مدخل

161K 4.7K 1.6K
                                    

"الإصطدام بجِدار الحقيقة مؤلم جدا آدم، أنا أعلم" تحدث مجددا بنبرته الرسمية الجادة يشابك يديه معا على سطح المكتب حيث ذراعيه ترتاحان ويرمقني بنظرات هادئة بعينيه البنيتين خلف النظارة الطبية الخاصة به، السيد سكارتر...طبيبي النفساني.

زفرتُ بصوت مسموع أمرر يدي في خصلات شعري الداكن وتمتمت بضيق "أنت لا تفهم" توقفتُ عند تلك الكلمات أراه يومئ بذقنه الحادة بخفة "بلى أفهم جيدا" عدل من وضع نظاراته "أنت قد عدتَ للتو للواقع، أنت تكتشف بأنك كنتَ تعيش وهما طوال هذه المدة وهذا يؤثر على أفعالك" رمقني بهدوء يومئ بتفهم "لكن لا بأس، بما أنك قد مررتَ بتجربة صعبة للغاية، لا بد أنك أدركتَ الكثير" أنهى جملته يتفحص وجهي منتظرا ردة فعلي، يراقب بإهتمام، وأنا فقط أجربت نفسي على إيماءة خفيفة أدير رأسي للجانب وأطلق نفسا حارا، لا يمكن أن أنسى تلك التجربة أبدا. لم أنطق بأي حرف أجعل من الصمت يطول أكثر فأكثر، لكني رغم ذلك ظللت محتفظا بهدوئي وإتزاني.

"آدم، أول شيء عليكَ إدراكه -وقد سبق لنا الحديث بشأنه- هو أنك لستَ الوحيد" عيناي سُلّطتا عليه أراه يبتسم بخفة، إبتسامة غير ظاهرة بتاتا لكني إستطعت ملاحظتها "لست الوحيد الذي عانى بسبب الإدمان، ولست الوحيد الذي قضى بضعة أشهر في السجن ثم في مركز إعادة التأهيل" خللتُ أصابعي في خصلاتي مرة أخرى أبعثرها هذه المرة بشكل أقوى، أصدر نفسا آخر، نفس يلي الآخر، لا أريد من أحد أن يذكرني بالأمر.

"أعلم، لا داعي لذكر هذا" صوتي ممتعض، جاف وحانق، "أعلم، لكني أقول هذا كي يسعك التفكير في الأمر من نطاق أوسع" حدقت به لبرهة، واثق ويعرف جيدا ما يفعله، أزعجني كونه يعرف كيف يثير غضبي الداخلي، ذلك الجزء السيء مني والذي أحاول التخلص منه، رمشتُ بضع مرات قبل ان أهتف بغضب واضح "هراء" أعصابي بدأت تسخن شيئا فشيئا، بروية وهدوء، لكنها تفعل.

"إنها الحقيقة، أنتَ شخص يحمل ماضي سيء آدم" هو قال بنبرة متزنة خالية من أية مشاعر "هذا لا بأس به، لا يوجد أي خطأ في الأمر" إنتفضتُ أقف ضاربا سطح المكتب بقبضتي "هذا لم يكن خطئي"

"عليكَ التوقف عن لوم الآخرين، لم يكن خطأك لكنه كان قرارك" ضغطتُ على أسناني أسحقها ضد بعضها، أحاول التحكم في نفسي كي لا أفقد آخر ذرة صبر أمتلكها "هراء؛ انت تتفوه بالهراء. كيف لي أن أكون مسؤولا عن شيء لم أفعله؟"

"السؤال الأهم هنا هو لماذا لا تتوقف عن الهرب من الواقع؟" شددت على قبضتي حتى إبيضت مفاصلي ورأيته يحدق بي، كأنه ينتظر مني هذا الفعل، أطلقت زفرة قوية أعود للوراء واتمتم بين أسناني المصكوكة ضد بعضها "أنا لا أهرب"

"ولا تواجه أيضا" هو تحدث بنفس النبرة يجعلني أقف من مقعدي مجددا واشتم تحت أنفاسي "مالذي يجب أن أواجهه؟"

"كل ما حولك، كل ما يقف في وجهك" هو قال بصوت هادئ، بنبرة مؤمنة بهذا الكلام "لا بأس إن كنت قد دخلت هذا بدون إرادتك" تابع بنفس النبرة "عليكَ أن تبدأ التقبل، هذا ما يحصل أولا"

آدمWhere stories live. Discover now