الفصل السادس

172 70 18
                                    

الظلام الحالك سيطر على سماء الغابة ، الأشجار المقفرة تتضارب اغصانها مع الرياح الباردة بينما تتخالط الأصوات في فسيح تلك الغابة بين وحوشها وحيواناتها وتضارب اغصانها مع صفير الرياح
وداخل ذلك الكهف امام شعبة من نار تكاد تنطفئ بلهيبها الضعيف يجلس ذلك الرجل بصمت وقد تسلل البرد الى قلبه قبل ان يصل الى اطرافه وجسده .
الرياح تعصف في دواخله واوردته هي من تتضارب بقوة ، صورتها الأخيرة وهي تمتطي حصان ذلك الرجل وتمضي معه لازالت عالقة في ذهنه !

عينيها الثلجيتين ودموعها الحبيسة ، صوتها القوي الذي يجابهه بهذه الحدة للمرة الاولى ؛ خطواتها التي سارتها بعيداً عنه وهي التي اعتادت ان تتقفى اثاره وتمشي على وقع خطواته !
اصرارها وهي تواجهه ؛ ومحاولتها لحماية ذلك الرجل للحد الذي جعلها تدفعه بنفسها وتقف في وجهه
هل فقدها بشكل نهائي ؟!
كيف ولماذا !

متى اختارت التخلي عنه ؟
متى قابلت ذلك البشري وتعرفت عليه لتحميه بهذا الاصرار وتتخذ جانبه متخلية عن كل ما يجمعها به ؟!

امسك صدره وداخله يتمزق ؛ شعور بالحرقة سيطر على صدره وكتم انفاسه في حنجرته
لا يذكر انه مر بهذا الشعور من الخيبة منذ ذلك اليوم الذي تخلى عنه والديه فيه ، لم يشعر بهذا الألم يفتك بصدره من قبل بقدر ما يشعر به الان !
هي ايضاً تخلت عنه !
هي ايضاً غدرت به وتركته !

كيف صدق انها ستكون مختلفة وتظل معه ؟!
كيف غفل عن هذه الحقيقة ، هو الذي تخلى عنه اقرب الناس اليه ، هو الذي نفر منه الجميع وغدروا به ، لماذا ظن انها مختلفة وانها ستتمسك به للأبد !

لقد احبها ..
منحها مشاعره وقلبه وحياته ..!
جعل منها محور حياته واهم تفاصيل ايامه ، هو منذ ذلك اليوم الذي لجأت اليه فيه ، منذ تلك اللحظة التي تمسكت فيه دون خوف او رهبة وقع لها ..
عندما منحته ما كان يحتاج اليه ، عندما اعتنت به كما لم يفعل غيره ، صدق ان تلك الطفلة البريئة ستكون رفيقة دربه التي لن تخذله ابداً ولن تخون !

عاد بذكرياته الى ذلك اليوم قبل خمسة عشر عاماً ، على أطراف تلك البلدة أخذت تلك الطفلة ذو الأعوام الخمسة تجري بكل سرعتها هاربة والخوف مرسوم على تقاسيم وجهها الجميلة
تنظر خلفها بين الفينة والاخرى وهي ترى مجموعة من المحاربين والصيادين يلحقون بها بأسلحتهم التي بدت في نظرها ضخمة مرعبة
وعلى وقع وتيرة الخوف دخلت الغابة الواسعة هاربة بين الأشجار باتجاه المنحدرات الثلجية العالية .

وخلفها اخذ اولائك الرجال يركضون محاولين مجاراة سرعتها وفي نيتهم القضاء على ذلك الوحش الصغير قبل ان يكبر ليهدد حياتهم .
تلك كانت مُعتقدات اهل البلدة الذين حاربوا الخطر وكل ما يهدد امنهم وسلامهم ؛ ولادة طفلة بقوة شيطانية سببت لهم الخوف والأرق حالما اكتشفوا قوتها التي حاول والداها بيأس اخفاءها
حتى لو كانت مجرد طفلة صغيرة فهي ستكبر ذات يوم وتكبر تلك القوة المهيبة بداخلها لتشكل عليهم خطراً قرروا الخلاص منه باكراً .

" ضوء القمر | Moonlight " Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz