منزل والد حازم
منضدة خشبية بيضاوية الشكل مزينة بنقوش قديمة الطراز تحيطها ستة مقاعد بنفس النقوش و مبطنة بقماش أزرق غامق ... تعلو المنضدة مفرش رخيص من البلاستيك بنقوشات شعبية تتراص فوقه عدة أطباق من الفول و الفلافل و الباذنجان المقلي و البطاطس المقلية و البيض المسلوق و أخيرا العسل الأسود و الطحينة .
تضع ام حازم طبق العيش و مصفاه بلاستيكية داخلها اعواد الجرجير و الخس .
بصوت عالي تقول : يالا يا ابو حازم الفطار جاهز ... يا عاليا صحي كريمة و تعالي كولي لقمة قبل ما تروحي شغلك .
تنظر لغرفة حازم و هي تفكر هل تنادي عليه ام تتركه يستيقظ مفرده كعادته كل يوم .
نظرت لغرفة عاليا و هي تفكر بضيفتهم ثم عادت بنظرها لغرفة حازم لتتجه نحوها بعزم و هي تكلم نفسها قائلة : لازم يفطر معانا و أضغط عليه بوجود ضيفة ... ميصحش يسيبها و يفضل نايم و أهو طريقة يمكن بيها يرجع يكلم الناس بدل ما هو بيكلم حيطان الأوضة كدة .
فتحت الباب بدون أن تطرقه لتتجه لنافذته و تفتحها و هي تقول بصوت حنون : حازوم يالا يا حبيبي قوم افطر معانا .
وضع وسادتة على رأسه يهرب من ضوء الصباح و قال بصوت ناعس : مش قادر اقوم ... نايم متأخر .
قالت تحايله : يا ابني قوم عايز الضيفة تفتكر إنك مش واخد راحتك عشان وجودها ... مش كفاية امبارح نزلت و رجعت وحتى مرمتش عليها السلام ... يصح كده يعني .
هب جالساً و قد تذكر كل شئ و هو يضع يده بشعره و يقول سريعاً : لا طبعا ميصحش ... طب شوفيها كده خرجت الصالة ... مينفعش اطلع بالمنظر ده قدمها تتفزع و تطلع تجري .
ضحكت أمه من قلبها بسعادة برغم أنها جملة عادية لكن من حازم و بهذا الوقت تعتبر كلماته من أسعد ما سمعت لاول مرة من زمن يداعبها بالكلمات .
فتحت الباب و نظرت للخارج و قالت : يالا مفيش حد اطلع بسرعة على ما اروح اصحيها .
انطلق سريعا و هو يفكر أنه بعد الافطار سوف يتجه للعمل بشقتها بعد زيارتها بالأمس لتحديد الأدوات المطلوبة .
دقائق و كان يجلس على منضدة السفرة يتوسط والده و والدته بينما أمامه كريمة و عاليا التي تأكل سريعا ... تنحنح قائلا محاول مشاكستها على غير العادة : براحة يا عاليا ... أول مرة تشوفي أكل في حياتك .
نظرت له ببلاهة و قالت بعد لحظات من الصمت : أنت كويس يا حازم ... سخن و لا حاجة!!
قال بابتسامة صفراء : ها ها ها خفيفة اوي ودمك شربات والله .
ابتسمت و غمزته قائلة : عارفة اني شربات بس مش متعودة منك على الهزار فخفت تكون بتخرف .
ابتسمت أمهما في سعادة و قالت : ربنا يصلح حالكو يارب و أشوفكو أحسن الناس .
ثم نظرت لكريمة و قالت : ما تاكلي يا بنتي و لا الأكل مش عاجبك .
ردت سريعا ووجهها يتورد حرجا : لا ازاي يا طنط تسلم إيديك افتكرت يوم الجمعة و فطار ماما الله يرحمها نفس القعدة و نفس الاكل .
قال والدهما : ألف رحمة و نور عليهم الأستاذ عبد الغفور كان و نعم الجار و الأخلاق عمرنا ما سمعنا عنهم غير كل خير ...
و انتِ رجعتي من امتى يا بنتي ... الواحد مستغرب انه مخدش باله من رجعتك و عمل معاكي الواجب .
هزت رأسها نافية و قالت : لا يا عمي الغلط مني ... انا رجعت من كام شهر بس كنت نادر لما بكلم حد ... كنت لسه مصدومة من وفاة بابا و ماما فجأة كدة و في يوم واحد ... بعدها مقدرتش اكمل برغم شغلي و حياتي كلها هناك ... إحنا هناك من أكتر من عشر سنين .
قالت ام حازم بصوت حزين : لا حول و لا قوة إلا بالله ... ربنا يرحمهم يا بنتي و يصبرك ثم قالت بتلقائية : إعتبرينا زي أهلك و أي حاجة تخطر على بالك تطلبيها مننا .
قالت و الدموع تتكون بعينيها دون إرادة منها لحنان هذه السيدة الطيبة : ربنا يبارك فيكو يارب .
كان يتظاهر بتناول الطعام بينما هو مهتم بكل كلامها محاولا معرفة تفاصيل أكثر عنها ... هالة النقاء و البراءة المحيطة بها تجذبه لسبب لا يعلمه ... كل ما يعلمه أنه يشعر براحة غريبة لوجودها في محيطه .
إنتبه لصوت عاليا تقول : انا هامشي عشان هتأخر كده ... لو عوزتوا أي حاجة كلموني .
لتقف كريمة بتوتر يلفها الخجل من هذا الموقف فهي وسط إناس لا تعرفهم و لم ترهم منذ كانت طفلة صغيرة ... بالأمس لم تخرج من حجرة عاليا بين تعب و إرهاق و صدمة والجميع تفهم و إحترم صمتها ... أما الأن فلا تعلم ... هل تنتظر لتساعد ام حازم ... أم تعود لحجرتها حتى لا تسبب أي قيد لأصحاب المنزل وقفت تقول بعيون حائرة : أنا ... هو ... حضرتك ...
تفهمت ام حازم حيرتها و خجلها فقالت ترفع عنها الخجل : روحي يا حبيبتي ارتاحي ... صلي الضحى و نامي شوية ... و لما حازم و ابو حازم ينزلوا هاجي اصحيكي نشرب الشاي سوا و تبقي على راحتك .
تبسمت بامتنان لها على تفهمها لدواخلها و انسحبت بخطوات سريعة .
بعد إنتهاء الإفطار و تبادل بعض الكلمات ساعد حازم أمه في رفع الطعام و قام بعمل كوب القهوة الخاص بأبيه ... كما اعتاد منذ عدة اسابيع في محاولة منه لكسر حالة التقوقع التي لازمته بعد خروجه من السجن .
بعد تناول والده القهوة و تبادل الحديث مع ابنه وقف حازم و قال : هاروح أبص على الشقة ... عشان ألحق أخلصها لأن فيها شغل كتير .
و خرج بدون إنتظار اي رد
رفعت أمه يدها و قالت : ربنا يحميك ويهديك و أشوفك حازم بتاع زمان يارب .
قال والده و هو يتجهه لحجرته : أمين يارب يا ام حازم ... هاروح أنام ساعة كده و لما اصحى هاروح أزور الحج محمد بإذن الله ... بقاله يومين مبينزلش القهوة .
YOU ARE READING
مصابيح فى حنايا الروح الجزء الثانى من سلسلة طعم البيوت
言情قالوا في الشدائد لا يبقى الا الرجال قالوا في الفرصة لا يقتنصها الا الاذكياء قالوا في المواجهة لا يدخلها الا الواثقون قالوا في الحب لا يخضع الا العشاق قالوا في الرغبة لا يصمد الا الأتقياء قالوا في المحنة لا يستمر الا الاقوياء وقالوا في الروح لا تظلم...
الفصل الخامس
Start from the beginning