الإبنة الشرسة! [الفصل الأول]

ابدأ من البداية
                                    

فأجاب ساخرا وفي صوته رنة معرفة شخصية تسلطية "ليس هناك امرأة تقدر ان تحمي نفسها امام قوة الرجل المتفوقة وحيث من المفروض أن يضطلع أبوها ثم زوجها بمهمة حمايتها ."

" أوه ، يا الهي ! انك تتكلم كأحد رجال القرون الوسطى ! "

"وقد حان الوقت لاسترجاعها !" غمغم ريتشارد كالدويل ، وكان على وشك ان يتبسط في الموضوع أكثر حين رن جرس الباب .

قذفته تيشا بنظرة مهلكة واتهمته قائلة " أشعر أنك طلبت من كيفن أن يزورنا هذا العصر ؟ كل ما أرجوه ان لا يكون اهرق دراهمه وابتاع لي خاتما ، مع اني سأكون سعيدة جدا بان اقذفه في وجهه."

" تأدبي في ما تقولين يا فتاة !"

هتف وهو يهز أصبعه غاضبا في اتجاه ظهرها وقد مشت ثائرة حول حاجز الغرفة الخشبي ثم إلى البهو الصغير باتجاه الباب الامامي .

اراحت بيد عصبية شعرها الأسود المحمر الى خلف ظهرها ، وكان يصل خصرها تقريبا ، وفتحت الباب بعنف وهي تستعد لمواجهة الرجل الذي توقعت ان تراه على العتبة ، لكن المرأة التي كانت تقف هناك رفعت حاجبيها بنظرة متسائلة .

حين اطبقت تيشا فمها بوجوم ، علت فم المرأة ابتسامة مرتبكة ، وقالت " لدي شعور بأني جئت في وقت غير مناسب ."

كانت عيناها البنيتان تلتمعان بضحك صامت ، فابتعدت تيشا عن الباب حتى افسحت لها بالمرور .

كانت هناك خطوط ضحك حول عينيها وتجعدات خفيفة على جبينها وعنقها تظهران سنها أكثر مما توحي به النظرة الاولى ، أما شعرها الاسود القصير كقبعة من الريش ، فكان فيه خصلات شيب واضحة لم تنتظر تيشا حتى تلحق بها المرأة النحيلة بل تركتها واقفة داخل الباب وعادت تسير بتصلب الى الغرفة .

"إنها بلانش"

أجابت على سؤال ابيها البادي في حاجبيه المقوسين وهي غير متأكدة من سرورها أو خيبتها لكون الزائر لم يكن كيفن ، وغرقت في وسائد الاريكة المزهرة القماش .

فراحت عضلات حنكه تقفز متقلصة وتشير الى ان غضبه ، کغضب نيشا ، كان يستعر تحت السطح وصرخ بها قائلا " ستخاطبين عمتك كعمة وليس كشخص من معارفك . عليك باحترام الأكبر منك سنا"

"اذا خاطبتني ب عمتي بلانش ، فسوف اضربكا معا ."

لكن المرح كان مايزال يكمن في التأنيب الصوتي الحازم حين قالت بلانش كالدويل هذا ، وهي تدخل من حول الحاجز .

كانت في بنطالها الأحمر الزاهي والبلوزة الحمراء المزهرة بالابيض تبدو على النقيض تماما من مظهر العمة العانس . تجاهلت نظرة اخيها الرادعة . وقطعت المسافة القصيرة بينها وطبعت قبلة سريعة على خده .

ثم قالت بجفاف " وكم يسرني ايضا ان اراك يا ريتشارد ! "

"انا مسرور لمجيئك . " اجابها بتأكيد وهو يغير جلسته قليلا كي تشمل نظرته اخته وابنته معا ، واردف موضحا " كنت احاول غرس شيء من التعقل في رأس هذه الفتاة لكنها ترفض ذلك ."

"تعقل ! " قالت تيشا بصوت مرير مصحوب بما يشبه الضحكة ، ثم تابعت وهي تلوح يدها بشموخ في اتجاه ابيها " انه يحاول اقناعي بوجوب زواجي من رجل يقشعر بدني له ، ولا لسبب الا لأنه شاب محافظ . "

"انا لا احاول ارغامك على الاقتران بكيفن جيميسون ! "

"اذن ماذا تسمي هذه المحاولة ؟"

فاستدار ريتشارد كالدويل الى اخته وقال وهو يرفع يديه بحركة قائطة يناشدها التفهم " اترين ما اقصد ؟ انها تتعمد تحويل كل شيء ، وتضع في فمي كلاما لا انوي قوله . "

"قلت فقط انه شاب مهذب وانها قد تتزوج شابا ليس في مستواه الخلقي هذا ."

" انك لن تطيق أي عريس اختاره بنفسي يا بابا ، اذ ستجد في الجميع عيوبا مختلفة ، وقد تعترض حتى على لون عيونهم ."

ثم استدارت الى عمتها تتوسلها التفهم قائلة " انه لا يؤمن بقدرة المرأة على معرفة ما يناسبها ، ويعتقد ان من واجبه التدخل في حياتي !"

فسارع ابوها يجيبها " اذا اخذنا بعين الاعتبار نوعية الشبان الذين تخرجين معهم فلا عجب أن اشعر بضرورة تدخلي بين حين وحين ، فمعظم اصدقائك تساورهم فكرة واحدة ولو اني لم العب دور الاب الحامل في يده بندقية لكانوا وصلوا على الارجح الى مأربهم ."

" لو عاد الأمر اليك وحدك ، لمنعتني من الخروج مع أي شاب والى ان تجد الرجل الذي ترغب انت في تزويجي منه . انك تحاول ان تملي ارادتك على طريقة لبسي وتزيين وجهي ونوع اصدقائي . لقد اصبحت راشدة ، فلماذا لا تتقبل هذه الحقيقة ؟ "

" لانك لا تتصرفين كراشدة ! "

"انت لا تتيح لي مجالا لأتصرف هكذا ."

ثم انحنت الى الأمام لتضع ثقلا على كلماتها ، وتابعت "عندما نجلس لتناول الطعام . ماتزال تسألني اذا كنت قد غسلت يدي . انا لست طفلة."

كانت بلانش كالدويل تراقب هذا التبادل صامتة ، و بصرها يروح ويجيء بينها كمن يشهد مباراة في كرة المضرب .

وقالت لاخيها وهي تضحك بنعومة "اوه ، ريتشارد ، هل تفعل ذلك حقا ؟"

فبدا عليه استياء عابر وتمتم بخشونة " انها تنسى احيانا ان تغسل يديها من دهان الزيت وذلك يضفي على الطعام رائحة كريهة ."

فسألته إبنته " كم مرة فعلت ذلك ؟ مرة ؟ اثنتين ؟ لم يتعد الأمر هذا الحد وانا متأكدة . "

"إننا نبتعد كثيرا عن موضوعنا الاساسي ."

فأكدت له تيشا في غضب "كلا لم نبتعد ! فنحن نتحدث عن الطريقة التي تحاول فيها ان تتحكم بحياتي اذ نفرض علي باستمرار ما يجب ان ارتدي ومن اقابل وأين اذهب ! ـ"

" انا ابوك وهذا حقي. "

"وأنا انسانة ومن حقي ان انعم ببعض الخصوصية وان اقترف اخطائي على مسؤوليتي ."

كان هناك لهب اخضر غريب يتوهج في عينيها المتسعتين ولذا لم تحجب أهدابها السوداء الكثة غضبها المحموم.

[مكتملة ☑] متيم بكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن