حوادث

33 11 7
                                    

الضوضاء منتشرة علي غير العادة في قرية الطاحونة!.. الضوضاء في كل مكان لدرجة الصخب فالمكان غير مؤهل لأي نوع من انواع الضوضاء، نظراً لهدوئه المزمن!
الشرطه في كل مكان.. هناك شرطي بدين بشكل غريب، حتي لأنك تتسائل كيف تم قبوله في كلية الشرطة، يتفحص الجثة، وهو يلهث ويمسح العرق المتصبب منه بمنديل محلاوي كبير. و شرطي اخر ينظر الي مسرح الجريمة بتركيز مصطنع، ويكتب ملاحظاته حولها. وثالث بزي مدني، يرتدي نظاره ويمسك في يده عدسه مكبره، في شئ اشبه بشخصية "شيرلوك هولمز"، يضع بعض الاشياء التي لا تدري كنهها في كيس بلاستيكي. ورابع يمسك نفس العدسه، وشئ اخر في يده، يضعه علي ما حول مسرح الجريمه ليرفع البصمات.
الجثة ملقاة بجانب الطاحونة، و الميتة لا تمت للأفعال البشرية بصلة!
اجتمعوا اهل القرية و التفوا حولها، رغم محاولات رجال الشرطة المستميتة في ابعادهم عن مسرح الجريمة.
ولكن لا حياة لمن تنادي، فالطبع المصري أبداً لن يتغير، فدائما ما يتجمهر الناس بمجرد سماعهم بحدوث مصيبة ما، و خاصة ان كانت تلك المصيبة " جريمة قتل"..
كانت الجثة لذكر اربعيني العمر، مقتول بشكل غير بشري، التفت جميع اوصاله ورأسه حول محورهم بشكل غريب، فأصبح وجهه تجاه ظهره، ويداه و قدماه ملتفين عكس وضعهم. ولكن الغريب في الامر اكثر، انه لم تظهر علي وجهه اية امارة من امارات الالم!
وفجأة، صاح الرجل المتقمص لشخصية شيرلوك هولمز انه وجد شيئاً مثيراً للأهمية. وكان هذا الشئ مُحقناً بجانب الجثة. فنظر له الضابط البدين ببرود، بنظرة الرجل الفاهم الذي لا يندهش البتة، وقال له ضعها في كيس و حافظ علي بصماتها، حتي يراها الطبيب الشرعي ونعرف ما بها، علها تكون خيطاً نستدل به علي القاتل..
وانتهي هذا اليوم الطويل، وتم نقل الجثه للمشرحة، ليتم تشريحها وإرسال تقريرها للنيابة.
واستمرت التحقيقات حتي أذان المغرب، ورفض اهل القتيل فكرة تشريحه تماماً، ولكن اقتنعوا بعد عناء في النهاية، للتعرف علي كنه المجرم، وخاصة إن طريقة قتله غير طبيعية! ومن وقتها، وشغل القرية الشاغل وحديثها الدائم حول تلك الجريمة البشعة.
اكيد تحركت الطاحونة الملعونة!.. هذه الميتة لا تمت لبشري بصلة!..
عادت اشباح عائلة السملوتي لتنتقم مما فعله اجدادنا بهم!..
لا يمكن لبشري، مهما كان جبروته، حتي وإن كان هتلر شخصياً، ان يقتل شخصا بهذه الطريقة!
كنا نعلم انهم سينتقمون ذات يوم، ولكن ما ذنبنا نحن نعاقب بإثم فعله اجدادنا؟! يجب هدم هذه الطاحونة!
لا يجب هدمها، حتي لا نثير حنقها أكثر من ذلك، فيكفي خراباً إلى هذا الحد، ويكفي إثم اجدادنا بقتل عائلة السملوتي!
الرجال يرتعدون خوفاً، ويتحاشون النظر الي تلك الطاحونة، ويهابونها كما لم يهابوا شيئاً من قبل.
و النساء يثرثرن حول انتقام الطاحونة ومستقبل اطفالهم البائس في قرية كقرية الطاحونة الملعونة!.. و الاطفال صاروا ينامون من بعد المغرب، ولا يخرجون في الطرقات بمجرد ذهاب الشمس، خشية امنا الغوله و ابو رجل مسلوخة ان يقتلوهم!
وبعد يومين، ظهر تقرير الطب الشرعي، الذي اوضح ان القتيل كان مخدراً قبل وفاته، وهذا كان سبباً لعدم ظهور امارات الالم علي وجهه، وان المحقن الذي كان بجانبه كان به مادة مخدرة!
‏فضحك الشرطي الذي كان يقرأ التقرير وتمتم:
‏-{اي شيطان هذا الذي يخدر ضحاياه قبل قتلهم.. يالرحمة قلبه!}
‏وانتشر خبر التخدير في القرية.
‏والغريب ان اهل القرية فرحوا بهذا الخبر، حتي إذا جاء دورهم، فعلي الاقل لن يشعروا بألم!!
‏يالرحمة عائلة السملوتي علينا!
‏ولكن الغريب ان لم يتساءل احد عن كنه الشبح الذي يشتري محقناً مخدراً، ويعطيه لقتيله قبل قتله بهذه الكريقة البشعة!
‏ولم يمر يوم علي تقرير الطب الشرعي، حتي تكرر نفس المشهد بحذافيره.. جثة لرجل في العقد الرابع من العمر، لا تبدو علي وجهه اي امارات الم، ولولا الدماء التي بجانبه والفتحه التي في صدره، لظننت انه نائم!
‏فتحة!!
‏نعم فتحه..
‏الم اخبرك؟!
‏فقد اختلفت طريقة القتل هذه المره..
‏فهذه المره لم تلتف اوصاله حول محورها، إن كنت فكرت في هذا.
‏لقد اخرج القاتل قلبه من بين ضلوعه، و وضعه بجانبه!
‏وكالمره السابقة، وجد المحقق محقناً، وتوقع الجميع قبل وصول تقرير الطب الشرعي انه كان يحوي مادة مخدرة!
‏ولكن كان للضابط البدين رأي آخر في موضوع الطب، وهو رفع البصمات عن المحقن الجديد والقديم، ومطابقة البصمات، فإن كانت متماثلة سيكون خيطاً قويا في هذه القضية..
‏كيف لم افكر في هذه الفكرة في الجريمة السابقة؟
‏لقد اخذ المسئول عن البصمات كل البصمات من كل الأماكن، عدا المحقن!!
‏ومن وقتها وازداد الذعر بين سكان القرية اكثر واكثر، واصبح الجميع يتحدث عن الطاحونة الثائرة، وعن عائلة السملوتي التي تحركت فجأة، والجرائم البشعة التي جرت، وطريقة القتل المرعبه التي لا تمت لبشري بصلة..
‏عوض من عائلة الشربيني، التفت اوصاله ورأسه حول محورهم!
‏كرم من عائلة الجابري، تم انتزاع قلبه من صدره!
‏ماذا بعد؟..
‏وماذا يحما الغد بين طياته لقريتنا الملعونة؟..
‏ام اقول قريتنا البائسة!
‏وهكذا استمر النواح علي مدى اليوم، وصلى الجميع على امل ان تكون هذه آخر الجرائم، ولكن لم يستجب الله لدعواتهم!
‏ففي اليوم التالي، جاء الضابط البدين مذعوراً، حينما اخبروه بالجريمة الثالثة هذا الشهر.
‏وهو يقرأ تقريراً في يده، يفيد بأن البصمات علي المحقن هي بصمات بشرية ومتطابقة!
‏وحين قرأ ان البصمات تمت لبشري، ذهب خياله لشيئين
‏اولهما:
‏ان هذا البشري باع روحه للشيطان، كما يحدث في الافلام، ويساعد الشيطان في جرائمه غير البشريه بالمرة.
‏او ان هذا الشخص مريض، كمرضي مستشفي الامراض العقليه، وسادي كموسوليني وهتلر، وهو من يقوم بهذه الجرائم بنفسه، لأسباب لا يعلمها إلا الخالق سبحانه وتعالى، ثم هو!
‏ولكن في كلتا الحالتين، ومع كل الاحتمالات، فيجب معرفة كنه هذا الشخص الذي وراء كل تلك المصائب؛ لانه سيكشف عنا جميعا غموض الصورة، وسيعطينا الاحجية المفقودة لحل اللغز..
‏انتزعه من السير في طرقات خياله ضابط آخر، انضم لفريق التحقيق في القضيه وهو يقول:
‏-{كمال بيه.. الجثه الجديدة لذكر في الأربعين من العمر.. واغلب الظن ان القاتل هذا المرة لم يستخدم اساليبه النازية في القتل، فيبدو انه قتله بالسم، لأن الجثه غير مشوهة. كان بجانبها المحقن المعتاد.. ولكن الغريب في الأمر ان الجثه كانت معصوبة العينين، فظننا ان القاتل فقأ عيني القتيل، لكن هذا لم يحدث.. فلماذا إذاً ربط القاتل عيني ضحيته؟!!}
‏الجواب كان سريعاً من الطب الشرعي، لقد اذاب القاتل مخ ضحيته عن طريق محلول ما، ادخله عن طريق فم الضحيه، وربط عين الضحيه خوفا عليها من ان تخرج من محجرها وتشوه عملية القتل، التي يعتبرها لوحة فنية!!
‏وبمجرد انتشار الخبر في القرية، تملك الخوف من سكانها.. لقد انضم رضا البدراوي إذاً للقائمة.
‏ولكن اي شيطان هذا الذي ينتزع مخ ضحيته، دون ان ينتزع ولو جزء صغير من رأسه؟!
‏إن الامر تخطي حدود البشر..
‏تلك الطاحونة الملعونة، متي ستنفك لعنتها عنا، وتتركنا في حالنا!
‏لبئس مصيرنا ومصير قريتنا!
‏كانت القرية تتبادل اطراف الحديث حول الجرائم، وفي الوقت ذاته كان كمال بيه ساهراً في مكتبه، يحاول حل اللغز، ويبحث عن شئ او طرف خيط يساعده في إنهاء سلسلة الجرائم تلك!
‏من هو كمال بيه؟!
‏ظننت هذا واضحاً.. كمال بيه هو ذلك الضابط البدين المسئول عن تلك القضية منذ بدايتها!
‏وكيف عرفت اسمه؟!..
‏ظننت هذا ايضاً واضحاً.. عندما نادي عليه صديقه في مسرح جريمة القتل الثالثة!
‏هل لديك اي استفسار آخر؟!
‏لا..
‏حسناً فلنكمل قصتنا..
‏كان كمال بيه ساهراً في مكتبه، ومعه صديقه النقيب علاء، المُكلف مؤخراً بالتحقيق في القضية ومساعدة كمال بيه.
‏ساعات الليل الاخيره دائماً ما يكون فيها الإلهام!
‏تقارير الطب الشرعي امامهما..
‏البصمات التي علي المحقن الثالث هي نفسها نفس البصمات السابقة!
‏إذاً القاتل شخص واحد..
‏{يجب ان احصل عليه، وإن كان في سقر}!
‏قالها كمال بيه، قبل ان تلمع الفكرة في ذهنه، فقال للنقيب علاء:
‏-{ماذا عن اخذ بصمات سكان القرية بأكملهم، ومطابقتها بالبصمات التي لدينا؟.. حينها سنتعرف علي الجاني بكل تأكيد..}
‏فضحك علاء بيه علي كلامه وقال له:
‏-{هل تريد رفع بصمات قرية بأكملها للتوصل لقاتل؟.. مستحيل فعل شئ كهذا الا في الخيال}
‏ظلوا ساهرين حتي بزوغ الشمس، حين رن الهاتف ليخبرهم بجريمة رابعة!!
‏كانت ابشع جريمة في سلسلة الجرائم هذه!
‏لقد وضع القاتل الضحية في قِدر به ماء، وكالعادة كانت الضحية مُخدرة، لأن المحقن كان بجانب القِدر، ثم اشعل النيران ليغلي الماء والضحية فيها!
‏لم يتمكنوا من تحديد سن الضحية، بالنظر لأنها كانت بلا ملامح..
‏فقد مات غريقا في ماء مغلي، فتشوهت كل ملامحه، وتساقطت معظم اعضاء جسده!
‏ولرحمة اللّٰه به، اثبتت التقارير انه توفي غرقاً قبل ان يصل الماء لدرجة الغليان!
‏وانتشرت الاقاويل في القرية، وانتشر الحديث..
‏فالبعض يقول ان الشيطان كان يطهو الضحية ليأكلها، ولكن وصول الشرطه اعاق بينه وبين وجبة غدائه، وهذا يعني انه جائع ويشتهي الطعام، مما يعني انه ستكون له ضحايا آخرون!
‏والبعض يقول ان الطاحونة لن تهدأ حتي تنتقم من اهل القرية جميعاً، فبدأت بعوض الشربيني وكرم الجابري ورضا البدراوي، واخيراً طهت علي الشناوي علي موقد ونار هادئة!
‏والجميع من كبار عائلات القرية!.. ان كانت تفعل هذا في كبار العائلات، ماذا عن الطبقة الدنيا من القرية.. ماذا سيكون مصيرنا!!
‏واي نهاية تعيسة مكتوبة لنا!
‏والبعض الآخر يندب حظه علي مولده في قرية كهذه القرية الملعونة، التي صارت القري المجاورة تهابها كما تهاب الطاعون.
‏والنساء يولولون، والاطفال يبكون، والرجال من الخوف يرتعدون! وحتي كمال بيه وعلاء بيه جن جنونهم من هذا القاتل..
‏كمال بيه يجلس في مكتبه يقرأ ملفات القضية بصوت عال، حتي يجذب انتباه علاء بيه ليفكر معه فيقول:
‏-القاتل واحد.. سنعتبره مجازاً بشرياً، ونتخلي عن افكار اهل القرية التي يفعمها الجهل.
‏الضحية الأولي عوض الشربيني، من كبار عائلة الشربيني.. الضحية الثانية كرم الجابري، من كبار عائلة الجابري.. الضحية الثالثة رضا البدراوي، من كبار عائلة البدراوي.. والضحية الرابعة علي الشناوي، كبير عائلة الشناوي.. هل تعرف معني هذا؟!
‏فكر علاء هنيهة ثم لمعت الفكرة في ذهنه..
‏-{هل تعني ان القاتل يستهدف عائلات القرية، او كبار عائلات القرية؟}
‏فأبتسم كمال وقال له:
‏-{نعم هو كذلك.. وهذا يضع امامنا احتمالين.. الأول ان هذا القاتل غبي ومُكلف بفعل هذه الجرائم من شخص أزكى، لذلك ترك المحقن وعليه بصماته كدليل، ولم يضع خطته بعناية، حتي وقع في الشرك.والاحتمال الثاني أنه فعل هذا عن عمد!}
‏تعجب علاء وقال له:
‏-{عن عمد؟!!.. كيف هذا؟}
‏فأبتسم كمال وقال له:
‏-{نعم.. إما لسبب ما في ذهنه، او ليضع لنا فخاً نقع فيه. هو القاتل، والبصمات لشخص اخر كتمويه لنا. او ان القاتل الذي يقتل بهذا الشكل بلا شك لديه ميول استعراضية، فشعر أنه يجب كشفه في النهاية، ليقول{نعم انا صاحب هذا الفن.. انا الرسام لهذه اللوحة الفنية العظيمة} حتي وإن كانت الضريبة حياته. ولكن الاحتمال الاقرب الي الحقيقة ان القاتل هو قاتل مأجور لأحد الأشخاص الذي يضع اةخطة له، ويريد في نهاية الأمر ان يتم القبض علي القاتل لسبب ما..}
‏كان علاء يكتب كل تلك الملاحظات وراءه، ورسم كل الضحايا في دوائر، ثم وضع القلم في فمه وقال لكمال:
‏-{لم يتبق إذاً إلا ثلاث عائلات: عائلة الويلي وعائلة حفناوي وعائلة السملوتي.. وعائلة السملوتي لم يتبق منها احد، لقد انتهت منذ زمن..}
‏فتثاءب كمال ثم قال لعلاء وهو يضرب الجرس ليأتي احد العساكر ليحضر لهما بعضاً من القهوة:
‏-{إذاً الضحية القادمة ستكون واحدة من تلكما العائلتين، إما عائلة حفناوي او عائلة الويلي}
‏ثم دخل العسكري، فطلب منه قهوة سادة له في كوب، وقهوة مضبوطة لعلاء بيه في فنجان، واستطر حديثه قائلا:
‏-{وإذا نظرت لترتيب الضحايا، ستجد أنه لا يختار منهم عبثاً، بل يختار من كبار العائلات لا أدناها، وهذا يعني ان الدو علي عائلة الويلي؛ لأنها أكبر من عائلة حفناوي.. وهذا ايضاً سيضع احتمالية انه إن لم يتم القبض عليه سيكون الدور علي بسطاء أهل القرية محتوماً، إن لم يعيد الددائرة مرة اخري علي تلك العائلات، حتي يقضي عليها تماماً!}
‏فكر علاء هنيهة، وقال له:
‏-{إذاً الحل بسيط.. نراقب كل كبار عائلة الويلي، حتي يتم القبض علي القاتل متلبساً حين يحاول تنفيذ جريمته التالية!}
‏دخل العسكري بالقهوة، ووضعها امامهما، فأرتشف منها كمال، ثم بصقها والقاها علي العسكري وقال له:
‏-{قلت لك قهوة سادة.. سادة يا رأس البجم.. لماءا وضعت بها سكر؟!}
‏فمسح العسكري وجهه بمنديل محلاوي كبير وقال له:
‏-{هذه ليست قهوتك يا كمال باشا.. قهوتك في الكوب، اما الفنجان فهو خاص بعلاء باشا وقهوته مضبوطة!!}
‏لم يعلم كمال ماذا يقول في هذا الموقف، فأخرجه علاء من هذا الموقف المحرج وقال:
-{هل سترد علي كمال بيه؟.. اذهب واحضر لي قهوة اخري بدلاً من تلك التي سكبها ولا تتأخر}
وبعد ان خرج العسكري، وضع النقيب علاء كوب القهوة أمام كمال وقال له:
-{اهدأ.. لماذا كل تلك العصبية؟ لقد توصلنا لخيوط مهمة في القضية! سنراقب عائلة الويلي، وبإذن اللّٰه سنقبض علي القاتل}
فأرتشف كمال منزكوب القهوة وقال له:
-{لا لن نضع اي احتمال للصدفة.. سنراقب العائلتين، حفناوي قبل الويلي، عل القاتل يغير خطته.. فنظريتنا غير مؤكدة حتي الآن، بل هي مجرد اجتهادات}
وبالفعل تمت مراقبة العائلتين، دون ان يشتر أحد، ولا حتي العائلتين، حتي لا يأخذ المجرم حذره. واستمرت المراقبة ليلتين دون حدوث شئ، حتي ظن كمال بيه ان القاتل اخذ خبراً، ولكن في الليلة الثالثة رأي رجال الشرطة شخصاً ما قوي البنية عريض المنكبين، يحقن احد افراد عائلة الويلي من ظهره، فيقع مغشياً عليه، فيحمله، ويذهب به في اتجاه الطاحونة الملعونة!
فأنقض عليه رجال الشرطة، ووضعوا الكلبشات في يده، ووضعوه في سيارة ملاكي خاصة بهم، بعد مقاومة شديدة منه، ولكن في النهاية خارت قواه امام كثرتهم..
وبدأ كل من علاء وكمال التحقيق:
-اسمك وسنك وعنوانك
-‏محمد سرحان محمد السملوتي.. 35سنة.. وعنواني ارض الله الواسعة
-‏ارض الله الواسعة!!.. هل تمزح معي؟!
فقاطع التحقيق علاء بيه وقال له:
-بعد إذنك يا كمال بيه.. هل تنتمي لعائلة السملوتي؟!
-‏نعم، وانا فخور بهذا
فقطب كمال بيه جبينه وقال له:
-همممم عائلة السملوتي.. لقد بدأت الرؤية تتضح.. ان متهم بقتل كل من السيد عوض الشربيني والسيد كرم الجابري والسيد رضا البدراوي والسيد علي الشناوي، والشروع في قتل السيد شريف الويلي.. ما هو قولك فيما هو منسوب إليك؟!
-‏نعم انا فعلت هذا، وكنت سأقضي علي كل كبار العائلات، ومن ثم اعيد الكرة، حتي اقطع نسلهم كما قطعوا نسل عائلتي. لقد كنت من اسياد هذا البلد، وعائلة السملوتي كانت هي العائلة الوحيدة في هذه القرية التي لها اسم، وكانت تحكم القرية، حتي ثار علينا الحمقي من اهل القرية وقضوا علي نسل عائلتي. لذلك كان الصوت يناديني يومياً بأن انتقم بأبشع الطرق، وكنت سأضع شريف الويلي في الطاحونة لأزفرها، واعيد امجاد عائلتي مرة اخري..
قال كل هذا ثم انخرط في بكاء طويل فاجأ الحضور، فلم يتوقع احد ان يبكي رجل مثل هذا الرجل، بالذات بهذا الشكل!
فأغلق كمال بيه وعلاء بيه التحقيق عند هذا الحد حتي يهدأ، واستكمل التحقيق معه بعد ساعة..
وفي اليوم التالي، تم عرضه علي النيابة، وسار تحقيق وكيل النيابة معه علي نفس المنوال، وفي النهاية امر بحبسه اربعة ايام علي ذمة التحقيق، حتي يتم عرضه علي دكتور مختص، ليتحقق من سلامة قواه العقلية!
وداخل السجن، قام بأفتعال الكثير من المشاكل، كما قال العسكري المختص بالسجون، فنقله الي الحبس الانفرادي..
وفي اليوم التالي، حين جاء الطبيب المختص ليراه، وجدوه مقتولاً في حبسه الأنفرادي، بنفس الطريقة التي قتل بها عوض الشربيني.. رأسه واوصاله ملتفين حول محورهم، وعلي وجهه أعتي أمارات الألم!
ولكنه دُفن في صمت، حتي لا تفتح عليهم ابواب الجحيم بسبب الإهمال، وأُغلِقت القضية علي انها انتحار، ولم يفتحها احد مرة اخري، خاصة وأنه لا احد يهتم بمحمد، الا أهل له ولا نسب!

ثغرة لوسيفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن