الفصل الثامن

1.7K 43 1
                                    



الفصل الثامن



:- عرفت بأنني سأجدك هنا
انتزع جواد نفسه عنوة من ذكرياته رافعا رأسه نحو طارق الذي جلس أمامه بدون مقدمات .. ثم عبس قائلا :- لا تقل بأنك هارب من المنزل أنت الآخر ..
بحركة غير مألوفة .. أرخى طارق ربطة عنقه وقد بدى في حالة يرثى لها من الإرهاق وهو يقول :- أنا تسببت بإفساد حياة ابنة خالتي ... و أوفر عليها عناء رؤيتي .. ما عذرك أنت ؟؟؟
:- أنا لا أحتاج إلى عذر .. أنا رجل أناني بنزعة عالية نحو تدمير الذات .. وغيابي لن يثير قلق نملة ..
تنهد طارق وهو يقول :- أنت وعقدك الأبوية مع والدتك ... يوما ما سيضطر أحدكما للتنازل للآخر .. ووفقا لطباعكما الصعبة والمتشابهة .. فإن هذا اليوم لن يأتي قريبا ..
مال جواد إلى الأمام وهو يشير للنادل قبل أن يقول لطارق بجدية :- توقف عن لوم نفسك فيما يتعلق بأمل يا طارق .. الفتاة ما تزال تحت تأثير الصدمة .. فور أن تسترجع حياتها وتتأقلم مع ظروفها الجديدة ستجد طريقها نحو مسامحتك .. ليس من العدل أن تجمد حياتك بسببها بعد الآن ...
عندما اقترب منهما النادل رفض طارق بإصرار أن يطلب عشاءا .. اكتفى بفنجان من القهوة فحذى جواد حذوه قبل أن يقول بعد ابتعاد النادل :- ماذا تنوي أن تفعل .. لا يعقل أن تظل في تفاديك لها إلى الأبد .. على أمل أن تتعلم تقبلك في النهاية
قال طارق بوجوم :- لن أفعل شيئا .. سأعود إلى مسار خطتي الأصلية ... سأتركها في حالها وأبتعد عن حياتها حتى تبدأ في الوقوف على قدميها ... لقد كان مجيئي إلى هنا خطأً كبيرا في المقام الأول ..
لم يناقشه جواد ... ربما هذا هو الحل الأفضل .. عل ابن خالته يبدأ شيئا فشيئا بنسيان أمر أمل والبدء باستعادة حياته المجمدة منذ سبع سنوات من جديد ..
قال طارق :- إذن ... هل سترافقني في العودة صباح الغد ؟؟؟
غمغم جواد بهدوء :- لا .. أظنني سأبقى قليلا بعد ...
ثم أضاف بغموض لم يخف على طارق :- مازالت هناك أمور عالقة تحتاج مني إلى معالجة ..
فجأة ... أحس طارق بأن هناك الكثير من الأشياء التي يجهلها عن ابن خالته .. إذ أدرك دون أن يقول شيئا وعينا جواد الخضراوان تبرقان بمزيج من العزيمة والمكر .. بأن الأمور العالقة التي عناها .. كانت بعيدة كل البعد عن مشاكله مع والدته .. إلا أنه لم يعترض .. هناك أشياء يفضل تركها تسير مع التيار علها تلقى في النهاية الخاتمة المناسبة فتنجلي تماما من الذاكرة .. وجواد بحاجة ماسة إلى تلك الخاتمة ..



:- هديل ... هل أنت مستيقظة؟؟
استدارت هديل فوق سريرها لتواجه أمل التي بدت عيناها الزرقاوان في ظلمة الغرفة أشبه بدائرتين واسعتين تبرقان بمزيج من الحيرة والضياع وقد انعكس ضوء القمر القادم من النافذة المفتوحة عليهما .. لم تكن هديل بمزاج يؤهلها للكلام . إلا أنها قدرت حاجة أمل للتواصل مع شخص تثق به وقد عجزت عائلتها حتى الآن عن اكتساب هذه الصفة .. تمتمت بهدوء :- أنا مستيقظة .. هل أنت بخير ؟؟
:- رغبت بطرح السؤال نفسه عليك .. هل أنت بخير يا هديل ؟؟ أنت مضطربة وشاحبة منذ الصباح ..
هل كان اضطرابها واضحا للجميع ؟؟ سحبت نفسها من تحت الغطاء لتجلس فوق السرير وهي تشعر بوجهها يشتعل حرجا وفزعا خشية أن يشعر أحدهم بتأثير وصول جواد الشاطر إلى المكان عليها .. قالت أمل وكأنها قد قرأت أفكارها :- نحن نقيم معا منذ سنوات .. من المفترض بي أن أعرف متى شعرتِ بالاضطراب وبدوت على غير حالك الطبيعية ..
تمتمت هديل :- أنا بخير ... ذكريات سيئة اجتاحتني هذه النهار وقد ظننت نفسي قد نسيتها لا أكثر ..
قالت أمل بلهجة تعاطف :- ذكريات تتعلق بزوجك السابق ؟؟
لم تجبها هديل .. لقد اعتادت على أن تقدم أقل قدر من التفاصيل حول زواجها .. حتى والكل يعرف القليل من هنا أو هناك عما حدث .. لا أحد إطلاقا توقع منها قط تقديم أي إيضاحات .. لقد تقبلوها فقط رغما عن كل ذنوبها وخطاياها .. لقد رأوا فيها هديل الإنسانة .. كما لم يفعل أحد منذ زواجها ومغادرتها منزل عائلتها .. وتوقف والديها عن النظر إليها كإبنة .. بل كمجرد امرأة غريبة مرت لسنوات ببيتهما ثم غادرت .. ومع هذا اعتبراها مصدرا فاحشا للعار عند أول أزمة تعرضت لها بعيدا عنهما ... قالت أمل بتعاطف :- ألا تشتاقين إليه أحيانا ؟؟
رغما عن إرادتها أفلتت منها ضحكة مريرة وهي تقول استنكارا :- أشتاق إليه ؟؟؟ ... انتهاء زواجي منه كان أفضل ما حدث لي في حياتي ... رغم كل شيء ... كل شيء .. أنا لا أتمنى على الإطلاق أن يعود بي الزمن إلى الوراء لأكون الشخص الذي كنته قبل أن يحدث ما حدث
وهو ما لا تعرفه أمل .. التي صمتت وهي تكبح سؤالا ملحا عن الرجل الآخر الذي تورط في حياة هديل .. فاجأتها هديل وهي تنهض من سريرها لتنضم إليها فوق سريرها وهي تقول بجدية ناظرة إلى عيني أمل عبر الظلام :- أنت أيضا يجب ألا تتحسري على أمل القديمة ... ما حدث لك عندما اختطفك ذلك الرجل مفهما إياك أنك ابنته أمر فظيع ... إلا أنك يجب أن تنسيه مؤكدة لنفسك بأن أمل الجديدة التي خرجت من تلك التجربة البشعة بشجاعة هي أمل الحقيقية .. أمل القوية .. الرائعة .. التي تجاوزت كل الصعاب .. وكل مخاوفها ووجدت موطئا لقدميها بكل ثقة وجرأة ..
رمشت أمل بعينيها وهي تقول باضطراب :- أنت ... أنت تعرفين ؟؟
:- لقد تحدث إلي ابن خالتك قبل أن يغادر .. وأخبرني بأنك طوال تلك السنوات كنت تحسبين الرجل الذي اختطفك هو والدك .. وأعرف بأن خالتك ملك قد تحدثت إليك بعد العشاء عن الأمر وأوضحت لك الحقيقة ..
أشاحت أمل بوجهها وهي تتذكر مضطربة حوارها مع خالتها قبل ساعات ... كان الأمر صادما لها والخالة ملك تحكي لها عن زواج والدتها الأول .. لقد قالت لها بحزن :- والدتك كانت فتاة رائعة يا أمل ... كانت جميلة .. مرحة .. متحررة عن التقاليد التي تبنتها عائلتنا منذ عهود ... ربما تعصب والدينا إلى العادات والمظهر الخارجي ونظرة العالم إلينا هو ما دفعها دفعا للوقوع في حب رفعت خليل ... لقد كان مندوب مبيعات شاب تعرفت إليه صدفة من خلال أحد أصدقائها .. لم تتمكن من اكتشاف ما أخفته القشرة الجيدة المظهر التي جذبها بها .. كان لديه طريقة غريبة في سحرها .. في قول الكلمات اللازمة والقادرة على حملها على تصديقه وكأنه ينومها مغناطيسيا .. لقد كان الأمر غريبا جدا إذ أن سلوى لم تكن قط بالمرأة السهلة الإنقياد ... غير أن ذلك الرجل تمكن بسهولة من دفعها للتخلي عن عائلتها والهرب معه للزواج به سرا رغما عن إرادة الجميع ...
فكرت أمل وهي تستمع إلى وصف الخالة ملك بأنها تعرف جيدا ما تتحدث عنه ... رفعت خليل .. الرجل الذي قضت أمل سنوات محتجزة في منزله رجل مريض ... إنما طاغية .. جبار ... بشخصية قادرة على سحق أي كيان مهما كان قويا فكيف بامرأة عاطفية كوالدتها المتوفاة .... وبها هي .... الطفلة ذات الأربعة عشر ربيعا المنهارة وقد شهدت بعينيها مقتل والدها
تابعت الخالة ملك :- رغم غضب والدينا إلا أنهما لم يفكرا قط بالتبرؤ منها .. فقط كانت صغيرتهما .. وقد أحباها كثيرا ... إلا أن سلوى هي من اختفى تماما من حياتنا فما سمع أحدنا عنها أي شيء منذ زواجها ... وحتى عودتها فجأة بعد سنوات قليلة .. طرقت باب منزل العائلة فجأة ... وظهرت أمامنا شبحا لا يشبه إطلاقا سلوى التي كات قبل زواجها ... نحيلة وقد كسى عظامَها جلدُها ... شاحبة للغاية .. مهلهلة الثياب ... وحاملا
كان مجرد تذكر أمل لهذا الجزء من الحكاية مؤلما لها ... أن تتخيل والدتها التي لم تعرفها يوما بهذا الشكل .. مثلها تماما عندما اقتحمت الشرطة منزل رفعت خليل لتجدها حبيسة قبو منزله في حالة يرثى لها ...
:- ما عرفناه لاحقا ... أن رفعت خليل .. الرجل الذي وقعت سلوى في حبه وخدعت به كان رجلا سئيا للغاية ... متورطا في أعمال كثيرة غير قانونية انتهت به في السجن ... حيث تمكنت سلوى التي قضت سنوات زواجها منه حبيسة منزله .. مضطهدة منه نفسيا وعاطفيا ... محرومة من أقل حقوق الآدمية .. من التحرر منه أخيرا .. إنما مجرد جسد خاوي ومريض بلا روح .. مما جعل الطفلة التي حملتها في تلك الظروف العصيبة تموت بعد ولادتها بأيام قليلة .. وقد كان في هذا راحة عميقة لنا جميعا إذ عنى تحررها الكامل من أي ارتباط بذلك الرجل المجنون .. هنا .. دخل محمود راغب حياتها .. بالأدق عاد إليها من جديد ... محمود كان نجل ابن عم لنا اعتاد زيارتنا باستمرار منذ طفولته ... وقع في حب سلوى منذ صباها ... وقد كان زواجها من رجل آخر صدمة كبيرة له .. إلا أنه لم يمنعه من العودة مجددا فور طلاقها ليتقرب إليها من جديد ... عاد أولا كقريب العائلة المفضل .. ثم كصديق .. ثم وخلال فترة قياسية كانت تقبل الزواج منه وقد غير لطفه وحنانه حياتها كاملا .. ومنحاها أملا جديدا في أن تجد السعادة المفقودة ... للأسف ... لم تستمر سعادتها طويلا .. إذ توفيت على إثر مضاعفات تسبب فيها إنجابها المتعسر لك ... أظن السنوات التي قضتها في منزل رفعت خليل قد سلبا منها كل قوتها ومناعتها فلم تتمكن من تجاوز حملها بك بنجاح ...
نظرت في تلك الحظة إلى عيني أمل الجامدتين ... واللتين لم يظهر عليهما أي تعبير منذ بدء حوارهما وقالت بحنان :- لقد كانت فرحة للغاية بحملها بك .... لقد أسمتك أمل قبل حتى أن تعرف بأنها ستنجب طفلة ... إذ رأت فيك الأمل الذي سينسيها الماضي ... وينير لها المستقبل .. وجودك كان عزاءا لنا جميعا أمل ... والدك .. محمود .. أحبك كما لا يمكن لأب أن يحب طفلته ... فإياك أن تشككي بأبوته لك ... إياك أن تسمحي لذلك الرجل بتدمير ذكرياتك عن الرجل الذي أنجبك .. ورباك .. وأحبك بجنون .. ثم مات مدافعا عنك ..
اغرورقت عينا أمل بالدموع فربتت هديل على كتفها معيدة إياها إلى الحاضر ... قائلة بصلابة :- لا تسمحي له بسلبك ما تبقى من حياتك .. ربما أنت حرة منه الآن .. إلا أنك ما زلت أسيرته .. عقلك مازال هناك .. داخل قبو منزله ..
سالت دموع أمل وهي تقول شبه هامسة :- أهذا صحيح ؟؟؟
:- لماذا ترفضين عائلتك إذن ؟؟؟ .. لماذا تعاملينهم كالأغراب ؟؟
ثم قالت بتصميم :- لماذا تعذبين طارق بتوجيه كراهيتك نحوه بالطريقة التي لاحظتها عليك كلما رأيت وجهه أو أحسست بوجوده ... أو كلما ذكر أحدهم اسمه ؟؟
صمتت أمل للحظات محاولة تمالك مشاعرها قبل أن تقول بخفوت :- عندما أخبرني رفعت خليل بأنه والدي الحقيقي ... وبأن والدتي قد هربت بي لتتزوج بغيره ناسبة إياي إلى شخص آخر .. لم أستطع لومها .. فقد كان ... كان ...
ابتلعت ريقها وهي تهز رأسها بتماسك :- لطالما كنت الفرد الغريب الأطوار في العائلة ... لم أستطع الانسجام مع أي من أقاربي .. رغم حبهم لي .. وتدليلهم الدائم لي .. إلا أنني كنت دائما أرى في أعينهم الاستهجان كلما قمت بأحد تصرفاتي المتهورة ... لقد كنت مختلفة ... وعندما ظننت بأن رفعت خليل والدي تفهم جزء مني السبب .. تفهم رفض الجميع ونفورهم مني ... لا ... لا تحاولي تجميل الحقيقة يا هديل .. لقد أحبوني .. فقد كنت ابنة الأخت اليتيمة ... الذكرى المتبقية من سلوى راغب ... إلا أنهم وراء تلك الابتسامة المتكلفة كانوا يتمنون لو أنني كنت شخصا آخر .. شخصا أكثر انسجاما .. أكثر ترتيبا أو تحضرا .. الأمر كان خارجا عن إرادتي .. رفضي للتقيد بآداب المائدة .. للمشي بهدوء ... لافتعال الأنوثة الزائفة كان فطريا ... وقد ظننت بأن هذا الجزء يعود لجيناتي التي ورثتها عن رجل همجي وبربري كرفعت خليل ... أما الآن ...
سالت دموعها مجددا وهي تقول بصوت أجش :- أنا لم أكن ابنته ... رفضهم لي لم يكن عائدا لهوية والدي ... لقد كان موجها لي أنا .. كلام عمتي معي هذا المساء لم يخفف عني تماما كما ظننته يفعل .. لقد طعنني في الصميم .. أن أعرف بأن العيب قد كان بي أنا .. أنا فحسب .. وطارق ..... أتتساءلين لماذا أنفر منه .. لأنه لم يتكبد عناء حتى التظاهر بتقبلي ...
كانت أنفاسها تزداد عنفا وهي تقول بصوت تصاعد فيه الغضب :- لم يكن يراني .. لم يتعب نفسه حتى بإخفاء الحقيقة رغم تلهفي المراهق للإحساس بتقبله لي .. وعندما احتجته .. لم يستجب إلي .. لقد تخلى عني ... رماني للذئاب ... رماني لرفعت خليل لقمة سائغة .. ثم يجرؤ بكل صفاقة على إظهار ندمه وتعاطفه
قفزت من فوق السرير مجفلة هديل التي فوجئت بكم الغضب المكبوت داخل صدر أمل .. التي أخذت تلوح بيديها بنفعال وهي تهتف بقهر :- سبع سنوات ... سبع سنوات كاملة .. قضيت معظمها أسيرة ذلك الرجل .. لم يستطع خلالها أحدهم العثور علي .. كيف لي أن أسامحهم ما حييت على هذا .. وربي لن أفعل أبدا .. هو .. هو بالذات لن أغفر له حتى أموت ..
قالت هديل بقلق :- أمل ... مهما كان ما بدر من طارق في الماضي فهو بالتأكيد لم يكن كما تحسبين .. الرجل يهتم لأمرك .. عائلتك كلها تهتم لأمرك وتحبك .. وطارق مستعد لفعل أي شيء لتصحيح ما حدث وتعويضك عنه
أطلقت أمل ضحكة متعثرة وهي تقول :- ألمه.. إحساسه بالذنب .. يقرفانني .. أنا لا أريد شفقته .. أنا لا أريد منه تعويضا .. أنا أريد الانتقام .. لن يرضيني إلا أن أراه غارقا تماما في الندم .. هو وجميع أفراد عائلته ..
توقفت فجأة عن الكلام مجفلة مما تقوله .. رأتها هديل ترتعش وهي تحيط جسدها بذراعيها هامسة :- رباه ... ماذا أفعل ؟؟؟ ماذا أفعل ؟؟ أنا لا اعرفني بعد الآن ..
جلست على حافة سرير هديل وهي تخفي وجهها بكفيها قائلة :- كل هذا الغضب المعتمل داخلي يحرقني .. لا أعرف إن كنت غاضبة على ما فعله رفعت خليل بي ... أم على خذلان عائلتي لي ... أم على جهلي لمن أكونه بعد الآن ..
صمتت هديل للحظات تاركة لها الفرصة كي تتمالك مشاعرها قبل أن تقول :- ربما غضبك ناتج عن الأسباب الثلاثة معا
رفعت أمل رأسها نحو هديل باضطراب .. فأكملت :- أنت غاضبة لأن رفعت خليل غيرك .. فأنت ماعدت الطفلة التي كنتها قبل اختطافه لك ... وبعد تحررك منه .. أنت عاجزة عن أن تكونيها مجددا ...أنت غاضبة من عائلتك لأنها لم تسمح لك يوما بأن تحددي هويتك كما ترغبين .. تهت بين ذكريات أم لا تعرفينها .. ودلال أب يعشقك .. وتمرد طفلة لا تشبه أحدا .. وبين المقاييس التي رغب الجميع منك أن تعتنقيها .. ثم من طارق .. لأنه شكل لديك القبول ..لو أنك حظيت بإعجابه .. فهذا يعني أنك قادرة على نيل قبول أي شخص آخر ..
رمشت أمل بعينيها محاولة استيعاب الكلمات .. فأكدت هديل موضحة :- أنت تعانين من أزمة هوية .. وما عليك فعله الآن هو تحدي كل تلك الجهات الثلاثة .. والانتقام منها جميعا .. بتعريف هويتك تلك .. وأنا لا أشير إلى الفتاة التي كنتها في الرابعة عشرة .. أو الفتاة التي نجت من أزمة صعبة لسنوات .. بل إلى المرأة ذات الواحد والعشرين ربيعا والتي أراها جالسة أمامي في هذه اللحظة ... أنت ستحددين هذه الهوية .. وستفخرين بها .. ثم تتحدين الجميع بها كما هي لتنالي في النهاية احترامهم وتقديرهم لها رغما عن أنوفهم ..
أزمة هوية .. أنا أعاني من مشكلة هوية ... فكرت ضائعة بأن هديل محقة ... فهي حتى الآن عاجزة عن تحديد من تكون .. هي عالقة في ذكريات ما عاد لها من قيمة .. وفي مستقبل تخافه .. وحاضر يأبى الانسجام مع أي من الاثنين .. همست مرددة :- ازمة هوية ..
عندما عادت إلى سريرها بعد لحظات مستمعة إلى هديل وهي تتمنى لها صباح خير قبل أن تنام .. كانت لدهشتها أكثر هدوءا .. وأكثر تصميما

تبكيك اوراق الخريف الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول للكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن