الفصل الأول "1"

599 24 0
                                    

"الفصل الأول"

برحلة ادكارها لتلك الأيام الغابرة أخذت الذكريات تتوافد إلى ثنايا عقلها تفتش به عن ذرات الأمل فتقتلها، ذكريات تجربة زواجها الراسبة..
أخطأت الأختيار، عفوًا هي لم تُخطأ لكن انجرفت نحو ما يريده والديها رحمهم الله.
لم تُصغي آنذاك لقلبها الذي أقام حربًا شعواء رافضًا ذاك الإرتباط؛ لكن قد حدث ما حدث ولا يُجدي البكاء نفعًا على اللبن المسكوب.
انجرّ الحدث الأخير قبل وفاة زوجها يُحلّق بأُفق ذاكرتها المديدة.

_ كفى تقاعس أمجد، يجب عليك الذهاب للعمل لأجل سداد حاجتنا فكما ترى إبنتنا قد جاءت للحياة وتحتاج للكثير.
وأنا لن أستطيع العمل بعد الآن لأجل الإعتناء بِـ حور.

_ عند ذِكر العمل والسعي، تفاقم غضبه وجعل الدم يصَّاعد إلى وجهه وهو يراها تبتغي إليه الوسائل لأجل تحصيل الأموال لمواكبة ظروف المعيشة وشظف العيش وقد عرّته  أمام ذاته، قام تجاهها وجذبها من يدها بعنف قائلًا:-
لن أعمل وأكِد من أجلكِ يا إمرأة.. إذا كنتِ تُريدين إطعام إبنتك ومعدتك فاركضي أنتِ واعملي ولا تتذمري يا هذه.

_ تربد وجهها بالرفض والحنق، هي ليست كليلة لترضخ له وتخافه، قالت بصوتٍ هادٍ رغم الجمر الذي ينبثق من محاجر عينيها:-
أنتَ هو الرجل وأنتَ زوجي ووجب عليك تلبية حاجتنا لا أنّ تعتمد عليّ لأعمل وأُطعمك، من يرتضي هذا؟ وأيّ سنة استنَّتها لنفسك!
سأتفرغ لتربية ابنتي ويكفي إلى هذا الحد، منذ أنّ تزوجنا وأنتَ تمكث في المنزل بينما أنا فأركض للعمل هُنا وهناك، هل تقبل على نفسك أنّ تُطعمك إمرأة من عرق جبينها.
اتقي الله يا أمجد سيُحاسبك الله على هذا.

_ وجهه كان عابسًا باسرًا، وهو يرى أنها استفحلت واستطالت أنيابها فصارت تنهش بالكلمات مُعترضة على تكاسله واتكاله عليها، اقترب منها وانحطّ عليها يضربها ضرب مجنون ذاهب الرشد إلا أنها ظلت تقاومه لكن كَبُرَ عليها الأمر واضمحلت قواها فتهالك جاثية وتركها هذا الثور بعدما شعر بالإرهاق وخرج من المنزل لا يمتلك وازع من ضمير ولا بادرة من ندم.

لتظل "حَوّاء" هائمة على وجهها تواسي قلبها الماكث بجدران روحها الخاوية المُقْفرة التي نسجت العناكب بها نسيج الوصب، أمالها أضحت هباءً مُنبثة احترقت بِشُواظٌ من نار..
تلك مكاتيب القدر ليس عليها الإعتراض وإنما الصمود..
لماذا يا أبي، كنت تخشى عليّ الوحدة فأردت أنّ تطمئن من أجلي قبل رحيلك مُعتقدًا أنكَ زوجتني من رجل نجح في زخرفة ذاته من الخارج لأتفاجىء بمعدنه النتن بعد فوات الأوان ..
ليتك تركتني للوحدة يا أبي ..
ليرحمكَ الله..
تحتاج صمود به بأسٌ شديدٌ لأجل مواصلة المسير ببلاد الغرب..
وقد كان لها كِفلٌ من الهناء المنسوج من الألم، جاءها بعد خروجه بساعة واحدة خبر بوفاته إثر حادث أليم وانتقاله لجوار رب العالمين.

هل تحزن باكية، أم تسعد ضاحكة بعد هذا الكم من العذاب مُغتربة عن أوطانها..
سقطت بجانب وليدتها تحملها برفقٍ وتحتضنها بحنان تحتاجه هي الآن، وأصبحت حياتها تتبلور بها فقط "حور"

"الأحمق الشارد " -Fae_حيث تعيش القصص. اكتشف الآن