الفصل التاسع

Start from the beginning
                                    

ولم يدم انتظارهم طويلًا حيث وصل إبراهيم بعد دقائق ودخل ليجلس على مقعده في المنتصف وينقل نظره بينهم بدقة .. يرى نظرات الغضب والشر بعين ابنه عكس زوجاته وابنته يتملكهم الفضول القاتل،  أما بلال فكان الخنق واضح على ملامحه وبشار وعبد العزيز كانت ملامحهم جامدة فقط ينتظرون معرفة ما يود اخبارهم به .
ليقول أخيرًا بعد تنهيدة طويلة وبعدما القى نظرة ثاقبة على عمران وبلال :
_ النهارده روحت لناس خليل صفوان واتكلمت معاهم عشان المشاكل الأخيرة اللي حُصلت حتى بعد ما عملنا الصُلح
قاطعه عبد العزيز وقال بحدة :
_ احنا علمنا الصُلح وخلاص ياخوي له إيه لزمة أنك تروحلهم تاني ولوحدك كمان !
تابع إبراهيم بثبات تام وصوت غليظ :
_ مكنش له لزمة ياخوي اخد حد منكم معايا هو موضوع بسيط واحنا اتفقنا ولقينا الحل لكل المشاكل دي عشان ننهيها واصل
نقل بشار نظره بين عمه وعمران باستغراب ليسأل :
_ حل إيه ده ياعمي ؟!
التزم إبراهيم الصمت للحظة ليجيب على ابن أخيه بحزم :
_ هننهي التار والمشاكل دي بالنسب
تبادلوا النظرات فيما بينهم بعدم فهم ليهتف عبد العزيز بنرة رجولية حادة :
_ نسب إيه تاني مش بزيادة نسبنا معاهم وبتك متجوزة جلال وأهي رجعلتك تاني عشان تتطلق .. عاوز إيه تاني يا إبراهيم !

أجاب على أخيه بكل بساطة :
_ بتي متجوزة جلال من قبل ما يموت خليل بسنين ومن زمان قوي وده ملوش صالح .. لكن النسب اللي هيحُصل دلوك هيكون لمصلحتنا كُلنا وهننهي بيه التار واصل
خرج صوت فريال من بينهم تسأله بترقب وقد توقعت ما ينوى فعله وتمنت أن يكون توقعها خطأ :
_ قصدك إيه يابوي !
أدرك إبراهيم أن ابنته أدركت قراره هو وأخيها فتنهد مطولًا وقال بصوت صلب  لا يقبل الجدال :
_ يعني عمران هيتجوز بت خليل
اتسعت العيون في صدمة باستثناء بلال وعمران الذي كان الجمود يستحوذهم .. لكن فجأة صدح صوت إخلاص المرتفع وهي تهب واقفة وتهتف بعصبية :
_ ولدي مهيتجوزش الحرباية دي بت جليلة .. هي الحلول خلصت عشان تجوز ولدك للحرباية دي ما أن شاء الله عنه ما التار خُلص
ارتفع صوت إبراهيم الغاضب وهو يصيح :
_ جرا إيه يا إخلاص أنتي هتعترضي على كلام الرجالة ولا إيه .. الكل راضي وأولهم ولدك
إخلاص بعدم تصديق ورفض :
_ لا عمران عمره ما يوافق أكيد أنت اجبرته
اشتعلت نظرة إبراهيم تجاه زوجته وقبل أن يجيب أخيرًا ظهر صوت عمران القوي وهو يقول :
_ محدش جبرني على حاجة ياما وخلاص معدش له لزمة في الحديت ده دلوك .. الجواز هيتم بكرا
شهقت بذهول وراحت تضرب بكفها على صدرها هاتفة في عدم استيعاب :
_ يامري ! .. ليه ياولدي تعمل في حالك إكده وتوافق وتسمع كلام أبوك
هنا خرجت صرخة عالية من إبراهيم بعدما فقد السيطرة على انفعالاته :
_ وبعدين عاد هنعيدوا ونزيدوا في الحديت كتير .. اللي سمعتيه هيحُصل وخلص الكلام على إكده
توقف عمران واقترب من أمه ليحاوطها بذراعيه ثم يجذبها معه للخارج في لطف وهو يقبل رأسها هامسًا :
_ إهدى ياما خلاص
التزمت الصمت وانتظرت إلى حين مغادرتهم الغرفة وفورًا هتفت بغضب :
_ هتتجوز الحرباية دي وبكرا كمان .. أنت اتجنيت ياعمران كيف توافق !
عمران بهدوء تام ولطف :
_ ياما قولتلك معدش له لزمة الكلام ده دلوك .. كان لازم يحصل إكده مفيش حل تاني
إخلاص صائحة بسخط :
_ لا في هو معدش في حلول غير أنك تتجوزها يعني !
تأفف بعد حيلة ورد في جدية ونظرة حازمة :
_ بزيادة ياما خلاص عاد
التزمت الصمت مجبرة وسط نظراتها المغتاظة والمعاتبة له بينما هو فتركها وعاد للداخل من جديد ليكمل حديثه مع عمه الذي يحاول فهم كيف وافقوا بالتنازل عن حق خليل من أجل زواج .. لكن بالأخير اقنعه إبراهيم واسكته لكن بشار لم يقتنع وبقى ينقل نظره بين أبناء عمه يقرأ تعابير وجههم بشك واستغراب ! .
                                 ***
بقى عمران وإبراهيم فقط في الغرفة بعد رحيل الجميع .. وكان هو يتطلع لابنه ببعض الضيق فقال وهو يلومه بخنق :
_ كدبت على عمك والكل عشانك .. إكده مرتاح خلاص
نظر عمران لوالده بنظرة مهيبة وقال :
_ أيوة مرتاح .. طالما أنا قبلت باللي أنت عاوزه يبقى أنت كمان تقبل بشروطي يابوي
إبراهيم بلهجة تحمل الاستنكار :
_ ويعني هما مش هيعرفوا
عمران بغضب وصوت رجولي صلب :
_ لا محدش هيعرف يابوي .. مهما كان دي كلها كام ساعة وتبقى مرتي وأنا مرضاش أن حد يشوف الصور دي ولا يعرف حاجة عن اللي حُصل
اجابه إبراهيم بموافقة وتأييد لرأيه :
_ ماشي ياولدي أنت عندك حق هي هتبقى مرتك وأي حاجة تمسها هتمسك .. خلاص متقلقش محدش هيعرف حاجة
هدأت ملامح وجهه وارتخت ليقول بعدها بهدوء :
_ زين، أنا رايح العطارة عاوز حاجة مني
رفع يده بالرفض وقال :
_ لا معاوزش حاجة .. ابقى اتصل بيا لو الحج يوسف جه
اكتفى بإماءة رأسه بالموافقة واستدار ليقود خطواته لخارج الغرفة ثم لخارج المنزل بأكمله.. ليستقل بسيارته وينطلق بها .
                               ***
داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة آسيا بالطابق الثاني .....
كانت كامنة فوق فراشها تضم ساقيها لصدرها وعيناها عالقة على النافذة أمامها تتأمل السماء بوجه ذابل .. لم يتركوا لها شيء، داخلها مهشم .. دمروا كل ما تبقى من حب ورحمة بقلبها .. طمسوا تلك النقطة البيضاء بأعماقها، هي الآن طائر مجروح لا حول ولا قوة له لكنه ينتظر شفائه ليعود ويحلق من جديد في سماء الشموخ ليثأر لنفسه من كل شخص ساهم في كسره وسقوطه من أوج القوة .. ستحيا من رمادها مرة أخرى كالعنقاء .
سمعت صوت الباب وهو ينفتح لتدخل جليلة وتلقي عليها نظرة قاسية رغم حزنها على حالتها إلا أنها لم تسمح لعاطفتها بالتأثير عليها حيث هتفت بلهجة مرعبة :
_ جهزي حالك بكرا هتتجوزي اللي لطختي شرفنا وسمعتنا معاه

رواية ميثاق الحرب والغفران Where stories live. Discover now