6- Water Lillies

159 11 20
                                    

"الحياة ليست ما نتوقع حدوثه، الحياة هي
ما يحدث عندما لا تكون لدينا أي توقعات."

~▪︎~
"

Flashback"

المغرب، الصويرة، 1960..

"اسحاق، كن حذرا عزيزي! لا تبتعد عن الضفة
و لتظل مع باقي الأطفال، انتبهوا جيدا الى بعضكم و لتعودوا قبل الغروب."
صاحت المرأة ذات الملامح الأوروبية
من السطح، تخاطب مجموعة من الفتيان الذين
بدوا في العاشرة، و تلوح للفتى ذو القميص
البرتقالي، الذي يفترض أنه طفلها.

بلهجة دارجة مكسورة، قال مبتهجا:

("حاضر ماما، لا داعي للقلق سنكون بخير !)
ثم ركض خلف أصدقاءه.

كان يوما صيفيا يقظا، من تلك الأيام التي تبعت
نوبة الحرارة التي أصابت المدينة، و قرر الأطفال اقتناص الفرصة و الذهاب للسباحة في الشاطئ.

و رغم أنه لم يكن من عادة اسحاق الإنضمام
الى الأطفال في أنشطتهم، إلا أنه كان متحمسا
لهذا اليوم، إذ سيتمكن من رؤية زنابق الماء أخيرا.

كان اسحاق طفلا مرحا للغاية، يمتلك تلك الأعين
البنية الواسعة المتلهفة للتعلم، و يحب قضاء
وقته في ممارسة الأنشطة اليدوية.

كانت والدته 'ماريا'، أرملة يهودية في الثلاثين
من عمرها، بارعة بحياكة الزرابي و نحت
الأواني الخزفية. توفي زوجها الفرنسي و هي حامل فظلت بالمغرب و استقرت بالصويرة.

كانت تتكلم دارجة مغربية بلكنة فرنسية،
و تقطن بقلب الملاح مع غيرها من العائلات اليهودية المقيمة بالبلاد منذ الاستقلال.

كان 'الملاح' معروفا بكونه "حي اليهود".

و رغم الإختلاف الديني، إلا أن هذه الأحياء
ذات الأسوار الحمراء العالية و الأزقة الضيقة كثيرة الإلتفافات لم تكن مغلقة، بل كان الملاح
معروفا بكونه القلب التجاري النابض لكل
مدينة مغربية. على طول ساحة شاسعة،
توزعت أسواق الحلي و المجوهرات
و حوانيت بمختلف الألوان و البضائع.

كان الأطفال رغم اختلاف دياناتهم يجتمعون
داخل أسواره اذ يجدون فيه ملجأ يطلقون فيه
العنان لجموحهم، حيث لا أحد سيعاتبهم
على الصخب.

و في سطح المنزل ذو الطابقين، كان مستودع
الحياكة الصغير مكان اسحاق المفضل. حيث
تبعثرت أقلام الشمع و الورق المقوى على
الطاولة، محاطة بأصص الخزف حيث زرع
أنواعا مختلفة من نبات الخزامى و حبوب الفاصوليا..

كان لإسحاق ولع كبير بالألوان،
و لطالما مدحه زبائن والدته قائلين
أنه يمتلك دون شك روح فنان.

كان يحب امضاء الوقت رفقتها، يحب مراقبتها
و هي تطبخ الفطور في الصباح الباكر، ثم تحيك السجاد أو ترسم فوق صحون السيراميك.
كان يجد في كل ذلك سحرا رهيبا.

ثم في وقت الظهيرة، يقصد بيت العم
"كوهين"، العجوز بائع الشاي.

كان العم يرسم لوحات زيتية خلابة، دائما
ما تنتهي بخطف قلب اسحاق.

و صباح يوم صيفي، عكس الأيام الصيفية
العادية التي كانت غالبا ما تمر مرور الكرام
في مدينة ساحلية كالصويرة، اعترت ذلك
اليوم نوبة حرارة غير معتادة.

و كان كوهين في الغرفة الصغيرة أسفل
المتجر، يحتسي كأس الشاي كعادته، و في
يده فرشاة الصباغة ترسم دوائرا حلزونية
فوق اللوحة القماشية.

و رغم الحرارة المشتعلة بالخارج، إلا أن نبات
الألوفيرا و أصص النعناع البري التي أحاطت
باب الحانوت قد أضفت بعضا من البرودة
الى الأجواء.

استرق اسحاق النظر، يطل برأسه من خلف
الباب الخشبي و أعينه الفضولية تحدق
بذهول الى اللوحة الزيتية الكبيرة،
حيث تمخض مزيج من الأخضر
و الأقحواني، داخل بركة من الأزرق البارد.

شعر بقلبه الصغير يخفق بقوة، أمام الألوان
الباهرة للوحة..

"Nymphéas"
نطق كوهين ملتفتا نحوه بإبتسامة.

"؟"
قطب اسحاق حواجبه الصغيرة بإستفهام.

"إنها لوحة للرسام الفرنسي 'مونيت'، و هذه الزهور الملونة التي تراها تسمى "زنابق الماء"
فسر كوهين مشيرا الى الدوائر الصغيرة
أرجوانية اللون.

"Je les retrouve très belles, ces nymphéas"
قال بصوته الطفولي لتتسع ابتسامته،
و قد أحس باللوحة سرقت أنفاسه.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Apr 28 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

بحيرة البجع || Swan lakeWhere stories live. Discover now