الفصل الثالث والأربعون

Start from the beginning
                                    

عودة لآسيا التي اشفقت بشدة على حال جلنار وهي تراها تبكي بانهيار شديد هكذا فاقتربت منها بهدوء وهتفت بنبرة دافئة:
_متقلقيش أن شاء الله هتلاقيها.. انتي سألتي البواب طيب ودورتي عليها كويس
هزت رأسها بالإيجاب مجيبة  آسيا بوجه غارق بالدموع:
_ايوة دورت عليها في كل مكان ملهاش أثر
تقدمت منها آسيا أكثر ورتبت على كتفها بحنو محاولة تهدأتها وهي تقول:
_طيب اهدي وتعالي ادخلي لو حابة استني چوزك چوا لغاية ما ياچي بدل ما تقعدي على السلم إكده وان شاء الله هيلاقيها متخافيش
لم تكن تشعر بقدميها ولا حتى يديها التي ترتجف فاستقامت واقفة واتجهت مع آسيا للداخل حتى وجدت نفسها داخل الصالة وجلست على الأريكة وهي منخرطة في نوبة بكائها العنيفة، ذهبت آسيا تجاه المطبخ وملأت كأس من الماء لها وعادت لتجلس بجوارها وتمد يدها بالكأس لها متمتمة:
_خدي اشربي
التقطت منها كأس المياه وارتشفته كله دفعة واحدة لكن فجأة صك سمعها صوت ابنتها وهي تصيح عليها:
_مامي أنتي فين؟
وثبت جلنار واقفة وهرولت راكضة باتجاه الباب وعندما فتحت الباب سمعتها من الأعلى أمام منزلهم تصيح منادية عليها فردت عليها بوجه مشرق:
_أنا هنا ياحبيبتي
نزلت الصغيرة الدرج بسرعة عندما سمعت صوت والدتها، التقطتها جلنار وهي تضمها لصدرها بقوة وتهتف معاتبة إياها وسط بكائها:
_كنتي فين ياهنا.. كدا ياحبيبتي تقلقيني عليكي
هتفت الصغيرة بقلق من بكاء أمها الشديد:
_العروسة بتاعتي وقعت في الشارع يامامي ونزلت أجيبها وبعدين شوفت بنت عمو البواب وهي عجبتها العروسة بتاعتي ولعبنا أنا وهي شوية وبعدين طلعنا
ابتسمت آسيا بحب وهي تستمع لتلك الطفلة البريئة بينما جلنار فرمقت ابنتها بحدة وقالت:
_وهو ينفع برضوا تنزلي ما غير تقوليلي وتلعبي كمان مع حد منعرفهوش
زمت هنا شفتيها بعبوس وقال في أسفة:
_آسفة يامامي مش هعمل كدا تاني.. ممكن متقوليش لبابي
جلنار بنظرة صارمة ومستاءة:
_انا اتصلت ببابي عشان يجي يدور عليكي لما ملقتكيش يعني زمانه جاي دلوقتي ومتعصب أوي
رغم الخوف الذي استحوذ على هنا إلا أنها قالت بثقة وغرور:
_لا بابي بيحبني ومش هيقدر يزعل مني
اخفت جلنار بسمتها وهي تهز رأسها بقلة حيلة من صغيرها ثم استقامت واقفة والتفتت لآسيا تبتسم لها بصفاء وتردف:
_متشكرة جدًا
آسيا بلطف وهي تنظر لهنا بدفء:
_العفو على إيه المهم أنها بخير الحمدلله
جلنار بتنهيدة طويلة:
_الحمدلله.. أنتي مش من القاهرة صح؟
هزت آسيا رأسها بالنفي وهي تجيبها بخفوت تام:
_لا من الصعيد وچاية زيارة بس مع چوزي يعني أول مرة آجي إهنه
ابتسمت جلنار باتساع وقالت في لطف:
_لهجتك عجبتني أوي.. آه أنا جلنار
همت آسيا بأن تمد يدها لتصافحها لكنها تجمدت عندما رأت رجل يصعد الدرج ويقول بتلهف:
_هنا
ورأت خلفه عمران فضيقت عيناها بصدمة وفور وصوله لها مالت عليه وسألته بعدم فهم:
_إيه اللي بيحُصل ده أنت تعرفهم ولا إيه؟!
رفع يده ومسح على ظهرها بحنو ويهمس في أذنها:
_بعدين هقولك
لأول مرة هنا لم تركض على أبيها خشية من غضبه لكنه هو ضمها لصدره وهو يلثم شعرها بعدة قبلات متتالية في خوف ويهتف:
_كنتي فين ياحبيبة بابي
ردت هنا بقلق وأسف حقيقي:
_آسفة يا بابي أنا مقصدش والله أخرج من غير ما اقول لمامي بس عروستي وقعت في الشارع ونزلت أجيبها
أبعدها عنه ببطء وعاد يلثم شعرها وجبهتها مجددًا في حنو وهو يقول وسط نظراته الساخطة لزوجته:
_أنتي متقصديش ياحبيبتي بس مامي تقصد.. المهم أنتي كويسة؟
أماءت له بالإيجاب وهي تبتسم بحب له وسعادة أنه لم يغضب بينما هو فاستقام واقفًا والتفت لعمران الذي رتب على كتفه وهو يقول:
_حمدلله على سلامتها الحمدلله أنها بخير
هتف عدنان في عذوبة وجدية تمتزج ببسمته:
_الحمدلله.. انا همشي بقى ونبقى على تواصل أن شاء الله
قبض عمران على ذراعه بحزم وهو يقول:
_رايح وين تعالى ادخل تبقى واقف قصاد البيت ومتدخلش.. ادخل ونكمل كلامنا چوا
اجابه عدنان ضاحكًا بخفة رغم أن ملامحه كان يظهر عليها الانزعاج الحقيقي:
_خليها مرة تاني ياعمران الجايات كتير أن شاء الله
لم يرد أن يضغط عليه أكثر بالأخص بعدما أدرك أن علاقته بزوجته توترت ويبدو أنه غاضب منها بشدة فتركه على راحته وودعه بحرارة....
                                    ***
داخل منزل عدنان الشافعي....
دخلت جلنار الغرفة أولًا ولحق بها عدنان ثم أغلق الباب واندفع نحوها يهتف بغضب:
_وبعدين ياجلنار.. وبعدين
زمت شفتيها بضيق واقتربت منه تمسك بلياقة قميصه هاتفة في رقة تليق بها:
_والله كنت هتصل بيك واقولك ومعرفش ازاي نسيت بس كنت مخنوقة وزعلانة جدًا وحسيت أنها وحشتني أوي عشان كدا روحت هناك
أبعد يدها عن ملابسه بعصبية يصيح بها:
_أنا مليش دعوة بالكلام ده كله.. أنا اللي يهمني أنك طالعة من غير أذني والحمدلله أنه محصلش حاجة لهنا ورجعت
رددت بخفوت وحزن:
_الحمدلله
ثم عادت تلف ذراعيها حول رقبته وتقترب منه أكثر لتعانقه وهي تتمتم في نعومة:
_أنا آسفة واوعدك آخر مرة ياحبيبي مش هتتكرر تاني
نجحت في امتصاص غضبه بعناقها الناعم ونبرتها الساحرة فهدأت حدة انفعالاته وسكن بين يديها بالأخص عندما شعر بها تقبله من وجنته وتهمس له بدلال:
_تهون عليك رمانتك خلاص بقى اضحك
ابتسم رغمًا عنه وهو يزفر مغلوبًا ويقول لها بلهجة حازمة:
_ماشي ياجلنار هعديها عشان بس النهاردة عيد جوازنا ومش عايز يكون في خناق
ابتسمت بسعادة غامرة وعادت تقبله من وجنتيه مجددًا وهي تهمس بغرام:
_بحبك أوي
مال عليها يلثم رأسها بعشق:
_وأنا كمان يارمانتي
طال تمعنها المغرم به وكان على وشك أن يقترب أكثر منها لينغمسا معًا في عشقهم وحبهم الخاص لكن الدخيل المعتاد لأفساد لحظاتهم وصل حيث دخلت هنا وهي تصرخ بسعادة طفولية:
_بابي لقيت اللعبة اللي انت جبتهالي وضاعت
كانت جلنار تنظر لزوجها بأشفاق وهي تضحك لتجده يقول بنفاذ صبر وهو يمسح على وجهه متأففًا:
_متبصيش كدا ياحبيبتي أنا اتعودت خلاص.. دي لو ضرتك مش هتبقى كدا
اقترب من ابنته وهو يبتسم باتساع ويقبل رأسها بحنو مجيبًا عليها:
_بجد طب كويس يابابي تعالي يلا نطلع نتفرج على التلفزيون كدا كدا مفيش فايدة
رغم أن الصغيرة لم تفهم والدها لكنها سارت معه مبتسمة بسعادة وكانت جلنار تقف مكانها تتابعهم وهي تضحك بقوة...
                                      ***
بتمام الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل داخل منزل جلال.......

رواية ميثاق الحرب والغفران Where stories live. Discover now