الفصل الحادي عشر

ابدأ من البداية
                                    

- الله..أنت كمان كنت عارف..وأنا الاهبل اللي عايش في عالم تاني لوحدي.

ابتعد زيدان بعينيه بعيدًا عن مرمى بصر أخيه المعتاب له  وازدادت الفجوة اتساعًا وغلفت مشاعرهما بنيران الكره... انتقلت يد سليم نحو والدته ووالده بالتتابع يسألهم بقلب مفطور ولكن نبرته تعكس ذلك فكانت تحمل الكبر والحقد:

- وأنتوا كنتوا عارفين!.

صمت طالهم وأخمد عقولهم... فأشار على نفسه بصوت يحاول اخفاء نبرة الانكسار به، بعد أن تلقى الخيبات على يدهم وأصبحت نفسه شاردة لا تجد المأوى أمام نظراتهم المحملة بالبرود:

- يعني أنا كنت المغفل الوحيد بينكوا، بتتفقوا عليا...عايش وسطكوا وبتغفلوني..طب ليه؟!

فرك والده وجهه بحزن، وارتمى بجسده فوق الاريكة بعدما فقد القدرة على الاتزان أمام مواجهة حذرهم جميعًا منها ولكن لم يستمع له أحد.

شدد سليم على خصلات شعره بعنف ودار حول نفسه كالمجنون، لا يصدق ما يفعلونه، يتعاملون معه وكأنه عدو..منبوذ..يلقون اللوم عليه..حتى أنه رأى في عيونهم أن غضبه غير مبرر..لا يشعرون به بالمرة..وكالعادة يتجرع الخيبات منهم مرارًا وتكرارًا.

لم يشعر بنفسه سوى وهو يتجه صوب المكتبة التي تحتوي على تحف ثمينه وهو يقوم بتكسريهم واحدة تلو الأخرى..الأمر هنا ليس غضب من زوجته فقط بل منهم جميعًا..فصدره عج بالتراكمات المؤلمة ولم يعد قادرًا على دفنها..فانفجر على أبسط شيء وظهر داخله بما يكنه من مشاعر غير سويه.

اغلقت شمس عيناها برعب، تجاهد الحفاظ على نفسها قبل الانهيار الأخير، لقد جنت ثمار فاسدة من حلم لم يكن أساسه صحيحًا، كانت حياة وهمية خلقتها بدافع الهروب من أخطاء الماضي..لو أنها اعطت لنفسها الفرصة من التعلم من أخطائها لم تعاني ما تمر به الآن... يبدو أن عقلها الباطن كان يشتاق للذة النجاح..فسارت في طريق مزين بورود باطنها أشواك قاسية.

كان جلد الذات يتزامن مع انفعال سليم..تنتظر هجومه عليها في أي وقت..فانتبهت لاقتراب والدته منه تحاول تهدئته..بعد أن القت نحوها نظرة رجاء تستنجد بها كي تتدخل وتهدأ زوجها بعد فشل زيدان ويزن والتزام كلاً منهما الصمت أمام غضبه.

- اهدى يا سليم...شمس معملتش حاجة تسيء ليك يابني...

صرخ بها بعنف:

- انتي بالذات تسكتي، مش كفاية اللي عملتيه زمان..بتبوظي حياتي تاني.

تلعثمت منال وهي تعطي مبررًا كان بغير محله:

- ده حلمها ولازم تكمله..

- وحلمي أنا قتلتيه وقتلتيني.

بصوت منكسر أخبرها جزء ما يكنه بداخله، حافظ على ابقاءه داخله كي لا ينفلت ويجرحها..أو يعلم أحد من اخوانه ويلقون اللوم على والدتهم..يجاهد للحفاظ على مشاعرهم واحدًا تلو الأخر ولكن  كانت الصدمة الكبرى لدية حينما دافع زيدان عن والدته بشراسة:

ندبات الفؤاد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن