المشهد الاستثنائي الثاني - (4)

5.4K 425 13
                                    


(4)


ظنت أنها مجرد حادثة عابرة ستمضي مع ما يمضي من مشكلات معتادة؛ لكن تلك المرة تحديدًا رفض تمرير الأمر مرور الكرام، بالكاد انتظر ذهاب الشرطة، ليظهر واحتجاجه الشديد رافضًا مواصلتها للعمل في محلها، فاعترضت على ما اعتبرته قراره المجحف بعنادٍ مقابل له، فأخبرها بغير تساهلٍ، دون مراعاة لكونهما لا يزالا في باحة الدكان، والمارة ينظرون إليهما بفضولٍ متحير:

-مليون مرة قولتلك احنا مش محتاجين الشغل ده، وإنتي برضوه مصممة تركبي دماغك، وأهوو اللي كنت خايف منه حصل.

لم تترك صغيرتها، وراحت تهدهدها في رفقٍ وهي ترد عليه بتصميمٍ:

-ده وارد يحصل مع أي حد، مش أنا بس، والحمدلله الموضوع اتلم.

نظر لها بغير اقتناعٍ، ولوح بيده في الهواء مغمغمًا:

-الله أعلم المرة الجاية هلحقك ولا لأ!

ردت عليه بتبرمٍ:

-إنت بتقول أي كلام وخلاص.

اغتاظ من عدم مبالاتها، وصاح في لهجة من يقرر لا من يخير وهو يشير بيده:

-ماشي، بقى كده، طب اسمعيني بقى، أنا جبت الناهية في الموضوع ده، المحل هيتفقل!

استشاطت غضبًا من تعسفه المتزمت، وتمسكت باعتراضها قائلة:

-مش هيحصل.

لم يرغب الحاج "بدير" في التدخل بينهما منذ نشوب جدالهما؛ لكن حينما وصل النقاش إلى طريقٍ مسدود، هتف بهما كنوعٍ من النصيحة المشوبة بالتحذير:

-يا ولاد ماينفعش الزعيق كده في الشارع، الناس بتتفرج عليكم.

أشاح "تميم" بوجه بعيدًا، وبرطم بكلمات غير مسموعة لهما، في حين تابع الحاج "بدير" كلامه مخاطبًا "فيروزة":

-خدي بنتك وروحي عند الحاجة "ونيسة" دلوقتي.

اعترضت عليه بتذمرٍ:

-يا عمي آ...

قاطعها مشيرًا بعكازه وهو يرفعه قليلًا عن الأرضية:

-اسمعي الكلام يا بنتي.

ألقت نظرة سريعة نحو زوجها قبل أن تستقر بعينيها على وجه حماها، لم تجد بُدًا من الامتثال له، فهزت رأسها مهمهمة في طاعة:

-ماشي، حاضر.

ثم عاودت التحديق في ظهر زوجها، وأكملت بتحفزٍ:

-بس ماتخليهوش يبعت حد ورايا! أنا أعرف أحمي نفسي كويس...

التفت "تميم" ناظرًا إليها بنظرات حانقة، وردد مستنكرًا في زفيرٍ متشنج:

-سامع يا حاج؟

أشار له والده بيده الأخرى ليكف عن الكلام، وخاطب زوجة ابنه في لينٍ:

-شوفي يا بنتي، هو من خوفه عليكي بيتصرف كده، ما إنتي الغالية...

ضاقت نظراتها نحو "تميم"، فتابع والده على نفس المنوال لإقناعها:

-والواد اللي جاي معاكي هيشيل عنك البت بدل ما تتعبي بيها من طول السكة...

كادت تنبس بشيءٍ، فأسكتها بابتسامته الوقورة:

-مش عاوز اعتراض.

رغم علامات الضيق الظاهرة على محياها إلا أنها هزت رأسها مرددة:

-حاضر.

غادرت بعدما اصطحبها أحد عمال الدكان، لينفجر "تميم" شاكيًا إلى أبيه عنادها وصلابة رأسها، فأخبره في هدوءٍ، محاولًا امتصاص غضبه الذي لا يزال مستعرًا فيه:

-يا ابني بالراحة، الأمور ما تتخدش عافية.

أمسك بالكرسي الخشبي ووضعه بجوار أبيه متابعًا شكواه المنزعجة:

-أنا غلبت معاها، احنا مش محتاجين الهم ده، وهي ولا كأنها سامعة، الكلام يدخل من هنا، ويخرج من الجنب التاني.

مد الحاج "بدير" يده نحو ذراعه ليجذبه منه قائلًا في نفس النبرة الهادئة العقلانية:

-طب اقعد بس، وخلينا نتكلم بالعقل.

نفخ في سأم، ومع ذلك لم يعارض طلبه، وجلس مجاورًاله ليصغي إلى ما يريد قوله، وعيناه المحتدتان تتابعان حركة العمال في نقل ورصالبضائع بالشاحنات.



يتبع >>>>>>>>>>>


#منال_سالم


ملحق الطاووس الأبيض -كاملWhere stories live. Discover now