الفصل الثاني من قصه حلم

5.6K 187 5
                                    

الفصل الثانى من سقر عشقي (( حلم ))$

طرقات على باب الحمام وصوت شقيقتيها الذين يريدون الأطمئنان عليها يصل إليها .. هم يعلمون حالتها جيداً و يعلمون ما تمر به الأن .. و تلك الذكرى تعود إليها فى كل مره يحدث مواجهه مع والدها أو يحدث ما يذكرها بتلك الليلة .. كما حدث اليوم .. جميعهم كانوا يشعرون بالصدمة حين أستيقظوا على ذلك المشهد
دلال ممدده أرضاً تنزف من أكثر من مكان و تحاوطها حلم مغمضة العينين .. كادت قلوبهم تتوقف من الخوف من أن تكون حلم أيضاً تعرضت للضرب من والدها فمؤكد هى لن تتحمل ذلك .. و لكن حين فتحت عيونها تنفسوا الصعداء أنها بخير .. لكن حين حضر الطبيب و أبلغهم بوفاة دلال .. كانت الصدمة التى خلقت جرح كبير لا يندمل أو يُشفى و كانت حلم هى أكثر المتضررين من ذلك .. و على أثر ما حدث ظلت حلم و لمدة عام كامل لا تستطيع الحركة أو الكلام
لم تستطع أن تقف على قدميها أو تفتح الباب .. لذلك قاموا بالدخول إليها القلق و الخوف واضح فى عيونهم يصل حد الرعب
و أقتربوا منها سريعاً يساعدها فى الوقوف و خرجا بها إلى غرفتها و ضعوها بالسرير و جلست كل منهم فى جهه يحتضنوها بحنان
و كاعادتها أغمضت عينيها حتى توهمهم بأنها قد غفت و تستطيع كل منهم الذهاب و تركها بمفردها .. هذا ما تحتاجه حقاً
كان هو يقف خلف بابها ينتظر خروج شقيقتيها حتى يطمئن .. قلبه يؤلمه على كل ما تمر به .. لكنه يتمنى أن تعطيه الفرصة فقط لكى يدعمها يرمم ما هدمه والدها بداخلها
و لكنها لا تسمح له بالأقتراب .. أو أختراق ذلك الحاجز التى حاوطت نفسها به منذ ذلك اليوم .. وقفت نوار و عائشه أمامه و أستمروا هكذا لعدة ثوانى و رحلوا و ذلك كان كافياً بالنسبه له ليعلم كم حالتها سيئة
*************************
حين أغلقت أختيها الباب فتحت عيونها تنظر إلى صورة والدتها الموضوعه على الكومود بجانب السرير و سالت تلك الدمعة الحبيسة .. و هى تتذكر ما حدث بعد إكتشاف موت والدتها و كيف وقف جدها أمام والده ليصفعه عدة صفعات ثم أمسكه من ملابسه و هو يصرخ فى وجهه قائلاً
قتلت مراتك .. بقيت مجرم .. خلاص مبقاش فى حاجة تقف قصادك بقيت مجرم و يتمت بناتك
لم يجيبه أحمد بأى شئ لكن نظراته كانت بارده كالثلج .. تشعرك أن ذلك الواقف أمامك إنسان نزع قلبه من مكانه و وضع بدلاً منه حجر كبير لا يشعر .. و ربما الوصف ظالم حقاً فاحياناً الحجر يتشقق و ينفجر ليخرج منه الماء و أحياناً النبات .. و كان مصطفى يقف بجانب والده صامت ينظر إلى أخيه بغضب و تقزز يود لو يصفعه على وجهه حتى يعود إلى عقله الذى فقده مع الراقصات
نظر بركات إلى مصطفى و قال بأمر
خده على الأوضة إللى فى الجنينة و مش عايز أشوفه و لا ألمح طيف خياله طول الأسبوع ده
أومئ مصطفى بنعم دون أن يستوعب رغبة والده أو الهدف منها .. و أمسك بذراع أخيه يجذبه خلفه ينفذ ما أمره به والده ثم نظر بركات إلى رقية و قال
روحى أبعتى مرزوق يجيب المغسلة على ما مصطفى يعمل تصريح الدفن
أومئت بنعم سريعاً و الدموع تغرق عينيها كانت تشعر من داخلها بغضب ... هى أكثر من تعلم ما كانت دلال تُعانيه مع أحمد و ما رأت من ظلم و كم من مره حاولت قتل نفسها لولا خوفها من الله و خوفها على البنات .. و كان غسان و يوسف و راغب يقفون جوار إحدى الحوائط بصمت فالموقف لا يحتمل كلام .. و أيضاً الصدمة جعلتهم جميعاً غير قادرين على الحديث
و كانت الثلاث فتيات يجلسون فى منتصف السرير ... يضمون حلم بحماية رغم أن جسدهم ينتفض بخوف و الدموع تغرق وجههم .. و كانت حلم تنظر إلى الأمام بصدمة .. عيونها مفتوحه على إتساعها هيئتها و هيئة أخواتها ينفطر لها القلوب
نظر إليهم بركات و بين عينيه نظرة أسف و حزن وقلبه يؤلمه حقاً عليهم لكن أسم العائلة و سمعتها على المحك الأن و عليه أن يحافظ عليها .. و بعد ذلك سيكون هو وأفراد العائلة يحملون مسؤلية علاج كل ما حدث ... و كل ما تركه أحمد من أثر سلبي عليهم
أقترب من مكان جلوسهم و جلس أمامهم ينظر أرضاً يحاول أن يجد ما يقوله لهم و ظل الصمت سيد الموقف لعدة ثوانى حتى قال بألم
أنا عارف أنتوا حاسين بأيه أو أقدر أتخيل الوجع و الحزن إللى جوه قلوبكم .. و أنا عارف أن أبوكم ذنبه كبير و ملوش عذر و لا شفاعة إللى كان بيعمله و إللى حصل النهارده محدش يقدر يتخيله صدمنا كلنا .. بس
صمت يحاول تجميع كلماته أو ما يريد قوله حتى يستطيع لملمة الأمر
إللى أبوكم عمله ده عار و فضيحة و كارثة محدش كان متوقعها و لا يتخيلها .. وأنا عايزكم تعرفوا حاجة .. أنا مش هعمل كده علشان هو إبنى لأ و الله ..لكن ده علشانا كلنا أنتوا بنات سمعتكم و سمعة العيلة و سمعة ولاد عمكم .. و عارف أن إللى هعمله صعب عليكم و والله صعب عليا كمان لكن مفيش قدمنا حل تاني ... من النهارده أنتوا مسؤلية رقية .. و أحمد من النهارده ملوش علاقة بيكم من قريب أو بعيد .. بس أوعدوني أن إللى حصل يفضل سر .. سر العيلة إللى مينفعش يطلع براها و لا حد يعرف عنه فى يوم
كانت الفتايات لا يستطعن الحديث .. صدمة موت والدتهم بيد والدهم و صدمة كلمات جدهم و إحساسهم بالعجز عن أخذ حق والدتهم و ترك المذنب دون عقاب من أجل إسم العائلة
وظل ذلك الصمت يخيم عليهم جميعاً و أولهم رقية طوال فترة العزاء و التى أستمرت لمدة أسبوع كامل و قيل أن أحمد كان مسافر و لم يستطع الحضور إلا فى آخر يوم من أيام العزاء مجهد ومتعب و بملابس رثه .. كما أراد بركات أن يُظهره أمام الناس حتى يستطيع إثبات ما قاله .. و إخفاء كل الأمر و أبعاد أى شهبه عن أحمد
عادت من أفكارها حين شهقت بصوت عالى لتكتشف أنها كانت تكتم أنفاسها و هى تتذكر ما كان و لم ينمحى يوماً من عقلها و عيونها
حاوطت ساقيها بذراعيها و هى تتذكر أن جدها قد نفذ وعده و لم يسمح لوالدها بالتدخل فى حياتها أو حياة أختيها حتى فى أمر زواجهم لم يكن أكثر من وكيلهم أمام الناس من أجل سمعة العائلة و سمعتهم أيضاً ... لكن يكفى ذلك الألم التى تشعر به كلما شاهدت والدها أمامها و صورة والدتها و هى مسطحه أرضاً تحت أقدام والدها مُدرجه فى دمائها دون قدره على الحركة
*****************************
جلس راغب على أقرب كرسي .. يشعر بألم حاد فى قلبه .. و حالة من العجز .. لا يعلم ماذا عليه أن يفعل أو كيف يساعد من ملكت قلبه لم يعد يحتمل كل ذلك الخوف الذى يشعر به كلما مروا بموقف كهذا و الذى يتكرر يومياً دون توقف
توجه راغب إلى غرفته يشعر بالثقل فوق قلبه .. أنه يعشقها يتمنى قربها يحلم بها ليل نهار .. هى حلمه الذى يشتاق إلى تحقيقه لكنها دائماً صعبة المنال
وقف أمام النافذة الكبيرة التى تحتل إحدى حوائط غرفته و تطل على الحديقة الخلفية للبيت الكبير كما غرفة حلم .. و ذلك يشعره ببعض الراحة أنه يشاركها و لو فى رؤية ذلك المشهد يومياً
أخذ عدة أنفاس متلاحقه و عاد بذاكرته إلى أربع سنوات مضت حين قابلها صدفه و هى عائدة مع صديقتها جنة يضحكون دون أن ينتبهوا لذلك الشخص الذى يسير خلفهم ينظر إليهم بطريقة فهمها راغب جيداً و جعلت الدماء تفور فى عروقه ليقترب منهم و وقف أمامهم لتنظر إليه حلم بغضب و قالت من بين أسنانها
إيه ده فى إيه يا راغب ؟ أنت مراقبني و لا إيه ؟
نظر إليها بعيون غاضبة جعلتها تتراجع إلى الخلف خطوة واحدة و التصقت بصديقتها التى كانت ترتعش خوفاً خاصة حين قال
على البيت على طول
ليركضا سريعاً لينظر هو إلى ذلك القذر الذى ظل يتراجع إلى الخلف و كاد أن يركض إلا أن راغب أمسك به من ملابسه و حرك رقبته يميناً و يساراً ليصدر ذلك الصوت لتمدد عظام رقبته ليقع ذلك الشاب أرضاً على ركبتيه وأمسك بساق راغب و هو يقول
و النبي يا عم أنا معملتش حاجة ؟
كان راغب ينظر إليه بشر و أسنانه تصدر صوت عالى بسبب أصتكاكهم ببعض و النار تشتعل داخل قلبه ليقول الشاب من جديد و الدماء قد هربت منه
أنت هتاكلني يا عم و لا أيه ؟ و النبي ما عملت حاجة
ليرفعه راغب من ملابسه و ضربه لكمة قوية فى وجهه ليرتد إلى الخلف ثم عاد إليه من أثر قوة الضربة ليضربه مره أخرى و أخرى و أخرى حتى ملئت الدماء وجهه ليترك ملابسه ليسقط أرضاً فاقداً للوعى لينفض راغب يديه و رحل بعد أن ركله فى معدته بقوة
حين وصل إلى البيت كانت حلم تجلس فى الحديقة الخلفية تكاد تشتعل من كثرة الغضب تقطع الحديقة ذهاباً و إياباً وقف أمامها فجأة لتقول هى بصوت عالى
ممكن أفهم إيه إللى حصل
كان فى حيوان ماشي وراكم و أنتِ و الهانم التانية و لا أنتِ و لا هى وخدين بالكم منه
صمتت تنظر إليه بزهول ... وصدمة ليكمل هو كلماته بغضب و من بين أسنانه بعد أن رفع قبضة يديه فى الهواء
و بعد كده صوتك ميعلاش عليا أنتِ فاهمة ؟
نظرت إلى يديه بزهول ثم تحركت من أمامه و أبتعدت عدة خطوات ثم نظرت إليه و قالت
أنت ملكش دعوه بيا أصلا .. و متمشيش ورايا يا راغب .. و أنا حره أعمل إللى أنا عايزاه
تحرك خطوة واحدة لتركض هى إلى داخل المنزل ليضحك و هو يحرك رأسه يميناً و يساراً بمعنى لا فائدة .. عاد من أفكاره ليبتسم إلى تلك الذكرى التى تعتبر من أكثر الذكريات سعادة فذكرياته مع حلم قليلة و نادره أخذ نفس عميق و أخرجه بهدوء ثم توجه إلى كيس الملاكمه و بداء فى إخراج كل ما بداخله من غضب و خوف و قلق .. هوايته التى يفضلها و تساعده أيضاً على التفكير بوضوح
بعد أكثر من نصف ساعة توقف و هو يلهث بشده .. و لكن كان على وجهه إبتسامة واسعة لقد وجد الفكرة التى تخرجها مما هى فيه
غادر غرفته و توجه إلى الأسفل ليجد والدته تجلس على الأريكة الكبيرة التى تتوسط بهو البيت الكبير بهيئتها المميزة جلباب أسود مزين ببعض الخطوط العربية و بجانبها نوار التى تمسك أحد الكتب التى تفضلها تقرأ فيه بتمعن و مؤكد عائشة ذهبت إلى عملها
هو اليوم لم يستطع الذهاب لعمله .. لا يستطيع ترك حلم فى هذة الحالة و الخروج
جلس جوار والدته التى نظرت إليه بطرف عينيها و قالت
مش كنت روحت شوفت إللى وراك يا راغب
نظر إلى أمه ببعض الخجل و قال
يا أمى مفيش حاجة مهمه و بعدين الكل خرج و راح شغله .. لو حصل حاجة لحلم مين يلحقها
كانت نوار تتابع ما يحدث دون أن ترفع عيونها عن كتابها ... و أبتسمت إبتسامة صغيرة لم يلحظها أحد
أكملت رقية كلماتها و هى تقول بحنان
الله يكون فى عونها إللى شافته من وهى صغيرة مش شوية
ثم نظرت إلى نوار و قالت
قومى يا بنتى شوفى السواق خليه يوصلك علشان تجيبى الفستان إللى هتخرجى بيه مع جوزك النهارده
أغلقت نوار الكتاب و بدأت أصابعها فى مداعبة أوراقه وهى تقول
غسان أجلها يا ماما علشان خاطر حلم
أومئت رقية بنعم .. و هى تتنهد بتثاقل و قالت ببعض الشرود
كلنا بندفع تمن طيش و عدم مسؤلية أحمد .. الله يرحمك يا دلال كنتي شايلة كتير عن بناتك
أنحدرت تلك الدمعة الحبيسة فى عيون نوار التى قالت
كلنا مجروحين و موجوعين و هو ولا شايف و لا حاسس
كان راغب من داخله يغلى غضباً مما يقوم به عمه من يوم وعى على تلك الحياة و هو يرى أفعاله المشينة .. و أثرها الواضح على العائلة رغم محاولات جده و والده المستميته لتغطية تلك الأفعال حتى لا تطول العائلة سمعه سيئة
*****************************
كان ممدداً على السرير غير واعى لما فعل أو يفعل و لن يختلف الأمر أكثر أن كان يعنى هو فى الأساس لا يهتم لأحد .. غارقاً فى النوم بسبب ما تعاطاه من مشروبات مسكره .. و أشياء أخرى مخدره ... أن ذراعى حسن بمفردهما كافيان أن يجعلاه يسكن الجنة دون مجهود منه .. بين ذراعيها يجد الراحة التى لم يجدها يوماً مع دلال أو فى بيت عائلته .. لا أحد يفهمه و لا أحد يرى ما يريد لذلك هو أيضاً لا يرى سوا نفسه و فقط و لن يتوقف عن ما يفعله أبداً ... حتى إذا أضطر أن يقتل والده و بناته و أخيه الذى سرق حلمه قديماً

سقر عشقي (( جحيم الفراق )) بقلمى ساره مجدى Where stories live. Discover now