2 | تحتَ التّراب .

Start from the beginning
                                    

« هل جننتِ ؟! أم أنّ خطبًا جللًا قد أصاب عقلكِ يا جوان ؟ لا تنسَيْ أنّه أوّل يومٍ لكِ هنَا أيّتها البطلَة الخياليّة، والمديرَة لن تتغافَل عن فعلتكِ هذهِ أبدًا »

« أظنّها ستفوّت الأمر، لماذا تبالغِين لهذه الدّرجة يَا عائشَة ؟ »

أجبتهَا مطلقةً سيلًا من تأفّفات عدّة لم أستطع إخفاءها ..

« احلمِي، أظنّكِ تحلمين كثيرًا يا جوان »

قالتهَا باستهزاءٍ رغم نبرتها الجديّة، محاولةً العبثَ بأعصابي أكثر .. لهذَا اِضطررتُ لمشاركتهَا ذلك بعد أن رفعتُ حاجبي الأيمَن ولوّنتُ وجهي بنظرةٍ سوداويّة :

« بما أنّ الأحلام مجّانية، فلا ضيرَ إن تركتينِي أغرقُ فيهَا وأحلُم ! »

ضربت كفّي بخفّة، ضاحكةً علَى هذا العناد الّذي أمتلكه، وأظنّها تحاوِل بهذه الحركات تهدئتي وتهدأة نفسهَا أيضًا .. دنونَا من إحدى المقاعد الّتي كانت قريبةً منًا، جلسَت عائشة مفسحةً لي بعضَ المجال، وبمجرّد أن حاولتُ تعديلَ معطفِي، أطلّت علينا نفس تلك الفتَاة الشّقراء الّتي كانت واقفةً بجانبي عند البوّابة، قائلةً بنبرةٍ خافتةٍ طَغت عليهَا جديّةٌ واضحَة :

« آنسَة جوَان صَحِيح ؟ إنّ المديرَة تحتاجِك للحضُور إلى مكتبهَا الآن وحالًا .»

لم أحسّ إلّا بالنّظرة المشفق المواسية الّتي ألقتها عائشة عليّ والّتي زادت غضبِي وحيْرتِي وتوعّدي لهَا بكلّ أنواع القتْل والتّعذيب الّتي أعرفهَا .. ولم أملك خيارًا آخر سوى تتبّع تلك الفتاة نحوَ الوجهة الّتي لا مجالَ ولا عددَ يُعدم أو يحدّد نهايتهَا ..

•••••••••••

صَوتُ خطواتٍ مسموعٍ مع أنفاسٍ أسرت هذا الطّريق، وكأنّ أحدًا أمرنِي بإغماض عينيّ وعدَم افتعالِ أيّ ضجيجٍ حتّى أجد نفسِي مباشرةً في مكتب المديرة، دون تفكيرٍ، وَدون عناءٍ كبير ..

لكنّها الآن تطالعنِي، والمشكلَة الأكبَر .. حضُور ذلِك المسؤول المتربّع على إحدَى الكراسِي برزانةٍ وثقةٌ غريبةٌ تحيط وجودَه ..

وبعد كلّ هذه التّأملات والجوّ المشحون الصّادر من ثلاثتنَا، حمحمتِ المديرة قليلًا بعد أن لاحظَت نظراتِي المستفسرة مطلقةً وابلًا من الكلمات الّتي أدركتُ فحواهَا ومغزاهَا قبل وصولِي إلى هنَا :

« الآنسَة جوانْ، قبل الدّخول في صلبِ الموضوع، لا أنكر أوّلًا معدّلاتك ونقاطكِ الّتي فاقت الممتازْ .. نحن نشهَد عليكِ وعلى حسنِ مستواكِ الدّراسي، لكن كما تعلمِين أنّ هذا المؤشّر لا يعتبر كافيًّا، مثلمَا تعرفِين وجوب احترامِ غيرنَا، خصوصًا إن كان فِي مرتبةٍ أعلى منّا، وعلى ظلّ هذا العامِل أثبتِ اقترافكِ لخطأٍ أمام مسؤولٍ عظيم خدم هذا الوطنَ وساهمَ في حمايَته .. لهذَا المطلوب منكِ الآن هو طلب الاعتذَار من السّيد فيرديناند، وعدمُ تكرار هذه الفعلَة مرّةً أخرى »

الرّعَايَاWhere stories live. Discover now