الفصل الثامن والعشرون

Începe de la început
                                    

ضحك رغمًا عنه على سذاجتها ثم استقرت في عينيه نظرة مرعبة يتحداها أن تتجرأ وتفعلها، فلانت شراسة ملامحها وتبدلت للخوف منه وبالفعل لم تتجرأ لرفع نبرة صوتها عليه حتى فبقت ساكنة لكن هيهات أن تستسلم له، أجفلت نظرها أرضًا ولمعت عيناها بالعبرات ثم رفعت رأسها له ورمقته بدموعها التي تملأ مقلتيها، وكما توقعت تمامًا ارتخت عضلات وجهه وأصبحت لينة ثم تركها ببطء متمتمًا:
_بتبكي ليه مالك؟
فور تأكدها أنها تحررت من قبضته ابتسمت له بشيطانية وحركت حاجبيها بطفولية وباللحظة التالية كانت تفر راكضة نحو غرفتها، لم يتمكن من كبح ضحكته المغلوبة التي انطلقت منه بقوة وبعد ثواني معدودة سمع صوت صفع الباب، تلك الحمقاء تظن أنه تركها قبل أن يخلد للنوم عندما قفلت على نفسها لأنه كان مجبرًا ولم يجد حل آخر، والحقيقة أنه فعل رغبة منه.
اتجه نحو غرفة صغيرة خاصة به كانت تحتوي على مكتب متوسط وأريكة ومقاعد، فتقدم من المكتب وفتح أحد الإدراج ثم أخرج منه مفتاح احتياطي يحتفظ به وأغلق الدرج ثم غادر الغرفة، وتوجه نحو غرفتهم ليضع المفتاح بقفل الباب ويفتحه ثم يدخل.

كانت هي تجلس فوق الفراش لكن فور رؤيتها له انتفضت واقفة تسأله بصدمة:
_دخلت كيف؟!
ابتسم وقال في نظرات مريبة:
_عيب تسأليني السؤال ده في بيتي!
ازدردت ريقها بتوتر وللحظة كانت ستبكي حقًا من غيظها بينما هو فأغلق الباب بهدوء وتمتم مبتسمًا ببرود مزيف يضمر خلفه تلذذه بلعبة القط والفأر هذه:
_مقولتيش كنتي بتبكي ليه عاد ياغزال؟!
ردت عليه بقلة حيلة حقيقية:
_عمران أنا هبكي صُح دلوك والله
كتم ضحكته ورد بهدوء أعصاب مستفز:
_وليه كله ده بس.. خلاص متزعليش روحك أنا مش قاسي للدرجة دي هسيبك بس بشرط
تمالكت نفسها وردت بثبات مزيف وهي تتهرب من النظر في عينيه الخبيثة والجريئة، بينما هو فاقترب منها ووقف أمامها مباشرة يسألها بلؤم:
_كنتي قاعدة قصادي وبتتفرچي عليا ليه وأنا نايم؟
اضطربت وأبت أخباره بالحقيقة لكنها سمعته يقول بحزم وكأنه قرأ أفكارها:
_الحقيقة وإلا أنا مش ضامن ردة فعلي
تأففت بنفاذ صبر ونظرت له مغلوبة لتقول باقتضاب:
_مكنتش بتفرچ عليك أنا كنت بفكر هعمل إيه.. كنت خايفة ومش عارفة أنام لحالي وفكرتك نايم بالأوضة التانية كنت هروح أنام چارك.. ومخدتش بالي من اللي لبساه ده غير لما أنت قولتلي

ردد عبارتها بضحكة ماكرة:
_كنتي هتاچي تنامي چاري.. امممم طيب أنا هسيبك دلوك تغيري هدومك وهرچع تاني عشان اكمل نوم وتنامي چاري كيف ما كنتي عاوزة.. عشان متخافيش طبعًا

كانت جامدة الملامح أمامه حتى لا تستفزه ويستمر في انحرافه المتعمد أكثر رغم أنها كانت تغلي من الغيظ وتتوعد له، تابعته بنظراتها وهو يبتعد لينصرف لكن قبل أن يغادر توقف وقال بجدية:
_معاكي خمس دقايق بس عشان أنا معايا شغل الصبح بدري وعاوز أنام.. خمسة وثانية هدخل وأنتي المسئولة

جزت على أسنانها مغتاظة لكنها اماءت له بالموافقة في استسلام متصنع وفور رحيله أخذت تشتم نفسها على حماقتها وتشتمه بغضب ووسط كل هذا تقوم بتبديل ملابسها قبل أن يعود مرة أخرى فبعد ما فعله الآن لا تستبعد أن يدخل في أي لحظة وينفذ تهديده....
                                      ***
بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان.....
انتهى جلال من تناول طعامه وكان بطريقه للخارج حتى يتجه للمستشفى ويطمئن على جده.. لكنه توقف عندما انتبه لغياب فريال فنظر لأمه وسألها بتعجب:
_فريال وينها ياما؟
ردت جليلة بصوت مقتضب:
_معرفش منزلتش من الصبح
كانت منيرة تجلس بجوار جليلة وتحدق في زوجها بنظرات نارية كلما تتذكر ليلة أمس وكيف قضت الليل كله تنتظره بملابسها حتى فقدت الأمل في عودته وعندما خرجت اكتشفت أنه يقضي الليلة مع فريال.
قاد جلال خطواته للدرج يقصد غرفته بالاعلى وبقت جليلة ساكنة على عكس منيرة التي كانت تشتعل، لحظات قصيرة ووصل أمام الغرفة ففتح الباب ودخل ليجدها مازالت نائمة في الفراش، غضن حاجبيه بقلق وبسرعة اندفع نحوها يجلس بجوارها على حافة الفراش ثم يمد يده يتحسس درجة حرارة جسدها فقد ظن أنها مريضة ولهذا السبب تنام حتى الآن وهي ليست من عادتها النوم لساعات طويلة، لكن كانت درجة حرارتها طبيعية تمامًا وأنفاسها منتظمة فضيق عينيه بحيرة ثم راح يهمس وهو يمسح فوق شعرها بلطف:
_فريال.. فريال
سمع صوتها الخافت وهي ترد بخمول دون أن تفتح عينيها:
_اممممم
ابتسم وهتف بحنو امتزج بجديته:
_إيه النوم ده كله الضهر على آذان
دفعت كفه عن شعرها وردت بنعاس وضيق وهي تميل وتنام على الجانب الآخر توليه ظهرها:
_عاوزة أنام امشي أنت ملكش صالح بيا
رفع حاجبه متعجبًا تصرفها ورغبتها الغريبة في النوم فرد عليها بتلقائية:
_أنتي لو حامل مش هتنامي النوم ده كله!!
فتحت عيناها كلها دفعة واحدة بزعر عندما سمعت عبارته وبلحظة كانت تهب جالسة وتنظر له بقوة هاتفة في انزعاج:
_صحيت أهو ياچلال ارتحت إكده
تقوست معالم وجهه وظهر الغضب البسيط عليه من أسلوبها وانفعالها دون مبرر لكنه حاول التحكم بزمام جموحه ورسم ابتسامة دافئة فوق ثغره قبل أن ينحني عليها يلثم جانب ثغرها بهمسة مغرمة:
_صباح الفل والياسمين يافريالي.. طبعًا ارتحت مش شوفت وشك قبل ما اطلع ابقى مرتاح
ابتعدت عنه ورمقته بحدة ثم هتفت منذرة إياه بجفاء:
_أنا قولتلك مليون مرة متقربش مني
تأفف بنفاذ صبر وهو يشيح بوجهه للجانب يزفر نيران الخنق من بين شفتيه ثم يعود لها ويهمس بانزعاج حقيقي:
_وبعدين يافريال عاوزاني اعملك إيه تاني
ابتسمت ساخرة وردت عليه بنبرة قاسية:
_أنت معملتش حاچة اولاني عشان تعمل تاني أساسًا
التهبت نظراته بالسخط ولم يتمكن من كبح زمام انفعالاته اكثر حيث هتف بعصبية:
_كل ده ومعملتش حاچة.. نسيت اللي عملتيه فيا وتنازلت عن حچات كتير عشانك مع أنك كنتي غلطانة وأنتي مش عاوزة تعترفي بغلطك لكن أنا نسيت ورميت كل حاچة ورا ضهري عشانا وعشان عيالنا، ودلوك بحاول ارضيكي واخليكي تسامحيني على غلطة عملتها في وقت تهور مني من غير ما احس ووعدتك إني هصلح الغلط ده بس اديني وقت شوية وبعدين هطلقها.. لكن انتي مش شايفة غير غلطي ومش معترفة بذنبك، كل اللي بعمله عشانك ده وبتقوليلي معملتش حاچة!!
استحوذ الصمت عليه فلم تجد الكلمات لتجيب عليه بعدما واجهها بالحقيقة التي تناستها، استمرت في التحديق به بعينان مليئة بالأسى والقهر بينما هو فكان الخذلان نصيبه مرة أخرى والقى عليها نظرة أخيرة بعدم حيلة قبل أن يستدير ويرحل ليتركها وحيدة أحزانها ودموعها انهمرت فوق وجنتيها بغزارة........
                                        ***
بعد مرور ساعتين تقريبًا........
نزل علي من السيارة وهو كالثور الهائج فور رؤيته لسمير يدخل أخيرًا البناية، هو ينتظره منذ يومين هنا واليوم ستكون يومه الأخير، اندفع نحو البناية خلفه وبتلك اللحظة وصل جلال فأوقف السيارة بسرعة ونزل منها يسرع في خطاه التي كانت أشبه بالركض خلف ابن عمه يلحق به قبل أن يقحم نفسه في كارثة لا عودة منها.
قبض على ذراعه بقوة وأوقفه عنوة صائحًا به في صرامة:
_عـلــي
التفت له علي ونزع ذراعه من قبضة جلال يهتف في نظرات مرعبة ونبرة منذرة:
_ملكش صالح ياچلال الدور هيكون على الـ**** ده الأول وبعدين هيچي دور الـ**** اللي ملقحة في المستشفى دي
نزل نظر جلال بمحض الصدفة على يد علي فرأى السلاح بيده وقف أمامه وضم كفه والسلاح بالمنتصف بينهم ورمقه بحدة يقول في غضب هادر:
_داري السلاح اللي في يدك ده.. اتچنيت في نافوخك أنت
رمقه علي شزرًا وصرخ به وهو يحاول نزع يده من قبضته:
_عاوز إيه يعني عاوزنا نچوزها ليه كيف ما عملنا مع آسيا مثلًا
هدأت حدة ملامحه وظهرت الرزانة وهو يقول بلهيب الغضب المشتعل في صوته:
_إيوة.. خلود معدش فيها نفس بعد اللي عملناه فيها وهو كمان نقطع نفسه واصل بس من غير قتل ولا تضيع روحك عشانهم وبعد إكده يتچوزها وياخدها ويغوروا من البلد خالص.. خلي الفضيحة تبقى بيناتنا ومتوصلش للخلق ولسانهم اللي مبيرحمش

ارتخت عضلات علي المتشنجة وملامح وجهه بدأت تهدأ تدريجيًا وهو يفكر بما تفوه به جلال للتو، بدا وكأنه اقتنع بوجهة نظره وأنه على حق فرمقه مطولًا بنظرة شيطانية كلها شر وانتقام قبل أن يندفع لداخل البناية يصعد الدرج شبه ركضًا وكان جلال خلفه وفور وصولهم أمام شقته راح علي يضرب بقبضته القوية فوق الباب بكل عنف، لحظات معدودة وفتح سمير الباب باستغراب وملامح غاضبة يقول:
_في إيه ومين أنتوا؟!!
ابتسم له علي بنظرة قذفت الرعب في قلبه كان تمامًا كالروح التي عادت إلى الحياة لتنتقم، وبلحظة مفاجأة كان يباغته بلكمة ابرحته أرضًا ودخل يجثي فوقه ويستمر في لكمه بكل قوته بينما جلال فدخل خلفهم واغلق الباب بكل هدوء ثم وقف عاقدًا ذراعيه أسفل صدره يتابع ابن عمه وهو يبرح ذلك الوغد حتى الموت وسط شتمه له بأبشع الألفاظ القذرة.. انتزع علي نفسه عنه بصعوبة بعدما وجده كالجثة الهامدة أسفله لا يقوي على فتح عينيه ووجهه كله غارق بالدماء، بالكاد يستطيع التنفس.
جذبه من ياقة قميصه ليرفع رأسه عن الأرض وهو يصرخ به:
_الورقة العرفي اللي ضربتها مع الفاچرة دي وين.. انطق بدل ما أطلع الطبنچة وافرغها في نافوخك
لم يكن سمير بوضع يمكنه من الرد عليه فاقترب جلال منهم وانحنى عليه يجذبه من ذراعه ليوقفه عنوة وهو يصرخ به:
_چيب الورقة يلا
تحرك سمير بخطوات ثقيلة ومتعثرة حتى وصل لغرفة نومه وكانوا خلفه، فور دخول علي لمح شال صغير فوق الفراش وبجواره ملابس نسائية داخلية.. اقترب من الشال والتقطه يدقق النظر به بتركيز فتذكر أنه رأى شقيقته بأحد الأيام ترتدي ذلك الشال.. وعندما رفع نظره يتطلع للملابس الداخلية غلي الدم بعروقه وانفجر بركانه فقط من مجرد تخيله أن تلك الملابس لها، بتلك اللحظة كان سمير أخرج الورقة وناولها لجلال الذي عندما التفت ورأى ما يمسكه علي بيده وينظر له فهم فورًا فأسرع نحو ابن عمه يكبله، فهذه المرة لو تركه عليه لن يخرجه حيًا من بين يديه، هتف بأذنه يحاول امتصاص جموحه المرعب:
_علي اهدي بزيادة اللي عملته فيه دلوك بعدين كمل اللي عاوز تعمله فيه
كان يقبض على الشال الذي بيده بعنف ورغم محاولته في البقاء هادئًا لكنه فشل فدفع جلال بعيدًا عنه وغار على سمير الذي حاول تفادي لكماته والفرار من بين يديه لكن دون جدوى وبصعوبة تمكن جلال من إبعاده عنه ثم اعطاه الورقة وصرخ به بعصبية:
_خد الورقة دي قطعها ولا احرقها وبعدين الحقني
جذب جلال سمير من ملابسه معه للخارج وترك علي بمفرده ينقل نظره بين الورقة وبين الملابس في جسد ينتفض من فرط السخط.........
                                     ***
في القاهرة.....
قادت آسيا خطواتها تجاه الباب بعدما سمعت صوت الطرق الخفيف، أمسكت بالمقبض وفتحته ثم جذبت الباب عليها لتقابل صديقتها أمامها فتبتسم باتساع وتفتح ذراعيها لتعانقها بحرارة هاتفة:
_إيه ياسندس اتأخرتي إكده ليه مستنياكي من بدري
دخلت سندس وهي تقول بملل:
_أعمل إيه استنيت سليم لغاية ما طلع وبعدين جيتلك حضرتله الغدا وخلصت كام حاجة ورايا
دفعت آسيا الباب بلطف وقالت لها ضاحكة:
_طيب ادخلي چوا
نظرت لها سندس بنظرة قلقة وهي تسألها بنظراتها فضحكت آسيا بقوة وقالت:
_مش قاعد طلع من بدري ادخلي أنتي خايفة إكده ليه!
ضحكت وردت عليها مازحة:
_مش عارفة الصراحة خايفة منه جوزك ده بعد اللي حكتهولي في التلفون وأنه اتخانق معاكي عشان بس قولتيله تيجي تقعدي معايا شوية
تنهدت آسيا بقلة حيلة وقالت في خفوت:
_أنا هروح أچيب حاچة نشربها وارچعلك نكمل كلامنا أنا يعتبر مقولتش حاچة في التلفون أصلًا
أمسكت سندس بذراعها تمنعها وهي تقول باسمة بلطف:
_مش عايزة اشرب حاجة تعالي بس نقعد ونتكلم أنا جاية اقعد معاكي لينا سنين مشوفناش بعض مش جاية اشرب
اماءت لها آسيا بالموافقة في بسمة عذبة ثم سارت معها نحو الصالون ليجلسوا فوق الأريكة يتبادلون أطراف الحديث بأمور الحياة العادية وسط مرح ومزاح سندس الذي لا يتوقف، لكن بعد وقت طويل نسبيًا تبدلت ملامحها وسألتها بحزن:
_احكيلي بقى إيه اللي حصل وازاي اتجوزتي؟!
تنهدت آسيا الصعداء بخنق ثم بدأت تسرد الأحداث منذ بدايتها نهاية بانتقامها من ابنة عمها وسط نظرات صديقتها المشفقة عليها والعابسة، قالت لها بعدما انتهت من الحديث:
_طبعًا أنتي دلوقتي خلاص اتقبلتي الأمر الواقع وطلعتي موضوع الطلاق ده من دماغك
اماءت لها آسيا بالإيجاب متمتمة في خفوت:
_مكنش قصادي حل غيره وقتها يا سندس كنت مچبورة اتقبل الوضع واتعايش مع عمران.. مكنش ليا حد غيره ومازالت
ظهر الغضب والغيظ فوق الأخرى وهي تهتف:
_انا مش عارفة اهلك ازاي عملوا فيكي كدا وصدقوا الصور وكلام بنت عمك الحرباية دي.. معقول القسوة للدرجة دي عندكم

رواية ميثاق الحرب والغفران Unde poveștirile trăiesc. Descoperă acum