5

7.4K 189 1
                                    


› الشيطان شاهين › الفصل الخامس (الجزء الثاني)
الفصل الخامس (الجزء الثاني)

صرخ عمر بنفاذ صبر في وجه الطبيب
الذي يتابع حالته منذ سنتين و هو يلقي
بحزمة الأوراق التي تتضمن تحاليله الطبية
قائلا بغضب:"بقالي سنتين.. سنتين و انا
بسمع منك نفس الكلام....أصبر و استنى،
خذ الدواء داه.. إعمل كده و متعملش كده
سنتين و مفيش حاجة تغيرت...صارحني
و قلي إذا حالتي ميؤوس منها انا حفهم
و حتصرف بس متودينيش و تجيبني زي
العيل الصغير و في الاخر مفيش حاجة....
متدينيش أمل كذاب يخليني أحلم بحاجة
مستحيلة انا خلاص زهقت و مليت و صبري
نفذ و معادش ليا طاقة.... لا انا و لا مراتي....
إرتمى جالسا على الكرسي ليفرك وجهه بتعب
غير مهتم بنظرات الطبيب المتأسفة لحاله....
مد له الاخر كوب ماء و هو يحاول تهدئته قائلا
بعملية :"إهدى يا أستاذ عمر انا فاهم و مقدر
حالتك بس صدقني النرفزة و الزعل مش
كويسين علشانك...إنت بقالك سنتين بتتعالج
عندنا و الحمد لله حالتك بقت أحسن بكثير
و إن شاء الله حنسمع اخبار كويسة قريب
بس لازم تكون صبور و هادي أكثر من كده في ناس بتقعد تتعالج بين خمس و عشر سنين و أحيانا
أكثر....
رمقه عمر بحنق و هو يضع الكوب فوق
المكتب متمتما بغيض:"لسه بيقولي اصبر
طبعا ماهو مش اللي رجليه في المية...
يلا إكتبلي لو في دوا او تعليمات عشان
عاوز أمشي من هنا انا كرهت ام المكان
داه...
إبتسم الطبيب و هو يخفض رأسه
ليدون بعض الملاحظات بسرعة في ملفه قائلا :"
إنت حتستمر على الأدوية القديمة و إن
شاء الله المرة الجاية حنسمع اخبار كويسة
موعدنا كالعادة كمان أسبوعين ".
صافحه عمر على مضض قائلا:"إن شاء الله".
تنهد بعمق و هو يغلق باب المكتب وراءه
ليسير في البهو بخطوات متثاقلة و قد بدأ
يتملكه اليأس من حالته فكلام الطبيب
لاجديد فيه... في كل مرة يلقي على مسامعه
نفس التعليمات و النصائح...
توجه نحو إحدى الكراسي الموضوعة في
إحدى الزوايا ليجلس عليه بعد أن أحس
بثقل ساقيه و عدم إستطاعته إكمال السير
دفن رأسه بين كفيه و قد تهدلت أكتافه
بعجز...شعر بغصة في حلقه عندما تذكر
هبة التي تنتظره ليهاتفها و يطمئنها
ماذا سيقول لها الآن..
من أين سيأتي بالقوة و الصبر حتى يهدئها
و يقنعها بقرب الفرج إذا كان هو نفسه قد
تعب و بدأ الياس يتسلل بداخله رويدا رويدا
كيف سيواجه والدته و عائلته الذين لا يكفون
عن طرح موضوع الأطفال أمامه دون مراعاة
مشاعره او مشاعر زوجته التي تحاول دائما
إخفاء ألمها و تجاهل إيحاءاتهم حول فشلها
في أن تصبح أما و تحريضهم له أحيانا
بالبحث عن زوجة أخرى تهب له أطفالا...
نزلت دموعه دون وعي منه و هو يناجي
ربه في سره لييسر أمره و يفرج عنه... أدار
رأسه للجهة الأخرى ليمسح دموعه عندما
شعر بيد أحدهم تربت على كتفه ثم تنحنح
لينظف حلقه قليلا لا يريد لأحد أن يرى ضعفه و إنكساره الذي يخفيه عن الجميع
رفع رأسه ليجد هبة تحدق فيه بصمت و عيونها تتفرسانه بلهفة....
ما إن رآها حتى إنهارت جميع
حصونه الواهية ليجذبها نحوه معانقا إياها
بقوة متشبثا فيها كطفل صغير يبكي
في حضن أمه...كتم صوت شهقاته
بيده لكن هبة أحست باهتزاز جسده
في أحضانها لتربت على ظهره بحنان
محاولة مواساته بعد أن فهمت فحوى
الحوار بينه و بين الطبيب في الداخل....
نجحت أخيرا في تهدئته بعد دقائق طويلة
ليبتعد عن حضنها و هو يجفف عبراته
بيديه قبل أن يردف بصوت مختنق:"انا
آسف يا بيبة مش عارف إيه اللي حصلي
فجأة إنهارت و معتش قادر أكتم جوايا...
ناولته هبة منديلا ورقيا ليأخذه منها
و هو يحاول رسم إبتسامة خفيفة
على وجهه لتقول هبة بصوت هادئ
:" متحملش نفسك أكثر من طاقتها
و بعدين انا مليش دعوة بكلام الدكاترة
الفارغ داه... أنا أملي في ربنا كثير و انا
كل يوم بدعي عشان يحقق حلمنا و انا
متأكدة إنه مش حيخيب ظننا...دي
آخر مرة تيجي فيها المكان داه..من النهاردة
مفيش لا أدوية و لا تحاليل، حنسيب كل
حاجة لربنا لو قدر لينا إننا نخلف فالحمد
لله و لو مقدرش نقول بردو الحمد لله.....
ضمت يديه بين يديها و هي تضيف
بنبرة عاشقة حنونة:"مش قلتلي إنك
حتعتبرني بنوتك الكبيرة و مش عايز
من الدنيا حاجة غيري و إلا إنت غيرت رأيك
بقى....
رفعت يده ببطئ إلى شفتيها لتطبع على
باطنها قبلة و هي تنظر في عيني عمر الذي
إرتفعت زاوية شفتيه بابتسامة فخورة
رغم وجهه المتعب إلا أنه شعر براحة نفسية
كبيرة لسماعه كلماتها الحنونة التي تخرجه
في كل مرة من ضيق أحزانه و تعوضه
عن شعوره التقصير ناحيتها
طوال سنوات زواجها به لم تحسسه
و لو مرة واحدة بالنقص تواجه كل إهانات
عائلته بصبر و لاتشتكي له ابدا...
هذه هبة التي عشقها و إختارها من بين
آلاف الفتيات يوما بعد يوم تثبت له
أنه لم يخطئ ابدا عندما وهبها روحه و حياته
و توجها ملكة على عرش قلبه....
لم يشعر بنفسه إلا و هو يحاوط وجهها
بين يديه و يقبل جبينها قبلة خفيفة
قبل أن يجذبها إلى أحضانه ليعتصرها
بقوة و كأنه يخاف أن تختفي..
أخذ نفسا عميقا يستنشق رائحتها بادمان
و هو يتمتم بصوت مسموع :"بحبك يا أحلى
حاجة في حياتي.... بحبك و مش عايز غيرك
في الدنيا....
أجابته هبة:" و انا كمان يا قلب هبة".
_________________________________
بعد اسبوع......
مساء في مستشفى البحيري :
فركت ليليان عنقها بتعب و هي تنحني
برأسها قليلا لتستند بجبينها على سطح المكتب
تنهدت و هي تغمض عينيها بارهاق من احداث
الاسبوع الماضي....عملها الذي إستمر في المستشفى
بعد أن رفض أيهم إستلام الإدارة و إكتفائه بالعمل
بالشركة بعد إنسحاب سيف و عودته للعمل
مع والده لم تذق طعم النوم منذ يومين
لكثرة العمل و الذي إضطرها للمكوث
في المشفى أغلب وقتها و من جهة أخرى
أيهم الذي لا يكف عن ملاحقتها و محاصرتها
في كل مكان بهداياه و مفاجآته الغريبة
باقات ورود و مجوهرات ثمينة و فساتين
ووو...
فتحت أحد ادراج المكتب لتخرج منها
علبة مخملية زرقاء داكنة لتفتحها فيظهر
بداخلها خاتم ألماسي رقيق يخطف
الانظار وجدته صباحا فوق مكتبها و معه
وردة حمراء نسيت حتى اين وضعتها
بسبب إكتظاط مكتبها بباقات الورد
التي تصلها منه كل يوم...

الشيطان شاهين الجزء الثانيWo Geschichten leben. Entdecke jetzt