الفصل الخامس عشر (كشف المستور)

162 25 32
                                    

الفصل الخامس عشر/
((لكل بداية نهاية ، ولكني وبعد ما مررت به آمنت أن كل نهاية ما هي إلا بداية طريق جديد ، تلك الأزمات التي خطت على روحي وتركت أثر لا يمحوه الزمن على نفسي ما كانت سوى درجات من الألم لأصل في نهايته إلى الألم النهائي..الألم الذي يستحيل بعده ألم ، الألم الذي وبالرغم من قوته وكينونته إلا أنه خلق زهرة أخرى غير تلك التي خاضت تلك الآلام والمشكلات ، زهرة اليوم ..زهرة التي إستطاعت كسب قوتها وقدرتها من آلمها ، لقد قمت بتربيتكم بزهرة هذه ، أنشأتكم بقوة على نقيض ضعفي ، ضاعفت ثقتكم في أنفسكم مقابل هواني وخوفي ، لقد كنت أبنيكم وأثُقِل قواكم وقدراتكم لأني كنت أعلم أن قوتي نافذة .. وبأن آلمي ذاك سيصهرني لا محال ، وبالرغم من ذلك تمسكت بكل ذرة قوة من أجلكم ، وتركت زهرة الفتاة التي لم تتمنى سوى النجاح والعيش في هدوء ودون خوف وعندما قابلت من إمتلك قلبها دون سابق إنذار وأصبحت ملكاً له مع الوقت تمنته هو فقط ..لا أحد غيره .. تركتها...نعم زهرة تلك دثرتها ، ولكن هُناك في ركن بعيد في قلبي كنت أشعر أحيانا بالإشتياق لها ، وعندما تداهمني ذكريات آلمي أنبذها وأهرب ))
.............
إستيقظ نبيل وهو يشعر بألم في رأسه ، فقد قضى الليل يبحث عن محمود زوج نوارة إلى أن وجده برفقة وليد فقد إستطاع الوصول إليه قبلا ، ثم إتفقوا سويا على الوقوف أمام الجميع من أجل إتمام الزواج ، والآن عليهم إقناع والده ووالدة نوارة وأشرف ويا لها من مهمة صعبة .
هبط لأسفل ليجد الجميع موجودا بناء على طلبه فوقف قبالة والده وتحدث بهدوء :
_ بعد إذنك يا حج أنا ليا رأي في موضوع نوارة .
قاطعته فوزية بعصبية :
_ رأي إيه ؟ الرأي الأول والأخير هنا في الموضوع ده ليا ، بنتي لازم تطلق وتتجوز أحسن منه .
نظر لها زوجها بغضب ولكن أثر السكوت بينما نبيل إسترسل حديثه :
_ يا حج نوارة مكتوب كتابها بقالها سنين ، حرام العمر ده يروح هدر ، محمود إنسان محترم وشخص يعتمد عليه ولسه باقي عليها .
لتقف فوزية تلك المرة وبغضب وعصبية مفرطة أردف:
_ إنت آخر واحد يتكلم عن السنين والعمر ، وبعدين بنتي ألف مين يتمناها ، ومحمود مين ده إل أسلمه بنتي وأخوه مجرم ومسجون .
نظرت لها تفيدة بحنق واضح لتسترسل :
_ شوفي يا تفيدة أدهم كان بيدافع عن أخوه ، هو أه دخل السجن وحاله ممكن يقف لأن مافيش ناس عاقلة تسلم بنتهم لواحد رد سجون لكن في الأول والآخر كان معاه الحق .
_فوزية ...إخرسي ، صوتك مسمعوش ، وإنت يا نبيل مافيش داعي للكلام ده ، أنا خلاص كلمت المحامي علشان يرفع قضية الطلاق.
تدخلت نبيلة في الحوار بلؤم متحدثة:
_ أنا مستغربة ليه محمود رافض يطلق مع إنك قولتله إن نوارة هتبريه وتتناول عن كل حاجة ، إنتي سحراله ولا إيه يا نوارة .
أنهت حديثها بضحكة قاطعتها فوزية بمكر وقوة متحدثة:
_ سكة السحر والشعوذة دي ليها ناسها يا أم نبيل ، أصل بعيد عنك في أمهات بتعمل سِحر يفرق بين ابنها ومراته .
نظرت لها نبيلة بكره وغضب بينما أردفت نعمة محاولة إنهاء هذا الحديث لألا يذل لسانهم أكثر ويعلم الحاج بما فعلوه هي وأختها من أجل تفريق نبيل عن زهرة وتقريب فيروز منه ، فوقت لتلفت الأنظار لها متسائلة:
_ إنت ليه فتحت الموضوع ده دلوقتي يا نبيل ، الحكاية دي إنتهت خلاص ، وفوزية أدرى بمصلحة بنتها ، وبعدين نوارة إخواتها موجودين وهما بس ال من حقهم يتدخلوا .
ضرب الحاج عبد الرحمن بمقبض يده فوق الطاولة بغضب وتحدث بتهديد :
_ مسمعش واحدة فيكم تفرق بينهم تاني ، كلهم إخوات وإيد واحدة .
إرتشف جرعة من كوب الماء أمامه ثم نظر لوليد بعمق وتساءل :
_ ساكت ليه يا وليد ؟ إنت رأيك إيه في ال بيقوله أخوك ؟
قبل أن يجيبه وليد وقف أشرف بغضب وتحدث بقلة إحترام :
_ المفروض لما تسأل حد يبقى أنا وبعدين باسم وأدهم ومحمود ، وأنا بقولك أهو أنا مش موافق وأختي لازم تطلق ، ما هي لو بنتك كنت تخاف عليها ومتسمحش إنها تعيش مع العيلة دي وإنت عارف إنهم ممكن يؤذوها أو حتى يقتلوها ، قولي بقى هتقدر تسلمهم نوارة وتتحمل ذنبها.
سادت حالة من الصمت ، الكل منتظر الرأي الأخير لكبيرهم ، لتقف زهرة فجأة وتتحدث بصوت عالي تعجب له الحضور :
حاجة فوزية تسمحيلي أكلمك إنتي وبابا الحاج على إنفراد .
علم كلا من نبيل ووليد بما تنوي لينهيها أخيها فورا :
_ زهرة متدخليش إنتي ، وبلاش ال بتفكري فيه .
نظرت له زهرة ببعض القلق ولكنها تحدثت بثبات:
_ مافيش حد في كل الموجودين فكر يسأل نوارة عن رأيها ، فكرتوا مرة واحدة بس تشوفها عاوزة تكمل حياتها مع الشخص ده ولا لأ ، بتتناقشوا وتتفقوا وتختلفوا في الرأي وهي أساس الموضوع ملهاش صوت .
صرخت بها نبيلة بغضب غير مكترثة لنظرات زوجها وولدها:
_ إنتي فاهمة بنتنا إيه من الشارع زيك ، إتجوزتي وحملتي من واحد قبل ما أهله يعرفوا .
نبيييلة
صرخة واحدة أخرست الجميع ، تقدم الحاج عبد الرحمن منها ودون سابق إنذار صفعها بقوة جعلتها تترنح ولكن من صدمتها أيفعل ذلك مرة أخرى ومن أجل تلك الفتاه ، أيضربها وهذه المرة على مرأى الجميع.
توقفت الأنفس من إحتدام الموقف ، لم يجد أيا منهم ما يضيفه بعد تلك الصفعة ، ولكن زهرة رأت الخوف والألم بعيون نوارة فقررت إستكمال ما بدأت فتحدثت بهدوء مصطنع:
_ لو سمحت يا بابا الحج وإنتي يا حجة فوزية ممكن تيجوا معايا جوة نتكلم وأوعدكم بعدها مش هتكلم ولا أدّخل.
أوشكت فوزية على الرفض ولكن نظرة تحذيرية من زوجها جعلتها تنصاع خلفهم ، ليدلفوا غرفة السيدة حور التي كانت جالسة بالخارج ولكنها لم تنبش بكلمة فهي تعلم لما كل تلك المحاولات لإتمام الزواج فلقد إستمعت لحديثهم اليوم السابق عندما كانت في طريقها للتحدث مع وليد في أمر يخص سلوى إبنتها، كانت تنظر بحنان لفيروز التي يظهر عليها الهزل والضعف لا تعرف كيف تساعد شقيقتها ثم وقفت ورتبت على كتفيهما كدعم منها لتعلما إثنتيهم حينها بأنها على دراية ، فقد تكون لم تنبش بكلمة ولكن تحدثت العيون بكل شيء .
بينما بداخل الغرفة /
حالة من الصمت داهمت المكان ، لا يُسمع سوى صوت شهقات فوزية التي تضع كفيها فوق ثغرها حتى لا يعلو صوتها ويسمعه من بالخارج ، أما الحاج عبد الرحمن كان كمن سُحب الهواء من رئتيه ، كانت نظراته خاوية رغم الغضب ، ولكن الآن ليس وقت السكوت أو التهور ، لذا حاول جاهدا أن لا يعلوا صوته وسأل زهرة :
_ مين يعرف الكلام ده ؟
كانت زهرة تنظر بشفقة لهم وخاصة لفوزية التي كانت كمن على وشك الموت حتى أنها لاتستطيع النظر في عيون زهرة ، فأجلت صوتها وأجابته:
_فيروز وسمية ونبيل ووليد .
لطمت فوزية وظلت تضرب بيدها على قدميها في نواح وقهر فإقتربت منها زهرة ورتبت على ذراعها متحدثة بأمل :
_ متقلقيش دول إخواتها وخايفين عليها ويحموها بحياتهم ، ومحمود ده لو كان إنسان مش كويس كان قال لأهله ولأهل البلد ، لكن هو حافظ على ما بينهم وباقي عليها وعاوز يتم جوازهم قدام الناس كلها .
نظر لها الحاج عبد الرحمن وقال بغضب :
_ وهو لو إنسان كويس زي ما بتقولي كان عمل كده ، بس العيب مش عليه لوحده ،ولا على نوارة العيب على أمها ال مركزة في حياة غيرها ومش فاضية غير للمشاكل وسايبة حياة ولادها تضيع .
رأت زهرة أن غضبه يشتد لذا جلست أمامه فوق الأرض تضع يدها فوق ساقيه متحدثة برجاء :
_ يا بابا الحج أنا معاك إنهم غلطانين ، وإن إتمامهم جوازهم بالطريقة دي غلط ، لكن مش حرام لأن حصل إحتفال وإشهار في كتب الكتاب ، عارفة إن كان لازم يستنوا وإن كل ده غلط ، أنا مش عارفة أقول إيه لكن كل إل أعرفه دلوقتي إن حياة نوارة متوقفة على كلمة منكم ، يا بابا لولا إن نبيل رجل وحضرتك مترضاش بالظلم كان ممكن أنا حياتي تضيع بعد الإجهاض ال حصلي ، ودلوقتي نوارة في نفس الموقف ، عارفة إن في فرق وإن أنا ماليش أهل ولا حد يدور عليا وإن نوارة ليها عيلة ومش من الشارع ياعني أنا مش بقارن نفسي بيها ، بس دلوقتي مش موضوع إتمام جواز وبس ، في طفل في الموضوع لازم تفكروا في مصيره .
نظرت لهم لتراهم يفكرون ولا يتحدث أحدهم لتستمر بحديثها:
_ شوفوا نقدر نسفرهم أي بلد خليجي منها محمود يشتغل ومنها تبقى العيون بعيدة عنهم علشان لما تولد بدري محدش يلاحظ ولا يفهم ، وكمان هتبقى بعيد عن أهله لو ده مخوفكم .
وقف عبد الرحمن ووجه حديثه لفوزية :
_ مش عاوز حد تاني يعرف الموضوع ده.
خرج من الغرفة وجاءت زهرة لتتبعه فتوقفت على صوت فوزية :
_ ليه مفضحتيش بنتي وبتسعي علشان تستريها.
لم تستدر زهرة ولكنها أجابتها قبل أن تفتح الباب وتخرج هي الأخرى:
_ مش أخلاقي ولا طبعي ، ده غير إن نوارة مش أي حد دي تعتبر أخت نبيل ودمهم واحد ياعني عمة ولادي وواجبي أساعدها .
..........
(مر ثلاثون يوما بعد تلك المحادثة كنت أتجنب الجميع ، فلم أستطع تخطي تلك الكلمات التي تلقيتها ، كان نبيل منشغلا في تحضير أوراق السفر فلم يكن يظل في المنزل تلك الأيام كثير ما بين الإنتقال من بلد لآخر ، بينما كان وليد يعمل على تجهيز الأموال لهم لشراء منزل في ذلك البلد الغريب ، الحاجة فوزية لم تحادث أحد حتى إبنتها لشعورها بالذنب وأنا السبب فيما حدث ، تعجب الجميع من تغير رأي الحاج وبدأت الشكوك ، ولكن زرعت سمية حديث أنه طلب خاص لي ولذلك لم يرفضه وهذا لحبه الشديد لي ، كانت تريد حجة أكيدة وقوية حتى يقتنعون وبالفعل لقد نجحت خطتها ، وبعد عشر أيام أخرى تم زواجهم بهدوء وسافروا في نفس الليلة ))
السعادة ليست موثوقة ، فقد تتغير الأحوال سريعا ، فكيفما سُعِدت فجأة قُهِرت فجأة .
كانت نائمة بعمق لتشعر بمداعبته فتبسمت ليضحك عليها ويهمس بحب:
_قومي يالا يا كسولة بقينا الضهر .
فتحت عيناها بدلال وأردفت برقة:
_ أعمل إيه كنت بتسيبني كتير الأيام ال فاتت ومكنتش أقدر أنام من غير ما أكون في حضنك.
تبسم بحبور وتحدث بمشاغبة:
_ قولي إني وحشتك بقى ، طب إيه رأيك في مفاجأة تعوضك .
جلست سريعا ليظهر تشعث شعرها واحمرار أنفها من أثر النوم قائلة سريعا:
_ إيه هي المفاجأة قولي بسرعة .
ضحك بصخب ثم تمدد على ظهره وأردف بمكر محبب:
_ تدفعيلي كام وأقولك .
نظرت له بعبوس وذمت شفتيها ثم ومن دون سابق إنذار بينما هو ينظر لها ينتظر حديثها وجدها تلكمه في وجهه بمرح قائلة بتهديد:
_ هتقولي ولا أضربك .
مرت عدة دقائق عليه كانت ضحكاته الصاخبة تملأ الأجواء بينما هي كانت تراقبه ..وتراقبه فقط .
لاحظ نظراتها ليكف عن الضحك ويجذبها لأحضانه تتشبع من حنانه وحبه .
.......
بالخارج وتحديدا في مكان يبعد عشرون دقيقة سيراً على الأقدام من المنزل يوجد منزل آخر وهو ما تم تجهيزه من أجل إستقبال الأستاذ ممدوح وأبناؤه .
تقف زهرة محتضنة لأحمد طفلها الثالث بقوة وعيون تذرف دموع الإشتياق .
كان مبتسماً فرحا بسعادتها البادية عليها وإشراقة وجهها وهي جالسة بين نيڤين ورضوى وأحمد وحور وعبد الرحمن وايضا إنضم لهم أدهم الذي لا يفارقها هي وأبنائها أبدا وكأنه وجد أخير سعادة ومرح يبحث عنها جميع الأطفال ، والآن بوجود أحمد أيضاً والذي وللعجب توافقا بشكل فورى إكتمل مرحه الطفولي .
..........
((مرت سنة إقتطفناها من الزمن بقوة ، كنا نريد تعويض سنين الفراق...لذا لم نمهل الزمن راحة.
لم أري أحد يعشق أبنائه كما فعل والدكم
كان يأخذكم معه يوميا للحقول، أغدق عليكم بالحب والإهتمام بما يشبع أرواحكم.
وفي آخر كل إسبوع نخرج أربعتنا للتنزه،
كان أحمد وأدهم كلا منهم متعلقا بي إلى حد كبير فكنت لا أرغب بتركهم لذا كنت أقرر نزهة لهم أسبوعياً برفقتكم ولم يمانع نبيل بل كان يسعد لهذا ، فكنا نتنزه مرتين أسبوعياً، لم تغب ضحكاتنا عن وجوهنا أبدأ.. أو هكذا ماجعلته يظن.....
فعندما يذهب للعمل تبدأ رحلتي مع والدته...
فبيننا مواقف كثيرة تحتاج لعمرا كاملا لأتخطى تأثيرها .
فلطالما أسمعتني سباب وعاملتني بقسوة ولا أقول هذا لتحقدوا عليها  ولكن لأوصل لكم كم عانيت في أوقات بعدي عن أبيكم حتي وان كانت مجرد ساعات .
وعلى النقيض جدتكم حورية...نعم  أقول عنها جدتكم لأنها كانت تعشقكم بحق وأنتم كذلك.
كانت علاقتي محدودة مع فيروز وقوية مع سمية ، كانت كدرع لي حقا ولطالما عاملتني كأخت .
أما خالكم وليد كان الأقرب إليكم من بعد جدكم بالطبع .
هذا الرجل الذي أصبحت حياتنا سوداء من بعد وفاته....فهو لم يستطع تحمل ما حدث أمام عينيه ))
.........
إعتاد نبيل الخروج واللهو مع أطفاله في الحقول الزراعية ، بينما زهرة تعتني بالحاج عبد الرحمن بعد تعرضه للوعكة الصحية التي ألزمته الفراش .
دلفت سميرة بهرع وهي تنادي زهرة فزعا:
- زهرة...زهرة
- بس..يا سميرة بابا لسه مغمض عين...إيه ده ؟!! إيه إل في وشك ده؟
صعقت زهرة من هيئة سميرة التي لم تكترث وأردفت بخوف:
- إسمعيني بس  ،إنتي لازم تروحي لنبيل وإلا تبعتي حد يناديله.
شعرت بالقلق وتساءلت بخوف:
- نبيل...!! ليه ؟!إيه إل حصلة؟ هو كويس والولاد كويسين ؟
كانت سميرة تتلفت حولها وتتحدث سريعاً،لتفهمها زهرة بصعوبة من بين همساتها:
- هما كويسين بس إنتي.....
قاطعتها زهرة بنفاذ صبر :
- أنا إيه يا سميرة ما تتكلمي ؟
- جاية هنا تعملي إيه؟ إمشي علي أوضتك شوفي بنتك.
كلمات ألقاها حمدي بشبه صراخ ليدب الرعب وينهش القلق داخلها وخاصة عندما رأته يترنح ويبدو أنه ليس بوعيه وكالعادة تحت تأثير المواد المخدرة .
بدأ جسدها في الإهتزاز فلم تستطع عدم تذكر تلك الليلة المشؤمة والتي بدى بهذا الشكل ،
مر عام  علي عودتها ولكنها لم تختلط به أبدا ولم يجتمعا دون نبيل وباقي العائلة أو سميرة سوي بضع مرات وكانت تتهرب سريعا خاصة بعدما تري نظراته إليها.
بدأت سميرة في الإقتراب منه بشجاعة مصطنعة في محاولة منها لجذب إنتباهها:
- تعالى معايا أوضتنا.. إنتي وحشتني أوي.
نظر لها بترنح ثم أمسك خصلاتها بيده بقوة شعرت أنه سيقتلعهم ولكن كان عليها الصمود لإبعاده عن زهرة فتحملت الألم .
جذبها معه للخارج فظنت زهرة أن الأمر إنتهي كسميرة ..ولكن تفاجأتا به يلقيها  بالخارج ويغلق الباب.
لم تهتم لسقوطها ...لم تنظر لآلام جسدها أو إهانة كرامتها...
وقفت بكل عزم وقوة تطرق الباب وهي تهتف به:
- إفتح يا حمدي ..حرام عليك دي مرات أخوك ...إفتح وإتقي ربنا..دي مرات أخوك .
لم يستجب لها ولا لبكاء تلك الضعيفة أمامه.
ظلت تتراجع للخلف وتنظر له تارة وللنائم فوق الفراش تارة أخري .
لم يكن إستغرق في النوم كثيرا... ففتح عينيه علي إثر صراخ ..لم يعلم مصدره ولكن جذب إنتباهه طرق الباب.
كانت سميرة تطرق وتصرخ به بأن لا يفعل، لا تعلم ماذا تفعل ؟ فلا أحد بالمنزل فقد ذهبوا لتهنئة إحدى الجارات بزفاف إبنتها.
كانت تلعن حظها بأنها عاجزة عن إنقاذ زهرة فإستجاب الله لها وبعث نبيل.
((من الصعب أن تتنفس في بعض الأحيان فهذه اللحظات أشبه بليالي طويلة لم يُشرق بها القمر ...لحظات كفيلة بأن تقضي على الروح تماماً.))
دلف نبيل وما إن سمع صراخ سميرة حتي دب الرعب داخله ظنا أن مكروها أصاب والده فترك أبنائه فوق إحدى الأرائك وإندفع بإتجاه حجرة والده ليجد زوجة أخيه تطرق الباب بعنف وحجابها موضوع بإهمال فغض بصره عنها وهمّ بسؤالها عما يحدث لكنه إستمع لصراخ زهرة من الداخل فتقدم بذعر تحول لصدمة عندما أهدرت سميرة:
- إلحق زهرة...أخوك إتجنن.
ركلتان ثم الثالثة لينفتح الباب ويطالع أقسي مشهد قد يراه يوما...
أخيه جاثي فوق زهرته يحاول إغتصابها ..يحاول إنتهاك حرمته ... وهي تدافع بإستماتة.
إندفع إليه ليجذبه يكيله الصفعات والركلات ، يقذفه بالسباب...
كان أسدا جريح لا يعي ولا يسيطر علي نفسه.
أصبح حمدي كالجثة بيديه فقد غاب عن الوعي من كثرة ما تعرض له من ضرب ،أنفه تنزف ..كسرت السنتان الأماميتان ، ركله ليسقط أرضا دون حراك.
إستمع لصرخة زهرة فنظر خلفه وإذ بوالده يختنق ولا يستطيع التنفس .
خطي بإتجاهه سريعا ليجده ينظر له بأسف ففطن رؤيته لكل شيء.
كان يشعر أنه علي وشك فراقهم فمد يده لزهرة التي إستجابت له ببكاء ليحتضنها بحماية أبوية وتزهق روحه لخالقها.
شعرت زهرة بذراعيه تتراخي حولها لتبتعد وتنظر إليه برعب بعدما رأته لا يحرك عيناه الناظرتين لها بحزن ، ونظرت إلي نبيل الذي يحتضنه ببكاء لتبدأ بالصراخ حتي إنقطع صوتها بعد أن فقدت الوعي.
......
إنقضت أيام العزاء والحزن ما زال مخيم على كل البلد وليس منزل الدمنهوري فقط.
فقد كان للحاج عبد الرحمن فضائل وخيرا علي الجميع.
كما أنه رجل صالح يقف مع المظلوم ويساعد المحتاج.
كان الحال في المنزل كالقنبلة التي علي وشك الإنفجار ، فالجميع على أهبة التشابك مع بعضهم.
كان أكثرهم وجعا وإنكسار حورية التي فقدت الحبيب والزوج فإنزوت مع نفسها بحجرتهم سويا وكرست نفسها لقراءة القرآن والدعاء له.
أما زهرة فمن يراها يظن أنها هي إبنته ، كانت كالزهرة الذابلة فحزنها بالإضافة لشعور الذنب ثقل كاحلها .
إلتزم كلا من نبيل وحمدي الصمت ولم يبوحا بما حدث ، حمدي لشعوره بالخوف من أخيه ولإصراره على الحصول عليها فهي كما يخيل له ملكه وهو أحق بها.
ونبيل خوفا على والدته ظنا منه أنها لربما تتأثر كوالده ، فشعوره بالذنب يداهمه ويؤنب ضميره ولكن لن يمنعه من الثأر لشرفه.
مرت خمسة عشر يوما وبدأت الحياة تعود لمجراها تدريجيا .
لاحظ وليد تغير أحوال الجميع وخاصة أخويه وزوجاتهم ولكن لم  يتترك للأمر فإنشغاله بمتابعة الأعمال والإهتمام بالعائلة ألهاه.
.....
كانت جالسة بحجرتها تدعو ربها أن يحفظ أسرتها ويغفر ذنبها ويبعد عنهم الشر ، نظرت لطفليها بقلب يخشي المستقبل وما يخبئه لهما.
دلف بتعب فقد إنخرط في العمل عله يهدأ الصراع بداخله.
نظر لها دون كلام ، تألمت من نظرته الآسفة ، فهو منذ ما حدث يشعر أنه المذنب وبأنه لم يستطع حمايتها لتقرر حسم الأمر ، فنهضت ووقفت قبالته قبل أن يدلف للحمام وهمست:
- بعدك عني مش الحل ، أنا كده بتعذب أكتر .
أنهت جملتها بهبوط دمعاتها ليجذبها لأحضانه بقلب ينزف وأردف بألم:
- مش قادر أبص في عينك .
شعرت بالآلم من أجله فصوته كان كمن أُلقي في واد عميق جاف ، فأردفت بإرادة :
- خلينا ننسي ..خلينا نمشي من هنا .
أبعدها عنه وأهدر بعنف:
- ننسي!! ننسي إيه؟؟؟! دي حاجة مش هتتمحي غير بالموت.
ذعرت.. .إرتجفت..بكت..توسلت:
- بلاش الكلمة دي ، علشان خاطري أنا مبقيتش مستحملة ، فكر في ولادنا ، خلينا نمشي ونرمي كل حاجة ورا ضهرنا ونبدأ من جديد .
- هتقدري تنسي إل عمله فيكي . ها..ردي عليا ؟
تتابعت شهقاتها بعنف قبل أن تتشدق من بين دموعها:
_ هننسي.. .هننسي. ما أنا نسيت قبل ك......   
بترت جملتها عندما رأت عيناه تشتعل بالنيران، وكأن ما بداخله لا يكفي لإذابة أضلعه وإزهاق روحه.
أمسك ذراعيها بعنف وأهدر:
- نسيتي إيه؟؟ إنطقي..إيه إل حصل قبل كده ؟ ...إتكلمي..قولي..
لم تستطع التحدث..آلمها كان أكبر من قدرتها ، فليس سهلا علي الإطلاق ما يشعر به الآن ، لتجد نفسها تقول:
- أقصد إل حصل معانا زمان ، وبعدين هو كان شارب ياعني مكنش في وعيه.
ترك يدها فجأة ونظر لها بعمق  .. عيناه تحاكي آلاف المشاعر ليهمس بصدمة:
- ده كان السبب في خروجك من الأوضة يومها.
أسدلت عيناها أرضا لتقول بتوسل:
- أنا مش عاوزة غيرك إنت وولادنا ، متحرمنيش من إني أطمن في حضنك ومتخوفنيش .
إذا كان شعوره سابقا بالغضب فالآن يشعر بأنه ذبح وروحه تعاني من أجل التحرر.
شعر بأن قدمه هلامية فلم يحتمل ليجلس أرضا.
لم تتركه لتندس بأحضانه تخبئ نفسها بين ذراعيه ، تريد إقحام نفسها بداخله ..تريد أن تحرر آلمه .
لو يستمع لها ويرحلان أربعتهم بعيدا عن كل هذه الجراح.
بادلها الإحتضان بقوة، شعرت به يعتذر لها لتستقبل ذلك بصدر رحب.
((وأنتي تٓضُميني بعينيك بطريقتك الخاصة أتساءل..كيف تعلمين ما لا أستطيع البوح به ؟! لذا لا أستطيع العيش دونك ..دون أن تكوني بجواري ..فحبك القوة التي أحتاجها للتنفس والعيّش.
أعلم أن هُناك أوقات سببت لكي الأذى والآلام ..وسأقوم بمحوها كُلها ولو إستطعت البدء من جديد وأعلم أن هذا مستحيل ..ولكني سأقول الشيء الذي أؤمن به
هو أنتي أولا وأخيراً
نعومة شفتيك..لون شعرك...ذكر لمساتك كانت هنا عندما لم تكوني ..وصدى صوت ضحكاتك عندما كنت أشعر بالإكتئاب يُعيد معنى حياتي .. هذا كله بين يديك حبيبتي ..لذا لتأتي بين يديّ وتستلقي جواري وسيُلقى القمر الضوء علينا ..فأنا لن أُخاطر بكي ))
(آذان الفجر)
إستيقظت لتجد نفسها وأطفالها وحدهم ظنت أنه رحل ولكن تفاجأت به يخرج من الحمام .
إبتسمت له ليبادلها الإبتسام ويردف:
- جهزي الولاد وحاجتكم .
نظرت له بتعجب ليسترسل:
_هنمشي من هنا .
نهضت بسعادة لم تستطع مداراتها لتحتضنه وتغدق عليه بقبلات السعادة والإمتنان لتستطع ضحكاته خالية من الهموم مليئة بالحب والشغف؛ ودفن رأسه بين خصلاتها وهمس:
وحشتيني عالفكرة.
ضحكت بخجل وأضافت وهي تشدد من إحتضانه:
- وإنت كمان.

زهرة Où les histoires vivent. Découvrez maintenant