المشهد الاستثنائي الثاني (5)

5.2K 449 16
                                    


(5)


كان الملجأ لها، بل والمتنفس المتاح الآمن، حينما تقع في أي أزمة، ولا تُحسن التصرف أو التفكير فيها، لكون حديثه يحوي على ما ينفع ولا يضر، سردت عليه ما حدث منذ مطلع النهار إلى أن أرسلها الحاج "بدير" إلى هنا منعًا لتفاقم الأمور وتعقدها بين الزوجين. انتظرت "فيروزة" من الجد "سلطان" التعقيب على الموضوع، فتساءلت في حمئةٍ:

-حضرتك شايفني غلطانة يا جدي؟

سكت قليلًا، وتكلم في صوتٍ رزين:

-لأ، بس لازمًا تعرفي إن جوزك خايف عليكي حتى من الهوا الطاير.

كانت لا تزال بها لمحات باقية من العصبية والضيق، فظهرت في صوتها الذي ارتفع إلى حدٍ ما عندما هتفت بعنادٍ:

-وده مايدهوش الحق يبهدلني بالشكل ده.

سألها مستفهمًا دون أن تتبدل وتيرة نبرته الرزينة:

-فين البهدلة بس؟

أجابته في عصبيةٍ:

-زعيقه ليا، وحلفانه عليا.

برر لها تصرفه ببساطةٍ:

-ساعة شيطان، وعدت.

توقفت عن الحركة، لتكتف ساعديها قائلة في لهجة معترضة:

-مع "تميم" لأ.

انتبه كلاهما لصوت الطرقة الخفيفة على باب الغرفة، قبل أن تقوم "ونيسة" بفتحه، لتطل منه وفي يدها كوب من عصير الليمون، تقدمت ناحية "فيروزة"، وأخبرتها في وديةٍ:

-خدي يا بنتي اشربي اللمون ده عشان أعصابك تهدى.

رفضت تناوله منها هاتفة بوجه غائم التعبيرات:

-مش عاوزة.

أصرت عليها بحنو أمومي:

-عشان خاطري.

أمام إلحاحها اضطرت أن تتخلى عن رفضها، وتأخذه، رفعت الكوب إلى فمها لترتشف منه قدرًا بسيطًا، بينما الجد "سلطان" يخاطبها:

-روحي ارتاحي دلوقتي، وبعدين أنا هتكلم معاه.

استدارت ناحيته، واشترطت عليه بتزمتٍ:

-ماشي، بس أنا مش هقفل محلي، ولو حكمت آ...

قاطعها قبل أن تواصل إملاء شروطها عليه مرددًا في نبرة هادئة، لكنها في نفس الآن حازمة:

-صلي على النبي، وكله هيعدي.

تنهدت مليًا، ثم قالت:

-عليه الصلاة والسلام.

ربتت "ونيسة" على ظهرها وهي تدفعها برفقٍ للأمام لتستحثها على التحرك معها خارج غرفة الجد، فسألتها "فيروزة" بملامحٍ جادة عندما أصبحتا في الرواق:

-فين "درة"؟

جاوبتها وهي تشير بيدها نحو الغرفة الجانبية ذات الباب الموارب قليلًا:

-نايمة جوا في أوضة "هاجر".

توقفت عند العتبة محاولة رؤيتها من الفرجة الصغيرة، ابتسمت في رضا عندما رأتها هانئة في نومها، لتستدير بعدئذ محملقة في وجه حماتها عندما كلمتها:

-خشي إنتي ارتاحي، إنتي شقيانة من الصبح، وأنا هصحيكي لما عمك الحاج "بدير" يرجع من برا.

لم تنكر أنها شعرت بموجاتٍ من الإرهاق تجتاحها، وكأنها قد خرجت لتوها من سباقٍ للعدو لمسافات طويلة. تنهدت بعمقٍ، وسارت تجاه غرفة "تميم"، و"ونيسة" تكلمها في ألفة ومحبة:

-قوليلي بقى، نفسك في إيه أعملهولك تاكليه؟

قالت بلطفٍ:

-كتر خيرك، أنا مش عاوزة.

وكأنها لم تسمع رفضها من الأساس، فواصلت الكلام بأريحيةٍ ومودة:

-طب بصي أنا عاملة صينية بطاطس، وفراخ متبلة وشوية محشي عجب، هعلق عليهم على النار، نص ساعة وهيكونوا جهزوا، وإنتي عارفة بقى أكلي، لا يُعلى عليه.

ابتسمت "فيروزة" لأسلوبها الحاني المهتم بها، وولجت إلى داخل الغرفة لتستريح بها، بينما "ونيسة" تضيف في صوت جاد:

-وأنا هتابع "درة" متقلقيش، لو صحيت هعرفك.

تحرجت من اهتمامها الزائد، فقالت بتردد معكوس في نبرتها:

-بس كده تعب على حضرتك!

أطلقت حماتها ضحكة رنانة، وعلقت عليها في مرحٍ:

-يا ريت كل التعب كده، ده إنتو ماليين علينا البيت وربنا.

احتضنتها دون تفكيرٍ، وقالت وهي تريح رأسها على كتفها:

-ربنا يخليكي لينا.


يتبع >>>>>>>>>>>>>>


ملحق الطاووس الأبيض -كاملOn viuen les histories. Descobreix ara