الفصل السابع (إختبار الثقة)

178 28 62
                                    

الفصل السابع/
( ربما صدفة في حياتنا كافية ، إنما أكثر من هذا قد تنقلب للسوء ، وهذا ما حدث معي ، صدفة جمعتني بنبيل ، صدفة جعلتني زوجته ، صدفة فرقتنا،
وكانت هي أقسى الصدف في حياتي بالرغم من الجانب الجميل والمشرق بها ، قد تتعجبون من قولي هذا ، ولكن الحياه علمتني أن لكل جانب مظلم أُفق مُنير )

‏كانت هائمة  بأفكارها فأي صدفة تلك ، لأول مرة منذ دخوله حياتها تنشغل عنه بل لأول مرة يسيطر على تفكيرها رجل آخر غيره ، بل عيناها لم ترى رجل غيره طوال حياتها سوى الآن أيضا أي صدفة تلك أن يكن شقيقه هو مُسبب تلك النبضات التي تشعر بها الآن ، كانت منغمسة في خوض أفكارها ولم تنتبه  لنظرات  المكر والخبث  التي ترمقها بها نبيلة التي لاحظت  نظراتها الخاطفة لوليد ورؤيتها  عينان وليد وكيف تتغيران لتصبح كاللؤلؤ عندما  ينظر لها وكأنه هو الآخر قد وجد ضالته .
‏ حلو اوي.... نهايتك قربت وإنت كمان اهي دي بقى اسمها ضربة الحظ عصفورين بحجر واحد.
‏همست بها لنفسها في سعادة لتظهر علي شفتيهاإبتسامة رأتها حورية لتنظر لها بشك  وقلق  لتظل تدعو ربها ببعد شرها عنهم.
(جلس الجميع بعد تناول الطعام يتحدثون بشكل عام فيما بينهم وأنا فقط مستمعة ، أنظر لنبيل هو يتحدث مع هذا ويُضاحك هذا ويشاغب تلك ، إنه حقا يمتلك عائلة كبيرة وأنا .. أنا لا أمتلك أحد ، ليس لديّ أي أحد .
شعرت بأني ضئيلة أمامه ، ليس لأنه سيقسوا عليّ يوما وأرغب بأحد يقف لمواجهته فثقتي به وبحبه وحنانه أكثر من ثقتي بنفسي، ولكن تمنيت أن أكون ذات شأن مثله ، رغبت بأن تكن لي عائلة أتفاخر بها حتى أشعر بأني أستحقه ، حلمُت ولكن يبدو أن زمن الأحلام ولى فلم يكن عليّ أن أجنح بتمنياتي)
جلست فوق الفراش تنتظره إلى أن أنهى إستحمامه وجلس بجوارها قائلا:
- الجميل سرحان في إيه ؟
أعطته إبتسامة جعلته يبتسم تلقائيا وهي تجيبه:
-بصراحة بفكر في عيلتك ، انا كنت قاعدة معاهم حسيت إني تايهة ومش عارفاهم من بعض .
سطعت ضحكته بمرح وهو يردد:
- ليكي حق ، بس أنا هحاول أبسطلك الحكاية ، شوفي يا زهرتي .
أبويا الحاج عبد الرحمن عنده بيتين ، البيت ده وعايشة فيه أمي وحورية وأنا ووليد ومنى وسلوى وحمدي  ، والبيت التاني ورا البيت ده وعايشة فيه الحاجة تفيدة وولادها التوأم محمود وأدهم والحاجة فوزية وولادها نوارة وأشرف وباسم والحاجة نعمة وبنتها فيروز .
جحطت عيناها من الصدمة وتيبست حركتها وتساءلت بصوت خرج مهتز :
- هما كل دول إخواتك ؟!!
أخذ يضحك منتشية برد فعلها إلا أن شعر بألم في فكه من كثرة الضحك وهي تطالعه ببعض الغيظ إلى أن بدأت نوبة الضحك خاصته بالهدوء تدريجياً
-هما صحيح كلهم زي إخواتي لكن فيهم ولاد عمي ، بصي يا زوزو كان ليا عم إتوفى وهو شاب كان متجوز تلات ستات تفيدة وفوزية ونعمة ، جدي الله يرحمه حكم بأن أبويا يتجوزهم علشان يربي ولاد أخوه ، وطبعاً كلمة جدي كانت سيف على رقبته يؤمر يُطاع .
كانت علامات الدهشة تسيطر ع وجهها لتتساءل وهي تعد على أصابع ي
ها كالأطفال:
- أم وليد ومامتك وطنط حورية والحاجة فوزية وتفيدة ونعمة ، دول ستة يا نبيل إنت بتضحك عليا أنهت حديثها بتذمر محبب ليجذبها من ذراعها يقربها منه وأخذ يملس فوق رأسها موضحاً:
_ لا عاش ولا كان إل يضحك عليكي يا زهرتي ، ركزي معايا أم وليد كانت مُطلقة أيامها فكده أبويا كان على ذمته إتنين ، وإتجوز الحاجة تفيدة والحاجة فوزية وبكده يبقى أربعة ، وقبل ما تسألي الحاجة نعمة أم فيروز تبقى خالتي ياعني لا يجوز فهمتي ؟
إتسعت إبتسامتها وكأنها وجدت كنز ولكنها عبست مرة أخرى متسائلة :
_ مين إخواتك في البيت التاني ؟
ضمها إليه أكثر مردفا بعد أن تثاءب :
_ باسم إبن الحاجة فوزية وده بقى آخر العنقود في العيلة كلها ، وكفاية كده بقى كلام وخلينا ننام لأن طالما وليد هنا الإستيقاظ مبكراً.
أنهى كلامه وبالفعل شرع في إغلاق عينيه ليفتحهما مرة أخرى بعد أن إستمع لسؤالها المتردد :
_ هو إنت تعرف أم وليد ؟
أجابها بحيرة :
_  أعرفها ومعرفهاش ، ياعني طبعا شوفتها وأنا صغير قبل الطلاق لكن مفتكرش شكلها ، ولأن ممنوع الكلام عنها بأمر الحاج محدش بيجيب سيرتها لكن عرفت من كام سنة إنها ماتت .
خيم الحزن تقاسيمها وتساءلت :
_ ليه محدش بيجيب سيرتها ياعني المفروض إنها أم أخوك مش غريبة دي ؟
تراخى جسده أكثر مجيبا إياها بصوت غلب عليه النوم :
_لأن وقتها كان طلاقهم مشكلة كبيرة جدا ، البلد كلها كانت بتتكلم عن الست ال وقفت في وسط الشارع تطلب الطلاق وتقول للناس إنها رافضة تعيش معاه ومش عاوزة إبنها في المقابل ، الموضوع ده أثر على نفسية وليد طبعاً والحاج من وقتها أمر أهل البيت بأنهم ينسوها وميحصلش كلام في الموضوع ده حفاظا على وليد ونفسيته.
أنهى حديثه بقبلة فوق رأسها مغمغما:
تصبحي على خير يا زهرتي .
وبالفعل ما هي إلا سويعات قليلة وإنتظمت أنفاسه بينما بقيت هي بأنفاس متخبطة عدة ساعات إلى أن غفت أخيراً.
صباح يوم جديد /
هبطت برفقته لتجد سكان هذا البيت مجتمعين حول طاولة الفطار فتحدثت بصوت خفيض بعد تحية نبيل لهم :
_ صباح الخير.
رد من رد والجميع كان منشغل بتناول الطعام ليقول الحاج عبد الرحمن:
_إقعدي يا بنتي إفطري وبعد كده وليد هياخدك تتفرجي على الأراضي .
قاطعت نبيلة حديثه بسخرية :
_ووليد بمناسبة إيه ؟ ما جوزها يلففها أو لأ زي ما هو عاوز ،ولا وليد الكبير برده في دي .
_نبيلة ، إحترمي نفسك ، وليد الكبير في كل حاجة ، وجوزها مش فاضي لو إنتي مهتمية بإبنك وشؤونه كنتي هتعرفي إنه مسافر يومين يخلص ورق تبع شغله.
أفزعتها نبرته الحادة ولكن التراجع ليس من سماتها لتتساءل بحدة مبطنة بسخرية :
_ عيني على بختي في ابني إل سايب مال أبوه علشان أفكار تافهة ، وإنت بقى يا عين أمك هتفضل شغال في المدرسة ال كنت شغال فيها ولا هتنقل علشان تبقى جمب المحروسة .
جزعت زهرة من طريقتها وكاد عبد الرحمن أن ينهرها مرة أخرى ولكن إجابة نبيل منعته:
_ المكان إل هترتاح فيه زهرة هكون فيه ، ياعني لو حبت تفضل هنا هنقل هنا ولو لأ هتيجي معايا هناك ، ده غير إن كليتها هتحدد ده .
إبتسم عبد الرحمن برضا بينما كانت نبيلة تشطات غيظا وغضبا أظهره تهكمها بشكل وافي :
_ وهي الكلية لازمتها إيه؟ في الأول والآخر مسيرها لبيت جوزها وأهي خلاص إتجوزت ، مش خايف تلاقي في الكلية دي واحد أغنى منك وتسيبك علشانه.
_نبيلة
إنتفضت إثر صراخ عبد الرحمن الذي وقف وإقترب منها ممسكا إياها من ذراعها متحدثا بتهديد :
_ قسماً بالله لو فكرتي تعيدي الكلام ده تاني ، أو تدخلي بينهم وتضايقيهم ليكون ليا معاكي تصرف تاني ، إمشي إطلعي أوضتك ومشوفش وشك باقي اليوم يكون أحسن ليكي إنجري .
كادت أن تقاطع حديثه معترضة ولكن صراخه في آخر حديثه جعلها تصمت قبل أن يقع ما لا تحمد عقباه.
عاد عبد الرحمن لمجلسه بعد أن رأها تصعد لينظر لنبيل فيرى علامات الغضب على وجهه ويده ممسكه بكف زهرة داعماً لها بينما هي تترقرق الدموع في مقلتيها رافضة الإستسلام أمامهم.
فاق من تطلعه لهم على صوت وليد الذي تحدث بإتزان:
_ تسمحولي بقى أبدأ جولتي السياحية وأخد زهرة تفطر في الأرض أحلى فاكهة حتى يبقى فطار صحي ويفتح نفسها للغدا.
تحمست زهرة لحديثه وأردفت مسرعة متناسية ما حدث منذ قليل :
_ أيوة صح وأنا موافقة .
شعر نبيل بحماسها وبتغير حالها للأحسن فنظر لأخيه بإمتنان وأردف:
_ خلي بالك منها ، إعتبرها أمانة مني لغاية ما أجي ، أنا قدامي يومين تلاتة بالكتير ، متسمحش لحد أيا كان يضايقها.
إبتسم له وليد مطئنا ووجه حديثه لزهرة :
_ يالا بينا إحنا قبل الأرض ما تتزحم .
كانت هي تنظر لنبيل بعينين حائرة .. تائهة ..متعبة ليبتسم لها مشجعاً متمتما:
_ إحنا إتفقنا على إيه قبل ما ننزل ، متخافيش من حاجة وأنا هخلص شغلي عالطول وأجيلك .
كانت كالطفلة تماماً الآن شفتيها ترتعش عيناها ذرفت الدموع بهدوء ، رأى الجميع هذا فإندهشوا وظهرت علامات التعجب على أوجههم ، لكن نبيل كان مبتسماً يحاول الصمود فهو إن أخذها معه سيخلف بوعده لوالده ويظل هناك إلى الأبد معها ، لذا حاول أن يصمد بقدر إمكانه أمامها وأخذ يهدهدها:
_ زهرتي أنا قولت إيه ؟ مش عاوز أشوف دموعك دي ، وبعدين انتي هنا هتتعرفي بيهم أكتر وكل يوم هتتفسحي في الأرض ومش هتحسي بغيابي .
نظرت له بعتاب ورفض ليكمل حديثه :
_ هتحسي بغيابي لكن هتقدري تتغلبي وتبقي قوية وأنا مش هتأخر عليكي خلاص .
كانت ممسكة بذراعه بشدة وهو يهدهدها بهدوء متناسيين من حولهم ليفيقا على صوت عبد الرحمن الحنون :
_ متخافيش يابنتي محدش هنا هيأذيكي، وكل إل تحتاجيه هتلاقيه ، ولا إنتي مش واثقة فيا .
نظرت له سريعا تحرك رأسها نافية متحدثة بصعوبة :
_متقولش كده يا بابا الحاج ، أنا بس اتعودت يفضل جمبي ، والمكان هنا غريب عليا .
هنا وجد وليد نفسه يتدخل سريعا بعدما رأى علامات التراجع على وجه أخيه وعلم أنه سوف ينهي الحديث بأخذها معه وهذا ما لا يريده ، فهو يريد التعرف عليها عن القرب يريد أن يحادثها كثيراً لذا ودون تردد تحدث:
_ودي تبقى فرصة علشان تعرفي المكان أكتر ، وتتعرفي بكل الناس ال هنا دلوقتي بقينا عيلتك .
نظرت له ، هي بالفعل تحمست لفكرة أنها ستقترب منه أكثر خلال تلك المدة ولكنها تخشى بُعد نبيل أكثر ،كانت هائمة بأفكارها إلى أن وجدت الجميع ينتظر منها حديث ونبيل يسألها بلطف :
_لو شايفة إنك متقدريش تفضلي هنا وعاوزة تيجي معايا مش همشي من غيرك .
نظرت له بتمنى ولكن نظراتها تحولت بإتجاه وليد وكأنها واقعة بين إختيارين وهي بالفعل كذلك ، نار بعده وإن كان مؤقتا مشتعلة بداخلها من الآن ، ولكن رغبتها في قرب وليد تغلبت فأي فرصة ستسنح مرة أخرى لقربه أكثر من هذه ، لذا تحدثت بإيجاز بصوت خفيض :
_ متتأخرش .
بالفعل سافر بعدها بما يقرب من ساعة بينما بقيت هي تتجول مع وليد بين عدة أماكن وكل منهم أشبع رغبته في التعرف على الآخر وأسقطوا جميع الحواجز بينهم في تلك الأيام الثلاث .
(كانت الأيام في بعده ثقال ، خاصة وأني لا علاقة لي سوى بالحاج وحورية ووليد ، كانت الليالي صعبة ، لم تكن بهينة ولو قليل ، لم يشفع لتلك الليالي سوى عبيره الذي علق على قميصا له ، لم أستطع النوم جيداً بالكاد عدة ساعات قليلة ، كانت رغبتي في الطعام شبه منعدمة ، ولكن مع هذا كان هناك جانب يشرق بداخلي حينما تحين ساعات لقائي بوليد ، كنت أشعر بنفسي أترمم ، كأن هناك صدع داخلي وبدأ هو في إزالته تدريجياً ، كان وجوده في حياتي كبلسم مذيب جميع آلامي ، أواجه حقيقة حياتي معه تدريجياً ، حبي له كان مختلفاً بالطبع عن عشقي لنبيل ولكني كنت متأكدة أني لا أستطيع التخلي عنه أو البعد مثلما لا أستطيع الإفتراق عن نبيل وكانت تلك المشكلة التي تورقني وتجعل قلبي يخفق بجنون مما هو أتيٍ ، وكنت محقة كل الحق في الخوف والهلع عند التفكير في القادم ، فحياتي قد إنقلبت رأسا على عقب وكأن الإستقرار والآمان لا يعرفان طريق لي )
منذ عودة نبيل لاحظ إشراقها أكثر من قبل ، كان حقا سعيدا وممتنا لأخيه ، فهو علم أنه لم يتركها تفارقه تقريباً ، يستيقظان يتناولان طعام الإفطار مع الجميع إن سنحت الفرصة لذلك ثم يجولها بالأراضي الزراعية ويعودان لتناول الطعام ثم تشاركه في قراءة عدة كتب ومناقشتها فإثنيهم إجتمعا فيهم حب القراءة ، كان حقاً ممتنا إلى أن بدأ الأمر في التفاقم.
صباح يوم جديد/
إستيقظ ليجدها قد إنتهت من تحضير نفسها للهبوط وعلى وجهها تلك الإبتسامة المشرقة ليردف بصوت ما زال متأثرا بنومه :
_ صباح الخير يا زوزو إيه النشاط ده كله ؟
أدارت وجهها له وهي تثبت حجابها قائلة بإبتسامة :
_ صباح النور ، طبعاً لازم أبقى نشيطة علشان ألحق أفطر وأروح الأرض مع وليد .
قطب حاجبيه وتساءل:
_ كنت فاكر إني وحشتك وهتفضلي معايا ، أو على الأقل هتخرجي معايا انا طالما رجعت.
إختفت الإبتسامة من وجهها وتحدثت بتوتر :
_ أخرج معاك انت .. طبعا أحب ، بس انا ياعني إتفقت مع وليد إني هخرج معاه و...
جلس مستمعا لها بشيء من الرفض لحديثها وتحدث بتوضيح :
_ زهرة الاول كان لازم حد يبقى معاكي علشان متخافيش من غيابي ، بس طالما أنا جيت يبقى الصح لو حبيتي تروحي في مكان يبقى مع جوزك.
جلست فوق طرف الفراش وتحدثت بهدوء رغم الحزن الذي إعتراها :
_ فعلا عندك حق .
نظر لها ليجدها شردت في شيء ما ليقترب منها متسائلا:
_ إنتي زعلتي ؟
نظرت له وبإبتسامة عذباء أردفت:
_ أزعل علشان بتقولي إني أخرج معاك ، تعرف إن دي تعتبر تاني مرة نخرج سوا بعد ما خرجنا اشترينا الهدوم ، ياعني بالنسبة ليا الخروجة دي كِنز .
إبتسم على تشبيهها وإسترسل حديثه:
_ وأنا أوعدك إني أخرجك في أي مكان تتمني تروحيه ، هو أنا عندي كام زهرة .
ألقت بنفسها في أحضانه تشعر بآمانه وتخبيء حزن عيناها ولكن لا تعلم أنه رأه وشعر بها جيداً ولكن ما يورقه حقا لا يعلم له سبب.
في الأسفل/
كانت نبيلة تُتابع وليد الذي ينظر للدرج ولم يكن صعباً عليها أن تستنتج أنه ينتظر زهرة لذا تقدمت منه وأردفت بخبث:
_ الحقيقة يا ابن ضرتي أنا مستغربة إنك مستنيها تنزل تتغندر معاك ، انت أه أقرب واحد لقلب الحاج بس مش معنى كده إنه هيسكت على الغلط، المحروسة جوزها جه ياعني طبيعي تستغنى عن  الإستبن أنهت حديثها بضحكة رنانة وأدها وليد ببرود حديثه:
_الحقيقة يا مرات أبويا أنا مستغرب من هدوئك، المفروض بعد الجريمة ال عملتيها تقلقي أصل الحاج عبد الرحمن لما يسامح مرة وإتنين وتلاتة بيبقى لكرم أخلاقه وصبره نهاية وبصراحة مخبيش عليكي مخزون المشاكل من صنع إيدك فاض ، ياعني نصيحة مني بما إني زي ما قولتي الأقرب لقلبه وليه فكري في الكلام قبل ما تقوليه وخصوصا لو الكلام ده يمس زهرة ، سلام يا مرات أبويا .
رحل من أمامها تاركاً إياها كالبركان عيناها شديدة الإحمرار من الغضب ولكن عقلها يعمل فقط على شيء واحد وهو التخلص منه وأيضاً منها.

مر شهرا عاشته زهرة في سلام او هكذا تظن فهي لا تدر بالمخطط من أجل  التخلص منها نهائيا .
تعرفت  على حمدي ولكنها لم ترتاح  له اطلاقا فكانت نظراته لئيمة حقا كنظرات والدته ، لا تعلم ما به أو ماذا يوجد بالتحديد في نظراته ولكن جسدها يقشعر وأيضاً تشعر بالنفور منه ، على نقيض زوجته فبالرغم من تحفظها في التعامل معها ولكن يبدو أن قلبها نقي .
لم تتقابل مع مني  كثيرا فهي لاحظت انطوائها لم تمتلك الشجاعة الكافية لتقتحم عزلتها ، تشعر أنها تتجنبها أو ربما لا تحب الإختلاط ولكن عندما يتواجهان ترى رفض منها لوجودها يبدو أن لوالدتها تأثير عليها في ذلك الموضوع.
نبيلة امام اي  من سكان  المنزل لا تتوجه  لها بالكلام وكأنها لا  تراها أرادت من هذا التقليل من شأنها والإستهتار بها .....أما عندما يصبحن وحدهم كانت تنهال عليها بألفاظ وسبابات جارحة تستمع هي لها بهدوء ودون التفوه بكلمة ثم تذهب لحجرتها لتسمح لفيض عينيها بالفوران .
لم تختلط كثيراً بساكني المنزل الآخر ، ربما رأتهم مرتين أو ثلاثة وذلك في التجمع الأسبوعي ولا تتحدث مع أحدهم أو ربما لا يستحسن أحدهم التحدث لها وكأنهم يعلنوها غريبة وإن ظنت عكس ذلك .

‏أسعد وقت في يومها عندما تذهب إلى الحقول الزراعية برفقة الحاح عبدالرحمن  الذي أصر أن يقضي مستقطع من يومه معها يحادثها ويعطيها مساحة تعبر بها عن داخلها ، يعلمها ما تتساءل عنه ،شعرت بجانبه أنها لم تعد يتيمة ،وأن الله إستجابة لدموع عينيها التي عرفتها بسبب محروس ليأن الآوان وتصبح إبنة أحدهم.
‏نبيل ...وأه من حبه الذي يزداد يوما بعد يوم بقلبها ،كانت تري حبها بعينيه فتشعر بإمتلاكها السموات والأرض ،حنانه وتفهمه أرهق غضبها وحزنها ليمحوهم تماما  يحاول جاهداً أن يسعدها بكل أفعاله وحديثه، صحيح تشعر به يجاهد غضبه منها بسبب تعلقها الزائد الغير مفسر من جهته بوليد ولكنها لا تستطيع البعد عنه .

‏لم يؤرق نومتها سوي علاقتها بوليد،فاليوم الذي يمر دون أن تراه وتتشبع من حديثه وأحضانه وكأنه ألف دهر.
( ظننت أن الحياة ضحكت ولو قليلا بوجهي ، أعلم أن لي أخطائي ولكن الخوف كان ما يحركني، مجرد التفكير أني سأخسر أحدهم يجعل قلبي يخفق بشدة وكأنه سيتوقف، في الحقيقة عند التفكير قليلا فخسارة أحدهم تعني أيضاً خسارة الآخر ، كانت أكبر معضلة قد تواجهني هي المواجهة ، كنت أهرب وأتجنبها ، ولكن ذلك سمح لآخرين بإستغلال الوضع لصالحهم)

‏كانت بحجرتها مجتمعة بولدها الآخر يخططان للتخلص نهائيا من تلك الزهرة الحزينة
‏_بقالي ساعة بفهمك ، فهمت ولا هضيع الدنيا أردفت بها نبيلة بحنق لولدها حمدي لتسترسل :
‏_عارف يا واد يا حمدي لو حصل وخلصت من البت دي ليك عندي حلاوة .
ظهر السأم على وجهه ولكنه أردف:
‏_يا أما الكلام إلى بتقوليه ده صعب ومحتاج تخطيط ، مش معنى إن نبيل بدأ يغير معاملته لوليد إن كده الموضوع بقى سهل .
لكمته بغيظ في ذراعه مردفة بسخرية :
‏_ما تخطط يا واد هو إنت صغير.
زفر بحنق وأجابها:
‏_مش القصد ،بس إنتي عارفة إن وليد مش سهل نوقعه وكمان إبنك في عصبيته ميعرفش حد  ياعني هتبقى دمار .
إبتسمت كمن وجد ضالته وهي تخبره :
‏_باااس وده المطلوب،تشحنه من جهتها وهو إلى هيتخلص منها بنفسه ،وبعدين إحنا هنقول حاجة محصلتش ده إحناهنفتح عينه علي الحقيقة، وهو مش محتاج مننا غير خطوة واحدة ، انا طول الوقت ال فات بسمعه ال فيه الكفاية وأهو زي ما أنت شايف معاملته لوليد ال كان يحبه يمكن أكتى مني انا أمه بدأت تتغير .
حك حمدي رأسه بتفكير وسألها بشك :
‏_ياعني دي مش لعبة ؟
زفرت بحنق منه وتحدثت بغضب :
‏_بطل غباء ،إنت عاوز تفهمني إنك ملاحظتش إلى بينهم  وإنت بتحاول تجر معاها سكة وبتأجل وجود مراتك وابنك علشانها ،مراتك ال يدوب قعدت يومين إنتهزت فرصة تعبها بعد الولادة علشان توديها لأهلها وإنت يخلالك الجو .
توتر وتحركت عيناه بعشوائية وأردف بتلعثم :
‏_ها ....أنا ...أنا .....إيه إلى بتقوليه ده .
ضحكت بجلجلة وإسترسلت بلؤم :
‏ _عيب دا أنا أمك وعجناك وخبزاك وعارفة إن البت عجباك.
ظهرت إبتسامته وأردف بنبرة خفيضة :
‏_هي عجباني بعقل دي فرسة يا أما وإبنك وقع واقف.
إبتسمت بإنتصار فها هي وجدت الوسيلة لإقناعه بمساعدتها:
‏_طب إيه رأيك تبقي حلال عليك لما تخلصني منها .
أسرع بالرد متلهفا:
‏_موافق ....هو أنا غبي أضيع الفرصة دي من إيدي .
إبتسمت والدته بسخرية لم يلحظها وأمرته:
‏_المهم تتصرف بسرعة .
‏.......
‏هل ماتت النخوة ؟
‏هل إنتهت المروءة ؟
‏أين دينهم .....أين خوفهم من الله ..؟!
‏ألهذه الدرجة وصلت الدناءة أن يفكر الأخ ...بزوجة أخيه ؟!
............
‏كانوا مجتمعين لتناول  وجبة الغذاء  ،،لينتفضوا إثر صراخ صادر من إتجاه الدرج .
‏نظروا بتعجب ليتحول لفزع صادم عندما رأوا زهرة تترنح ولا تستطيع الوقوف بإتزان
‏صرخ نبيل فزعا ملتاعا عندما كادت أن تسقط ولكن ......حال بينها وبين السقوط ذراعين قويتين حملتاها لأحضانه لتتشبث به بقوة فيهبط بها لأسفل تحت أنظارهم .
‏ضربت نبيلة كتف حمدي لتهمس بخبث :
‏_جدع يا ولاه ،بس بخت محدش ياخد باله من الزيت .
نظر لها بجزع وهمس :
‏_بس ياما هتفضحينا .
‏أنزل وليد زهرة فوق الأريكة ولكنها رفضت تركه لتتمسك به بقوة وتبكي بأحضانه .
‏كان الوضع مربكا ،نظرات الجميع توجهت تلقائياً لنبيل لإستكشاف رد فعله ،،أما هو فلم يظهر لهم ولكن بداخله تشتعل نيران تفتك به ، لا يستطيع سوى تسميتها بلهيب الغيرة ، زهرته بأحضان أحد غيره وهذا الأحد ليس سوى شقيقه الأكبر ، الوضع بالنسبة له كدوامة من السواد بداية من تعلقها الزائد الملحوظ للجميع للتواجد معه في نفس المكان دائما والحديث والضحك معه ، إنسجامهما المتناهي جعل الجميع يستشهر أن هناك ما يدور بينهم خاصة وأن وليد قليل الكلام نادر المرح تحول لشخص يلقي النكات أحيانا بل يساعد في أعمال تنظيف المنزل ليتواجد بالقرب منها وهو الذي كان يترك المنزل بأكمله يوم التنظيف، رغبتها الدائمة في تحضير الطعام له تثير حنقه كان بداية يأخد الأمر على سبيل أنها تشعر بآلمه إذ فقدت الأم مثله ولكن ذلك تخطى الحد فقد رأى بينهم التلامس أكثر من مرة ، لا يعلم حقيقة إستطاعته الصمت كل تلك المدة أهي ثقة فيها أم في أخيه أم في عشقها له الذي لا يحتاج لدليل أو برهان له ، كل تلك الأمور بالإضافة لتمسكها بأحضانه الآن جعل قلب بركانا ليس بصامت يحتاج فقط نقطة الإندلاع وها هي قادمة مما لا شك فيه.
‏_ما تحضن مراتك يا نبيل ...يظهر إنها مش واخدة بالها إنها في حضن أخوك .
‏أنهت كلماتها بضحكة سخرية لتزيد من فتيل  إشتعاله ولكنه حافظ علي إتزانه أمامهم إلي أن يجتمع بها منفردا ، بينما عبد الرحمن ينظر له بصمت تارة و لوليد الذي يتهرب من نظراته تارة أخرى .
‏في الليل /
كانت تنتظره إلي أن يغوص في النوم ،نظرت له بآسف وعيون باكية  وتمتمت بهمس :
‏_مقدرش أسيبك ....ومقدرتش أعتبره مش موجود .
‏أحكمت عليه الغطاء قبل أن تتسلل من جانبه وترتدي مأزر ثقيل وحجاب بطريقة سريعة وخرجت من الغرفة
‏وهي تستطلع إتجاهات الدرج قبل أن تدلف للحجرة المجاورة ....سول لها عقلها أن الخطر لن يأتيها سوي من الخارج فلم تهتم للنظر خلفها فلم تري تلك العيون المتوهجة .
‏مرت عشرون دقيقة شعر بالهواء ينتهي من رئتيه ...أراد الخروج خلفها لرؤية وجهتها ولكن منع نفسه ولعن شيطانه الذي يوسوس له بأشياء هالكة.
‏دلفت لتجده جالسا ينظر للفراغ بشرود ،فاقتربت منه بهدوء ،تشعر بداخلها بالذنب ولكنها لا تستطيع المخاطرة بفقدان ما لديها الآن .
‏أحاطته وأسندت رأسها علي كتفه الأيمن وهمست : 
‏_بتفكر فيا صح ؟
‏إبتسم رغم ما يعتريه من قلق ،فبحة الحب بصوتها أخفت ما يؤرقه مؤقتا ، تنهد وتساءل بهدوء مصطنع :
‏_سيبتيني وروحتي فين ؟
‏توترت قليلا ...ولكنها أجابت بثبات مكتسب :
‏_كنت جعانة ،نزلت أكلت موز .
‏صمتت ....لم يعلق ...لم يبتسم ....شعرت بتصلب جسده تحت يدها فإبتعدت بهدوء لتسمعه يردف بجفاء :
‏_يلا ننام .
‏تسطح بجانبها ولكن ليس كعادته يحتضنها وإنما أولاها ظهره.
‏لم تتمالك نفسها لتهبط دموعها بصمت ،وإقتربت منه تحتضنه هي ...
‏شعر بها ...بيدها المرتعشة ...بدموعها الصامته ...
‏شعر بحاجتها إليه ...ولكن ... هل تشعر هي به ؟
‏هل تشعر بنيران الغيرة التي تنهشه ؟
‏هل شعرت به وهي بأحضان أخيه كيف كان جسده يقتد باللهب ؟
‏هل تشعر به عندما تبحث بعينيها عن أخيه ؟
‏لم يظهر لها ملاحظته للأمر أو ربما يظن ذلك ،ولكن ها هي منذ ثلاث ليال تخرج بعد خلوده للنوم أو هكذا تظن ...أيعقل أن كل ليلة تكن جائعة ؟!
‏لم يحتمل رعشة جسدها وشعوره بضعفها وتخبطها ليلتفت إليها يجذبها إليه ويتعمق في إحتضانها
‏شعرت بتخبطه ....شعرت بتوتره ...لتتخذ قرارها فهي إن كانت ستخسره تخسره دون ألم .

زهرة Where stories live. Discover now