الفصل السادس

1.6K 42 0
                                    



الفصل السادس



نظر عصام إلى ساعة معصمه للمرة السادسة خلال خمس دقائق .. ثم عاد يعقد ساعديه أمام صدره خلال انتظاره إلى جانب الطريق .. مستندا إلى سيارته القديمة الزرقاء اللون .. حاجبا عينيه عن الآخرين بنظارته السوداء ... متوترا .. إنما هاديء المظهر .. واثق الهيئة لكل ناظر إليه من بعيد .. في حين كانت عيناه لا تفارقان المبنى الضخم الذي توسط منطقة تجارية معروفة ..
ما الذي جاء به إلى هنا ؟؟؟ أما كان من الأسهل عليه تجاهل الأمر ومتابعة حياته وأعماله وكأن شيئا لم يحدث ؟؟؟ لااااااا .... كان عليه أن يستمع إلى أمان التي لم تتوقف عن الضغط عليه حتى أخبرها عن سبب توقف يارا عن الحضور ... متحاشيا إخبارها بالتفاصيل ... مكتفيا بالبوح عن إساءته إليها بدون وجه حق في لحظة غضب .. لم تحتج أمان بعدها سوى لأن تنظر إليه بتلك الطريقة التي تنتهك بها كل أسواره وهي تقول ( وهل استحقت منك حقا معاملة سيئة كهذه ؟؟ )
لا .... لم تفعل ... ذنبها الوحيد كان قرابتها لجواد .. مما جعلها محل شك وريبة وهو الذي اعتاد ألا يقدم ثقته لأي كان بسهولة ... ذنبها أنها كانت موجودة لتشهد لحظة ضعف ما أراد لها أن تشهدها ... ذنبها ...
ذنبها أنها وخزت بدون أن تدري موقعا حساسا في نفسه لم يمسه مخلوق منذ وفاة أمه ... لقد كانت تمتلك شيئا لم يجده في أي من النساء اللاتي ساعدهن على مدى السنوات التي تلت بدءه العمل في جمعية المهدي الخيرية ... لقد كان ضعفا فطريا ... هشاشة طبيعية .. رقة قابلة بسهولة للخدش .. شيئا لم تكن الظروف الصعبة التي تمر بها مسؤولة عنها.... شيئا حتى عندما ثارت في وجهه بعد إساءته إليها ... حتى بعد هست في وجهه كالقطة حين يجذب طفل شقي ذيلها .. لم تستطع خلعه عنها
... يارا منصور كانت من النوع الذي لا يحتاج لأن يستغله رجل .. أو أن يجرحه أي كان ... كي يتأذى .. لقد كانت من ذلك النوع الذي يخشاه من النساء ... النوع الغير قابل للحماية ... ذلك النوع الميؤوس منه ... والذي لن يعود عليه إلا بالوبال والدمار ... ذلك النوع الذي حتى وهو عارف بخطره ... جاذب له كالنحل نحو وعاء العسل ..
لقد سقط في ذلك الفخ قبل الآن ... سقط وعانى منه الكثير ... وهو لن يسمح لنفسه بالسقوط فيه مجددا ... لماذا يقف هنا إذن ... أمام مبنى شركات طارق منصور ... في انتظار خروجها منه عله يراها ؟؟؟
أمان كانت من أخبره بأنها قد عرفت خلال اتصال هاتفي لها مع يارا بأنها قد بدأت منذ أيام المواظبة على مبنى الشركة ... علها تتعلم شيئا فتتمكن من مساعدة أخيها والمساهمة في إدارة أعمال العائلة ..
وكما عرف ... فإن ساعات العمل تنتهي بالضبط في هذه اللحظة ... وقد تأكد من هذا بالضبط فور أن رأى الموظفين يبدأون بالخروج من المبنى ... قد يراها خارجة برفقة شقيقها ... مما يصعب عليه التحدث إليها فيدفعه لمحاربة هذه الحاجة الحثيثة لرؤيتها والاعتذار منها .. إلا أنه لم كن محظوظا إلى هذا الحد ..
رآها خارجة .. بين العشرات ... تبدو واحدة منهم بملابس عاملة .. إنما بدت عليها وكأنها قد صممت لأجلها .. تبدو كأي موظفة غادرت لتوها هما استعدادا لهم أكبر .. غير أنها كانت تبدو أيضا وكأنها ملكة متوجة تسير بين عبيدها في مسيرة ملكية مترفة
راقبها دون أن يتحرك من مكانه ... يعلو وجهه الوجوم وهو يراها تفتح حقيبتها الكبيرة الحجم نسبيا وتبدأ التفتيش داخلها عن شيء ما لينتهي الأمر بالحقيبة على الأرض ومحتوياتها مبعثرة في كل مكان ..
راقب جامدا كيف اندفع شاب .. ثم آخر .. لمساعدتها في لملمة حاجياتها .. لقد كانت وبطريقة فطرية تجتذب حماية الآخرين ... توقظ الفروسية في قلب أجبن عابر فيستحيل بنظرة منها إلى بطل خارق جائزته تلك الابتسامة الصغيرة التي ارتسمت على شفتيها ونظرة دفء كفيلة بإذابة حجر جعلت الشابين اليافعين يتعثران وهما ينسحبان بعد إنهاء مهمتهما المصيرية ...
روح هشة .... كما وصفها جواد .... وكم من هشاشة أخفت وراءها كل أسرار الكون وحلقات ضعفه ...
اتجهت نحو سيارتها البيضاء ... سيارة حديثة .. إنما قوية وآمنة ... كما على سيارة أم لطفلتين أن تكون .. وقد بدت غافلة تماما عن نظراته التي أبت أن تفارقها من مكانه إلى الجانب الآخر من الشارع ... ربما تمضي وترحل قبل أن يتمكن الجانب المتهور منه من إقناع عقله الباطن الذي ما انفك يصرخ به محذرا وآمرا بالانسحاب من التقدم نحوها ...
وقبل أن تحسم المعركة لصالح أحد الطرفين ...رأى ذلك الرجل الضخم البنية ... الذي اتجه نحوها سائرا فوق الرصيف بخطوات مصممة .. لا شيء في حركات جسده الغير رشيقة .. وفي ملامح وجهه العابسة يخفي عدوانيته الواضحة ... توتر عصام عندما رآه يمسك بيدها قبل أن تتمكن من فتح قفل سيارتها بجهاز التحكم عن بعد الموصول برزمة صغيرة من المفاتيح .... ولم يحتج بعدها للكثير من الجهد كي يحسم معركته الخاصة


تبكيك اوراق الخريف الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول للكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن