الفصل التاسع والعشرون

45.5K 2.7K 226
                                    

الفصل التاسع والعشرون.

الهدوء المنبعث من حوله لطيف لدرجة أنه أطفأ نيران الغضب التي كانت تتفاقم بداخله مع كل حرف كان ينطق به أخيه المعتوه ...نعم ليس سوى معتوهًا كي يتحدث هكذا بكل بساطة دون أن ينتبه لما عانى منه في الماضي، وحتى لو قدم ملايين الاعتذارات لن تفيد بشيء فالجرح غائر ولن يعالج باقوالاً لفظية تنسف مع أول عاصفة تهاجم حياتهما.

خرج من عمق تفكيره الهادئ على صوت صراخ منبعث من الأسفل، فركض سريعًا نحو مصدر الصوت والقلق يجتاح صدره ولكن شعوره تحول إلى الخوف..نعم خوف لم يتذوقه منذ زمن بعيد، وذلك حينما استمع لبعض الكلمات المتناثرة هنا وهناك حول حادثة زيدان.

لم يشعر بنفسه وهو يركض كالمجنون نحو سيارته بثيابه البيتية، يخترق قوانين المرور من أجل أن يطمئن عليه، رغم أن قلبه مشوه بأثار ندوب الزمن القاسية إلا أنه مازال ينبض من أجل عائلته، هم كنزه الوحيد رغم العواقب التي كانت تحيطه، يكره أن يصيبهم مكروه ومع أي أذى يتعرضوا له يخفق قلبه بشدة لدرجة أنه يهوى من السماء السابعة لاسفل الارض، تمامًا مثل حاله الآن وهو يتابع أخيه مثبتًا بالأجهزة الطبية من خلف زجاج غرفة العناية المركزة، فكان يستمع لكلمات الطبيب ولا ينتظر الا شيء واحد متى سيفتح عيناه ويعود ذلك المعتوه لطبيعته!.
                                  ***
مر شهرًا على ذلك الحادث..وها هو يجلس قعيد الفراش يتلقى الخدمات والعلاج من عائلته بالكامل لا يتركونه إلا على النوم، وهذا شيء كرهه بشدة لحاجته بالاختلاء قليلاً مع نفسه للتفكير رغم آلام جسده والكسور التي تحتل معظم عظامه.

دخلت شمس بصينية العشاء وعلى وجهها ابتسامة واسعة:

- العشا يافندم.

- أنا زهقت من الاكل ومنكوا.

قالها بحنق وكلماته اللاذعة تضرب وجهها بقوة فاتسع فمها باندهاش من فظاظته:

- كلك أخوك سليم، مفيش فرق ما بينكوا.

التوى فمه ساخرًا لتشبيه بسليم ذلك القلب المتحجر والذي لم يدخل مرة واحدة للاطمئنان عليه، بل لم يعطيه أي انتباه، يستمع لصوته في الخارج ومن بعدها يصعد لشقته، أليس في قلبه ذرة رحمة وغفران؟!
ودون تفكير منه وجد نفسه يتحدث بسخط:

- عمري ما هكون زيه، ده مفيش اتنين على وجه الارض منه.

- طبعًا..سليم الشعراوي واحد وبس.

قالتها بكبرياء وثقة وابتسامة الحب تشق ثغرها، فرد زيدان بهجوم وكأنه لم يعِ لما يقوله:

- بتحبي فيه إيه ده!، ده قلبه حجر، محدش فيكوا واخد باله انه معبرش اخوه من وقت ما عمل الحادثة.

هزت كتفيها بلامبالاة وكأنها كانت تتوقع كلماته القاسية ولكنها ليست سوى تنفيث عما يشعر به من اضطراب نفسي لما آلت إليه علاقتهما الأخوية:

ندبات الفؤاد Where stories live. Discover now