الفصل الثامن

5.8K 225 16
                                    


(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل الثامن _

أخذت عيني جلال تتمعن الصور وأصبعه يقلب بينهم بصدمة .. يدقق النظر بالهاتف املًا في أن يكون ما يراه ليس حقيقيًا أو أن تلك الفتاة ليست شقيقته ولكن ليته كان كذلك بالفعل، غلت الدماء في عروقه وأظلمت عيناه بشكل مخيف حتى أن وجهه تلون للأحمر القاتم وباتت هيئته كشبح مرعب تقذف الهلع في قلوب اعتى الرجال .
وثب واقفًا وصرخ بخلود هاتفًا :
_ إيه ده !!
رغم توترها من صرخته بها إلا أنها استمرت في كذبتها بمهارة وهي تتصنع الأسف :
_ ده من يومين أنا طلعت اشتري كام حاچة وشوفتهم بالصدفة وهما إكده وكان كلامهم يعني مينفعش يتقال 
صرخت جليلة وهي تلطم فوق صدرها بهلع وعينان دامعة بينما منصور فاستقام ثائرًا يصرخ بعصبية مخيفة :
_ ده آخرة الچلع چابتلنا العار وحطت راسنا في الطين .. وينها الفاچرة دي ! 
اشارت خلود بأصبعها للأعلى هافتة بجدية محاولة إخفاء شعورها بالنشوة والتشفي :
_ في اوضتها يابوي فوق
كان لجلال السبق بينهم حيث اندفع للأعلى لها كالثور الهائج الذي لا يرى شيء أمامه سوى فعلة شقيقته الدنيئة وتلك الصور وهي بين أحضان عمران ويقبلها .
كانت آسيا قد انتهت للتو من تبديل ملابسها وتهم بجمع خصلات شعرها بمشبك لكن صوت دفع الباب العنيف وكأنه تهشم جعلها ترتد للخلف بزعر وفور رؤيتها لمنظهر أخيها تجمدت بأرضها وهتفت بارتباك :
_ في إيه !!
لم تكن تملك الفرصة حتى لتحاول الفرار منهم وإذا بها وجدته ينقض عليها دون شفقة موجهًا لها الصفعات والضربات وسط صرخاتها ومحاولاتها للفرار من جموحه القاتل، جذبها من خصلات شعرها بقوة كادت أن تقتلعه من جذوره بين يديه وهو يصرخ بصوت نفضها :
_ يافاچرة يا**** .. وصل بيكي الفُچر لكدا .. هاقتلك يا آسيا

رغم أنها لا تفهم شيء لكنها حاولت الدفاع عن نفسها وسط بكائها وصراخها من فرط الألم :
_ أنا معملتش حاچة والله يا جلال
عاد يوجه لها صفعاته من جديد ليبعده عمها وينظر لها بخزي وأخذ هو أيضًا يفرغ بها شحنة غضب المكتظة وهي بين يديهم تصرخ رافعة يديها أمام وجهها محاولة تفادي عنفهم تجاهها وإتهامهم لها بشيء لم ترتكبه فراحت تصرخ بصوت يكاد يخرج بصعوبة :
_ حرام عليكم أنا معملتش حاچة 
اقتربت منها زوجة عمها ورفعت شاشة الهاتف أمام وجهها هاتفة :
_ وإكده برضوا لسا معملتيش حاچة !!
نظرت في الصور بذهول ووجه غارق في الدموع ثم صاحت بالنفي وهي تهز رأسها بعدم استيعاب أن تلك الصور الخليعة لها : 
_ لا دي مش أنا والله العظيم ما أنا .. أنا معملش إكده
باغتها جلال بصفعة ابرحتها أرضًا ثم انحنى عليها وصرخ وهو يجذبها من شعرها :
_ لساتك بتكدبي قالك إيه خلاكي تمشي وراه يا**** هااا
ثم هتف بصوت منخفض لم يسمعه سواهم :
_ مرضيش يتچوزك بعد ما غلطتي معاه وعشان إكده حاولتي تقتليه مش عشان تار أبوكي ولا حاجة يافاچرة .. هقتلك إنتي وهو يا آسيا
هزت رأسها له بالنفي وهي تبكي بنحيب مسموع وتتوسله بنظراتها أن يصدقها .. ولكن الغضب استحوذه بالكامل وعيناه لم تعد ترى شيء أمامه حتى أنه نسى أنها شقيقته الغالية وغار عليها كالوحش المفترس يوجه لها الصفعات والضربات دون رحمة وبالكاد بصعوبة أبعدته زوجة عمه عنها قبل أن يقتلها بين يديه .
كانت ملقية على الأرض منكمشة على نفسها كالجنين تبكي بألم، جسدها ينتفض نفضًا ووجهها تورم من كثر الصفعات والضرب الذي تلقته، رفعت رأسها بصعوبة والقت نظرة عليهم لتجد النظرات المشمئزة والقاتلة تتوسط عيناهم.. غضبهم مازال لم يهدأ ويقفون يتأبهون للتكملة عليها حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة، بحثت بعيناهم عن أي حب أو رحمة كما اعتادت لم تجد وكأنهم ليسوا عائلتها .. ومع ذلك لم تستسلم وقررت المحاولة مرة أخرى والدفاع عن نفسها .
تحاملت على قدميها التي لم تعد قادرة على حملها ووقفت ثم تقدمت نحو جدها الذي يقف صامتًا يحدقها بخزي وغضب وحين وقفت أمامه قالت باكية :
_ چدي أنت اللي مربيني ومتصدقش إني اعمل حاچة غلط كيف إكده صُح .. قولهم إني مظلومة ومعملتش حاچة
كانت تنتظر منه القليل من الحنان ولكنه خيب ظنها ووجدت صفعة من يده تهوى فوق وجنتها بقوة .. حتى هو لم يصدقها مثلهم والغضب سيطر على قلوبهم وعيناهم .. نظرت له بضعف وحزن ثم التفتت تجاه أمها التي تبكي مثلها وتقدمت منها تتوسلها بعيناها الغارقة بالدموع أن تنصفها هي من بينهم :
_ أما ابوس يدك صدقيني أنا معملتش حاچة .. ده أنا بتك معقول تـ....
قاطعتها جليلة صارخة بها وسط بكائها :
_ اكتمي أنا مليش بنات .. بتي ماتت
اتسعت عيناها بدهشة من إجابة أمها وأخذت عيناها تذرف الدموع بغزارة في صمت .. ودون وعي منها أخذت قدماها تعود للخلف وهي تنقل نظرها بينهم بقهر وخزي .. لأول مرة بحياتها تشعر بالضعف والعجز كما هي الآن، ربما صدمتها بعائلتها كانت اقوى وأشد من الألم الذي يجتاح جسدها ووجها الآن .. توقفت قدماها حين اصطدمت بالحائط من خلفها ودموعها مستمرة في الانهمار بصمت .
جذبت إنصاف زوجها من ذراعه هاتفة بهدوء محاولة ابعادهم عنها :
_ تعالى يامنصور خلاص بزيادة اللي عملتوه فيها سيبوها
خرج منصور مع زوجته حتى يهدأ قليلًا من انفعاله قبل أن يقتل ابنة أخيه وتبعهم أمها ومن بعدها جدها وبالأخير كانت خلود التي كانت تنظر لها باسمة بتشفي وغل .. ليبقى فقط جلال الذي استمر يحدق بها بنظراته المميتة في خزي وهتف بكلمات نابعة من صميمه :
_ هي دي نتيچة حبنا ليكي .. إنك تچيبي العار لينا ولنفسك .. يمكن من رحمة ربنا أن أبوي مات ومشافش فضيحة بته .. من إهنه ورايح تنسي إن ليكي أخ وأنا معدش ليا أخوات بنات
القى عباراته القاسية واستدار ليغادر ويتركها جامدة مكانها دون حركة كجسد بلا روح .. ودموعها تؤدي وظيفتها في ذرف الدموع دون أي تعابير وجه ! .
                                       ***
داخل الجامعة .....
كانت تجلس بنفس المكان الذي تقابلا به المرة السابقة كما اتفقا، وتتلفت برأسها حولها بكل الاتجاهات بحثًا عنه لتتأكد إذا جاء أم لم يصل بعد، تارة تتفقد ساعة يدها حتى لا تفوتها محاضرة الساعة تسعة وتارة تنظر بهاتفه الذي بيدها وتعود تبحث عنه حولها، وأخيرًا لمحته يسير تجاه موقعها من بعيد فاستقامت واقفة وهي تتنفس الصعداء بارتباك بسيط، تتابعه بعيناها وهو يقترب منها ويتنقل بنظره بين الفتيات الجالسين أسفل المظلة يحاول تخمين أي واحدة منهم .. لكن فور وصوله وجدها تشير له بيدها فرمقها للحظة بصمت ثم تقدم نحوها ليقف أمامها مباشرة هاتفًا :
_ أنتي اللي رديتي عليا على التلفون ؟!
اماءت له بالإيجاب وهي تبتسم بإحراج لطيف :
_ آه أنا .. أنت امبارح قومت ونسيته وأنا حاولت الحقك عشان ادهولك بس ركبت العربية وملحقتكش
انهت عباراتها ومدت يدها له بهاتفه هامسة بابتسامة :
_ اتفضل
ابتسم لها بامتنان وتمتم بلطف :
_ متشكر جدًا .. تعبتك معايا معلش
هزت رأسها بالنفي باسمة بكل رقة وقالت :
_ العفو..  مفيش تعب ولا حاجة
لوهلة شعرت بالتوتر وقالت مبتسمة وهي تشير بأصبعها تجاه مبني الكلية متلعثمة دون وعي لما تتفوه به :
_ طـ..ب أنا همشي عشان المحاضرة .. تشرفت بعرفتك
غضن حاجبيه متعجبًا على جملتها الأخيرة وقال بابتسامة عذبة :
_ أنا كمان !
لكنه لم يكن ليكمل عبارته ووجدها تفر من أمامه بسرعة وحين التفت خلفه وجد صديقتها تقترب عليها وهي تهتف :
_ حور .. إيه ده كله يابنتي لقيتي الولد صاحب التلفون ولا لسا ؟

رواية ميثاق الحرب والغفران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن