الطاحونة تزأر

ابدأ من البداية
                                    

الأحد:

يمر الرجال _كما هي عادتهم_ من شارع الطاحونة نهاراً، ليذهبوا إلى اعمالهم، ولم يلحظ احد الجثة الممزقه لغريب اتخذ الطاحونة الملعونة مأوى له، يدعي محمد ويتسم بالحياء..
وفي الليل _كما هي العادة_ لا يوجد شخص في منطقة الطاحونة، ولكن بعيداً عن تلك المنطقة كان الناس يملأون الطرقات ذهاباً وإياباً..
فجأة، يسمع الناس صوت زئير لم يسمعوه من قبل قط..
يهرب الجميع خوفاً، وهم مرعوبون من هذا الصوت..

الإثنين:

يخرج الناس ليذهبوا إلى اعمالهم، ليفاجؤوا بأربع جثث ممزقه في الطريق..
الأولي لم يتبق منها سوى اشلاء، يمكن جمعها في كيس بلاستيكي.. والثانية، لا يوجد نصفها العلوي.. والعكس في الجثه الثالثة، لا يوجد لها نصف سفلي.. وربما هما جثة واحدة قسمها القاتل نصفين، ولكن ما تفسير فرق الحجم؟..
النصف السفلي لجثة شخص بدين.. والنصف العلوي لشخص نحيل.. نحيل إلي اقصى حد يمكنك تخيله.. ونظرات الهلع تملأ عينيه، اما الجثه الأخيرة، فلم يتبق منها
سوى الرأس والأطراف!
الجميع كان يحكي عن صوت الزئير الذي سمعوه امس، ولم ير احد الكائن صاحب الزئير.. اربعة أشخاص فقط هم من رأوه.. او بالأصح، بقايا اربعة اشخاص!!
وعادت الشرطة تملأ الطرقات من جديد، وكالعادة كان كمال بيه مأمور القسم هو المسئول عن القضية، وأول ما خطر علي باله حادث مقتل محمد سرحان في السجن، وبشكل ما ربط بينه وبين الأربع جثث، وحين رآهم، ازداد يقيناً انه لا يمكن ان يمت هذا الفعل لبشري، ولا حتي احتمال ١٪..
تم جمع الأشلاء لعرضها علي الطب الشرعي، ولم يكن هناك اي دليل مادي كما كان في الجرائم السابقة! وفي الليل، لم ينزل احد من سكان البلدة إلى الشارع، ولكن الغرباء لا يعرفون..
لا ادري سر مرورهم من تلك البلدة ليلاً، ولماذا تلك الأيام.. ربما هو قدرهم..

الثلاثاء:

جثه ممزقه في مدخل البلدة، تثير الذعر بين الناس، الناس تحاول الاقتناع انه ذئب، اخرون قالوا اسد هرب من حديقة الحيوان، التي تبعد عن تلك البلدة مئات الاميال.. والجميع يرفض البوح حتي لنفسه ان تلك الأفعال من قِبل الطاحونة، خاصة وبعد ولم تثبت المحاضر والشرطة ان الطاحونة مُدانة في الجرائم السابقة!
جن جنون كمال بيه وجميع مساعديه من رجال الشرطة، لتلك الحوادث التي زادت فجأة في هذه القرية الهادئة وبهذل العنف!
منذ اسابيع قاتل متسلسل، واليوم كائن يفتك بجثث ضحاياه كأسد مصاب بسعار، وتقرير الطب الشرعي لن يظهر قبل الغد، حتي تظهر الرؤىٰ، علنا نجد فيه خيطاً نستظل فيه علي القاتل.
ولكنه _وعلي سبيل الاطمئنان_ بحث في جميع انحاء القرية وضواحيها عن شخص باق من عائلة السملوتي..
ولم يجد، لقد انتهت هذه العائلة تماماً بعد مقتل محمد سرحان..

الأربعاء:

يمر دون حوادث، ولكن اهل البلدة مازالوا يتبعون حظر التجوال الليلي، الذي فرضه عليهم خوفهم من ذلك الكائن.. وزادت القصص، والاطفال لا ينامون إلاّ في احضان امهاتهم، خوفاً من ذلك الغول الذي يمزق الناس إرباً..
وفي المكتب الخاص بمأمور القسم، يجلس كمال بيه علي ضوء مصباح المكتب الخافت، ويضع القلم في فمه، وامامه ورقه مليئة بالدوائر والاسماء، وينتظر وصول تقرير الطب الشرعي..
لكنه فطن انه ما من شئ يستطيع ان يبقي عينيه مفتوحتين إلا ما بقي لديه مت إرادة حديدية، فهو لا يريد ان يخلد الي النوم قبل ان يقرأ التقرير..
كل هذه القهوة التي في جوفه لم تؤثر، فضرب جرس علي مكتبه مره واثنتين، ولكن لا احد يجيب.. فنادى بأعلي صوته:
_"يا إسماااااااعيل.. اين انت يا رأس البجم"
فيأتي عسكري مهرولاً، ويدخل عليه مكتبه، ويؤدي التحية، فيقول له كمال بيه:
_"احضر لي كوب قهوة آخر.. "
فقال له إسماعيل:
_"تحت امرك يا باشا"
واستدار للخروج، فنادى عليه كمال بيه مرة اخرى، وسأله عن سجائر، فقال له إسماعيل:
_"ولكنك لا تدخن يا باشا! "
فغضب كمال من رظه عليه، وقال له بصوت يتخلله الغضب، وبنظرة تهديد و وعيد:
_"هل ستتناقش معي يا رأس البجم.. معك، اعطني واحدة، وإن لم يكن معك، فأغرب عن وجهي الآن "
فنظر إسماعيل إلى الارض محرجاً، ولكنه اعتاد علي اسلوب كمال بيه الفظ، واخرح من جيب سرواله علبة تبغ، ووضعها امامه هي وقداحه، وخرج دون ان ينبس ببنت شفة..
اشعل كمال بيه سيجارة، واخذ نفسه الأول منها، وفي النفس الثاني، بدأ يشعر بالدوار والغثيان، فرماها علي الأرض، وهو يسب مخترع هذا الشئ اللعين!
دخل عليه إسماعيل وفي يده كوب قهوة وكوب ماء، و وضعها علي مكتب كمال بيه، فرمى كمال في وجهه علبة التبغ وقال له:
_"كيف تشرب هذا الزفت.. خذه واغرب عن وجهي الآن! "
وبالفعل اخذ إسماعيل علبة تبغه، وخرج واغلق الباب خلفه..
وبمجرد ان ارتشف رشفته الأولى من كوب القهوة، كان قد أخذ القرار..
سيفتح قضية محمد سرحان السملوتي مره اخرى، حتي يعرف من الجاني، حتي ان كان هذا سيفتح ابواب سقر علي كثير من زملائه، فيكفي الأرواح التي اُزهقت حتي الآن..
وبعد دقائق، ايقن انه لا مفر من النوم، فذهب إلي اقرب أريكة في مكتبه، والقي جسده عليها..

الخميس:

دائما، في كل مكان، تجد من يتباهى بشجاعة الجهل، ويكسر كل التعاليم ويشذ عن القطيع، ويقرر ان كل هذا خرافات، ويأخذ عصاه ظناً منه انها ستحميه، وينزل إلي الشارع ليلاً..
وكان ذلك الشخص هو سمير..
ولكنه _للأسف _ لا يعرف كنه الكائن الذي سيواجهه!
في المكتب، كان كمال ممسكا بقضية مقتل محمد سرحان.. وفجأة نظر إلي اسم مسئول السجون.. راضي مدكور الشربيني.. من عائلة الشربيني!!
كيف لم يضع احد هذا في عين الاعتبار؟..
وكان الرد سريعا، عندما تحدث مع وكيل النيابة، الذي امره بغلق المحضر وترك القضية كقضية انتحار، ويكفي انه يعرف انه لا علاقة لهذه القضية بضحاياها ومجرميها بما يحدث الآن في القرية.
ووصل تقرير الطب الشرعي ليهدئ من ثورة كنال تجاه وكيل النيابة.. جميع القتلى قتلهم حيوان مفترس، لديه مخالب اقوى من مخالب الدببة، وانيابه بقوة انياب الافيال وحدة انياب الأسود، ولم يستطع الطب الشرعي تفسير كنه او نوعية هذا الحيوان!

الجمعة:

لم يكن للبلدة حديث إلا عن موت سمير.. الكل حزين، ولكنهم قرروا ان يتَّحدوا ليتحدُّوا ذلك الخطر اياً كان نوعه.. ظلوا يسردون  قصصهم الواهية عن عظمة قريتهم في مواجهة المخاطر، وقصة اجدادهم مع عائلة السملوتي، وكيف قضوا عليها بإتحادهم، ناسين او متناسين ان اجدادهم هم سبب ما هم فيه الآن!
وانتظروا ذلك الكائن مُحتشدين
يسير خلف حاسة شمه، وحين شمت انفه الكثير من البشر، فرح بالوليمة..
رأس أسد أسود اللون، علي جسد اشبه بحصان، وإن كان اطول قليلاً، له اربع اقدام ويدان، ولكنه لا يملك ذيلاً او اذناً، وحين كشر عن انيابه، لم تكن انياب عاديه، وإنما سكاكين حادة..
في غمرة الذعر هجم عليهم!.. انقض وظل يمزق هذا، ويأكل ذلك، ويخمش ذاك.. الفزع وهلة والروح اغلي، سكان البلدة تجشموا وتمالكوا انفسهم وتغلبوا علي خوفهم، وبدءوا يضربونه سواء بالرصاص او بالعصيّ، وبعضهم بالسيوف، حتي خارت قواه.. لم يقع وإنما هرب إلى الطاحونة، وعندما ذهبوا خلفه.. لم يجدوا له اثراً، وكأنه لم يكن!
لكنهم وجدوا جثة محمد المتعفنه، الذي كان من اوائل الضحايا!

ثغرة لوسيفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن