~الفصل الأخير~

120 20 7
                                    


نظرتُ إلى انعكاس مستهلك المخدَّرات مدمن الذِّكريات في المرآة، هالات سوداء تحت العينين داكنة كلون قزحيتي-وأحيانًا أتخيَّل أنَّ سبب ملازمة ذلك السواد لي هو ذوبان مقلتي على بشرتي-، شعر مبعثر يفضح طوله ووضعيَّته إهمال صاحبه لا اهتمامه بالموضة، وملابس موحَّدة اللون لأنَّني أخشى جذب الانتباه.

بدون وعيٍ حلقت شعري بحنقٍ  غضبًا من أنَّه الشيء الوحيد الذٍّي يمكنني تغييره أو حذفه من وجودي.

"إذن الشَّعر ضحيَّتكم أنتم أيضًا عندما تقرِّرون أوان بدايةٍ جديدة"
قالها صوتٌ مألوفٌ بسخرية ملحوظة

"أنا فقط مدمنٌ على قصِّ ما يمكنني قصُّه من نفسي، هل يعدُّ هذا رغبةً في تلطيخ صفحةٍ جديدة؟"

لم يعجبها ما قلته، على ما يبدو

"اتبعني بعد 4دقائق"

لماذا يستمتع الغاضبون بمزج الحزم بالتجاهل؟



صرتُ أنتظرها أمام باب البيت بطواعية بعد شهر من مرافقتها استسلامًا بعد امتناع أو بلا اهتمام من الأساس، وفقط تأخذني إلى حبيبها الشلَّال الذِّي يجعلها رومانسيَّة هادئة-معه فقط-

تسلَّلت مشاعر مزعجة إلى قلبي عن كوني دمية بين يديها أو ما شابه، فقرَّرت أنَّه عليها دفع معلومات محرجة عنها كضريبة لذلك

"لماذا يقولون أنَّك سيئة السمعة؟"

نظرت إليَّ مطوَّلا بعد طرحي لذلك السؤال عليها، هل كنت وقحًا؟
لو كنت على صواب فهي حقيقتها ولو كنت على خطأ فأنا بالفعل طلبت منها توضيحًا

تنهَّدت بغير استشعرته ثمَّ ردَّت علي بصوتٍ يتأرجح بين أخف طبقة وأعلاها، كأنَّ كأس ثقتها في نفسها يفيض ويمتلئ في نفس الوقت

"السُّمعة السيِّئة كالنَّار في الهشيم لا يطفئها إلا التهامها لعدَّة أجيال سابقة ولاحقة، وأنا استلمني المشعل ليحرقني بعد أن اكتفى من أمي"

"إذن المذنب هو جدتك الأولى؟"

في الواقع يُقال أنَّه كانت تُمارَس الدعَّارة مع السِّحر في بيت عائلتها منذ عقود من الزَّمن، وما زاد القيل والقال بلَّةً هو افتتاحها لمركز تجميل-مركز القيل والقال- في الرِّيف بعد سنةٍ فقط من الدِّراسة في الخارج، هذا إلى جانب لا مبالاتها عند التعامل مع الرجال وقبولهم في مقرِّ عملها.

"أنت تعرف تاريخ عائلتي لكنَّك فقط تشعر بالملل صحيح؟"

فكَّرت مليًّا ثمَّ استفسرت عن هراء

"مثلًا أخبرني عن علاقتك الاستثنائيَّة بزوجة أبيك ،يبدو أنَّها تتقبَّلك وهذا نادر

زوجة أبي؟

"آه آسفة" ابتسمت ببراءة وأضافت "زلَّة لسان ،أقصد خطأ بسيط"

هي تسخر منِّي لأنَّ أمي ليست بأم لا غير.

•••

اليوم أخذتني إلى مكان جديد، أو بالأحرى وجوه جديدة، كانوا أشخاصا جالسين على دائرة من الكراسي مكوِّنين ما يشبه حلقة أو دائرة المختلِّين فاقدي الحنان-وهو أسلوب جبان وماكر لامتصاص التعاطف والحب-

"لو كنتَ مرتاحًا أو ببساطة لا تشعر بشيء فهذا جيِّد. يمكنك أن تجلس"
خاطبني أحدهم بإهمال، وأحببت خلوَّ حديثه من ترحيب ورسميَّات

تقدَّمت منَّا امرأة ضحكت عندما لقّبتها في نفسي بزعيمة المختلِّين

"عرفنا عن نفسك؟"

"عمر ،وعمر فقط"

•••

بعد عشرين جلسةً معهم أخبرتهم عن أمراضي النفسيَّة لأنَّه اعتراني ذلك الشعور مجدَّدًا، الشعور بأنني دمية أو زينة ،وبعد ثلاثين جلسةً ابتسمت عندما ضحكوا

ما السيء في كوني مختلًّا بين مختلَّين؟ لم لا يصنعون مدينةً لنا لا مستشفى؟

"اليوم أريد أن أطرح سؤالًا على عمر"

استأذنت مليكة من زعيمة المختلين قبل طرح سؤالها علي

"لم قتلت أخاك عبر قطع أصابعه وإفراغ جسده من الدم؟"

"ماذا؟"

"كيف سامحتك زوجة أبيك على إيذاء طفلها؟"

"هذا الهراء مجدَّدًا؟ "

"هل انتقمت لأمك جيدا؟"

"ما الذي تقولينه؟!"

لم يسعني سوى الرد عليها بأسئلة أخرى، لأنها أخذت تضحك مع مجموعة المختلِّين، ولأنَّ قنبلةً من ذكريات مجهولة المصدر انفجرت في رأسي

امرأة تقول أنها أمي ماتت، أبي تزوج أمي الحالية، المعركة الأخيرة حدثت لأنَّها لا تكف عن إذلال أبي ولأنه لا يكف عن طاعتها خوفا من جعلي يتيم الأم وجعل أخي يتيم الأب، أبي يعتذر مني يوميا ويحاول إدماجي في عالم الراشدين لتقليل تذمرها من وجودي معهم

لدي العديد من الفجوات في الذاكرة، وميلاد مرضي الحقيقي كان عند موت أمي.

التفت إلى البقية لأنهرهم عن الضحك لكنهم تحولوا إلى دمى، نظرت إلى مليكة فأضافت سؤالا آخر

"القهوة لذيذة، صحيح؟"

-أنت غبي وقاتل
-أصمتي!
-اجعلني أصمت!
-وثقت بك
-جعلتك تثق بي لتخرسني اليوم

أغلقت فمها بيدي لكن صوتها بقي يرن في أذني، فتعاملت يداي مع الوضع دون وعي مني، وما يضمن لي أصلا أنها ليست بدمية؟

"مبروك ميلاد الوحش"

قالت ذلك مبتسمة، ابتسامة دامية

{قُطبيَّة ثنائيَّة:طُفيْلي}Where stories live. Discover now