الفصل العشرون (شظايا)

163 25 23
                                    


الفصل العشرون/
عندما تبدأ أولى خطواتك داخل نفق ما غالبا ما تجد ذاك النفق مظلما معتما ، عتمته ككابوس مرعب ، وفي حين أنك قد يتهيأ لك رؤية النور آخره إلا أنك تعجز عن رؤية تلك الشظايا المنثورة أمامك لتجعل طريقاً وعرا ، وهكذا هو الإنتقام طريق تغلبه عليه عتمة سوداء تجعل عيناك منطفئة تماما لا تستطيع رؤية غير شعلة النور في نهاية طريق خُيل لك أنه الصواب ، ولكن إن حاولت الإبصار سوف ترى تلك الشظايا المحيطة بك والتي يحاول عقلك الباطن أن يصب عليها الضباب لكي لا ترى حقيقة الأمور بوضوح .
(في الأسفل)
كاد أدهم الخروج تلبية لطلب عمه فكلمته أمر وجب التنفيذ؛ ولكن صراخ عمته وآخر عائد لأسيل جعله يهرول إلي الأعلي وصعد الجميع خلفه.
صعق الجميع عندما رؤا أسيل عارية ومني تنهال عليها بالضرب.
نظرة واحدة كانت كفيلة بجعل أدهم يغض بصره ويخرج.
ووليد توجه لشقيقته يمنعها عما تفعل والفتيات ذهبن يحتضن أسيل ويلبسناها ملابسها.
بينما حور واقفة على الباب تشاهد ما يحدث بتشتت فهل هذه العائلة التي تريد الإنتقام منها ، أهؤلاء هم من المفترض عائلتها كيف ومدى الكره والبغض الذي يحملانهلا يتناسب مع الحب والعطاء الذي تربوا عليه .
كانت تنظر لمني الجاثية أرضا تبكي وتنتحب وهي تسب إبنتها الواقفة منهارة تماما فهي لا تتذكر شيئا سوي إستيقاظها عارية متلقية صفعات وركلات.
إنتبهت حور للفراش ولبقعة الدماء لتقترب منه وتمسك الملاءة تتفحصها بتركيز ،  لتصرخ سمية بفزع عندما رأتها ، فالجميع كانوا في محاولة لتهدئتها من دون فهم إعتقادا أن إنهيارها سببه ما حدث في الأسفل.
إنتبه الجميع لما تمسكه حور حتي أدهم الذي دلف بعد صراخ والدته.
حل الصمت على الجميع، لم ينبش أحد بكلمة فالصدمة أشد من إستيعابهم ، فبالطبع ليسوا بأغبياء فهذه الصورة أمامهم لا تدل سوى على شيء واحد .
لم ينتبه أحد لمازن الذي دلف منذ ثوان، بعد أن عاد من الخارج وبنظرات إستكشاف لما تمسك به حور ووالدته الجاثية تلطم على وجهها وتسب ، وأسيل التي تخشب جسدها يحاول عقلها ربط الأحداث ببعض ، ليستطيع ربط ما يحدث بعقله وتأكده من ظنونه عندما صرخ حمدي بغضب:
_إلا الشرف يا بنت منى ، إلا الشرف أنا أسامح في أي حاجة إلا إن بنات عيلة الدمنهوري وخصوصا البيت ده يبقوا زي الفوازي وبنات الليل.
فارت دماء مازن وإتجه إليها سريعا يبعد عنها الفتيات الباكيات في صمت غير مصدقات ويصفعها بقوة ألقت بها أرضا دون مقاومة منها.
إندفع أدهم إليه يمنعه بغضب :
- إيه إل بتعمله ده؟؟
لم يهتم لسؤاله وحاول الوصول لها ولكن ذراعي أدهم منعته ليهتف بصراخ:
- مين يا ....مين إنطقي، ضيعت نفسك مع مين ؟
إستطاع أدهم إخراجه من الحجرة وساعدت سمية وفيروز مني وأخذناها لحجرتها.
بينما وليد أخذ حمدي وخرجا دون النبش بكلمة ؛فأسيل تعرضت للإغماء ولن يستطيع التحدث معها ولابد من إبعاد حمدي فهو من الممكن أن يقتلها دون أن يعرف له جفن .
تساعدت الفتيات الأربع ندي وجورية وسلمي ورقية بحمل أسيل ووضعها على الفراش.
إقتربت حور منهم وهي تشعر بالشفقة عليها فلم تستطع منع شعورها مهما كانت الضغينة التي تحملها ضدهم ولكن في هذا الوقت تراءت لها ضحكات أسيل بالأمس وسط الإحتفالات فإقتربت منها وأردفت بحزن:
- سلمي خدي واحدة من البنات معاكي وحضريلها حاجة سخنة تشربها، وإنتي يا ندى إدخلي جهزيلها الحمام وهدوم نضيفة.
إلتفتت لتري عدة كتب على منضدة بجوار الشرفة فتوجهت إليها وأخذت قلم وورقة وبدأت في تدوين بعض الأشياء ثم أمدتها لهم وأضافت:
- إبعتوا حد يجيب المسكن والمرهم ده .
إنصاعوا لها أربعتهم لتستغل ذلك وتتحقق من الأمر.
إستطاع أدهم السيطرة على مازن وقبعه في غرفته بالإجبار وأغلق الباب بالمفتاح ليمنعه من الخروج وهبط لأسفل ليري ماذا سيفعلون في هذا الأمر.
وما إن هبط آخر درجة حتي تفاجأ بلكمة من والده وهتافه الغاضب المصاحب :
- إنت يا ....تعمل كده؟ هتكتب عليها الليلة.
إندفع وليد إليه بغضب ودفشه بعيدا صارخا:
- إنت إتجننت أدهم مستحيل يعمل كده.
- أومال مين؟!! محدش هنا غيره هو وماز.......سكت فجأة ثم صرخ:
- أكيد إل.ك...إل كان هنا ، طعنا في ضهرنا وخدعنا.
يجب عليه أن يحمد ربه لأنه والده وإلا لكان في عداد الموتى الآن.
شعر وليد أن أدهم سيفقد آخر ذرة بعقله فتدخل قائلا بهدوء:
- أحمد زي أدهم ، وبعدين هو رجع شقته من بعد الغدا وأسيل كانت معانا عالعشا ، إهدي خلينا نفكر بهدوء.
- إحم ...أدهم.
نظر أدهم لرقية لتمد له الورقة وأخبرته بما طلبت حور وإنصرفت.
بالأعلى بغرفة منى /
كانت تبكي وتنتحب فهي الآن ترى الحياة سوداء لا أمل لها ، أولادها من عاشت من أجلهم تدمروا أمام أعينها وهي واقفة والعجز مسيطر عليها ، حاولت سمية تهدئتها ومدت فيروز لها كوب ماء لكنها رفضته قائلة بألم يمزق حنجرتها:
_ هقول لأبوها إيه يوم ما أروحله ، أقوله أمانتك ووصيتك ليا محفظتش عليها ، هقوله أنا أم فاشلة مقدرتش أصون ولادي ، أقوله واحد خاله رافضه وطرده وبيتهمه إنه طمعان فيه وبيتمناله الفشل والرفض ده حوله لإنسان عصبي ومتوتر طول الوقت مش واثق في نفسه بعد ما تعبت عليه في تربيته وعملته إن الإنسان قيمته في شخصه وأخلاقه بينهار كل حاجة قدام عيني ، ولا بنتك إل آخر حاجة قولتهالي قبل ما تموت خلي بالك من أسيل دي بنت محتاجة حنان وحب علشان متدورش بره عنهم دلوقتي أقوله أهي دورت وإستغلت ثقتي فيها وحبي ليها وضيعت نفسها وضيعتنا معاها ، ده حتى الكل شاف وعرف أقوله إيه أقوله إيه ... أنهت كلماتها بصراخ لتضمها فيروز بحنان مشفقة على حالها بينما سمية تنظر لها بفراغ فلولا تأكدها من أخلاق إبنها لشكت به ، إذا من فعلها هل أحد شباب العائلة أم إنه شخصا آخر لايمت لهم بصلة ، أغمضت عيناها لا تعلم ماذا تتمنى أن يكون قريبا أم غريباً.
..........
بعد أن تأكدت من عدم إستيقاظها لبضع ساعات بعد مساعدتها والفتيات على الإستحمام وإعطائها المسكن للنوم وهي تاركة نفسها لهم دون أي مقاومة ، عادت حور لغرفتها ووجدت نفسها تحدث أخاها وما هي إلا ثوان حتى أتاها صوته مجيبة بحب:
- حبيبة قلب أخوها عاملة إيه؟ كنت لسه هكلمك.
هبطت دمعة واحدة من عيناها حررها صوته الحنون لتتساءل :
- المؤتمر خلص؟
تعجب عبد الرحمن من جديتها ليقول بقلق :
-  مالك يا حور ؟!! أيوة خلص الحمد لله.
- إرجع.
كلمة واحدة إستطاعت أن توصل له مدى إحتياجها له ليردف بقلق:
- حور بالله عليكي طمنيني عنك.
أغمضت عيناها تستجمع قوتها وأردفت :
- أنا في بيتنا ، بيت الدمنهوري، تحديدا أوضة بابا.
- إيه!!!!
..........
مر الليل بعتمته على الجميع وهم في حالة لا يحسدون عليها ، فكل منهم بغرفته ولكن العقول والقلوب بأماكن أخرى .
وبالرغم من سطوع النهار وإقتراب آذان الظهر إلا أن لا أحد يجرؤ على الخروج من غرفته وكأنهم بذلك يحتمون من الحقيقة ومن كل ما حدث ظانين أن الجدران سوف تزيل آلام ما حدث معهم .
خرج أدهم وتوجه لحجرة مازن ودلف فوجده قد قلب كل محتوياتها بطريقة عشوائية وجالس بجانب السرير أرضا، ليقترب جالسا بجواره مردفا بإشفاق:
- ياعني إنت كده هديت؟!
نظر له وكانت عيناه حقا حمراء كاللهب يملؤها الغضب والكره والسخط على كل شيء أبعد نظره من أخرى مردفا بغلظة:
- بقولك إيه يا أدهم مش ناقصة مواعظك وشغل المصلح الإجتماعي بتاعك ده .
تعجب من أسلوبه فهو لأول مرة يحادثه بقلة إحترام رغم بأنهم في مراحل عمرية واحدة ولكنه تفهم حدته وأردف بتأني:
- مواعظ إيه؟ إنت كان ممكن تموتها في إيدك مازن إل أعرفه أعقل وأهدى من كده .
وقف سريعا وقد إرتفع صوته بغضب قائلا بتعب :
- مازن إل تعرفه ده تعب .. تعب من كل حاجة ، ليه دايما كل حاجة في حياتي صعبة ، طول عمري حاسس إني أقل منكم بالرغم إن ليا حق هنا حق أمى ياعني أنا عايش بينكم في حقي مش شفقة لكن ده مش معناه إني من عيلة الدمنهوري أنا وأختى دخلاء وسطكم ده حتى علشان يبقى لكل واحد فينا أوضة لوحده زينا زيكم إتعمل مشكلة لغاية ما خالو وليد قرر يبني الدور ده نعيش فيه ، أتقدم لأختك وربنا عالم أنا مش شايف غيرها عمري ما تمنيت في حياتي أي حاجة غير حاجتين الأولى مستحيل تتحقق وإن أبويا يرجع يعيش  تاني صحيح الحال كان على القد مش زي هنا بس كنت عايش سعيد ، وأمنيتي التانية ندى كنت عارف إنه صعب أطولها ومع ذلك إجتهدت ورضيت بإحساسي بالقلة وسطكم بس يظهر إني دي كمان مستحيل تتحقق ، وأسيل أهي كانت أمل في حياتي رغم إني أخوها مش أبوها لكن كنت حاسس بتفوقنا وتربيتنا هنعادل الكفوف ماهو مش كل حاجه المال ، بس أهي ضيعت نفسها وبقت نقطة سودة في حياتي  ياريتك سيبتني أخلص عليها وأخلص من عارها.
شعر بالحزن ولكن حاول أن لا يظهر أي شفقة بحديثه حتى لا يجرحه أكثر فتحدث بعقلانية :
- عار إيه !! أكيد في حاجة غلط أسيل متعملش كده .
نظر له بحسرة وتحدث بألم :
- وأهي عملت وفي البيت وقدام عنينا وإحنا إتعمينا مشوفنهاش ولا حسينا ياعني إستغفلتنا وضيعت نفسها.
فكر أدهم قليلا وأردف بثقة :
- وده أكبر دليل إن في حاجة غلط، لو هي مش كويسة كانت هتخاف بس هي مصدومة زينا.
حرك رأسه نافيا محاولاته المستميتة للدفاع عنها فأردف برفض وإستحكار :
- هي مصدومة علشان كشفناها.
- إنت مص....
بتر كلامه وإندفع لأسفل بعدما إستمع لصوت صراخ.
هبط منّ في المنزل جميعاً ما عدا أسيل التي كانت تغط في نوم عميق فعند إستيقاظها صباحاً لم تحتمل ما حدث لها وتناولت من الأقراص المهدئة مرة أخرى لتهرب بعيدا عن صدمتها فإن كان الجميع ثائرا ومصدوما مما حدث لها هي الآن وبعد توقعها بل وثقتها ممن فعل بها هذا كانت عالغزال الجريح الذي لا يقدر على الركض ولا لديه قوة لمواجهة براثينهم .
وصل الجميع لأسفل تزامنا معا ليجدوا سلوي تصرخ وهي تلكم حمدي في صدره بإنهيار :
- إنت السبب...إنت السبب ، أسيل ضاعت بسببك.
حاول السيطرة عليها وإبعادها عنه مردفا بعنف :
- إنتي إتجننتي وأنا ذنبي إيه؟؟!!
برزت عروقها وأحاطت عنقه بيدها صارخة :
- ذنبك..ذنبك إن إل عمل كده إبنك .
نظر الجميع لأدهم بصدمة وعدم تصديق ليردف وليد بحدة:
-مستحيل إنتي أكيد إتجننتي، إزاي جالك قلب تتهميه؟؟!وبعدين عرفتي منين إل حصل ؟؟
نظرت له بمرارة بعد أن أبعدت يدها عن حمدي بإهمال وقلة حيلة  وجلست أرضا بإنهيار وأردفت بصوت شق صدورهن:
-ومين قالك أني أقصد أدهم.
تبادل الجميع نظرات التعجب والتساؤل أنهاتها بإقرار:
- أنا أقصد جاسر.
حسنا لم يعد بوسعهم تحمل المزيد...
فكيف لجاسر أن يكون ابنا لحمدي...؟
-يظهر إنك إتجننتي وعقلك فوت علشان تقولي على إبنك إبني.
أردف بها حمدي بسخرية لتسترسل بألم:
- جاسر مش إبني.
كان الذهول المسيطر عليهم مما قالت ليحاول فهم ما تقوله بهدوء قدر إستطاعته :
- بتقولي إيه يا سلوي إستهدي بالله وهدي أعصابك .
أجابته والدموع يتسابق على خديها وألم قلبها ظاهراً بعينها :
  -بقول الحقيقة يا وليد ،
الحقيقة إل محدش فيكم يعرفها،
أنا إبني مات وأنا بولده  .. حملي كان فيه مشاكل كتير كان صعب يكمل وبعدها بيومين محمود جاب معاه طفل صغير  لسه مولود من أيام وقال إنه لقاه في الشارع وإن دي إشارة من ربنا يعوضنا ونكسب ثواب ، أنا صدقته وأخدته في حضني لأني كنت حزينة على إبني وإعتبرته عوض وقولت لما أتقي ربنا في يتيم ربنا هبراضيني وبعدها إرادة ربنا ومشيئته حملت في مؤيد ،
وطبعا لأني مسافرة محدش عرف حاجة وإعتبرته زي أمير  ونسيت إنه مش إبني ، بس امبارح إفتكرت وبأقسي طريقة .
..............
ليلة أمس /
عاد من الخارج فرحا بتحقيق الإنتقام أخيرا ليهتف فرحا:
- بابا.. بابا.. بابا.
إقترب منه محمود بلهفة وسأله بإهتمام:
- ها..طمني...ريح قلبي.
نظر له وبسعادة تحدث :
- نجحت.
- نجحت!!!!
قالتها سلوي بتساؤل عجب بعد دلوفها لحجرة الجلوس .
فتفاجأت بمحمود يحتضن جاسر ويهتف:
- جدع ، كده أمك هترتاح في تربتها.
ألجم الحديث لسانها فتحدثت بصدمة مذهولة مما سمعته:
أ..... أ...مك.
نظر محمود لها بسخرية وقال بجمود:
- أيوة أمه....ولا إنتي نسيتي إنك مش أمه؟
جلست سلوي بإهمال فوق الأريكة وإنسابت دموعها ؛ ليقترب منها جاسر بلهفة ويعاتب والده قائلا:
- دي أمي إل رضعتني وربتني وأنا بحبها  .
نظرت لهم بتشتت ليجلس محمود قبالتها وتشدق ب:
- فاكرة لما جيبتهولك وقولتلك لقيته في الشارع ، يومها كذبت عليكي، الحقيقة إنه إبن سحر أختي .
زاد زهولها وظهر جليا في نطقها لإسم شقيقته المتوفاه التي طالما شعرت أن هناك لغز في موتها فهي تتذكره يخبرها بوفاة شقيقته فجأة وكلما كانت تسأله عنها متى وأين ..وكيف حدث كان يصرخ بها قائلا :
ماتت موتة ربنا ، هو حرام الواحد يموت كمان ولا إيه .
كانت تظن أن فقدانها هو السبب لعنفه في إجابتها ، كانت تتقبل قسوته الغير معهودة منه سابقا لأنها كانت تشعر بالشفقة عليه فهو فقد آخر شخص من دمه يربطه بالحياه.
همسات بإسمها ذاهلة:
- سحر!!!
نظر لها بكره أعماه قلبه عن رؤية محبوبته أمامه ، هو الآن يرى شقيقة ذاك المجرم الذي سلبه شقيقته فإسترسل لها بعنف وغضب دفين :
- أيوة سحر .. أختي الوحيدة إل طلعت بيها من الدنيا.. الحاجة الوحيدة إل فضلت ليا من ريحة أبويا وأمي ،
سحر إل سابت البلد وجاتلي تبكي وتقول إن أخوكي ضحك عليها وإتجوزها عرفي ورفض يشهر الجواز بعد ما عرف إنها حامل ، أخوكي إل لا صان عشرة ولا عيش وملح ولا عمل حساب لربنا ، أخوكي إل مرعاش إنها أختى ياعني شرفي وإسمي وبكل جحود ضحك عليها ولعب بعقلها وخلاها تصدق إنه باقي عليها ومش هيسيبها ومع أول مواجهة ظهر وشه الحقيقة ، شخص ندل مالوش علاقة بالرجولة .
شهقت سلوي بفزع وسألته بإرتعاش:
- يا..ياعن..ياعني..جاسر..ابن..
نظر لها بإستهجان فمن عيناها علم معرفتها من هو المقصود من إخوتها فمن غيره يحمل ذالك القدر من الدونية ، فأجابها ليؤكد ظنونها :
- أيوة إبن حمدي ؛ حمدي إل كان السبب في موت أختي بعد ولادتها بكام يوم لأنها مستحملتش ، قلبها كان ضعيف ، سحر عشقته وسلمت نفسها ليه وهي واثقة فيه ولا صان ثقتها ولا حتى حُبها وكان بيتسلى بيها زي ما إتسلى بغيرها ، أصل سحر ضحية واحدة من ضحايا كتير لحمدي بيه الدمنهوري إبن الحاسب والنسب صاحب المال والجاه إل مسموحله يدوس على خلق الله ويلعب ببنات الناس .
لم تهتم لسخريته وإستهزائه بعائلتها فصدمتها الآن أكبر من أي شيء آخر ، ولكن سطع سؤال بعقلها وهي تناظره ولأول مرة تستطيع رؤية الغِل والكره الذي يحمله بقلبه فتساءلت هامسة:
- طب...طب إنت ليه مواجهتوش أول ما جاتلك ، ليه مأخدتش حق أختك ودافعت عن شرفك ؟ ليه مأجبرتوش يعلن علاقته بيها .
إقترب منها بغضب وأمسك ذراعيها يهزها بعنف وهي مستسلمة رغم محاولات جاسر تخليصها من يده :
- وأشوشر على أختي وسمعتها وفي الآخر هيقولوا هي إل غلطانة، وأكيد إستغفلت خالتها العجوز وإل كانت عندها وغلطت مع أي حد وبتلبسها لأخوكي ،
أنا لما جاتلي كنت هموتها بس حسيت إنه غلطي لأني سيبتها لوحدها وسافرت ،
كنت ناوي منزلهاش خالص وأبقي أنشر في البلد إنها إتجوزت علشان لو نزلت في أي وقت ومعاها إبنها يبقي عادي، بس هي مستحملتش وماتت .
إرتعبت أوصالها وأغمضت عيناها بألم وتساءلت بخوف:
- وإنت دلوقتي بتحكيلي ليه ؟ وإيه إل جاسر نجح فيه؟!! إنت منتقمتش زمان ليه جاي دلوقتي تقلب في الدفاتر .
تبسم وظهرت في عيناه نظرة إنتصار قائلا:
_بعرفك حقيقة أخوكي المجرم وبعدين مين قالك مأخدتش حقها ، النار كل ما يعدي عليها وقت بتزيد وبتاكل أكتر حواليها وأنا إنتقمت وأخدت حقي من أخوكي ،  وبتشفي أخبرها بكل سرور ما فعله جاسر بأسيل، بداية من التقرب منها بإسم الحب إلي ما حدث الليلة السابقة .

............
الوقت الحالي/
جلس حمدي على الأريكة بصدمة فلم يكن يظن أنها بالفعل أنجبت ، كان يظن أنها قامت بالإنتحار أو محاولة التخلص من الجنين كما أمرها وتوفيت إثر ذلك وأن محمود لا يعلم عنه شيء ، بينما وليد لا يقل صدمة عنه هو يعلم أن أخيه سيء الطباع ولكن أيصل به الحال لهذا  ، أما فيروز فتحتضن سمية الباكية بقهر وذلة فمن الصعب حتى وإن كانت تبغضه أن تعلم زواجه بأخرى سرا ، أما مني فكانت في  حالة تشتت وإنهيار  لا تعلم ما عليها قوله وماذا تفعل .
والشباب  والفتيات جميعا يشعرون بالتيه والشفقة وألجمتهم الصدمة .
كان أدهم أول من تمالك نفسه ليتساءل بحيرة وتفكير :
- وليه إختار أسيل بالذات؟!!
أجابه مؤيد بخجل مما فعله شقيقه:
-لأنه عارف إني عاوز أتجوز رقية وطبعا سلمي معروف إنها مخطوبة ليك.
- أنا بقي مش هسيب حقها وهقتله وأدفعه تمن إل عمله فيها وهي بريئة ملهاش ذنب...سامعين هقتله.
...................

الإنتقام دائرة إن دخلتها لا تعلم متي ستخرج منها ولكن الأهم كيف ستخرج منها.
وقفت تتأملهم جميعهم متألمون وفي الواقع غير سعداء.
هل ينبغي عليها أن تنتقم منهم أم ترحمهم ....يا الله حتي وإن كانت تشفق عليهم لن تنسي أن قاتل أبيها بينهم لذا فالتصبر قليلا فيبدو أن بجوفهم الكثير من الحقائق المستترة .
إستطاع وليد تلك المرة السيطرة على مازن وأقنعه بضرورة التصرف بحنكة وأن ما يريد فعله لن يضر سوي بشقيقته وبهم خاصة أن جاسر تدلي من بينهم ولم يفعلها خارجا .
ولكن لم يعلموا أن تلك التحركات كانت من ضمن خطته لأنه يعلم أن حمدي وياللسخرية يهتم بشرف فتيات العائلة.... لذا فعلها وبمنزله .
وعلى الرغم من فعلته ولكن بمجرد أن حكاه وليد هاتفيا لم يستطع التصرف بفظاظة فوليد له مكانة فوق رؤوسهم جميعا .
صعدت الفتيات إلى أسيل لمؤازرتها ومنعها من النزول لأسفل .
بينما باقي العائلة تنتظر  على أحر من الجمر  منذ ساعتين فقد لا يستطيع رد وليد ولكن ليتركهم للتخبط قليلا .
مر الوقت وغابت الشمس ليسود ظلام القلوب .
وصل أحمد في ميعاده المتفق عليه وعندما دلف سعد كثيرا للجمع المنتظر ولكنه لا يعلم أن هذا التجمع ليس له .
إقترب من الجميع وتحدث برسمية يشوبها المزاح :
- مساء الخير ، الجمع الجميل ده كله علشاني أن كده أطمن .
نظر له حمدي بكره واضح بينما وليد إبتسم له إبتسامة باهتة ، فوقف أدهم وإتجه له ليري لأول مرة منذ دلوفه نظرات الحزن والقلق والإرتباك على وجوه الجميع فنظرات أدهم التحذيرية جعلته يرتاب ويتمعن بهم .
أمسكه من ذراعيه مانعا إياه من الإسترسال مردفا:
- تعالي معايا يا أحمد.
لم يجدها بينهم فنهش القلق قلبه ليتساءل بخوف :
- في إيه؟ جوري كويسة؟
نظر له بهدوء وطمئنه قائلا :
- متقلقش كويسة، تعالي بره وأنا أفهمك .
رفعت رأسها من بين كفيها وأردفت بعنف :
- هتفهموا إيه؟ هتفضح بنتي يا كبير العيلة
أغمض أدهم عينيه يحاول أن يستمد الطاقة ويستحضر الصبر وأخبرها بصوت جليدي :
-وعلشان أنا كبير العيلة زي ما بتقولي لازم يبقي في خطة بديلة وياريت متنسيش إن أحمد ظابط ياعني الحل عنده لو جاسر لعب علينا.
-مش طبعي يا كبير ...ولا أقول ياخويا.
نطق بها بسخرية لاذعة عندما دلف وإستمع لآخر جملة لأدهم .
إندفع مازن بإتجاهه وإستطاع أن يلكمه قبل أن يسيطر عليه مؤيد وأدهم .
أما أحمد فعاون جاسر على الوقوف ومازالت علامات التعجب مسيطرة عليه .
- مش هردهالك علشان مقدر موقفك .
قالها ببرود غية في إستفزازه وقد نجح بالفعل ولكن يد أدهم كانت أقوي وأقرب ، ليدفشه من ذراعه للداخل مرتميا عند قدمي مني التي ما إن وصل لعندها صفعته على وجهه .
أغمض عينيه بغضب وألم ولكنه تجاوزه، ووقف ببرود مصطنع وألقي نظرة إستحقار على حمدي وتقدم من وليد وأردف بإحترام:
- حضرتك طلبتني.
نظر له وليد وكأنه برأسين وأردف بسخرية:
- وحضرتك ليه بقي؟!!! لما تعمل حاجة زي دي يبقي مالوش لازمة الإحترام ، أصلا إحترام إيه إنت ضيعت كل حاجة..؟
نظر له وما زالت عيناه تحمل الكثير من المشاعر الغضب ..الكره ..والشماتة .. ولكن هناك أيضا الإحترام والذي ظهر بصوته مردفا :
- العفو يا خالو مقامك محفوظ عندي وعلشان كده جيت .
جلس وليد بقلة حيلة ينظر له وتدور عدة تساؤلات بعقله...
إذا كان يريد إذلالهم لما جاء طواعية الآن؟
إن كان ضلع أعوج لما يري الإحترام والصدق بعينيه؟
..........
كانت الفتيات يقفن بجوار أسيل أعلى الدرج يتابعون ما يحدث.
هب مازن من مكانه وهتف آمراً :
- تكتب عليها حالا.
- موافق .
لم يماطل....لم يسخر...ولا يبدو عليه المزاح .... بل وافق بكل جدية وهدوء .
ألجمت موافقته ألسنتهم ولكنه لم يعرهم أي أهمية وإسترسل ببرود :
- أنا بره في الجنينة نادوا المأذون وجهزوا كل حاجة .
- بتنيمنا بموافقتك علشان تهرب .
نظر جاسر له بغضب وكره لم يستطع مداراته وأردف بسقيع :
- أنا مش زيك .
ثلاث كلمات كانت بمثابة صفعة أطاحت به ليشعر أنه مقيد بأغلال من نار .
عندما إستمعت لقرارهم دلفت سريعا لحجرتها ولم تمهل نفسها مهلة تفكير وبلحظة ضعف أمسكت سكين الفاكهة ومررتها على أوردتها.
صرخات وعويل إنطلقت من الأعلى لتهرول حور أولا ثم تبعها الجميع.
صعدت مني لإبنتها بعدما علمت أنها ضحية للخداع بإسم الحب، وعلى الرغم من أن لها يد في هذا الذنب إلا أن غريزة الأمومة هي التي تتحدث الآن .
دلفت حور لتجدها جالسة أرضا لا حياة فيها على الرغم من تنفسها ونظراتها المشتتة .
إقتربت حور من سلمي الممسكة بيدها في محاولة لإيقاف النزيف وبدأت في تفحص الجرح .
وقف الجميع وعلى رأسهم جاسر يتابعون ما يحدث .
- الحمد لله الجرح سطحي بس محتاج خياطة وتعقيم .
قالت جملتها مطمئنة مني الساقطة أرضا منذ وقعت عيناها على إبنتها ، لا تتحدث ولا تتحرك فقط دموعها تهطل .
حملها مازن ووضعها على الفراش بينما سلمى إستمرت بالضغط فوق الجرح كما أنرتها حور بينما وقفت الأخيرة وتوجهت لتدوين ما تحتاجه للقيام بمعالجتها .
ذهب مؤيد لإحضار ما طلبته وهبط الآخرون لأسفل .
عاونت فيروز سمية على الجلوس وأعطت لها العقارات الطبية المسكنة .
بينما سلوي فعلت المثل مع شقيقتها بالإضافة لكوب من عصير الليمون في محاولة لتهدئتها .
وبعد ما يقرب من خمس وأربعون دقيقة إنتهت حور من تقطيب جرحها وتركتها لتنام ، هبطت لأسفل لتجد الجميع في حالة إرهاق ، طمأنتهم عليها ومن ثم تركتهم ،
كانت ستتوجه لحجرتها ولكن ....
إستلمت رسالة من أخيها مفادها أنه إقترب لذا فضلت الخروج وإنتظاره .
رأها تخرج للحديقة فأراد أن يذهب إليها ولكن وجدها تقترب من جاسر الواقف تحت أحد الأشجار وتتحدث معه .
نهشت الغيرة داخله وخاصة عندما رأها تحدثه بإبتسامة .
لم يستطع تركها ليذهب سريعا إليهم يجذبها صارخا بصوت أخرج كل من في المنزل لرؤية ما يحدث ، حتي نبيلة خرجت برفقة ممرضتها.
الغيرة والغضب الأعمى سيطرا عليه كليا ليردف بجنون:
- كان لازم أعرف إن ليكي إيد في إل حصل .
نفضت يدها بعصبية من بين يديه وصرخت به:
- إنت إتجننت!!
أظلمت عيناه.. لم يعد يرى شيئا .. كل الأحداث توالت ... رؤيته لها وتعلقه بها وما حدث معها من أولائك المجرمين وإنتقالها للعيش معه تحت سقف واحد ومعرفته بأنها إبنة عمه .. وما قرأؤه في مذكرات والدتها ...والأحداث المتعلقة بجاسر وأسيل ..والجميع الذي ينتظرون منه التصرف وتحمل مسؤليتهم .. كل شيء يصيبه بالغضب ، وها هي أعطته فرصة على طبق من ذهب لينفث عن غضبه دون دراية ، لذا وبكل طاقته صرخ بها والجمع الغفير من العائلة يشاهدون ما يحدث بتعجب :
- أيوة إتجننت ، إتجننت لما سمحتلك تفضلي بينا وأنا عارف هدفك ، كل إل شاغلك تنتقمي مننا، بس ماتخيلتش إنك هتوصلي للمستوي الحقير ده ، إتجننت لما سيبتك تقربي مننا وأنا متوقع غدرك وعارف إنك مستنية فرصة تقضي علينا .
دفعته بعنف في صدره هاتفى بغضب :
- إخرس...أنا أشرف من إني أورط بنت ملهاش ذنب في إنتقامي ، لا ديني ولا أخلاقي وتربيتي يسمحولي ألعب بشرف بنت زيي زيها ، قلبي مش مليان بالكره والحقد زيكم علشان أدوس على بريئة كل ذنبها إنها حبت ووثقت ، جائز تكون غلطت لكن غلطها ميسمحليش لا أنا ولا غيري بأذيتها مهما كان كرهي ليكوا ،
أيوة عاوزة أنتقم بس مش من إل زيي ، مش هاخد إنتقامي من ناس بريئة ملهاش دخل في إل حصل زمان.
- إنتقام !! إنتقام إيه؟!! ما تفهمني يا أدهم؟
- أفهمك أنا يا عمو ولا أقولك يا خالو...
نظر الجميع بإتجاه الصوت بصدمة ليجدوا شابا ألجم الشبه بينه وبين والده ألسنتهم عن التفوه بكلمة وأجسادهم عن التحرك.
إندفعت حور لأحضان أخيها وإسترسلت:
- خدني من هنا....خلينا نمشي من البيت ده يا عبد الرحمن.
حور..عبدالرحمن ... حور..عبدالرحمن...
كانت أسمائهم تدور في خلد الجميع .
نظر وليد لأدهم مترجيا بعينيه فأومأ له وتشدق:
- حور وعبد الرحمن ولاد عمي نبيل.
جلس من جلس أرضا فلم تتحمل أقدامهم ما يحدث وتابعوا جميعا تقدم عبد الرحمن وبأحضانه شقيقته ووقوفه أمام أدهم :
-ولما إنت عارف إنها أختي يبقي ليه العصبية .
أردف بها بسخرية مشيرا لما حدث سابقا بالمشفى ظنا منه معرفة أدهم بحقيقتهم منذ اليوم الأول لهم بالمشفى فبالطبع هو لا يعلم ما مر على شقيقته بغيابه وأن أدهم تأكد من هويتهم وعلم كل شيء بعدما قرأ مذكرات والدتهم
  ثم نظر إلى الجمع وإسترسل:
- يحيي العظام وهي رميم مش كده.
- زهرة ...زهرة فين؟
لهفته وإشتياقه جعلوا عبد الرحمن يقترب منه ويهمس بحزن:
- ماما ماتت من ست سنين.
شعر بوخزة في صدره وبدوار لفح رأسه؛ فترك نفسه للسقوط أرضا ولكن يد عبد الرحمن أنجدته وساعده على الجلوس فوق المقعد الخشبي .
منعه من السقوط ولكن لم يستطع منع بكائه ونحيبه كالطفل .
- مقدرتش أحميها....أختي راحت مني زي ما أخويا راح.
مزق الألم صدره ليصرخ بأنين أبكي الجميع ، فإنهيار من يحمل على عاتقه هموم العائلة بمثابة شرخ بداخلهم لم يحتج كثيرا للإنشقاق فيكفيهم ما حدث طوال اليوم .
لحظة ...هل قلت الجميع؟
حسنا ....هاهو الآن يقف متابع لحزن الجميع بملل قبل أن يقول:
- وإيه يضمنلنا إنكم فعلا ولاد نبيل؛ مش يمكن نصابين بتعملوا علينا حوار علشان الورث.
كاد عبد الرحمن أن يجيبه ولكن سبقه أدهم مجيبا إياه بغضب :
- ببساطة لأن معاهم ورق الأرض والبيت وكل حاجة تثبت حقوقهم ، ولأن وجودهم في حياتنا مش بتدخلهم ده قدر .
هي معرفتش إننا عيلتها غير لما عرفتها عليكم أول مرة .
توجهت الأنظار لنبيلة إذا هي عرفتها وشعرت بها .
ولكن نبيلة كانت عيناها على نبيل... نعم نبيل من وجهة نظرها هي .
تابعوا نظراتها وتفاجؤا بضحكاتها العالية التي تدل على فرحها ...ولكن فرحة شخص فقد عقله.
تابعت الضحكات وأضافت  التصفيق وهتفت:
- ماموتش.....هييييي....ماموتش....نبيل حي.... نبيل عايش....إبني مرحش مني.... إبني موجود....مقتلتش إبني...مقتلتوش.....هييييييييي .
كاد عبد الرحمن الإقتراب منها تعاطفا معها ، فهي أم فقدت إبنها ولكن قدماه تحجرت في منتصف الطريق عندما إستمع لآخر كلماتها.
تابعها الجميع ليرو كيف تحولت ضحكاتها لبكاء تسترسل:
-  كنت خايفة عليك..مش لازم تروح لزهرة...زهرة دي وحشة أخدتك مني.
إركب عربيتك ...بتركب عربية وليد ليه ...يا عبيط سيبه يركب علشان يموت وتبقي إنت الكبير.
حسنا....يكفي...لقد إكتفوا حقا.
إبتعدت فيروز عنها كمن لدغتها أفعي ونظرت بخوف لوليد الذي شحب لونه .
ولكن لم تنتهي المفاجأت بعد ليرو نبيلة تدفع كرسيها بعنف وتوتر إلى أن وصلت أمام وليد وبدأت بضربه عشوائيا وهي تنتحب:
- إنت المفروض كنت تركب....هي عربيتك مش عربيته.
توقفت عن ضربه ثم مالت برأسها كأنها ستخبره سرا وهمست:
- أنا دفعتلهم فلوس وقطعوا الفرامل علشان تموت ، بس إنت شرير ركبته بدالك علشان هو إل يموت.
ليه...ها.لييييه...قتلته ليه....انت .. قاتل...قاتل..... مجرم ..حرمتني من إبني .
علا صوت نحيبها ، وتمزقت أرواحهم بفعل إعترافها .
ولكن يبدو أن الماضي ما زال يحمل خبايا أخرى .
إنهارت سمية هي الأخرى أرضا وهتفت ببكاء:
- عربيته كانت عطلانة.  
تحولت نظراتهم الضائعة إلى سمية لتستكمل:
- يوم ما جه وقال إنه أخد زهرة وولاده  ومشيوا ومش هيرجعوا تاني........
(يوم الحادثة)
هتفت نبيلة بحقد وغضب:
- إنت إتجننت عاوز تسيب كل حاجة علشان البت دي؟
لم يعد يحتمل التقليل من شأنها فهتف بدفاع :
- دي مراتي ومسمحش لحد يغلط فيها ، وأه أسيب كل حاجة علشانها وأفديها بعمري كمان، أنا مش عاوز حاجة في الدنيا غيرها وغير ولادي هما حياتي وعزوتي .
نظر له وليد بحزن وأردف :
- طب يا نبيل إنت ممكن تفضل بعيد لما أعصابكم ترتاح وترجعوا ، ياخويا بعدكم هيبقي صعب عليا أنا ما صدقت لقيتها.
خرجت منه تنهيدة قبل أن يقول بهدوء:
- زهرة مبقيتش تستحمل العيشة هنا ولا أنا يا وليد ، تعبنا ومن حقنا نرتاح ونراعي ولادنا ، بس متقلقش أنا برده مش ناوي أقطع بيكوا إنتوا أهلي مهما حصل بس فترة نرتاح من إل حصل معانا وهنزوركم إن شاء الله.
(في الأعلى)
تقدم من حجرته بغير إتزان ليجد زوجته أمامه فدفشها بعيدا عن مدخل الحجرة.
رأته يبحث عن شيء فسألته :
- بتدور على إيه؟!!
أجابها بترنح :
-م..ف...تا..مفتا..ح ...العربية...فييين؟
نظرت له ببغض وأردفت بإستنكار :
- إنت لسه ناوي تخرج؟ وبعدين مش شايف حالتك إزاى؟
-مالكيش....مالكيش دعوة.
نهرها بغضب وإسترسل بجنون عندما وجد ضالته:
- لازم أراقبه وأعرف وداها فين؛ زهرة ليا مش ليه.
أجفلت سمية من تصريحه وخشيت ما هو قادم ،لذا إستغلت ترنحه وقله تركيزه وهبطت مسرعة إلى الأسفل ، فرأت نبيل يودع وليد والأخير يوصيه على نفسه وعلى زهرة .
إقتربت من السيارة الخاصة بزوجها ونزعت دبوسا من حجابها وظلت تحاول إلى أن إستطاعت تفريغ إطارها من الهواء.
.............
(الوقت الحالي)
لم تستطع قول السبب الحقيقي في تصرفها فقالت  كاذبة:
_كان سكران خوفت العربية تتقلب بيه ، مكنتش أعرف إنها عربية نبيل لأنها نفس اللون ، فكرت إن عربية نبيل هي إل عند البوابة .
أنهت إعترافها ببكاء مرير لم يقطعه سوى صراخ ولدها الملتاع بإسم حور.
فلم تستطع الصمود أكثر لتفقد القدرة على الوقوف وتخار قدماها أرضا ولكن ذراعي شقيقها إلتقطتاها.
نظرت له بإبتسامة باهتة ليحتضنها بقوة وهمس بفرحة حزينة:
-وأخيرا لقيتكم.

زهرة Where stories live. Discover now