مكالمة في بريد القلب

501 60 23
                                    

مكالمة في بريد القلب..

كان قرص الشمس يحتضن دجلة كما يحتضن الدمع جفن الجنوبيات ورن جرس هاتفي كما يقرع الصناديد أجراس كنائس الموصل الآن وكان الشيخ المسعودي يسألني عن حال الجرحى وأسمع بقربه أصواتآ لجنود وبارود!!..
سألته كيف حالك وحال الابابيل الرابضين معك....؟؟
لم يجبني الشيخ لأنه كان يقول لأحدهم ((هاي هاونات.. ديربالك!))..
فجاءه الرد بصوت سمعته ولكني لم أميزه ((جا وإذا وكع الهاون
شسويله يعني قابل اني احسن من الراحو.. هلا بيه))
فقلت للشيخ المسعودي متنرفزآ... انتم وين؟؟ فأجاب.. نحن بالمتقدم..
زين منو هذا ابو الهاون اللي بايع روحه...
فقال الشيخ... هذا واحد تعرفه.... هاك هاك..
حجي هذا احمد لعيبي يريد يسلم عليك...
أعطى الشيخ المسعودي إلى شخص صوته يشبه صوت عاشق يتلو مرثية على ضفاف ساقية ماء...!! وبدأ بالكلام..
((حياك الله استاذنا جهودك وجهود اخوانك مشكورة... واحنه خوش مشينه مشيه بيهم وفتنه فوته زينه... وان شاء الله بشر
الجميع احنه بخير ومنتصرين.))... بصراحة راودني شك عن هوية المتكلم واحسست بتيار كهربائي يصعقني من الدهشة والرجل لايزال يتحدث.. وانا اقول.. هو.. لالالا.. أي هو بس البرد مغير صوته...
لالا يابه مو هوه...
ثم أكمل الرجل حديثه بعفوية تسلل معها خرير ماء الهور ورائحة البردي وعنفوان السنابل.... وعرفته.... نعم انه هو والحمزة ابو احزامين!!...
كان الرجل عفويا تسمع أنفاسه كأنه كان يركض أو يحمل ثقلا بيده...
تناثرت الكلمات مثل رصاص الحشد وتبعثرت الكلمات مثل حصاد السنابل..
كان بقية الهور والنصر والفخر يحدثني عن الانتصار وعن التحدي والثقة..
أقسم أن الرجل كان يتحدث بثقة رجل شاهد شريط المعركة وعلم بالانتصار مقدما....
كان ابو مهدي المهندس يحمل بقلبه هموم وطن ومشاعر انسان بسيط يكبر في نظرك كلما اقتربت من صوته...
لا أعلم بعد أن انتهت المكالمة الهاتفية مع الرجل شعرت بأن صوت الشهداء كان في مخارج حروف فمه...
أتذكر أنني قلت له في آخر المكالمة..
حجينا.. أدامك الله علمآ يرفرف فوق رؤوسنا المرفوعة بك وبحشدك..
وكانت جملتي الأخرى على خدي منثورة لا مسموعة...
رجل فصيلة دمه حشد وفي صوته رعد!!...

جمال المهندس Where stories live. Discover now