الفصل الثالث والأربعون

Start from the beginning
                                    

كانت فريال تجلس فوق الفراش بغرفتها وبيدها الهاتف تشاهد أحد البرامج على الأنترنت، وبينما كانت منشغلة بالمشاهدة ومندمجة انتفضت عندما شعرت به يضع رأسه فوق حجرها وهو يبتسم لها بحنو فضيقت عيناها بتعجب تسأله:
_بتعمل إيه؟!
جلال بصوت مرهق ونظرات ميتمة:
_حاسس  بصداع ومحتاچ احس بيدك وانتي بتعمليلي المساچ كيف ما متعود
ابتسمت له بدفء ثم تركت الهاتف ورفعت يدها برأسه تدلكها بكل لطف ورقة وهو يغلق عيناه بتلذذ الراحة تظهر بوضوح على صفحة وجهه، استمرت يدها في أساء مهمتها لوقت ليس قصير والصمت هو سيد الموقف بينهم حتى خرج صوتها أخيرًا وهي تسأله بصوت محتقن:
_أنت قولتلي أني سبتك من غير ما افهم واتخليت عنك ومديتكش فرصة تدافع عن نفسك قصادي، تعرف أن أنا كنت مستنية مكالمة تليفون منك بس تقولي فيها ارچعي لبيتك وكنت هرجع طوالي حتى لو مبررتش موقفك ليا كنت هرچع عشان بحبك، بس أنا لقيتك اتچوزت عليا بدل من نلاقي حل ونصلح مشكلتنا أنت اخترت الطريق الأسهل.. ليه ياچلال إيه اللي خلاك تعمل إكده
تنهد الصعداء بخنق ثم ابتعد عنها وهب جالسًا وهو يطيل النظر إليها بأسى ليجدها تكمل في قهر:
_حابة أعرف إيه تفكيرك كان وقتها لما قررت تتچوز.. ومتقلقش أنا المرة دي عاوزة اتكلم معاك وافهم أنت عملت إكده ليه وافهمك أنا كمان سبب تصرفي عشان ميبقاش في سوء فهم بينا
اقترب منها وضمها لصدره وهو يمسح على شعرها وظهرها برفق متمتمًا في وجع:
_ليه مصممة تضايقي روحك وتفتكري كل ده يافريال صدقيني أنا ندمان ولو رچع بيا الزمن عمري ما كنت هاخد القرار ده واصل
ابتعدت عنه وهي ترمقه بضيق ونظرات متوسلة أن يتحدث ويلبي رغبتها فأخذ نفسًا عميقًا واطلقه زفيرًا حارًا قبل أن يردف بانزعاج واضح:
_معرفش كان تفكيري فين وقتها بس غضبي كان عاميني ولما أبوكي قالي أنك عاوزة تتطلقي ومصممة على الطلاق لقيت نفسي من غير ما احس بقول لأمي أني موافق اتچوز، حسيت أنك مش عاوزاني ومش فارق معاكي وأنا كنت بتعذب في بعدك فكنت عاوز اثبت لنفسي أني عادي هقدر اعيش من غيرك بس طلعت غلطان وارتبكت أكبر غلطة في حياتي لما اتچوزتها وندمت قوي وبعدين بقيت كل ما اكون عاوز أطلقها الاقي في حاچة بتمنعني أو حاچة تحصل وتأجل الموضوع لغاية ما الموضوع وصل بينا لإكده
كانت تستمع له ودموعها مستمرة في الإنهمار بغزارة حتى ملأت وجهها كله، فانفطر قلبه عليها ورفع أنامله يمسح عبراتها بحنو متمتمًا:
_حقك عليك أنا آسف، أنا غلطت ومعترف بغلطي أن مهما كان غلطك بس ميتقارنش باللي عملته فيكي بس اقسم بالله ياحبيبتي ما في ست قدرت تدخل قلبي غيرك ولا تاخد مكانك، سامحيني يافريال واوعدك أني هعوضك عن كل اللي عشناه
طالعته بعيناها الغارقة ووجهها الذي يميل الاحمرار من فرط البكاء وهي تسأله بنبرة ضعيفة وموجوعة:
_أنت لساتك بتحبني صُح كيف الأول؟
رأت الاندهاش يرتفع على صفحة وجهه ثم تبعه ابتسامته المغلوبة وهو يعود ويضمها لصدره مجددًا ويقول ساخرًا:
_بعد كل اللي قولته ده واللي بعمله عشانك لسا بتسألي السؤال ده كيف!!!
تلاشت ابتسامته تدريجيًا وهو يكمل بمرارة وشجن حقيقي:
_بعدين المفروض أنا اللي أسألك السؤال ده مش أنتي لأنك عارفة زين أنا بحبك كيف لكن أنا اللي معدتش متأكد هل أنتي لساتك بتحبيني ولا لا يافريال
ابتعدت عنه ببطء ثم ثبتت نظرتها العاشقة على عيناه بعمق، ظلت تتأمله للحظات وهي صامتة، حتى قررت أن يكون ردها عليها ليس بالقول بل بالفعل، ربما يظن أن وحده هو الذي اشتاق لها لكنها تعاني أكثر منه وقلبها يصرخ شوقًا وتلهفًا لمعشوقه، وحتى هي لم يصبح لديها طاقة أكثر لتتحمل ذلك الهجر والبعد، وربما قد حان الوقت لوضع النقاط للأزمة لهذا الوضع المؤلم.
لم تتحدث ولكنها فعلت حيث اقترب منه وغاصت معه داخل بحور عشقهم التي لا نهاية لها، يعيدوا لحظاتهم الخاصة التي حرمتهم منها الظروف القاسية، معلنة عن بداية جديدة...
                                       ***
في القاهرة.......
استيقظ عمران من النوم على أثر صوت الرسائل المتتالية لهاتفه، ففتح عيناه منزعجًا وهو يتأفف بخنق ثم نزل بنظره لزوجته النائمة بين ذراعيه ورأسها فوق صدره ليتنهد بحرارة ويلتقط الهاتف يتفحصه لكي يرى تلك الرسائل المزعجة ومن الذي أرسلها.
عندما فتح الرسائل ظهر أمامه رقم مجهول دون اسم فضغط عليه لتظهر أمامه الرسائل ويقرأها بصمت " محبتش اسيبك على عماك كدا وكان لازم اقولك أن أبوك متچوز لتالت مرة على أمك ومعاه بنت صغيرة وكمان مراتك عارفة "

........ نهاية الفصل ..........

رواية ميثاق الحرب والغفران Where stories live. Discover now