الفصل السابع عشر...2

175 28 0
                                    

ألن تتناول إفطاركَ اليوم أيضاً؟ ابتسمت توركان وهى تراه يهبط الدرج وهو يدندن كعادته؛ غير أنه بدا لها أكثر بهجةً من العادة...؛ اقترب منها مقبلاً جبينها ثم داعب خدها بلطفٍ وقال: لا... قد أتناول شيئاً فى الشركة...؛ كيفَ حالكِ اليوم؟
-بخيرٍ؛ ما دمتُ أراكَ بخيرٍ هكذا ماذا سأريد من الدنيا أكثر؟... 
-أنا بخيرٍ ... بخيرٍ جداً ....  اتسعت ابتسامته أكثر
-وهى... كيف حالها؟ بنظرةٍ مرحةٍ عابثةٍ سألته؛ ثم تابعت: لا تهرب بعينيكَ الجميلتين منى؛ هل تظننى لن أفهم؟
-لن تفهمى ماذا...؟
-أنكَ عاشقٌ... حتى أننى أكاد أجزم أنكَ ذاهبٌ إليها الآن...
-كيف تفهمين هكذا دون أن أقول؟ ابتسم بطفوليةٍ ثم شخص بصره أرضاً وتابع: ولكننى لستُ ذاهباً إليها... بالطبع كنتُ أنوى هذا ولكن الآنسة النكدية قالت-وحاول قدر المستطاع أن يقلد نبرة صوتها-
لا تأتى سأخرج اليوم باكراً؛ لدى محاضرةُ مهمةُ ودرسٌ فى المشفى ولن أتناول الإفطار أصلاً...
ثم أكمل حديثه بحنقٍ طفولى: هل أنا أذهب لأتناول الإفطار مثلاً؟ أنا أستخدم الإفطار كحجةٍ لأراها فى الصباح قبل أن أبدأ يومى.....
-لا بأسَ؛ اعذرها دراسة الطب مرهقةٌ يا عزيزى؛ ما زالت الأيام أمامكما يا صغيرى؛ ما لم تفعلاه اليوم تفعلانه غداً... أو اليوم الذى بعده... لا مشكلة
...المهم فقط؛ ألا يختفى هذا البريق الذى فى عينيكَ...
-أنتِ فقط ادعى من أجلى وسأبقى سعيداً هكذا... ربت على كتفيها بحنانٍ... 
...اه بالنسبة لأمى؛... هل قالت لكِ شيئاً؟ لأنها تعاملنى بغرابةٍ قليلاً
-لا لم تقل أى شىءٍ؛ فقط سألتنى إن كنتُ أعرفها من قبل... وأشياء عاديةً جداً
هز رأسه بتفهمٍ ثم تابع: إذا علمت ستقتلنى... ولا أريد حتى التفكير فى ردة فعل أبى...
-فى رأيي أنتَ تكبر الموضوع؛ لا أوافقكَ الرأى هذه المرة يا عزيزى؛ حتى أننى أعتقد أنهما سيحبان مريم إذا تعرفا عليها بقربٍ أكثرَ...
-ليته يكون هكذا كما تقولين.. على كلٍ أنا سأذهب قبل أن يطردنى المدير من العمل؛ أراكِ مساءً...
********************************************
-أمسكتُ بكَ أيها الهارب...   كان هذا هو الصوت الذى وصل إلى مسامعه أثناء جلوسه فى أحد أركان هذا المكان بشرودٍ... يحدق فى الكأس الموضوعة أمامه؛ التفت برأسه للخلف ليراها واقفةً تعقد ذراعيها أمامها وتحدق به بقوةٍ...
-كيفَ عثرتِ علىَ؟ بادر بالسؤال بتلقائيةٍ تامةٍ....
-أظن أنكَ تستخف بقدراتى بعض الشىء... ابتسمت وهى تجلس بجواره ثم تابعت: وأنا أيضاً لدى بعض المعارف...
...تلقائياً استدار برأسه نحو المسرح الصغير و... بالتأكيد الفتى العازف...؛ ابتسامةٌ سخيفةٌ ظهرت على محياه وتابع: أرى أنكما صرتما صديقين؛ وتبادلتما أرقام الهواتف أيضاً... كم هذا رائعٌ...
...لم يتحدث أكثر وإنما عاد ينظر إلى الكأس الزجاجى..
-لا أنتَ بالتأكيد تمزح يا فاتح... طيب انظر إلى حتى ونحن نتكلم...
زفر بمللٍ ثم التفت إليها قائلاً: ماذا هناكَ؟ ماذا تريدين يا نيريمان؟
-أريد أن أفهم مثلاً لماذا لا تجيبُ على مكالماتى؟...؛أحاولُ أن أتفهمَ موقفكَ ولكن لا أستطيعُ..
-ما الذى تحاولين تفهمه بالضبطِ؟
-....كلُ ما فى الأمر أننى خرجتُ مع يوسف قليلاً؛ أجل أعلم أننا كنا قد اتفنا على أن نلتقى فى هذا اليوم ولكن حدث أمرٌ مهمٌ؛ وبالطبع لو أنكَ أجبتَ على بدلاً من اتخاذ موقفٍ كالأطفال كنتُ سأشرح لكَ..
-تشرحينَ ماذا؟ ما السبب الذى يجعلكِ تتركيننى و... تخرجين معه؟
-من أجل مريم... الفتاة تركت عملها وتحتاج إلى عملٍ آخر؛ لذا تحدثتُ مع أحد زملائى ليوظفها فى مكتب والده؟
-ماذا تقصدين ب" أحد زملائى.."؟
-فريد زميلى فى المعهد؛ لماذا تسأل؟...  بملامح تكسوها الدهشة وجهت هذا السؤال...
-فريد... هز رأسه بامتعاضٍ ثم تحدث بصوتٍ مرتفعٍ بعض الشىء: وفريد هذا أيضاً صديقكِ.. وأيضاً تتحدثان على الهاتف...
-أنا لا أفهم على ماذا تتشاجر معى بالضبط؛ إذا كنتَ تغار قلها بصراحةٍ بدلاً من الصراخ بلا هدفٍ هكذا
-أجل أغارُ عليكِ؛ وأنتِ بالرغم من معرفتكِ بهذا تتصرفين بلا اهتمامٍ أو أى مراعاةٍ لى... توقف عن الكلام لحظةً ليلتقط أنفاسه ثم... ثبتَ عسليتيه على زرقاويها وتابع: فى كل لحظةٍ وكل ثانيةٍ... أشعر أن أحدهم سيأخذكِ منى؛ ليسَ لأننى لا أثقُ بكِ... فقط... هذا المحيط وهذه الأضواء؛ حياة اسطنبول... مختلفةٌ عن حياتى...
-فاتح...  اقتربت نيريمان منه أكثر ثم استندت برأسها على كتفه؛ احتضنت ذراعيه بكلتا يديها ثم بدأت تتحدث: ألم تعرفنى حتى الآن ولو قليلاً؟ أنا... حتى لو مقابل الدنيا وما فيها لا أتخلى عنكَ؛ ألم تفهم هذا حتى الآن؟ أنا أحبكَ أنتَ.. أنتَ فقط ولا أحد غيركَ...
ابتعدت عنه قليلاً؛ لينظر هو إليها ويراها تبتسم وتقول بمرحٍ: أسمحُ لكَ أن تغار من أى أحدٍ باستثناء يوسف أرجوكَ... أساساً أنتَ تعرف حكايتنا كاملةً؛ نحن أصدقاء فقط... بل أقرب إلى الإخوة...
امتعض وجهه بشكلٍ طفولىٍ؛ ثم هز رأسه بالإيجاب-على الرغم من وضوح عدم الاقتناع على وجهه-
تنهدت نيريمان بمللٍ ثم ابتسمت وقالت: جئنا نصالح سيادتكَ لأنكَ تغار من صديق طفولتى؛ لأجدكَ ودون أن أفهم تتشاجر معى مجدداً من أجل شخصين آخرين، كم أنتَ محبٌ للنكد يا عزيزى...
...ما لبثت أن تابعت: هل تعلم؟ حتى الشجار معكَ جميلٌ أيضاً....
أجل صحيحٌ....؛ نهضت من المقعد ثم وقفت بجواره؛ ليلتفت هو إليها بدهشةٍ....
....كل شىءٍ جميلٌ معكَ.... حتى المشى على الطريق..
حتى الركضُ... وراء المستحيل
كلُ شىءٍ جميلٌ معكَ... حتى هذا المطر وهذه الثلوج
حتى هذا الخوف بداخلى... وهذه الدموع فى عينى...
....كان صوتها العذب قد بدأ يرتفع قليلاً؛ لافتاً بهذا أنظار القلائل الموجودين فى المكان ومنهم.... فتى الموسيقى؛ والذى ابتسم فور أن لامس صوتها أذنيه وبتلقائيةٍ تامةٍ بدأ يعزف موسيقاها على كمانه الخاص
....أمسكت نيريمان بكفى فاتح تحثه على النهوض معها؛ ليستجيب لها وينهض مع ابتسامةٍ لطيفةٍ ويتابع الأغنية معها...
....حتى لو طرقَ الفراق بابنا... فى لحظةٍ غير متوقعةٍ
...يكفينى فقط يومٌ واحدٌ...  شاركته معكَ...
...حتى لو طرق الفراق بابنا.. فى لحظةٍ غير متوقعةٍ
يكفينى فقط يومٌ واحدٌ... شاركته معكَ...    
                   -الكلمات مقتبسة من التراث التركى...-
لف ذراعيه حولها داعياً إياها إلى هذه الرقصة... رقصتهما الأولى سوياً؛ على أنغام الكمان... ووسط متابعةٍ من الحضور لهذين العاشقين الصغيرين...؛ ليتوقفا عن الرقص بعد فترةٍ قصيرةٍ وهما يضحكان بمرحٍ... إثر صوت التصفيق الهادىء المحيط بهما...
-هل أنتَ سعيدٌ هكذا؟ هل سامحتنى؟...
-لأفكر قليلاً... أممم.. حسناً سامحتكِ...  ابتسم فاتح وهو يحيط وجهها الصغير بكلتا كفيه ثم يقترب منها مقبلاً جبينها مطولاً.... 
-فى رأيي أن نغادر المكان قبل أن يتعرف أحدهم على ويلتقط الصورَ...
-هذا المكان كان هادئاً وفارغاً فى الماضى... ولكن منذ مجيئكِ أنتِ ويوسف إلى هنا جذبتما الجمهورَ...
-لا داعى للشكر هذا أقل ما عندى...   قالت ببعض الفخر وهى تبتعد عنه قليلاً ثم أمسكت يده وهى تقولُ: هيا بنا...
-إلى أينَ؟
-لنركضَ وراء المستحيلِ......
************************************
- مريم؛ سأبدأ فى فحص الحالة التى أوكلها الأستاذ إلينا؛ هل ستأتين..؟
-أجل؛ اسبقنى أنتَ يا كريم وأنا سألحق بكَ بعد قليلٍ؛ علىَّ إجراء مكالمةٍ هاتفيةٍ...
-كما تريدين... هز رأسه بتفهمٍ وهو يبتعد تاركاً خلفه مريم؛ والتى كانت تقرأ إحدى الرسائل...؛ قبل أن تبدأ بإجراء المكالمة...
" اشتقتُ لصوتكِ؛ إذا كنتِ متفرغةً فى أى وقتٍ خلال اليوم اتصلى بى..."
بابتسامةٍ خافتةٍ وضعت الهاتف على أذنها تنتظر رداً...
-كيفَ حالكِ؟
-بخيرٍ وأنتَ؟
-كنتُ سأكون أفضلَ بالطبع لو تمكنتُ من رؤيتكِ صباحاً..
-هل سنتخاصمُ بسبب هذا الآن؟ أخبرتكَ أننى كنتُ مشغولةً؛ ثم إننى كنتُ أتصلُ لأخبركَ أن تأتى مساءً؛ ما رأيكَ؟
-أنا لا أحلم صحيحٌ؟ أنتِ حقاً تطلبين منى القدوم؟؟
...بغض النظر عن أننى كنتُ سآتى من تلقاء نفسى ولكن أن تتم دعوتى فهذا مختلفٌ أيضاً...
-هل تصالحنا الآن؟..
-لم نتخاصم من الأساس فأنا لا أستطيع أن أغضبَ منكِ؛ أحبكِ....
-وأنا.... همت بالرد؛ ليقاطعها صوتٌ من الخلفِ: مريم؛ أين التقارير؟..
-...انتظر لحظةً...  أخذت تعبث فى حقيبتها إلى أن أمسكت ببعض الأوراق وأعطتها له متابعةً: تفضل يا كريم... لن أتأخر عليكَ انتظرنى لنملأها سوياً..
-كما تشائين....
-لن أتأخر عليكَ انتظرنى لنملأها سويا.... أعاد يوسف تكرار عبارتها بنبرةٍ ساخرةٍ...
-يوسف... لا تفعل...
-ماذا يوسف؟ ماذا؟... هيا اذهبى واملأى التقارير مع كريم...إلى اللقاء...   أغلقَ الخط بغيظٍ ثم قال: أتمنى ان يملأ الطبيب أوراقهما بأصفارٍ كثيرةٍ كالتى كنتُ أحصل عليها ويرسبان...
هم بإعادة الهاتف إلى جيبه؛ قبل أن يشعر باهتزازه... ، قام بفتحه والنظر إلى محتوى الرسالةِ
"... وأنا أيضاً أحبكَ...؛ أراكَ مساءً.."
ابتسم ببلاهةٍ تامةٍ وهو يقول لنفسه: حبيبتى الحلوة... تراجعت ليرسبْ كريم فقط، لا أفرط بها عزيزتى...
...لماذا أتصالحُ بسرعةٍ هكذا؟ هل أنا أتخيل أم أننى مغفلٌ قليلاً وهى تستغلُ هذا؟.....!!!
.............................................
-... تبدو جميلةً هذه الكعكة يا فريدة، أنتِ صنعتها أليسَ كذلكَ؟   قالت مريم وهى تأخذ إحدى حبات الفراولة التى وضعتها فريدة للزينة؛ لتجيبها الأخرى: شعرتُ بالملل فقلت أن أسلى نفسى قليلاً...
-هذه بالكريمة ..، ليتكِ صنعتها بالشكولاتة...
-ومنذ متى تحبين الشكولاتة أنتِ؟
-...ليسَ من أجلى؛ من المفترضِ أن يأتى يوسف بعد قليلٍ
...صحيح أنا لم أسألكِ بشأنِ هذا الموضوع... أنتِ لا تنزعجين من قدومه أليس كذلكَ؟
-لماذا أنتِ مهذبةٌ هكذا يا صديقتى؟ لا تقلقى أنا لا أنزعج منه أبداً... لا فى الحقيقة أنا أنزعجُ منه ولكن ليس من وجوده... الأمر معقدٌ لذا لا تحاولى أن تفهميه...
-وحتى لو حاولتُ فلن أستوعب أصلاً... ها هو الباب يرن لقد جاء... ابتسمت مريم ثم همت بالركض نحو البابِ لتوقفها فريدة...
-انتظرى؛ هل ستقابلينه بهذا الشكلِ؟
-ما به شكلى؟ لم أفهم...
-تبدينَ ك... طالبةٍ جامعيةٍ لم تترك الكتاب منذ الصباح...
-ولكننى حقاُ طالبةٌ لم تترك الكتاب منذ الصباح...
-أجل أعلم فأنتِ غبيةٌ وتحبين الدراسة؛ ولكن هكذا لا يمكن... هكذا سيهربُ الشابُ؛ وليسَ أى شابٍ... يوسف ديميرهان الفاسد الذى كان يرافق عارضات الأزياء...
...اقتربت فريدة منها وسحبت الدبوس الذى يثبتُ شعرها البندقى الطويل ثم بعثرته بعشوائيةٍ على جانبى وجهها...؛ ثم سحبت النظارات الطبية وأسندتها على طاولة المطبخ...
-وهذه السترة أيضاً لا داعى لها..
-ولكن الجو باردٌ...
-لا مشكلة ارتديها بعد قليلٍ؛ وما هذا ال" بطوط" فى قدمكِ كأطفال الحضانةِ؟ أبعديه من وجهى بسرعةٍ... اذهبى ستجدين حذاءً منزلياً آخر فى الخزانة المجاورة للبابِ... هيا لقد تركناه على الباب طويلاً...
...أمسكت مريم مقبض الباب ثم فتحته راسمةً على شفتيها ابتسامةً واسعةً... إلا أن....
-مريم ابنتى؛ أرن منذ وقتٍ طويلٍ ألم تسمعى؟ على كلٍ هل لديكما قمامةٌ؟
-لا.... لا يا عم شكراً... أنا أخذتها صباحاً
-لا مشكلةَ؛ تصبحين على خيرٍ... ابتسم ذلكَ العجوز بحنانٍ أبوىٍّ؛ لتبتسم له مريم هى الأخرى وتجيبه: وأنتَ بخيرٍ... ثم أغلقت الباب...؛ من الصعب إخفاء أثر الإحباط على وجهها لأن كل تلكَ الاستعدادات كانت بلا فائدةٍ... ارتمت على الأريكة وهى تزفر بخيبة أمل كبيرةٍ
-أين يوسف؟ ألم يكن هو؟؟
هزت رأسها بلا اهتمامٍ وتابعت: عامل النظافة...
لم تستطع فريدة كتم تلك الضحكة التى هربت من بين شفتيها...؛ يعنى أن كل هذه الاستعدادات كانت من نصيب العم كامل... كم هو محظوظٌ..
نظرت إليها بغيظٍ مكتومٍ قبل أن تلتقط الهاتف الذى شعرت باهتزازه وتنظر فى محتواه...
-هذا ما كان ينقصنى...
-ماذا هناكَ؟
-كريم يقول أن هناكَ مجموعةٌ من التقارير يجب تسليمها فى الغد وأنا لم أبدأ بها حتى الآن... أووووف..؛ حتى مخططات اللية فشلت... سينزعجُ يوسف الآنَ وأنا بالكاد صالحته صباحاً...
-لا تقلقى لن ينزعجَ... دعيه يساعدكِ أو حتى يراقبكِ هكذا حتى تنتهى، ألستما معتادين على قضاء الوقت بهذا الشكلِ؟
-لا أدرى... سأحاول أن أنهيها فى أقل وقتٍ ممكنٍ؛ على كلٍ أين نظاراتى؟...................
..............................................
......تدعونى إلى المنزل ولا تهتم بوجودى...لماذا أصبحتِ مملةً هكذا يا مريم؟ قال يوسف وهو يتثاءبُ من الملل بينما كان مرخياً جسده على الأريكة بجوارها...
-أخطأتَ...  أجابته فريدة وهى تدخل غرفة المعيشة وتناوله كوباً من الشكولاتة الساخنة؛ ليبتسم لها هو بشكرٍ ثم تابعت: مريم مملةٌ منذ وقتٍ طويلٍ؛ فقط أنتَ لم تكن تعرفها جيداً...
-كنتُ أتسلى برفقتكِ أكثر عندما كنا أصدقاء.... تابع بضيقٍ مصطنعٍ ثم بدأ يرتشف القليل من فنجانه....
-مازلنا فى أول الطريق؛ لنعد أصدقاء إذا كان هذا ما تريده... أخيراً شاركت مريم فى الحوار الدائر؛ لم تكن منتبهةً أصلاً ولم تكلف نفسها بالالتفات إليهما؛ فقط تحدثت ببرودٍ وهى تتابع تدوين بعض الملاحظات فى كتابها...
-هل قلتُ شيئاً كهذا؟ ألا تلاحظين أنكِ تبحثين عن النكد؟ أريد أن نتسلى؛ نفعل أى شىء كأى اثنين مرتبطين
-ها قد تركتُ الكتاب... قالت وهى تلتفتُ إليه بابتسامةٍ صفراء؛ استندت بمرفقها على ظهر الأريكة ثم أراحت رأسها على باطن كفها؛ نظرت إليه بنفس الابتسامة وقالت: قل ماذا تريد أن تفعل ولا تصبنى بالصداع؛ سنفعل ما تريده...
..اتخذ وضعيةً مماثلةً لها -فى مقابلتها تماماً-وعلى بعد بضعة سنتيمتراتٍ منها؛ أخذ يتفحص وجهها بكل تفاصيله بعينيه الخدرتين، ثم ما لبث أن ابتسم وقال بهدوءٍ وهو ما زال ينظر إليها: يدور فى عقلى الكثير من الأفكار الآن؛ ولكننى متأكدٌ كما أعرف اسمى أنكِ لا تريدين أياً منها ابداً... لذا دعكِ مما أريده أنا واختارى أنتِ شيئاً..
-إذن ابقَ هادئاً ولا تُصَّدعنى لأن هذه التقارير يجبُ أن تنتهى الليلة؛ تمام يا حبى..  أخذت تمرر أصابعها على خده بنفس الابتسامة الصفراء ثم عادت تمسك كتابها وكأن شيئاً لم يكن... تاركةً إياه يصارع حنقه الطفولىَّ...
-من الجميل أن أراكَ تتعذب هكذا وأنتَ لا تستطيع تحقيق نواياكَ السيئة؛ حقاً مريم الشخص المناسب لكَ.. صفقت فريدة وهى تنظر إليه بشماتةٍ واضحةٍ..
-على فكرة لم أكن أفكر فى شىءٍ...  تنهد بمللٍ وهو يريح رأسه على كتفها؛ لتنتفض هى قليلاً وتنظر إليه مستفهمةً..
-ماذا؟ هل النوم حرامٌ أيضاً؟ سئمتُ وأنتِ لا تهتمين بى..
ابتسمت مريم بمرحٍ وهى تراقب ملامحه الطفولية الممتعضة ؛ لتقول فريدة بينما وضعت ساقاً فوق الأخرى وهى تحدق فى هاتفها: جيدٌ ومنه نرتاح من ثرثرتكَ المزعجة...
-أنتِ أليس لديكِ حبيبٌ تذهبين إليه وتدعيننى وشأنى؟
-لا، أنا موجودةٌ هنا لأراقبكَ كي لا تفكر فى فعل أى شىءٍ لصديقتى...
-هذا على أساس أننى أجد الفرصة أصلاً.... قال لنفسه وهو يتثاءب مجدداً ويغمض عينيه....

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"Where stories live. Discover now