الفصل الخامس

Start from the beginning
                                    

منزل والد حازم
منضدة خشبية بيضاوية الشكل مزينة بنقوش قديمة الطراز تحيطها ستة مقاعد بنفس النقوش و مبطنة بقماش أزرق غامق ... تعلو المنضدة مفرش رخيص من البلاستيك بنقوشات شعبية تتراص فوقه عدة أطباق من الفول و الفلافل و الباذنجان المقلي و البطاطس المقلية و البيض المسلوق و أخيرا العسل الأسود و الطحينة .
تضع ام حازم طبق العيش و مصفاه بلاستيكية داخلها اعواد الجرجير و الخس .
بصوت عالي تقول : يالا يا ابو حازم الفطار جاهز ... يا عاليا صحي كريمة و تعالي كولي لقمة قبل ما تروحي شغلك .
تنظر لغرفة حازم و هي تفكر هل تنادي عليه ام تتركه يستيقظ مفرده كعادته كل يوم .
نظرت لغرفة عاليا و هي تفكر بضيفتهم ثم عادت بنظرها لغرفة حازم لتتجه نحوها بعزم و هي تكلم نفسها قائلة : لازم يفطر معانا و أضغط عليه بوجود ضيفة ... ميصحش يسيبها و يفضل نايم و أهو طريقة يمكن بيها يرجع يكلم الناس بدل ما هو بيكلم حيطان الأوضة كدة .
فتحت الباب بدون أن تطرقه لتتجه لنافذته و تفتحها و هي تقول بصوت حنون : حازوم يالا يا حبيبي قوم افطر معانا .
وضع وسادتة على رأسه يهرب من ضوء الصباح و قال بصوت ناعس : مش قادر اقوم ... نايم متأخر .
قالت تحايله : يا ابني قوم عايز الضيفة تفتكر إنك مش واخد راحتك عشان وجودها ... مش كفاية امبارح نزلت و رجعت وحتى مرمتش عليها السلام ... يصح كده يعني .
هب جالساً و قد تذكر كل شئ و هو يضع يده بشعره و يقول سريعاً : لا طبعا ميصحش ... طب شوفيها كده خرجت الصالة ... مينفعش اطلع بالمنظر ده قدمها تتفزع و تطلع تجري .
ضحكت أمه من قلبها بسعادة برغم أنها جملة عادية لكن من حازم و بهذا الوقت تعتبر كلماته من أسعد ما سمعت لاول مرة من زمن يداعبها بالكلمات .
فتحت الباب و نظرت للخارج و قالت : يالا مفيش حد اطلع بسرعة على ما اروح اصحيها .
انطلق سريعا و هو يفكر أنه بعد الافطار سوف يتجه للعمل بشقتها بعد زيارتها بالأمس لتحديد الأدوات المطلوبة .
دقائق و كان يجلس على منضدة السفرة يتوسط والده و والدته بينما أمامه كريمة و عاليا التي تأكل سريعا ... تنحنح قائلا محاول مشاكستها على غير العادة : براحة يا عاليا ... أول مرة تشوفي أكل في حياتك .
نظرت له ببلاهة و قالت بعد لحظات من الصمت : أنت كويس يا حازم ... سخن و لا حاجة!!
قال بابتسامة صفراء : ها ها ها خفيفة اوي ودمك شربات والله .
ابتسمت و غمزته قائلة : عارفة اني شربات بس مش متعودة منك على الهزار فخفت تكون بتخرف .
ابتسمت أمهما في سعادة و قالت : ربنا يصلح حالكو يارب و أشوفكو أحسن الناس .
ثم نظرت لكريمة و قالت : ما تاكلي يا بنتي و لا الأكل مش عاجبك .
ردت سريعا ووجهها يتورد حرجا : لا ازاي يا طنط تسلم إيديك افتكرت يوم الجمعة و فطار ماما الله يرحمها نفس القعدة و نفس الاكل .
قال والدهما : ألف رحمة و نور عليهم الأستاذ عبد الغفور كان و نعم الجار و الأخلاق عمرنا ما سمعنا عنهم غير كل خير ...
و انتِ رجعتي من امتى يا بنتي ... الواحد مستغرب انه مخدش باله من رجعتك و عمل معاكي الواجب .
هزت رأسها نافية و قالت : لا يا عمي الغلط مني ... انا رجعت من كام شهر بس كنت نادر لما بكلم حد ... كنت لسه مصدومة من وفاة بابا و ماما فجأة كدة و في يوم واحد ... بعدها مقدرتش اكمل برغم شغلي و حياتي كلها هناك ... إحنا هناك من أكتر من عشر سنين .
قالت ام حازم بصوت حزين : لا حول و لا قوة إلا بالله ... ربنا يرحمهم يا بنتي و يصبرك ثم قالت بتلقائية : إعتبرينا زي أهلك و أي حاجة تخطر على بالك تطلبيها مننا .
قالت و الدموع تتكون بعينيها دون إرادة منها لحنان هذه السيدة الطيبة : ربنا يبارك فيكو يارب .
كان يتظاهر بتناول الطعام بينما هو مهتم بكل كلامها محاولا معرفة تفاصيل أكثر عنها ... هالة النقاء و البراءة المحيطة بها تجذبه لسبب لا يعلمه ... كل ما يعلمه أنه يشعر براحة غريبة لوجودها في محيطه .
إنتبه لصوت عاليا تقول : انا هامشي عشان هتأخر كده ... لو عوزتوا أي حاجة كلموني .
لتقف كريمة بتوتر يلفها الخجل من هذا الموقف فهي وسط إناس لا تعرفهم و لم ترهم منذ كانت طفلة صغيرة ... بالأمس لم تخرج من حجرة عاليا بين تعب و إرهاق و صدمة والجميع تفهم و إحترم صمتها ... أما الأن فلا تعلم ... هل تنتظر لتساعد ام حازم ... أم تعود لحجرتها حتى لا تسبب أي قيد لأصحاب المنزل وقفت تقول بعيون حائرة : أنا ... هو ... حضرتك ...
تفهمت ام حازم حيرتها و خجلها فقالت ترفع عنها الخجل : روحي يا حبيبتي ارتاحي ... صلي الضحى و نامي شوية ... و لما حازم و ابو حازم ينزلوا هاجي اصحيكي نشرب الشاي سوا و تبقي على راحتك .
تبسمت بامتنان لها على تفهمها لدواخلها و انسحبت بخطوات سريعة .
بعد إنتهاء الإفطار و تبادل بعض الكلمات ساعد حازم أمه في رفع الطعام و قام بعمل كوب القهوة الخاص بأبيه ... كما اعتاد منذ عدة اسابيع في محاولة منه لكسر حالة التقوقع التي لازمته بعد خروجه من السجن .
بعد تناول والده القهوة و تبادل الحديث مع ابنه وقف حازم و قال : هاروح أبص على الشقة ... عشان ألحق أخلصها لأن فيها شغل كتير .
و خرج بدون إنتظار اي رد
رفعت أمه يدها و قالت : ربنا يحميك ويهديك و أشوفك حازم بتاع زمان يارب .
قال والده و هو يتجهه لحجرته : أمين يارب يا ام حازم ... هاروح أنام ساعة كده و لما اصحى هاروح أزور الحج محمد بإذن الله ... بقاله يومين مبينزلش القهوة .

مصابيح فى حنايا الروح الجزء الثانى من سلسلة طعم البيوتWhere stories live. Discover now