ذكريات!!.

328 62 134
                                    


"إنه لمن المحال أن يبلغ الإنسان ما يبتغيه من السعادة إذا هو بقي مصرا على إعتقاده أن السعادة تكمن في أن يفعل المرء كل ما يمليه عليه جشعه،و نزواته الصبيانية و غرائزه الفطرية، إننا نحن البشر، نحن الكائنات الأقل حظا على بسيطة الأرض، نتصور السعادة على أنها شيء يكمن في الأشياء و الأفعال، فيترتب على ذلك أننا نهدر أفضل سنين شبابنا، و أغلى أيام حياتنا في ملاحقة

الأوهام و الضلال."

الحسن الغزواني.

                                                                                        الفصل الأول.

ولدت في الريف، و إذا فقد قضيت أولى سنين حياتي بين الأشجار و الأغنام و كل أنواع الحيوانات التي كان بمقدور أي عائلة ريفية أن تربيها، فلا يستغربن القارئ إذا قلت أنني حظيت بأصدقاء من الحيوانات أكثر منهم من البشر و أني لاعبت القطط والكلاب أكثر مما لاعبت أبناء منطقتنا، و الدين كانوا بالمناسبة قلة, و دلك يرجع إلى أن منزلنا يقع أسفل الجبال أمام النهر، في حين أن سكان منطقتنا كانوا يقيمون على المرتفعات، وكما قد تستنتج يا عزيزي القارئ فإن المنطقة التي كنت أقطن فيها حينذاك هي منطقة جبلية، ونحن كنا في السهل محاطين بالجبال.

كانت مساحة منزلنا كبيرة،و المنزل يتكون من طابقين،الطابق الأول يحتوي ثلاث غرف و حمام, و مطبخ،بالإضافة إلى غرفة خصصت للضيوف، و الطابق الثاني هو عبارة عن مجموعة من البيوت جدرانها ملتفة بالرفوف التي تحمل كما كبيرا من الكتب بالإضافة إلى مساحة مربعة مكشوفة للسماء ، أما حديقة المنزل، فقد كان يبلغ كبرها ما يسمح حينذاك لطفل في مثل سني أن يركض و يلهوا مع إخوته و الحيوانات مشاء لهم أن يركضوا و يلهوا،و ذلك دون أن يكونوا قد إجتازوا ممتلكات المنزل.

إني و أنا الأن أجمع شتات ذكريات طفولتي، أرى في الصباح الباكر أمي الحنونة، اللطفية، ذات الإبتسامة العذبة رغم كدر الحياة، جالسة في فناء المنزل تنخد الحليب لتستخرج منه الزبدة و اللبن، إن على جانبها كما يعرض الأن على مخيلتي،تمتد قطتها المدللة التي تتبعها أينما حلت ،أما و أنا ألعب في فناء المنزل ، فقد كنت ألتفت من حين إلى حين إليها، لأر وجهها المحبب لقلبي، فأرى كما إعتدت أن أرى الإبتسامة التي تعلو محياها، حتى ليخيل لي في بعض الأحيان أن أمي ولدت و وجهها يعلوه ذات الإبتسامة...

لقد كنت دائما ميالا لمساعدتي أمي، حتى في أبسط الأشياء....فإذا رأيتها مثلا تضع الملابس التي تحتاج للخياطة أمامها، تراني أهب مسرعا أعرض عليها مساعدتي، لأنني أعرف مسبقا أن أمي الغالية لا يسمح لها قصر نظرها في إدخال الخيط في ثقب الإبرة.

إنك تراني و أنا أقوم بهذا العمل البسيط, مزهوا كل زهو, مفتخرا بقوة نظري و مواهبي أمام أمي، فأقول لها:

بحت عن السعادة!!Where stories live. Discover now