بياض-سواد!!

56 22 23
                                    


بمجرد إنهاء أبي لهده الجملة الأخيرة حتى إنتبهنا إلى أمي، فقد ظهرت على عتبة فناء المنزل محظرة لنا وجبة الفطور، إن كلا من أخي و أختي يتباعانها من الخلف، حاملين صحونا على أيديهما، و أمي تتقدمهما بصينية كبيرة، يبرز فوقها إبريق للشاي و أخر للقهوة.

وجه أبي أولا نظره إلى أمي و إخوتي مبتسما لهما، ثم ألق بنظره إلي و ملامح وجهه التي مالة إلى الطيبة تقول:

حسنا أيها الفيلسوف الصغير و كما ترى فأمك قادمة و علينا أن ننهي الحوار. لقد كانت مثل هذه الأحاديث تقوم بيني و بين أبي مقام السر لكلينا، ومحرم علينا الإفصاح بها إلى أي كان سواءا أمي أو إخوتي، لهدا ترانا وفي كل مرة نقاطع من طرف أحد ما، نحدق في أعين بعضنا البعض معلنين بذلك نهاية فصل الفلسفة.

وضع أبي الكتاب الذي كان بحوزته جانبا ثم تقدمنا إلى الطاولة الخشبية ذات الشكل الدائري منتظرين بلوغهم....

المهم يا عزيزي القارئ لا أظن أنك تنتظر مني الآن أن أخبرك عن ما الذي كانت تحتويه حتى الصحون من طعام، لأنه سيكون من البلاهة و السخف أن أفعل ذلك و أدعي أنني أتذكر حتى مالدي كان على طاولة الإفطار حينا ذاك، لقد مر على ذلك أكثر من عشر سنوات، و إن دكرة القهوة و الشاي فإنما ذكرتهما لأننا إعتدنا في الماضي أن نظمهم إلى وجبة الفطور كل يوم لا أكثر و لا أقل.

إن الحدث الرئيسي في هذه الذكرة هو الحوار الذي قام بيني و بين أبي،بالإضافة إلى حادثة طريفة سأحكيها في السطور القادمة....أنا منذ البداية وضحت لكم أن هاته الومضات من الماضي ليست هي السبب الذي حملني على كتابة هذه المذكرات، و إنما حملني على ذلك أشياء أخرى سآتي على ذكرها بعد أن أنهي هاته الدكريات، إن الأحداث الرئيسية في هذه المذكرات ستبدأ مع بداية معاناتي.

أنا يا أعزائي أعلم أنكم دقتم ذرعا بكثرة تدخلاتي هاته، حتى أن بعضكم قد ينسى ما قرأه من صطور قبل إنهاء هاته السفاسف، و لكن بالله عيك لايقلقنك ذلك، فأنا لا أطالبك بأن تتذكر كل ما ورد من أحداث،بل و أنني لا أريدك أصلا أن تتذكر أي حدث بقدر ما أريدك أن تشعر به، إنما يحدوني يا عزيزي و يا عزيزتي على إقحام نفسي في هذه الأحداث هو رغبتي في أن أشارككم إحساساتي...قد يقول أحدكم: مالنا و لإحساساتك البلهاء، شيطان يأخذكم كليكما إلى قعر الجحيم....قل ماشئت يا عزيزي، فهدا حق لك لن ينتزعه منك أحد.

إن كل الكتاب "و أنا لا أدعي أنني كاتب" يمسكون بالقلم فيجعلون من الحبر أداة يعبرون بها عن ما يجول في مخيلاتهم، إن القلم هنا لا يعدوا أن يكون وسيلة، أما في حالتي، فإنما أنا الوسيلة والأداة، إني أشعر بأنني مجرد فيض من المشاعر يستمد منه الحبر روحا فتنبض فيه الحياة، إني أضع يدي اليسرى على المكتب لأسند بها رأسي، و أمضي النهار كله أحدق في القلم يرقص فوق أوراق مذكراتي و هو مستحوذ على كياني و ذكرياتي......إن ما ترونه الآن من أسلوب في الكتابة ليس من صنيعتي، و إنما هو يا سادتي القلم حيا يكتب بحبر ممزوج بوجداني، فحسبي لا تعاتبوني.

بحت عن السعادة!!Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang