الفصل الثالث: في بيت الأجداد

Start from the beginning
                                    

قهقهت الجدة لإضفاء جو من الدعابة وكذلك وزعت الخالات والخال وأزواجهم ابتسامات مرتبكة وربتت الجدة على ظهر أصغر أحفادها قائلة :« لا تقسُ عليه هكذا يا سيد ابراهيم، إن بدرا ولد ذكي وفطن ونشيط فقد ساعدني مرات عديدة في أمور المزرعة. »

طغى الصمت بسكونه الحاد حتى كسره الأب متلفظا واضعا رجلا على الآخر:« على ذكر المزرعة، ألم يخطر ببالكم استثمارها وبيعها؟ أرى أنها صفقة جيدة بما أنكم قد بلغتم من الكبر عتيا، فالأجدر لو تركبون الحضارة وتنتقلون للعيش في المدن فتتيسر عليكم الحياة بدلا من القيام بأعمال المزرعة فلها من الشقاء ما لا تتحمله أجسادكم الضعيفة بعد الآن، و فيما يخص الأرباح فلا قلق بشأنها لأن لي من المعارف من سيدفع لكم بسخاء. »

تبادل الزوجان نظرات الحيرة لوهلة، حتى نطق السيد محمد: «فات أوان ذلك، لقد تعودنا وانتهى، لا أكاد أتخيل نفسي أستيقظ يوما من غير سماع صياح الديك وصهيل الأحصنة »

فيما تناقل الأبناء الأكبر سنا نظرات التوتر ينتظرون ردة فعل أمهم، بينما كانت نظرة الأزواج حيادية.

نطقت الجدة وأخذت تفرك أناملها الشاحبة بعيون تنبض حنينا ودفئا:« بالضبط، حياة المزارع سخية، وكل منتجاتنا هنا طبيعية مئة في المئة، بداية من اللبن، فالزبدة، البيض وغيرها الكثير، ألا توافقونني يا أولاد؟ » رسمت ابتسامة رضا حين هزّ كل من أبنائها وأحفادها رؤوسهم موافقين.

وافقها أكبر أبنائها بلهجة تأكيد:« بلى يا أماه، إنها إرث الأجداد وهي أغلى وأثمن من كنوز الدنيا وما فيها.»

أومأت أختهم الصغرى مريم قائلة:« أنت محق في هذا.»

همهم السيد ابراهيم ولسان حاله يردد ( لا ألومكم في الحقيقة فابن البط عوّام ).

وأخرج صوته قائلا:« أجل إنني أرى ذلك بوضوح، الآن فقد توضحت الصورة وبانت الحقائق، يبدو أن مستقبل أحدهم يهوي بإسراف نحو عرق الأجداد.» كان يحدق في وجه بدر بعيون حادة عندما نطق جملته الأخيرة، هوت الكلمات على الولد كضرب المطارق فقبض يديه وشعر بالمسامير تغزو حلقه، لكنه لم ينبس بحرف واحد وتملكه شعور الخزي.

وزّع شهاب نظرات الإرتباك على الجميع فقرر الخروج عن صمته لتهدئة الأوضاع فهتف متحدثا إلى الجدة:

« جدتي، هل تذكرين حين كنت صغيرا وأصررت عليك لاصطحابي لرؤية الجدي الصغير الذي ولد لتوه في الحظيرة وحين اعترضني ديك رومي ضخم له نفس طولي تقريبا وطاردني فقفزت على السياج وهويت على روث الحصان!»

انفجرت الجدة ضاحكة وابتسم البعض ومنهم من انهار ضاحكا، حين أجابت والضحكة لا زالت تزين ثغرها«نعم، أذكر جيدا نواحك حين طلبت مني أن لا أخبر أمك حتى لا يعلم أباك فيوبخك. »

نطق الجد متعجبا:« سبحان الله، صادف أنه اليوم نفسه الذي كنت سأذبح فيه ذلك الديك لتحضير العشاء!»

الأبلقWhere stories live. Discover now