الفصل الثانى

147 3 0
                                    

الفصل الثاني

يجلس بشرود على احد الصخور الممتدة على طول البحر بينما يتعالى خلفه صوت آذان الفجر من مسجد المرسي ابو العباس يعلن عن بداية يوم جديد ... يوم يحتفل به جميع المسلمين بالعالم ... و من اهم طقوسة صلة الرحم ... الزيارات العائلية المتبادلة ... رؤية الاهل و الاقارب و الاستمتاع بصحبتهم ... تجديد اواصر الاخوة التي تتباعد بدوامة الحياة.
مثل اليوم من عام واحد فقط كان يقف كتف بكتف جوار اخاه الاصغر في مسجد الحي الذي يسكن به و من الجهة الاخرى زوج اخته الصغرى بينما باقي العائلة في انتظارهم لذبح الاضحية و اعداد الافطار.
ابتسم بسخرية و هو يتذكر ماحدث بعدها و كيف اختلفت حياته في كل شئ.
فبعد مرور عدة اسابيع على العيد كان وحيد بين اربع جدران يعاني من الوحدة و الظلم و الخذلان.
لا يصدق حتى الان ما حدث معه خلال هذا العام.
فقط عدة اشهر خسر فيهم كل شئ ... خسر اخوته و زوجته و عمله.
زوجة تنكرت له بمجرد تعرضه لاول مشكلة و اخوة فقدوا الثقة به بدون السؤال عنه او التأكد من جريمته.
و عمل بذل فيه كل جهد ليصل الى ما وصل له. فهو من العام الاول بقسم الهندسة المدنية يعمل في الاجازة الصيفية لا لحاجته للمال بل للتعلم ... للخبرة ... للوصول لحلم يسعى له بكل جهده.
من عام واحد كان على وشك الوصول لمنصب لا يصل له الا من يكبره بعشر سنوات و بلحظة واحدة خسر كل شئ و حتى الان لا يعلم لماذا ... لماذا هو ما يحدث معاه كل هذا!!
استغفر الله بصوت مسموع ... لا يعترض على قضاءه و لكن وجع اصبح يلازمه من كل الخيبات التي تعرض لها و ان كان خيبة خسرانه العمل لا تمثل شئ بجانب خيبة خسرانه لبشر ظن انهم يعرفوه اكثر من أنفسهم .
الاغرب من كل هذا أن من صدقه و آمن ببرائته صديق له بالعمل علاقته به عادية و مدتها لم تكن تتعدى عدة اشهر .
فقط والدته و مالك من يدين لهما بكل الحب و الامتنان .
استقام واقفا يغادر البحر بهواءه المنعش و يتجهه ليصلي صلاة الفجر و من بعدها صلاة العيد .... و بعدها يبلغ والدته بقراره للرحيل .

مساءا اول ايام العيد

في الوقت الذي قرر فيه الرجال السهر على القهوة كانت النساء مجتمعات بشقة مجاهد في محاولة لمساعدة وفاء و نعمة لانجاز طلباتهما المضاعفة بمناسبة العيد.
و كل منهن تعمل بنشاط على قدر استطاعتها.
و بعد بعض الوقت عادت نسمه لمنزلها لارهاقها الشديد فبعد عودتها بالامس اشترت تحليل حمل منزلي لتتأكد من حملها وكم كانت فرحتها هي و فتحي بخبر الحمل و اوشك على منعها من الذهاب لوفاء خوفا عليها لكنها وعدته بعدم ارهاق نفسها.
و بمجرد معرفة الفتيات قمن بمنعها من التحرك بعد الاحتفال و اطلاق الزغاريد التي ظنها اهل الحي بمناسبة العيد .
اما هند فلم تستطع المكوث طويلاً لزيارة اخوات زوجها لها و حبيبة سافرت لبلدة ناصر لقضاء العيد مع اهله و اقاربه.
جلست نعمة على الاريكة خلفها وسادة كي تريح ظهرها و امامها طبق ممتلئ بورق العنب و طبق اخر ممتلئ بالارز لعمل المحشي و امامها وفاء منشغلة بعمل عدة صواني من الرقاق
اما ابتسام تعمل بذهن غائب في تقطيع و تنظيف بعض الخضروات.
فقالت وفاء موبخة نعمة : نفسي افهم مش ناوية تسمعي الكلام أبدا ... قولتلك انا هاقوم بالشغل لوحدي و اول ما تقومي بالسلامة ارجعي اشتغلي من تاني ... انتي كده جاية على صحتك اوي .
ابتسمت نعمة و قالت : انا معرفش افضل من غير شغل ... بزهق و بعدين انا قاعدة و حاطة مخدات حوليا و لا هارون الرشيد في زمانه .
ثم نظرت لابتسام و قالت : انتي قافلة المحل انهاردة و لا اية يا عسلية .
قالت لها بهدوء : لا مفتوح بس فاندام كلم شهد اخت محمد اللي بيشتغل معاه في الورشة و اتفق معاها تنزل تقف في المحل معايا.
بت طيبة و امينة و عايزة قرشين يساعدوا في جهازها.
لوت نعمة فمها و قالت :الراجل مش بيفكر غير يريحك ازاي و ياريته عاجب.
ثم اضافات بغيظ : وانتي فكرتي في كلامي بتاع امبارح و لا بلتيه و شربتي ميته .
قالت لها بحنق : ما انا قلتلك مش هتفهمي يا نعمة انتي معشتيش اللي انا عشته ... عبده طول عمره شيلك على دماغه مش زي ابويا و امي و اخويا كانو مطلعين عيني .
لو فاندام اتغير و لا رجع لقعدة المزاج و شغل البلطجة مش هلاقي حد يقفله و لا حد يصرف عليا.
كانت وفاء تتابع الكلام بدون تدخل محاولة فهم المشكلة الى ان انفجرت نعمة قائلة : انتي ناوية على جناني يا ابتسام مش كده!!!
بقالك فوق ال10 سنين بتصرفي على نفسك و الشحط اخوكي و مراته و عارفة تمشي أمورك فل الفل يقوم لما يبقى عندك محل و شغل بتاعك و باسمك تقولي خايفة و عايزة أمن مستقبلي ... خايفة فاندام يرجع للصياعة من تاني ... خايفة يهمل شغله و منلقيش ناكل.
بصي يا بنت الناس لولا انك زي اختي مكنتش اهتميت و لا فتحت بوقي لكن مش هلاقيكي بتخربي بيتك بإيدك و اقف اتفرج .
قالت ابتسام بعصبية : يوه يا نعمة قلتلك اللي ايده في المية مش زي اللي ايده في النار .
اخذت نعمة نفس عميق محاولة تهدئة الوجع ببطنها المنتفخة و قالت : افضلي بقى قولي مية و نار و حشرة و فار ... بطلي جو الاعلانات ده وهانروح بعيد ليه يا عسلية ما عندك الست وفاء اهي الله اكبر عليها وقفت على رجلها لا جوز نفعها و لا اهل كانو معاها و مع ذلك لما قابلت الاستاذ مجاهد معشتش دور المتعقدة و رفضت لاء عرفت تميز معدن البني ادم اللي قصادها و عرفت ان صوابعها مش زي بعضها و بعد الجواز حملت و خلفت لا اجلت و لا بلبعت برشام .
و حتى حمادة ربنا يحميه ممنعهاش تطلق من المخفي طليقها و لا منعها تشتغل بالعكس ده هو السبب اللي ربنا كرمها بسببه هو اللي شجعها و اداها سبب تعافر و تنحت في الصخر و تنجح عشان تضمنله حياة محترمة.
تنحنحت وفاء محاولة تهدئة الوضع المحتدم و قالت : استني يا نعمة الكلام مش بالخناق نتكلم بالعقل و المنطق .
اشارت بيدها غاضبة للتتناثر حبيبات الارز و قالت : من امبارح بكلمها لما عرفت عملتها الهباب و دي دماغها حجر صوان .
قالت وفاء بهدوء : فهميني يا ابتسام سبب خوفك اية!!
قالت بضعف : خايفة يتغير او يتجوز عليا او يجراله حاجة بعد الشر ... خايفة شغله يقف و منلقيش شغل تاني.
سألت بهدوء : و منع الخلفة هو الحل!!
حركت رأسها نافية : مش حل بس لازم اضمن مستقبل ابني مش اجيبه و ابهدله .
قالت ببساطة : و ايه اللي يضمنلك ... ايه يضمن انك تعيشي لبكرة ... ايه يضمن انك انتي اللي متتغيريش ... او تتعبي و يجرالك حاجة بعد الشر او حتى ان مشروعك بين يوم و ليلة يفشل!!
ايه اللي يضمن لحودة انك هتفضلي تحبيه و تفضلي بصحتك و يفضل مشروعك ناجح!!!
ليه بتفكري في الامور من ناحيتك انتي بس و مقلبتيش المواقف!!
عايزة تأجلي الخلفة حقك لكن مش من حقك تاخدي القرار لوحدك .
ربتت على كفها و قالت : الحياة كلها مغامرة يا ابتسام مفيش حاجة مضمونة بين ثانية و التانية الحال بيتبدل ممكن و انا بكلمك اطب ساكتة او يجيلي تليفون يقولي كسبت مليون جنية او حد يبلغ عني الضرايب و مشروعي يبوظ.
توكلي على الله و اعرفي ان كل حاجة بتحصلك خير.
لولا تصرفات اهلك كنتي هتبقي بنت ضعيفة و هشة.
لولا قوتك مكنش فاندام حبك او حتى اخد باله منك .
لولا حبه ليكي مكنش نجح في شغله و عملك مشروع يخصك .
و لولا عقدتك من اهلك مكنش المشروع ده نجح لانه بالنسبة ليكي كان تحدي .
كلها خطوات مرسومة خطوة بتسلم للتانية .
تساقطت الدموع من عينها لتنفجر في البكاء ليترك كل منهما ما في يده و يحتوياها.
قالت من بين بكائها : انا تعبانة ... تعبانة اوي .. مبقتش عارفة الصح من الغلط ... مبقتش عارفة انا كده ببعده عني و لا بقربه مني ... بس انا بحبه اوي و من كتر حبي له مرعوبة اصحى الاقي نفسي لوحدي.
قالت نعمة بتعاطف : و ليه تقدري البلا قبل وقوعه يا بنتي اعملي اللي ربنا امرنا بيه و هو قادر يحفظه ليكي ... راعي ربنا معاه ... صوني بيته و شرفه و اسمعي كلامه طالما ميغضبش ربنا ووقتها هتلاقي حياتك حته من الجنة.
قالت وفاء : متخفيش يا عسلية و زي ما انتي بتحبيه هو بيعشقك و الا مكنش وافق باللي رفضه لنسمة ... كل ده عشان ترضي عنه و عشان بيحبك.
يبقى شغلتك تحافظي على الحب ده و تزوديه مش تفرطي فيه و تضيعيه.

مصابيح فى حنايا الروح الجزء الثانى من سلسلة طعم البيوتWhere stories live. Discover now