نشأتها (عليهاالسلام)

166 13 0
                                    

ولدت مريم يتيمة فقد توفي والدها عمران وهي في بطن أمها حنة بنت فاقوذا. فكانت أمها لا تستطيع تربيتها لكبر سنها. فكان كل شخص يريد أن يحظى بكفالتها فعمران أبو مريم كان معلمهم ومن درسهم دينهم وذا أفضال عليهم.



وذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خروقها ثم خرجت بها إلى المسجد فسلمتها إلى العباد الذين هم مقيمون به وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم فتنازعوا فيها.



والظاهر أنها إنما سلمتها إليهم بعد رضاعها وكفالة مثلها في صغرها. ثم لما دفعتها إليهم تنازعوا في أيهم يكفلها وكان زكريا نبيهم في ذلك الزمان وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل أن زوجته خالتها أو اختها.


فشاحوه في ذلك وطلبوا أن يقترع معهم فساعدته المقادير فخرجت قرعته غالبة لهم وذلك أن الخالة بمنزلة الام.

قال الله تعالى: (وكفلها زكريا) أي بسبب غلبه لهم في القرعة.

قالوا وذلك أن كلا منهم ألقى قلمه معروفا به ثم حملوها ووضعوها في موضع وأمروا غلاما لم يبلغ الحنث فأخرج واحدا منها وظهر قلم زكريا عليه السلام.


فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية وأن يكون ذلك بأن يلقوا أقلامهم في النهر، فأيهم جرى قلمه على خلاف جريه في الماء فهو الغالب ففعلوا فكان قلم زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء وسارت أقلامهم مع الماء.



ثم طلبوا منه أن يقترعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الاقلام قد انعكس سيرها صعدا فهو الغالب ففعلوا فكان زكريا هو الغالب لهم فكفلها.
إذ كان أحق بها شرعا وقدرا لوجوه عديدة.




( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون) (سورة آل عمران، الآية 44)


فآواها الله عند زوج خالتها نبي الله زكريا، وكان هذا من رحمة الله بمريم ورعايته لها، قال تعالى( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)
(سورة آل عمران، الآية 37).



قال المفسرون اتخذ لها زكريا مكانا شريفا من المسجد لا يدخله سواه، فكانت تعبد الله فيه، وتقوم بما يجب عليها من سدانة البيت إذا جاءت نوبتها وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها حتى صارت يضرب بها المثل بعبادتها في بني إسرائيل،



وقد كانت كثيرة الاجتهاد في عبادة الله تعالى حتّى فاقت الاحبار، يُنقل عن ابن عباس انه قال: "لما بلغت تسع سنين صامت النهار وقامت الليل و تبتلت حتّى غلبت الاحبار" واشتهرت بما ظهر عليها من الاحوال الكريمة والصفات الشريفة


حتى أنه كان نبي الله زكريا كلما دخل عليها موضع عبادتها يجد عندها رزقا غريبا في غير أوانه فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف فاحتار (عليه السلام) في ذلك وسألها عن مصدر الرزق فقالت انه من عند الله، وقد ذكر القرآن الكريم هذه المعجزة لها في قوله تعالى:( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)  .



(أنى لك هذا فتقول هو من عند الله) أي رزق رزقنيه الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب




و كانت العذراء مريم تقضي كل وقتها في محراب العبادة، لا يدخل اليها احد الاّ النبي زكريا فقد كان يأتي اليها بالطعام والشراب


وطوال تلك المدة كانت مريم، وهي المنذورة المقيمة في المحراب، فتاة عابدة قانتة في خلوة المسجد تحيي ليلها بالذكر والعبادة والصلاة والصوم.



هذا أمر طبيعي جداً لإمرأة ستتحمل مسؤولية السر الالهي والمعجزة الكبرى ألاّ وهي الولادة العجائبية للمسيح(عليه السلام)، فلتهيئة واعداد مثل هكذا امرأة يجب أن تكون في اعلى مراتب الانقطاع الى الله تعالى والاجتهاد في عبادته سبحانه.

مريم عليها السلام (سيِّدة نساء العالمين) Where stories live. Discover now