الفصل الرابع عشر... 4

ابدأ من البداية
                                    

.جلست على الأرض بجواره، دون أن تصدر صوتاً؛ فقط صوت الصغيرة التى بدأت تبكى هو ما عكر الهدوء المخيف الذى خيم على المكان....، بأنامل مرتعشةٍ أمسكت كفه الذى صار بارداً بعض الشىء، لامست أسفل إبهامه لتتمكن بصعوبة من الشعور بالنبض الضعيف الصادر عنه....
فى العادة تتصرف بسرعةٍ وتلقائيةٍ تامةٍ فى مثل هذه المواقف، إلا أن جموداً مريباً قد اعتراها، ليس جموداً فى جسدها فقط؛ حتى عقلها قد توقف عن العمل....
-مريم، إنه ينزف، ماذا نفعل؟...  صرخت بيرى بقوةٍ عندما لاحظت أن صديقتها لا تتحرك ولا تفعل أى شىءٍ لمساعدته، ثم أخذت تحرك كتفيها وتابعت: مريم...  أسرعى قد يحدث له شىءٌ....
...على الأغلب أن هذا ما كانت تحتاجه، فها هى ذى عادت إلى وعيها وقالت: اتصلوا بالإسعاف بسرعةٍ ثم ما لبثت أن اقتربت لتفحص جرح رأسه....
-هل يوجد لديكم ضمادات؟...
-سأبحث انتظرى...  أجابتها بيرى وهى تركض نحو الداخل فيما قال الحارس: هل نرفعه من الأرض؟
-لا، قد تكون رقبته مصابةً... لا أستطيع انتظار الضمادات...  خلعت الوشاح الخريفى الذى كانت تضعه حول عنقها ثم ضغطت به على جرح رأسه لتمنع تدفق الدم....، وبيدها الأخرى أخذت تجفف قطرات الدموع التى تتساقط رغماً عنها
-يوسف أرجوكَ.. افتح عينيكَ، أنا هنا...  أمسكت كفه البارد واحتوته بين أصابعها الدافئة وتابعت: لن أتشاجر معكَ ثانيةً، لن ابقى دون طعامٍ، حتى إذا أردتَ سأذهب معكَ لتناول الشكولاتة، هيا استيقظ....
***************************************
-...ادخل...  قال مراد بنبرةٍ مرتفعةٍ بعض الشىء عندما سمع طرقاتٍ على الباب لتدخل نيريمان وتلقى عليه التحية بلطفٍ...  أغلقت الباب ثم سارت فى اتجاهه وجلست على الكرسى المقابل لمكتبه....
-ما سر هذه الزيارة الجميلة؟...
-اتصلتُ بيوسف ولكنه لا يجيب فجئتُ لهنا ولكنه ليس موجوداً أيضاً...  فقررتُ أن أتجاهله تماماً وآتى لرؤيتكَ....
-لقد هرب منذ الصباح أصلاً، لا تهتمى به....
-هل هو معها؟   سألته بهدوءٍ وهى تسند رأسها على راحة يدها...، نظر مراد إليها بتمعنٍ ليحاول فهم الغاية من السؤال، إلا أنه لم يصل لشىءٍ؛ لتقاطع هى حبل أفكاره بقولها: أسأل هكذا دون سببٍ، لا يهمنى أمره ولكننى شعرت بالفضول فقط....
ابتسم مراد لها ثم قال: لقد اتضح أن فريدة دقيقة الملاحظة...
-بشأن ماذا؟...
-بشأن قصة الحب الجديدة التى بدأت تطفو على السطح، أنا حقاً سعيدٌ من أجلكِ...
-ليس الأمر كذلكَ... قالت نيريمان ببعض الخجل... يعنى لم يتطور الأمر كثيراً بعد، ما زلنا نتعرف...
-لن أضغط عليكِ... على كلٍ أنا تقريباً أنهيت عملى وأعمال ذلك الكسول الهارب، ما رأيكِ لو نخرج لتناول الحلوى سوياً؟
-لا مشكلة أنا متفرغةٌ اليوم...
-إذن هيا اتصلى بذلك المزعج سيبكى كالأطفال إن سمع أننا تناولنا الحلوى من دونه...
-معكَ حقٌ، قد يتخلى عنا نحن الاثنين من أجل قطعةِ شكولاتة...   قالت نيريمان بابتسامةٍ وهى تمسك الهاتف وتضغط على زر الاتصال......
......... مازالت تضغط على جرحه بنفسها بعد أن رفضت الابتعاد والسماح لرجال الاسعاف بأخذ مكانها، فما كان منهم إلا أن تركوها تفعل ما تريد خاصةً بعدما علموا من الموجودين بالملجأ حقيقة كونها طبيبةً....
تابعت مراقبة ملامحه التى تزداد شحوباً مع مرور الوقت، وبين كل ثانيةٍ وأخرى تنظر إلى الشاشة التى تعرض قيمه الحيوية.....، حتى أنها لم تستطع تمييز صوت هاتفه لولا صوت نداء رجل الاسعاف: يا آنسة، هاتف السيد يرن منذ وقتٍ، هل ستجيبين أم ماذا؟...
مدت يدها والتقطت منه الهاتف ثم ألقت نظرةً لترى هوية المتصل...-نيريمان-....، يا إلهى كأن التاريخ يعيد نفسه، عندما فقد الوعى فى لقائهما الأول ورن هاتفه بمثل هذا الشكل، والمتصل كان..-نيريمان- أيضاً....، ضغطت على زر الرد وقربت الهاتف من أذنها...
-أخيراً،... أين أنتَ منذ الصباح؟ أعلم أنكَ لن تقول أصلاً لذا سأختصر الموضوع، اسمع....
-نيريمان... صوت مريم المتقطع الذى تتخلله بعض الدموع وصل إلى أذنها...
-م..مريم، ماذا هناكَ؟ لماذا تبكينَ؟... أين يوسف؟...  قالت نيريمان بسرعةٍ وقد بدأ القلق يتسرب داخلها، لينتفض مراد فجأة وتتغير ملامح وجهه...
-لن أستطيع الشرح الآن، ولكنه مصابٌ.....
-لم أفهم يعنى أنتما فى المشفى؟ أرسلى لى العنوان...
-نحن ما زلنا فى الطريق، إلى مستشفى......، سأرسل لكِ موقعاً متحركاً...
-تمام، سآتى بسرعةٍ... انتظرينى...  أغلقت نيريمان الخط ثم اخذت تتنفس بعمقٍ فى محاولةس منها لاستعادة هدوء أعصابها وتوازنها...
-لا تصمتى هكذا، ماذا حدث؟هل يوسف بخيرٍ؟...
-لا أدرى، مريم لم تقل شيئاً ولكنهما يذهبان إلى المشفى الآن... لقد أرسلت العنوان...  قامت نيريمان بفتح الرسالة لترتسم ملامح الدهشة على وجهها...
-على أطراف اسطنبول... ماذا كانا يفعلان هناكَ؟ قال مراد بدهشةٍ وهو ينظر معها فى الهاتف...
-ليس مهماً الآن، الأفضل أن نتحركَ حتى نلحق بهما بسرعةٍ...
-تمام، لنذهب بسيارتى.. أومأ مراد وهو يلتقط مقتاح سيارته ويغادر المكتب مع نيريمان فى عجلةٍ..
***************************************
...خرجت من باب غرفة الطوارئ وهى تسير على غير هدىً..، تتنفس ببطءٍ؛ تنظر إلى كفيها الذين اصطبغا بلون دمائه...
-..مريم...  قالها مراد بين أنفاسه المتقطعة بينما توقف عن الركض، تعقبه نيريمان...
-كان... ينزف كثيراً قالت بصوتٍ متقطعٍ هادئٍ؛ شبه غائبٍ عن الوعى وهى تترنح بجسدها للأمام لتسقط بين ذراعى مراد وهى تهمس بهدوءٍ...  بسببى...
-مريم، مريم، هل أنتِ بخيرٍ؟    قال مراد وهو يهزها بخوفٍ، اقتربت نيريمان واضعةً يدها على كتفها وهى تتمتم باسمها...؛ ربما شعرت.. للمرة الأولى إلى جانب خوفها على صديق طفولتها الذى فى الداخل؛ تلفظت باسمها وهى تشعر بخوفٍ حقيقىٍ عليها-لم تستطع تفسيره-...، لتتنهد ببعض الراحة عندما شعرت بأنفاسها الهادئة...
...أسندها مراد على أحد المقاعد الخاوية ثم جلس بجوارها واخذ ينثر بعض قطرات الماء على وجهها حتى فتحت عينيها..
أخذت تتطلع نظراتهما القلقة ثم انتقلت ببصرها إلى كفيها آملةً أن يكون هذا كابوساً مزعجاً، لتنصدم بالواقع مجدداً عندما رأت كفيها المزينتين باللون الأحمر القانى...
-مريم هيا تعالى لنغسل وجهكِ ويديكِ أولاً...   قال مراد وهو يحثها على النهوض لتهز رأسها رافضةً
-مريم هيا ارجوكِ، لا يمكنكِ أن تبقى هكذا..
قالت لها نيريمان بهدوءٍ ثم نظرت لمراد بمعنى أن يترك الأمر لها، أمسك كتف مريم بكفيها المرتعشتين
...رغم رفضها فى البداية إلا أنها استسلمت أمام إصرار تلك الصغيرة، بصعوبةٍ تمكنت من الوقوف على قدميها مستندةً على نيريمان ثم سارتا سوياً مبتعدتين عن مراد الذى كان يتأمل باب غرفة الطوارئ بملامح يكسوها القلق.....

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن