الطاحونة تزأر

21 5 2
                                    


مذنب هاللي..

مذنب لا يظهر إلا مره كل خمسة وسبعين عاماً.. وقد حان وقت ظهوره!
العالم بأسره يتحدث عن مرور المذنب، الذي يصعب علي المرء ان يراه مرتين في حياته؛ لذلك كان الموضوع محل اهتمام من الجميع، العلماء وغير العلماء.
حتي الذي لا يعرف ما هو مذنب هاللي، يريد ان يرى الظاهرة التي يتحدث عنها الجميع!
الجميع مهتم، إلا سكان القريه، فقد اشتاقوا للنوم في هدوء من بعد سلسلة جرائم محمد سرحان السملوتي.. وقد عاد الهدوء للقرية من جديد، فقد عادت القرية كدأبها ساكنة كجبل.. صامته كقبر!
والصمت يعزف الحانه في سيمفونية كئيبة في الليل!
ومر المذنب ليلة الجمعة!!
‏البرد اقوي من ان يحتمل، وخاصة حين يمتزج مع الامطار وينير البرق، فيشق بنوره عنان السماء، ويليه صوت الرعد المدوي..
‏لا سبيل لإستكمال الطريق في مثل هذا الجو.. فأتجه الشاطر حسن إلي اقرب بيت مضاء رآه، وحين دق الباب ثلاث دقات بكياسة، لم يستجب احد.. فقرر ان يدق الباب دقات اشد عنفاً، حينها فقط اكتشف ان الباب مفتوح!..
‏دخل الشاطر حسن البيت، ليجده منمقاً ومنظماً، ويتكون من غرفة واحده، بها سرير منظم، وطاوله عليها طبق من الطعام لا يدري كنهه..
‏لم يمنع الشاطر حسن نفسه من تناول الطعام، وبعدها النوم علي الفراش المنظم، حتي يحل الصباح، وتهدأ العاصفة، فيستكمل رحلته!
‏ولكن الأحمق لم يكن يعلم ان هذا بيت الذئب، وانه ارتكب اكثر الأعمال حماقة حين اكل طعامه، ولم يكن يدري بأنه ارتكب اشد الاعمال غباءً حين نام في فراش الذئب!
‏والان عاد الذئب، حيث وجد هذا الغريب نائماً، حيث لا يجب ان ينام..

السبت:

في البداية، ضل محمد طريقه، وكل الطرق في هذا المكان متشابهة، لذلك إحساس انه يسير في دائره كان يراوده اغلب الوقت.
ولكن لم تتوقف الظروف عن تقديم المنح له، ولم تبخل الأقدار في منحها الهدايا له.. ولبئس عطاياها!
توقفت السيارة فجأة في مدخل قرية نائية، اطلق سُبة، ولسان حاله يقول "هذا ما كان ينقصني"  خرج محمد من السيارة، وفتح غطاء الموتور، و وجده ساكنا كديناصور..
معلوماته عن ميكانيكا السيارات كمعلومتي عن الكائنات الحية علي الكواكب الاخري، فكل علاقته بميكانيكا سيارته هي اين يوضع البنزين، واين توضع مياه التبريد، يراهم دائماً يفتحون غطاء الموتور عندما تتوقف السيارة فجأة، ولكنه يجهل الخطوه التي تلي فتح غطاء الموتور، جهل طالب ادبي بمادة الكيمياء!!
وحين قرر ان يفعل مثلهم، عله ينال من الحظ ما ينالون دائماً، وجد ان الأمر معقد اكثر مما تصور، فقرر ان يحترم ذاته، ويعود مره اخرى يحاول مع السيارة.
وضع المفتاح، وحاول معها مراراً وتكراراً، دون أدنى فائدة.
لا يعرف في أية منطقة هو، ولا أية لعنة في هذه القرية بالذات ستحل عليه عما قريب، لذلك قرر ان يبحث عن مكان يقضي فيه ليلته؛ وللصباح رب كريم!
حياءه منعه من التسول طلبا للبيات، فبحث كثيراً عن فندق او بنسيون يقضي فيه ليلته، او حتي مقهى، ولكن ذهبت كل محاولاته سدي، فهذه القرية البائسة لا يأتيها زوار أبداً، لسمعتها التي دائماً  ما تسبقها، ولأن اهلها ينامون بمجرد غروب الشمس، ولم يكن هناك مقهي واحد مفتوحاً، فصار كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، ولكن في الحقيقة البحث عن إبرة في كومة قش أسهل كثيرًا..
أحرق القش ستظهر لك الإبرة..
ولكن ماذا عليه ان يحرق ليجد فندقاً!
وبعد محاولات مضنية، لم يجد مكاناً افضل من الطاحونة ليقيم فيها ليلته حتي الصباح، فلم يكن يعلم سر تلك الملعونة، قدر انها مكان لا يسكنه احد وهو مكان مناسب للبيات، دون ان يجرح كرامته في طلب مكان من شخص ما.
يدخل محمد مبني الطاحونة، ويرتكب نفس حماقة الشاطر حسن، ولم يبالِ برائحة الكبريت التي تسد الأنوف، ولم يبالِ بتلك الرجفة التي هزت جسده بمجرد دخوله المكان..
ونام حيث لا يجب ان ينام..
سمع الجميع الصراخ المدوي، الذي ايقظ القرية بأكملها من سباتها..
ولم يتوقع احد ان هذا الصراخ من بشري، بل هو بالتأكيد من سكان الطاحونة.

ثغرة لوسيفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن