الفصل|02

185 13 6
                                    

لا تتوقّف الأيامُ عن السّير، اِقتطَف الدّهرُ يومينِ ووضَعهما فِي إصّيص المَاضِي، ولا يَزالُ الحالُ حالُه، والأيامُ حالُها، والكُره ذاتُه.

كانَت تضفِر الخيطُ؛ وِشاحٌ صوفيّ للشّتاء، لا تزالُ تجلِسُ على الكُرسيّ المتحرّك المفضّل لها تدفَع نفسَها للأمامِ والخلف فما تكادُ ترتاحُ حتّى تُغيّر مرتعهَا، أمامَها مدفئة جداريّة أعلاها صورَة كبيرة لشلال.

اِكتسحَ صوت حذائهِ صمتَها، فاقتربَ منهَا وجلَس بالقُرب منها، ظنّت أنه سيتأخّر فِي عملِه كما اِعتاد لكنّه لم يفعَل، لم تُعطِه قضمة اِهتمام إنّما همّت باِكمالِ حياكَة الوِشاح.

«أتريدين الخروج؟»

توقّفت أناملها عن العبَث وحدّقت به باِهتمام، تفحصت وجهه البهيّ بحثا عن علامات الكذب لكنّها لم تجِد.

«جهّزي نفسكِ سأنتظرك

«أأنت جاد؟»

أومأ بالوقت الذي كان يبحث فيهِ عن سيجارته، فاِتبعت رغبتَها للخروج وركضت لغُرفتها والاِبتسامَة لم تُفارق وجهها.

له فِكر شاذ عن غيرِه، حبَسها بالوقت الذّي باتَت تمقت فيهِ الهواء داخل غُرفتها، وتركَها تخرج حينَ باتت مُعتادَة على وضعها الجَديد.

بإحدى المرات أمسَكها الحارِس متلبٌسة تكادُ تَقفز من السور، وبالمرة الثانية رآها تتسلل من شُرفة غرفتها باستعمال حبلٍ من أغطية الأسرة والملابس بالطابق الثّاني، ولأنه أفزعها سقطَت وكُسرت قدمها.

وبالمرة الثالثة حينَ خرجا للتنزه هرَبت وماكادَت تفرَح باِنجازها حتّى وقعت بقفصِه مجددًا. أما الآن، ما كانت تتوقع أنه في يومٍ ما سوفَ يتركها تخرُج بعدَ تمرّدها بكثير من المرّات.

ثمّ هاهوَ مجددا يتأمّل النّعمة التي أهدَاها إياه الرّب، أزاحُ بصَره عن طريقه أمامَه وأمالَ رأسَه إليها بجانبه ما تكادُ تلحق بكَتفه، فقهقه داخليًا وأحبّ الوضع تاليًا، بدت كشخصٍ ضئيل يحتاجُ إلَى الحمايَة.

غيّر مكانَه قصرًا إلى جهتها، بقوة خارجية غيرِ قوّته، حملق بها باِندهاش، ما تصوّر أنها قد تُمسكُ بذراعه يومًا، جذبته نحوَها بصوتٍ خافت رقيقٍ أنبأته عن السّبب، سببٌ تافه أردى بقلبه قتيلاً.

«كِدت تصطدِم بِالشّجرة

تزيّن ثغره باِبتسَامة صرِيحة، لا تُخفي وراءها أيّ معاني مُلتوية، صريحَة كِفايَة لاِخبارها أنّه سَعيدٌ بقلَقها عليه.

فتمتم الهوىWhere stories live. Discover now