفعش، مين قال الكلام ده؟ تعالي بس وأنا هربيهملك كلهم.

ودخل وهي خلفه ترسم ابتسامة نصر، فقابلتهم والدتها مشتكية لزوجها بغضب:

- شايف يا محمد بنتك؟ من الصبح قايمة تنكش في العيال وآخرتها وَقَّعِت من إيدي الأكل، عاجبَك كده؟

وردة وقطمها جحشWhere stories live. Discover now