الفصل الخامس: خطوة

Start from the beginning
                                    

بتر خيوط أفكاره صوت اهتزاز هاتفه في جيب سرواله الكلاسيكي فأخرجه ورد، كان المتصل هي والدته واستشعر الفرح من صوتها حين باركته وطلبت منه أن يأتي ويقلها من مجمع الأسواق « مسقط سيتي سونتر» وعلى ذكر هذا المجمع فهو يعتبر أكبر وأقدم مركز تسوق في سلطنة عمان، إضافة لكونه موقعا سياحيا بامتياز، ويلبي جميع حاجيات الأسرة في مكان واحد .

توقفت سيارة زين «رونج روفر» أمام المجمع، ولمح أمه عند المدخل تسلم على بنت تلبس عباءة سوداء طويلة مذهبة من الأكمام وتغطي رأسها بخمار له نفس اللون، لم يكن وجهها ظاهرا بالكامل ورأى إلحاح أمه على الفتاة بشيء ما لكن البنت أبت، وبعد دقائق معدودة ودعتّها واستقلت سيارة أجرة، وعيونه تتبع تلك المرأة انتابه شعور مألوف إذ شعر وكأنه قد  التقى هذه البنت في مكان ما من قبل، وعندما ركبت أمه بقربه، أهدته علبة شوكولا من نوع « ميرسي» التي يفضلها ومازحته أن هذا اللوح يشاركه البلد نفسه «فرنسا » والتي سيفتتح فيها عمله قريبا.

قهقه الاثنان ومرت سحابة من الصمت العميق، شعر زين طوال حديثها أنها على وشك البوح بشيء ما لكنه تظاهر بعدم الانتباه وواصل القيادة حين صعقته قائلة: « أفكر في تزويجك.»

كاد أن يدعس بقوة على الدواسة واهتز بدنه بالكامل حينما انهارت بالضحك على ملامح وجهه.

« ماذا بك! تبدو كجثة شاحبة. »هتفت.

استطرد زين قائلا: « لقد فاجأني كلامك ليس إلا. »

« إنك في السابعة والعشرين الآن وهي السن المناسبة لتكوين أسرة، كما أن أمورك في العمل قد استقرت الآن ونعم بالله.»

ابتلع زين ما تبقى له من ريق وتزحلقت حبة عرق باردة على وجنته التي اصطبغت بلون قرمزي حين أضافت أمه: « لقد وجدت العروسىة المناسبة، هل تذكر العام الماضي حينما جئت لاصطحابي من هذا المجمع وركبت معك السيدة حليمة زوجة الإعلامي السيد عبد الرحمان وابنتها وقمت بتوصيلهم لمنزلهم الذي يقع في نفس مجمعنا السكني؟ »

قوس ذي النظارات حاجبيه متذكرا حتى لمعت في رأسه تلك الفتاة الخجولة التي اصطبغت بلون الحمرة ما إن تقابلت نظراتهما وشعر بوخزة في قلبه، كانت رائعة الجمال وتبدو غاية في الرزانة والأدب، لكن صورتها سرعان ما تلاشت في اليوم الذي يليه عندما استيقظ وانكب على أجواء العمل وضغوطاته، كان صاحبنا يسرح داخل أفكاره عندما ابتسمت الأم بخبث فقد أدركت أنها أمسكته من اليد التي توجعه.

« والدك لم يعترض على ذلك أيضا. »أكدت.

فتح عيناه على مصرعيهما مصوبا عسليتيه نحوها من خلف النظارات الطبية وأتبعت تقول: « إن السيد عبد الرحمان صديق والدك وقد تحرى هذا الأخير عن أمور العائلة أيضا، و أكد أنه لا يواجه أية ضغوطات أو خلافات من جهة والدها وسيرحب بمناسبتهم.»

الأبلقWhere stories live. Discover now