*|🔢|:☟البـــ{الثاني والعشرون}ـــارات☟*

101 8 0
                                    


دخلت المنزل أجهز نفسي لحرب طويلة لإخراجها من هنا وأعلم أي يوم ينتظرني اليوم
توجهت من فوري لغرفة والدتي فكان بابها مفتوحا فوقفت أمامه فكانت مكانها على السرير لكنها الآن جالسة فوقه وأغراض والدتي في حجرها ونظرها عليهم ويداها متشبثتان بهم وكأن ثمة من سيأخذهم منها
ما أن فتحت فمي لأتكلم حتى قالت بشبه همس " لن أخرج من هنا "
نظرت جانبا وتنهدت بضيق ممررا أصابعي في شعري فتابعت ببرود " قلتها سابقا أخرج من شقتنا لمنزل خالتي ولا أغادر منه إلا لها "
نظرت ناحيتها وجمعت كل ما أملك من هدوء وقلت " وسن توقفي عن الجنون فبقاء لوحدك لن تبقي "
سقطت دمعتها على مصحف والدتي في حجرها وقالت بأسى " تركوني لك يا نواس جميعهم رحلوا وتركوني لك كل من يريدني رحل عني وتركني لمن لا يريد حتى رؤيتي "
أمسكت مقبض الباب بقوة وكأني سأحطمه ، وقلت بضيق " وسن توقفي قلت لك "
رفعت رأسها ونظرها لي وحضنت المصحف ولباس الصلاة لصدرها وتابعت وكأنها لم تسمعني وقالت بحرقة " خذلوني جميعهم ، وعدوني واخلفوا مثلك حين قلت أنه لن تسكن حضنك غيري وخلفت , نعم وعدتني وأخلفت وأقسمت وخلفت بيمينك وكأنك ما أقسمت "
ضربت بقبضتي طرف الباب وقلت بحدة " أغلقي الدفاتر القديمة يا وسن كم مرة سنعيد ذات الكلام "
لوحت بيدها في الهواء وقالت بغضب " نعم لأنك ربحت أنت من كسبت في النهاية وبقيت أنا اليتيمة العالة في عهدتك تنتقم منها كيف تشاء "
دفعت الباب بيدي لينفتح على مصرعه وقلت بغضب أشد " توقفي عن حشو رأسك بهذه الأفكار السوداء ، أنا لم أفكر في الانتقام منك يوما "
ابتسمت بسخرية ولم تعلق وقالتها لي بذلك من دون كلام ( كاذب )
تنفست بقوة وغضب وقلت بجدية " ستخرجين من هنا ومعي ولمنزلي ولا نقاش فيما أقول "
رمت الأغراض من يدها وخرجت من السرير واقفة وقالت بحدة " زوجني للإمعة الآخر وارحمني فلعلي أموت على يديه "
صرخت بحدة " لا تقولي عنه إمعة "
فتحت ذراعيها وقالت بسخرية " وما سيكون هذا الذي تتحكمون في قراراته "
ثم أشارت لي بإصبعها وقالت " لولا عهدي لخالتي ما تركتك تتحكم في مصري وما وافقت على من ستختاره أنت وإن كان رئيس البلاد "
قلت مغادرا " ولولا عهدي لها ما زوجتك به "
فماذا إن علمتِ أنه أنا وأني مثلك قطعت يمينا أنفذه أحبت نفسي أم كرهت ، توجهت لغرفتها هنا وكان فيها حقيبتان جاهزتان ومؤكد لها
أجهل حقيقة ما حدث هنا بعدي لكن الواضح أن جواد أوصل الأمر لنهايته ثم مزق التوكيل وسافر
أخرجت الحقيبتان وخرجت بهما للسيارة حيث معاذ لازال واقفا هناك ، وضعتهم على الأرض خلفها ثم فتحت حقيبة السيارة ووضعتهم فيها وأغلقت بابها بقوة
وقفت واضعا يداي وسط جسدي أنظر للأرض وأتنفس بغيض فقال معاذ " هل ستأخذها هناك "

نظرت جانبا وقلت " أسدي لي معروفا يا معاذ واسبقني للمزرعة , أريد أثاثا في آخر غرفة في الممر الغربي من الطابق الثاني "
قال بعد صمت " لكنك لا تستخدم غرف ذاك الممر لأنه مطل على ساحة التدريب وجزء من الإسطبلات ولا شيء فيه سوا مكتبك "
نظرت له وقلت " لا حل أمامي غيره فالجانب الشرقي لا أستطيع وضعها فيه والطابق الأول فيه وليد ولن أخرجه منه تحت أي ظرف كان ولا أريد أن يخرج في كل الأحوال "
قال بهدوء " وليد سيقدر الأمر فلم تعد الظروف كما كانت سابقا ويمكنك أن تشتري له منزلا قريبا من المزرعة "
هززت رأسي وقلت " مستحيل ينقطع لساني ولا أقولها له "
ثم أشرت له بإصبعي وقلت بتحذير " وإياك يا معاذ أن تلمح له ولا مجرد تلميح "
ثم أخرجت هاتفي من جيبي قائلا " الممر في الجناح الغربي مستقل عن باقي الطابق ولا حل أمامي غيره كما أني أعرف وسن جيدا ليست من النساء الفاسدات لتجلس للعمال في نافذتها وإن رفع واحد منهم نظره هناك فقأت له عيناه ليكون درسا لغيره "
قال متوجها جهة سيارته " كما تريد ستكون الغرفة جاهزة بعد وصولي هناك بأقل من ساعة "
ثم ركب سيارته وغادر فنظرت لهاتفي مطولا بتفكير ثم اتصلت بمي فأجابت من فورها قائلة " مرحبا نواس وحمدا لله على سلامتك "
قلت بهدوء " سلمك الله ، مي سيكون معاذ في المزرعة بعد أقل من نصف ساعة فلا تخرجي من غرفتك لأنه والعمال سيكونون في الأعلى وبعد أن يغادروا أطلبي من راضية أن تنظف الغرفة التي أدخلوا لها الأثاث وتضع فيها أغطية وكل ما يلزم في الغرفة والحمام "
قالت من فورها " حسنا سأفعل كل ما طلبت "
تنفست بعدها بقوة وقلت بهدوء " مي وسن ستعيش معنا هناك لا أريد أن تحتكي بها تحت أي ظرف كان واستحمليها من أجلي , هي ستكون في جانب مستقل من الطابق , وسن ليست سيئة طباع مع الناس لكنك تعلمين ظروفنا جيدا "
قالت مباشرة " لا يحتاج الأمر أن تشرح لي وسأفعل ما تأمرني به "
قلت بامتنان " شكرا لك يا مي وداعا الآن "
لا أعلم أي أيام تنتظرني هناك لكني متأكد من أنها سيئة على الجميع ، تنهدت بأسى ثم عدت جهة المنزل
دخلت ووجدتها تقف في الصالة فقلت بهدوء " وسن أقسم ليس غرضي الانتقام منك فاخرجي معي وأريحيني "
أشاحت بنظرها عني ولم تتكلم فقلت " أغراضك في السيارة ومكانك هناك جاهز ومستقل ولن تحتكي بأحد أو تريه فدعينا ننتهي من هذه المشكلة "
قالت ببرود ونظرها لازال بعيدا عني " ومتى ستزوجني به "
قلت بضيق " وسن أفهم ما تفكرين فيه ولن يحصل "
نظرت لي وقالت بجدية " حللني من وعدي ووعدك إذا "
قلت بهدوء وعيناي تسافر في ليل عينيها " لا أستطيع "
كتفت يداها وقالت بجمود " ولما "
ابتسمت بسخرية وقلت " لن تفهمي مهما شرحت "
جلست على الأريكة وقالت ببرود ناظرة للأرض " إذا لن أخرج من هنا إلا معه "
ابتسمت بألم على الواقع المرير الذي ليتها تعلمه وتعلم أي مأساة يحمل وقلت " ولما لم تتزوجي بسليمان "
أشاحت بنظرها جانبا وقالت بسخرية " تخلى عني وتركني لك كما الجميع "
ثم نظرت لي بعينان ممتلئة بالدموع وقالت بأسى " وتقول أنك لا تريد الانتقام مني يا نواس وأول ما فعلته الآن أن سخرت من حالي "
أوليت ظهري لها واستندت بقبضتي على الجدار وأنزلت رأسي للأرض مغمضا عيناي بألم فعند هنا انتهي إلا عيناها دامعة كل شيء أستحمله إلا هذا المشهد حدقتاها الواسعة تلمع من سجن الدموع
وبقيت على حالي ذاك حتى وصلني صوتها
قائلة بهدوء حزين " لن تشعر بي أبدا يا نواس كما لم يشعروا بي جميعهم لأنكم لستم في مكاني "
ابتعدت عن الجدار وتوجهت نحوها وأمسكت يدها وسحبتها معي سائرة خلفي قائلا " ليتك أنتي تشعرين بما أشعر لكنك لستِ في مكاني أيضا "
ثم خرجت بها من المنزل والغريب أنها لم تقاوم
* *
بعدما اتصل نواس بحوالي الربع ساعة طرقت عليا راضية باب غرفتي ففتحت لها فقالت باستغراب " طرقت باب غرفتك ونواس كثيرا ولم تجيبي ظننتك هناك !! "
قلت بارتباك " كنت هنا واتصل بي نواس وطلب أن لا أخرج لأن العمال سيصعدون ولم أستطع الخروج "
قالت مباشرة " نعم معاذ قال لي الآن أن أعطيك خبرا أنه سيصعد والعمال للأعلى "
هززت رأسي بحسنا ثم قلت " ونواس طلب مني أن أخبرك لتنظفي الغرفة التي سيضعون فيها الأثاث هنا وتري كل ما يلزمها وتضعيه فيها "
قالت بحيرة " هل سيأتي أحد للعيش هنا !! "
قلت بهدوء " أجل إنها ابنة خالته المسئول عنها "
هزت رأسها بحسنا ثم غادرت فأغلقت الباب ووقفت عليه كادت تكتشف الأمر رغم حرصي الشديد حتى أني لم أخرج وأغراضي من هناك وحتى الحمام أدخل الذي في غرفته
لأنها لا تصعد إلا مرة واحدة صباحا من أجل التنظيف تنهدت بحيرة وتوجهت نحو السرير وجلست عليه أنظر للأرض بشرود
تري ما ينتظرني وينتظرك هنا يا وسن ؟ صحيح أني ونواس زوجان بالاسم فقط وأنها حين التقينا في عزاء خالتها لم يبدر منها أي تصرف عدواني اتجاهي ولا بنظراتها
حيث كانت فقط تتجنب النظر لي بل ولكل الجانب الموجودة أنا فيه عكس شقيقتها التي كانت ستمزقني بنظراتها الكارهة لوجودي لكني حقا متخوفة من مواجهتها
أعلم بشعورها وكراهيتها لوجودي لكني لا ذنب لي فيما حدث فأنا مجرد ضحية مثلها رماهما حظهما التعيس هنا ومعا
وضعت يدي على خدي وجلست لوقت أبحر مع الأفكار ثم وقفت وتوجهت للنافذة حيث أنها مطلة على جزء بسيط من نهاية ساحة الخيل لأن أغلبه في الجانب الآخر من المزرعة
هذه النافذة متنفسي الوحيد لأرى منه العالم الخارجي وليس كذلك فقط بل وأراقب وليد ولو مارا أو يركب إحدى الخيول ويعبر بها من هذه الجهة
ابتعدت وعدت مكاني أراقب السماء منها بحزنًترى هل أنا بهذا مخطأة !! متزوجة بصديقه ومشاعري معه لي زوج أخونه بقلبي ومشاعري
لكن كيف أعطيه كل شيء وهو لا يحبني بل ويعشق أخرى .... يا رب ألهمني للصواب ولا تلمني على ما غلبتني نفسي فيه
بعد قليل جاءت راضية لتخبرني أنهم غادروا لأعود لغرفتي ولا تعلم بأنني فيها الآن
وقفت وقلت " سأنزل معك أشعر بالملل والوحدة "
قالت مبتسمة " ها هي ستأتيك من تسليك "
ابتسمت بألم وخرجت خلفها .... هذه لن تسليني بل ستزيدنيًعزلة وسأزيدها ألم ووجع فوق وجعها
وصلنا المطبخ وكأني أريد الاختباء فيه من لقائها , قلت بعد وقت " أين الغرفة التي جهزوها لها "
قالت دون أن تنظر لي " في ممر مكتب نواس "
قلت باستغراب " ذاك الممر لا يستخدم غرفه أحد أليس كذلك "
رفعت المقلاة من على النار وقالت وهي تتوجه بها للطاولة " نعم لأنها مطلة على ساحة التدريب والإسطبلات وهم والعمال دائما فيها فحتى في الطابق الأرضي تلك الجهة بها غرفة وليد فقط "
إذا اختارها لتبتعد عن كل الجهة التي نحن فيها أم لتكون عنده في كل وقت ليشعر بها بجواره حتى وهو هناك , ترى هل يفكر هكذا ! لكن لا مستحيل مؤكد يجنبها ممر غرفنا بما أن وليد يعيش هنا في هذا الطابق
رفعت رأسي لأتحدث على صوت نواس المرتفع في وسط المنزل مناديا " راضية "
* *
ركبت سيارته يقودني شيء غير قدماي قد يكون قدري الذي لا مفر لي منه أو استسلامي للأمر الواقع فعليا أن أكمل محكوميتي التي لم ولن تنتهي , فبعد كل هذا لم ينتهي عقابي بعد !!
أقسم أنني اكتفيت أقسم أني وصلت لمرحلة الموت البطيء وتخطيتها , كانت أحشائي تشتعل كالسعير كلما اقتربت المسافة وأنا أكتم بكل قوتي كي لا يلحظني
فوسن القديمة عليها أن تموت هناك مع الماضي كما مات حبه لها وكما ماتوا أهلها جميعهم وأن أواجه كل شيء بقلب أجوف ولو من الخارج حتى يبدأ الفصل الجديد من مسرحية عذابي ويأتي الزوج المجهول الذي لم يدفعني ولا الفضول يوما لمعرفته
وليس يعنيني فكلهم سواسية ماداموا ليسوا صاحب هذا العطر والنفس الواضح رغم الهدوء ليست هذه اليدين والأصابع الطويلة ومادام ليس هذا الشخص فلا يعنيني ولن يكون هو طبعا لأنه قتلني من تاريخه وداس على قلبي قبل حلمي ولأني لست الأولى والوحيدة
اتكأت للخلف على مسند الكرسي مغمضة عيناي لأني لم أعد أحتمل فوصلني صوته قائلا " إن كنتي متعبة نذهب للمستشفى أولا مادمنا لم نبتعد كثيرا "
قلت بهمس لا أعلم كيف خرجت معه الحروف " لا "
فسمعت تنهيدته الطويلة وتابعنا السير وأنا مغمضة العينان أريد أن أُخرج نفسي من هذا العالم , أعتبر نفسي في سيارة ليس هو من يقودها وليست له ولست ذاهبة لمنزله لأعيش معه وزوجته و لم تمت خالتي ولا والدي ولا أحد ولم يرجع نواس من سفره ولم يحدث شيء من كل ما حدث .... آه كم كان سيكون ذلك جميلا
ابتسمت بعدها بألم عندما لم يتقبل عقلي فكرة أن لا يكون هو في ذاك العالم وكأنه يريد مني رسم مخطط جديد ..
ذاهبان لمنزلنا وابننا معنا في الخلف لأننا متزوجان من عامان وخالتي تنتظرنا هناك بكام صحتها
نزلت دمعة من طرف عيني فمسحتها ونظرت جهة النافذة فحتى الهروب من الواقع لم ينجح فلن ينجح شيء يا وسن , ليتهم حين كنا صغارا لم ينبهونا عن الحديث مع الغرباء والذهاب معهم ....
لا تتحدثي مع أحد ولا تذهبي لأحد يناديك أبدا مهما ناداك لنطبقها كالمنهاج كل حياتنا ... ليتهم بدلا عنها قالوا لا تحبي أحدا مهما حدث , لا تثقي في كلام العينين والقلوب , لا تسلمي قلبك لأي كان ولا تدعيه يركض له ولا تصدقي أكاذيب الحب وكلام العشاق
اتكأت عليها وابتسمت بألم , وبعد مسافة وصلنا لمزرعة كبيرة واكبر مما كانت في مخيلتي وتوجهنا فورا لمنزل كبير من الخارج وبطابقين
وقفت السيارة أمامه ونزل قبلي وتوجه للخلف فنزلت ببطء ووقفت انتظره حتى دخل أمامي بالحقائب
لو يعلم ما فيها من أشياء اشترتها فرح ترغمني على أن آخذها لمنزلي وسليمان لسخر مني أكثر من سخريته السابقة
دخلنا ووقف في منتصف المكان الواسع وقال بصوت مرتفع " راضية "
لتخرج امرأة أربعينية من أحد الأماكن تنشف يديها بمنشفة مطبخ وقالت مبتسمة " نعم يا نواس "
غريبة فهي إن لم تكن الخادمة من تكون أم أنها اعتادت على أن تناديه باسمه فقط !!
وضع الحقائب وقال " هذه وسن ابنة خالتي وستعيش معنا هنا خذيها لغرفتها وانظري ما ينقص وتريده هناك "
قالت مبتسمة " كل هذه الملاك ابنة خالتك ولا نعلم "
أنزلت نظري وابتسمت بحزن وقال نواس " سأخرج للعمال ولا تنتظروني على العشاء سنخرج أنا ووليد من المدينة اليوم وقد نعود متأخرين "
ثم خرج من فوره دون أن يضيف أي كلمة ولا أن يسأل عن زوجته أو يُعلمها هي بهذا رغم انه كان في البر لأيام حيث أنه جاء هناك بسيارته المخصصة لذلك لابد وأنها في زيارة لأهلها لذلك ليست هنا ولم يسأل عنها
صعدتْ أمامي بإحدى الحقيبتين قائلة " اتبعيني يا وسن سأوصلك لغرفتك وأنزل لجلب الحقيبة الأخرى "
لكني حملتها معي وسرت خلفها فأكثر ما أكره الاتكال على الخادمات في كل شيء وكأنهن بغال يحرثون عليهن فقط لأنهن يأخذن منهم راتبا
سارت دون التفات حتى وصلنا لممر معين وسارت بي لآخر غرفة فيه ووضعت الحقيبة وقالت " هذه غرفتك إن احتجت شيئا نادني من أعلى السلالم فقط وسأكون لديك "
قلت مبتسمة " شكرا لك يا راضية ، فقط أريد كوب ماء لآخذ المسكن لو سمحتي "
قالت من فورها " توجد ثلاجة صغيرة في الغرفة بها كل ما تحتاجينه من السوائل ووقت العشاء عند التاسعة وسأعلمك حين يجهز وإن كنتي لم تتناولي الغذاء أجلب لك شيئا تأكلينه "
فتحت الباب قائلة " لا رغبة لي في الطعام شكرا "
غادرت من فورها ودخلت أنا للغرفة أجر الحقيبة معي , كانت واسعة وأثاثها جديد ويبدوا راقيا لكن لم يدخل عليه الذوق الأنثوي أبدا
توجهت للثلاجة أخرجت علبة عصير صغيرة ووضعتها فوقها ثم أخرجت الحبوب من حقيبة يدي وتناولت ثلاث منها فحتى الاثنتان لم تعودا تفيان بالغرض
ارتميت بعدها على السرير أصبر نفسي حتى يبدأ مفعول الحبوب ويزول الألم ولو تدريجيا
بعد ساعتين كان وقت المغرب صليت وبدأت في ترتيب أغراضي في الخزانة ولم انتهي حتى مقربة العشاء فليس بينه وبين المغرب وقت طويل
كانت أغلب ملابسي خاصا بالعرائس ... بيجامات حريرية وفساتين قصيرة وقمصان نوم وتفاهات كثيرة لم أكن ولا أعد أحتاجها فرتبتها كلها في خزانة مستقلة وأغلقتها بالمفتاح
كما أغلقت سابقا الأحلام المنسية التي لن تعود ولن تُفتح لها الأبواب مهما طال الزمن
صليت العشاء ثم استلقيت على السرير أحاول إقناع نفسي بوضعي الجديد , بعد فترة طرق أحدهم الباب فقلت " تفضلي "
قالت من الخارج " هلا فتحتي لي رجاء "
غادرت السرير مستغربة وفتحت لها الباب فكانت تحمل صينية طعام دخلت بها ووضعتها وقالت " نواس قال أنك لم تتناولي شيئا طيلة النهار فكلي ولو مجبرة نفسك على القليل "
ثم توجهت جهة الباب ووقفت وقالت " الطابق الأرضي يسكنه صديق لنواس فلا تنزلي إلا للضرورة وبحجابك
وقال أن أخبرك أن السائق سيأخذك صباح الغد للجامعة "
ثم قالت وهي تخرج من الباب " تصبحين على خير "
أغلقت الباب أشعر بغصة في قلبي ولا أعرف لما وعلى ماذا توجهت للطعام رفعت القصدير عن الأطباق وتناولت القليل فقط رغم أني لم أتناول شيئا لا اليوم ولا الأمس
توجهت بعدها للحمام غسلت أسناني وتوضأت وخرجت ثم صليت ركعات الليل وبعدها نمت على السرير بما أنه لا يمكنني النزول بهذا الطعام حسب الأوامر ونمت بعد وقت قليل ولم استيقظ إلا على صوت منبه الساعة في هاتفي وقت صلاة الفجر
أطفأته وجلست أشعر بكسل كبير وأني لم أنم جيدا فوقفت ونظرت جهة الطاولة فلم تكن صينية الطعام هناك غريب هل أتت راضية لأخذها !! دخلت الحمام توضأتًوصليت ثم عدت للسرير ونمت مجددا
ولم استيقظ هذه المرة إلا على صوت طرقات على باب الغرفة فأبعدت اللحاف وجلست ولممت شعري وقلت " من "
جاء الصوت قائلا " راضية ... هل أدخل "
قلت من فوري " نعم تفضلي "
وغادرت السرير أرتبه على دخولها بصينية الفطور وقالت مبتسمة وهي تضعها على الطاولةً" صباح الخير ظننتك جاهزة فالسائق ينتظر "
قلت وأنا أتوجه جهة الحمام " أخبريه أني لن أذهبًاليوم سأذهب لها غدا أشعر أني متعبة وأسدوا لي معروفا ولا تخبروا نواس أني لم أذهب "
هزت رأسها بحسنا وقالت " سآتي لأنزل الصينية للمطبخ فلا تتعبي نفسك كالبارحة وتنزليها "
ثم غادرت وبقيت أنظر لمكانها باستغراب ثم رفعت كتفاي وأغلقت باب الحمام وغسلت وجهي ونظرت لملامحي في المرآة أراقب الهالات السوداء التي بدأت تظهر في مساحة صغيرة جدا تحت عيناي ثم تنهدت بأس وغسلت أسناني وخرجت
تناولت الفطور وشغلت التلفاز لبعض الوقت أقلب القنوات بلا تركيز حتى رن هاتفي فنظرت للمتصل فكانت ملاك , لابد ستسأل لما لم أذهب للجامعة أو ستوبخني على ما قلته لها بالأمس فهي لن تتوقع ذهابي اليوم ولو لم تكن غاضبة مني لاتصلت منذ البارحة
أجبت فقالت من فورها صارخة بحماس " وجدته يا وسن وأخيرا "
قلت بانزعاج " توقفي عن الصراخ لقد ثقبت لي طبلة أذني , من هذا الذي وجدته "
ضحكت وقالت " لو كنتِ أمامي لقتلتك بصراخي فلم انم البارحة أنتظر الصباح لأخبرك "
ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى قالت بسعادة " وجدته وجدته وجدته يا وسن وجدته "
قلت بضيق " من هذا الذي وجدته يا حمقاء "
قالت بعد ضحكة " ومن غيره أحزان السنين "
قلت بصدمة " ماذا !! "
قالت من فورها " أنا أيضا لا أصدق حتى الآن "
قلت ببرود " وأين وجدته مؤكد عند باب أستوديو القناة "
قالت بضيق " وسن لا أعلم لما لا تفرحين معي مرة واحدة فقط , أنا قادمة لك حالا فلا محاضرات اليوم "
قلت بسخرية " أين ستأتينني أنا في مزرعة نواس "
سكتت لوقت ثم قالت بصدمة " ماذا !! هل أخذك معه "
قلت بهدوء " دعينا من كل هذا وأخبريني عن فارس أحلامك المغوار "
قالت من فورها " نواس "
بقيت مصدومة لوقت ثم قلت " ماذا نواس !! "
ضحكت وقالت " لا يتوقف قلبك ليس هو "
قلت بسخرية " لم يتوقف حتى حين تزوج بأخرى "
قالت بحماس " هيا وضيفتك الآن "
قلت باستغراب " وما وضيفتي "
قالت " وجدته واقفا مع نواس بالأمس حين دخلت لك في منزل خالتك , عليك أن تعرفيه من يكون وفي أسرع وقت "
قلت بضيق " ملاك اقسم انك جننتِ كيف عرفتِ أنه هو ثم أنا حين خرجت لم أجد هناك أحدا "
قالت بتذمر " وسن عليك مساعدتي وما أن نتقابل سأحكي لك كيف عرفت المهم أني متأكدة أنه هو "
قلت ببرود " أنا لم اجن لأقول له من صديقك الذي كان معك بالأمس لان صديقتي تعرفه من المذياع "
قالت بصدمة " حاذري أن تخبريه يا متهورة لا أريد أن يعلم من أكون "
قلت بامتعاض " ملاك وكأنك لا تعلمين أي حال عليه أنا ونواس , كيف أساله سؤالا غبي كهذا ودون حتى أن أشرح السبب ثم سيسألني كيف علمت به وأنا لم أراه "
قالت باستياء " نعم كيف فآتتني هذه "
قلت بهدوء وأنا أقلب القنوات من جديد " ملاك ابتعدي عن الحب وخزعبلاته كي لا تنتهي لمصيري "
تنهدت وقالت " لا أستطيع فلم انم البارحة أفكر فيه "
قلت ببرود " نصحتك وسيأتيك كلامي يوما "
قالت بتذمر " حسنا لأجرب الحب والجرح لا بأس المهم هو طويل وشعره أسود جميل وابتسامته مشاكسة وساحرة ويده تؤلمه "
ضحكت رغما عني ورغم حزني وما بي وقلت " ما كل هذا الوصف الدقيق يا مجنونة فجميع الرجال تقريبا طوال وشعرهم أسود "
قالت باستياء " لا علاقة لي أخرجيه من يكون من تحت الأرض فأنتي طريقي الوحيد إليه "
قلت " نلتقي غدا ونتحدث ولتحكي لي سبب بكائك تلك الليلة حين اتصلتِ بي "
قالت ببرود " اتركيني في فرحتي أنسى الأسى قليلا .... وداعا ونلتقي غدا لقد نكدتِ علي "
أنهيت الاتصال مبتسمة على حماسها وخائفة عليها لعلها تنتهي نهاية جواد وفرح ليس بالضرورة تنتهي لما انتهيت أنا إليه بما أنها اكتشفت انه مخلوق بشري موجود على كوكب الأرض
رميت جهاز التحكم من يدي ثم وقفت وتوجهت للنافذة وأبعدت الستائر وفتحتها ثم سرعان ما عدت وأغلقتها عندما رأيت الحركة والخيول في الخارج
فتحت فتحة صغيرة لأرى قليلا ما يجري هنا فكانت ساحة تبدوا واسعة جدا ورجال يتحركون مارين بها ورجلان يقفان عند السياج ويبدوان يمزحان مع بعض لأن أحدهما ضرب الآخر على رأسه وصوت ضحكهم واضح لقرب المكان
انتقلت بنظري بعدها للخيول وكان منظرها مبهرا أغلبها بنية غامقة ومنها المرقطة ومنها السوداء والحمراء وواحدة بيضاء ناصعة شعرها أسود فاحم اطرب قلبي لرؤيتها وحدها من بين الجميع
والمفاجئة ليست هنا بل في الذي تلعب يده بشعرها وتمسح الأخرى على وجهها وهو نواس الذي يرتدي بنطلونا رياضيا وقميصا قطنيا وهي كانت تستنشق ثيابه وكأنها تحضنه
كان وكأنه يحدثها في أذنها ثم انطلقت فجأة تركض في الساحة ليتطاير شعرها الأسود وأنا أوسع النافذة أتابع حركتها وكأنها مغناطيس لعيناي
حتى صرخ أحد الواقفان وصفر الآخر قائلا بصوت مرتفع " ما سر فرسك اليوم تركض منذ الصباح بنشاط "
رفع حينها نواس يده جانبا حيث كان ظهره لي ونادى ناحيتها بصوت مرتفع " الوسن تعالي "
*
*
بقيت تنظر لي لوقت ثم قالت " نعم نزار يمكنك السؤال عما تريد "
وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى تقدمت للأمام بقوة وكأن ثمة من دفعها فنظرتُ خلفها فكان ثمة طفل يبدوا في العامين أو أقل يحضنها من ظهرها ويناديها بسم غير مفهوم وليس اسمها
فأبعدتْ يده لتبعده عنها فركض لها من الأمام وحضنها جالسا في حجرها ولازال يناديها بذات الاسم
فأحاطته بذراعيها تقبل خده وكأنها تعرفه وتحاول سؤاله عن اسمه ومن يكون فجلس في حجرها مقابلا البحر وكأنه ليس يحفظها فقط بل يحفظ كيف يجلس عندها
وحضنته هي بذراعيها مبتسمة تقبل خده كل حين وهو يحكي لها أشياء غير مفهومة وكأنه يتحدث بلغة جديدة عن البشر لا أفهم منها سوى ماما وبابا وبيت ونينة والاسم الغريب الذ يناديها به
كان مشهدا غريبا جعلني أتأمله لوقت وهي وكأنها نسيت وجودي فلم تلتفت ناحيتي ولا من باب الاستغراب لما يحدث معها
فاتكأت بذقني على ذراعي الملتفة حول ركبتي أشاهدهما بتأمل , تبدوا سما كما قالت والدتي تحتاج من يعوضها عن كل ما رأت ....
تحتاج طفل لها وليس لغيرها وزوج يكون أقرب لها من الجميع , نعم تحتاج لعائلة تنسيها فقدها عائلتها
أبعدت نظري عنهما وابتسمت بسخرية على أفكاري , قل أنك أنت ذاك الزوج لتكتمل المسرحية يا أبله
اقترب حينها منا صوت مناديا " قصي تعالى هنا " التفتنا كلينا على اقتراب سيدة تبدوا في منتصف الثلاثين أو يزيد قليلا
اقتربت منا وأمسكت يد الطفل وسحبته قائلة " عذرا منك أنتي تشبهين كثيرا ابنتي المتوفاة منذ شهرين وهو كان متعلقا بها كثيرا فضنك هي "
قالت سما ناظرة لها " لا عليك سيدتي يرحمها الله ويخلفكم فقدها خيرا "
شكرتها وغادرت به تجره بصعوبة وهو يبكي وينادي اسم شقيقته تلك التي يضنها هي
عادت حينها سما بنظرها للأمم وقالت بحزن " مسكين يبدوا فقد الأحياء أمر صعب حتى على الأطفال "
ثم رفعت نظرها للبحر وقالت بعينان تكادان تدمعان " لما وجد الموت مؤلم هكذا "
نظرت حيث تنظر وقلت بهدوء " لا يفعل الله أمرا عبثا يا سما فلا تتركي للشيطان مدخلا فلو لم تمت الناس ما وجدنا مكانا لنا على الأرض فأين سنعيش جميعنا "
فاجأتني حينها بضحكتها فنظرت لها باستغراب فنظرت لي وقالت مبتسمة " لا يمكنني تخيل ذلك "
نظرت لها مبادلا إياها الابتسامة ومستغربا تبدل مزاجها بسرعة من كلماتي ثم وقفتْ واقتربت من الموج ترفع بنطالها الجينز لما يقرب ركبتيها وبدأت تلعب بالموج بين يديها منحنية قليلا لتمر الموجة عليهما
واقتربت للداخل أكثر حتى غمر الماء أغلب ساقيها وجديلتها أصبحت تلامسه وهي تلعب بيديها مع الأمواج فقلت بصوت مرتفع " سما لا تبتعدي كثيرا "
قالت وهي لا تزال منحنية " لا تقلق أعرف السباحة "
لم تستطع عيناي تركها ليس لأراقبها مخافة أن يأخذه الموج ولا أعلم لما تسبح عيناي في هذا المشهد وهي تغمر يداها في الموج والماء ثم تخرجهما وتقف على طولها يداها جانبا يتطاير منهم الماء مبتسمة
لأنتبه لأغنية ( زيديني عشقا ) التي تصدح منذ وقت ليرتبط عندي الكلام بمنظرها
( ياااااا أحلى امرأةٍ بين نساء الكون أحبيني
ياااااا من أحببتك حتى احترق الحب أحبيني
إن كنتي تريدين السكنَ أسكنتك في ضوء عيوني
حبك خارطتي
حبك خارطتي ما عادت خارطة العالم تعنيني "
فأبعدت عيناي عنها ونظرت للجانب الآخر , ما بي اليوم حتى منظر الأولاد يلعبون عاد يشدني بعدما نسيتهم ونسيت هذا من سنوات ولم يعد يؤثر بي ما الذي سأقدمه لزوجة أتزوجها وأولاد أنجبهم غير خيبات الأمل والتقصير في دفع المال لشراء ما يلزمهم
ما سيقدمه فاشل وعاجز مثلي ؟ يبدوا أنه كلمات سما لي في المطبخ بالأمس هي من أعادت لي تلك الأفكار والأحلام فلم أتخيل أن ينظر لي أحد كشخص فعل له الكثير بل أهم لديه من رئيس البلاد وجهازها الأمني
وأنهم عجزوا هم ونجحت أنا بل وتقول أني أعرف كيف أكون في المقام الأول لدى الجميع من حولي وأنا أرى أنهم جميعا مستغنيين عني
ولست سوا شخص زائد وجد هكذا لأن الموت لم يأخذ بعد , كيف ترينني يا سما أصلح شقيقك وزوجك وابنك بل وشبهتِني بوالدك
عادت كلمات الأغنية لتحتل مخيلتي مجددا
( وضلي قربي غنيلي فأنا من بدأ التكوين
أبحث عن وطن لجبيني
عن حب امرأة يأخذني لحدووود الشمس ويرميني )
فأغمضت عيناي بشدة ليخرجني من أفكاري صوتها منادية " نزااااار "
نظرت لها بسرعة ، فلوحت لي قائلة " تعال ، الماء هنا بارد ومنعش اقترب هيا "
لوحت لها بيدي فقط ولم أتحرك فنزلت تجمع الماء بكفيها ونظرت أنا جهة والدتي التي كانت تنظر جهتنا مبتسمة
فشعرت بقطرات ماء على جانب وجهي فعدت بنظري هناك فكانت سما هاربة جهة المياه ونظرت لي
وعادت تجمع الماء في كفيها فقلت مبتسما " توقفي يا مشاغبة "
لكنها ضحكت ولم تكترث لي واقتربت تركض والماء ينزل من بين أصابعها ورشتني بما تبقى منه فأخفيت وجهي بذراعي وقلت ضاحكا " سما توقفي قلت لك "
لكنها عادت هناك ولم تكترث لي فوقفت أنوي العودة جهة والدتي فاستوقفني صوتها المنادي قائلة " نزار لم أعرفك جبانا هكذا أين تهرب "
وتراني شجاعا أيضا إذا لن أغير نظرتها لي , عدت ناحيتها واقتربت منها بابتسامة مشاكسة كمن ينوي شرا
وهي تبتعد وترمي الماء ناحيتي ضاحكة فرفعت بنطلوني ودخلت وبدأنا نتقاذفه على بعضنا بأيدينا ونضحك
وهي تبتعد لأني بالطبع سأتغلب عليها ثم توقفت وقلت  " ستتبلل ملابسك أكثر وتمرضي يكفي هيا "
لكنها استغلت الفرصة واستمرت ترميني بالماء بحركة سريعة وتضحك فتوجهت ناحيتها مسرعا وأمسكتها من يدها وخرجت بها مسرعا وهي تركض خلفي ضاحكان
حتى وصلنا عند والدتي ، وقالت سما " أرأيت يا خالتي هزمته فأخرجني مرغمة "
ضحكت أمي وقالت " رأيتك وهو يكاد يوقعك وأنتي تتراجعي فأي هزيمة هزمته بها "
ضحكت ، وقلت وأنا أنشف ساقاي من الماء " لأول مرة ، تقفي في صفي ضدها "
وضعت سما يديها وسط جسدها متضايقة فرميت لهابالمنشفة قائلا " نشفي قدميك وساقيك كي لا تمرضي "
جلست على البساط تنشف ساقيها وقالت " كنت وشقيقي سامي نتسابق دائما في المسبح ورغم صغر سنه كان يسبقني وكان يحب السباحة كثيرا "
ثم تابعت ونظرها على ساقيها والمنشفة فوقهما " والدي كان يقول عنه دائما بأنه سيكون سباحا ماهرا أما أنا فلم تكن لدي مواهب أبدا ولا اعرف لما "
نظرنا أنا وأمي لبعضنا فلأول مرة تتحدث سما عن عائلتها وماضيها معهم , كانت دائما تتجنب الحديث عنهم ونحن لا نفتح أي موضوع يخصهم مراعاةً لها ، يبدوا بدأت تجتاز أزمتها شيئا فشيئا
قالت والدتي مبتسمة " بلى لديك موهبة الطبخ فأنتي طباخة ماهرة "
طوت المنشفة وقالت وهي تنزل بنطالها ونظرها عليه " عندما كنت في الثالثة عشرة أصررت على والدي أن يدخلني معهدا لتعليم العزف حتى أني لم احدد أي آلة سأعزف عليها "
ثم رفعت نظرها لنا وقالت مبتسمة " كنت أتأمل أن تكون لي موهبة مدفونة ولا أعلم عنها "
قلت مبتسما " وما اكتشفتِ هناك "
قالت بعبوس " لم أنجح في ولا واحدة واقتنعت أنه لا موهبة لي "
ضحكنا عليها كلينا ثم قلت " وأنا لا موهبة لي هذا أمر طبيعي جدا "
ضمت ساقيها لبعضهم متربعة وقالت بحماس " حقا لا موهبة لك "
ضحكت وقلت " نعم كان لدي طموح أن أصبح مهندسا وعندي هواية وهي لعب الكرة الطائرة أما موهبة فلا يوجد ويبدوا لا يوجد شيء منهم جميعهم " نظرت لوالدتي التي بادلتها النظرة ولا أفهم لما
ثم قالت سما " بل من يرى خرائطك التي ترسمها يكون متأكدا أنك صاحب موهبة وليس طموحا فقط ورغم ظروفك التي منعتك من إكمال مشوارك إلا أنك وبالدليل لازلت ترسم الخرائط بحرفية وإتقان
لو كنت مكانك منقطعة عن الدراسة لأعوام لن أعرف كيف أخط خطا فوق ورقة ، وهذا يدل على أنك لم تتوقف عن الرسم رغم توقف دراستك أليس كذلك "
بقيت أنظر لها باستغراب فأنا لم أفسر الأمر هكذا يوما ثم قلت منتظرا جوابها " نعم لم أتوقف أبدا "
قالت مبتسمة " هذا يعني أنه ليس طموحا لكان مات مع توقف مسببه فإما أنها موهبة وإما أنك إنسان مناضل لا يعترف بالهزيمة "
قالت والدتي مباشرة " وأيهما في نظرك يا سما "
نظرتْ لوالدتي وقالت " أراها عزيمة وإصرار وقليلونهم من ينجحون في فعل هذا فهناك من كانوا أطباء ناجحين وتركوا مهنة الطب بما فيها بسبب خطأ طبي لأنهم استسلموا لليأس وهم من أكملوا مشوار دراستهم للنهاية وتركوا اليأس يتغلب عليهم "
كنت أنظر لها بحيرة .... لم يسبق وجلسنا وتحدثنا عن أي أمر يخصنا وأولها ما اكتشفت هذان اليومان وهي نظرتها لي ! لم أفكر في أن عقلها يترجم هكذا وكأنها محلل للشخصيات أو درست علم النفس
وقفت بعدها وقالت " سأعد معكرونة فأجمل شيء يؤكل عند البحر هي المعكرونة باللحم وسترون كيف ستعجبكم "
قالت أمي ضاحكة " لما تتعبين نفسك كنتِ تركتنا نشتري أكلا جاهزا نأكله "
قالت متوجهة جهة الأغراض " مستحيل كيف تكون نزهة مع أكل جاهز , الطعام يكون أطيب عندما يطهى في الهواء الطلق "
قالت أمي وأنا أراقب ما تفعل هناك " تبدوا سما بدأت تتحرر من حزنها شيئا فشيئا "
عدت بنظري منها ونظرت لقدماي على الأرض وقلت " نعم فسما فتاة قوية وذكية لن يصعب عليها اجتياز كل ذلك لكن أخشى أن يؤثر عليها في شيء نحن لا نعلمه أو لا نلحظه "
قالت باستغراب " كيف ذلك !! "
نظرت للبعيد وقلت " بعض الذين يمرون بأزمات مشابهة تظهر نتائجها في المستقبل في أمور لا تكون إلا وقتها "
قالت بعد صمت " تعني أنه عليها زيارة طبيب نفسي "
عدت بنظري لقدماي وقلت بهدوء " لولا خوفي أن تتأثر بهذا وتفهمه بشكل خاطئ لعرضت عليها الأمر "
تنهدت وقالت " معك حق فقد تعتقد أنك تراها مريضة "
نظرت لها وقلت " أفكر أن نعرضها على أحدهم دون علمها وجابر سيساعدني في ذلك بالتأكيد "
قالت من فورها " لكني أراها طبيعية جدا "
هززت رأسي بلا وقلت " لم تري كيف انسلخت عن العالم حولها وهي تحضن ذاك الصغير هناك , كانت وكأنها غائبة عن الواقع حتى أنها لم تعي ما كان يقول لها "
قالت مبتسمة " شغلتني يا أحمق "
نظرت لها باستغراب فقالت بعد ضحكة " ذاك أمر طبيعي بني إنها مشاعر الأمومة شيء منغرس عند كل امرأة ومنذ طفولتها ويخلقها الله عليه لترعى أبنائها ولولا ذلك لكنا كالحيوانات كل أم تذهب وتتركهم "
قلت بجدية " هل هذا رأيك "
قالت مبتسمة " نعم ومتأكدة منه وستبقى سما تعاني الفراغ العاطفي داخلها فلن أستطيع ولا حتى أنا ملئه , فقط زوج وأبناء أو أم وأب وأخوة أو حتى أحدهم والمرأة ليست كالرجل في هذا بني "
نظرت للأرض وقلت بشرود " وأنتي بعد وفاة جدي وجدتي من ملئه لك "
تنهدت وقالت " لم يمتلئ إلا بعد أن تزوجت وأنجبتك بني وكنت تكفيني وحدك كل عمري حتى بعد وفاة والدك رحمه الله "
غادرت بنظري عنها للبحر ولذت بالصمت لوقت حتى جاءت سما بطبق كبير ووضعته قائلة " سأسكبها الآن ولن نأكل حتى تبرد قليلا "
ثم توجهت نحو القدر وأحضرته تمسكه بمنشفة مطبخ ووصلت وقالت " انزع الغطاء نزار "
ضاحكة " سيجتمع علينا كل من هنا بسبب هذه الرائحة "
رفعت الشوكة وقربتها قائلا " هذا إن وجدوا فيه شيئا "
ضربت لي شوكتي بالملعقة الخشبية وقالت " ليس بعد حتى تبرد قليلا طعمها سيصبح أفضل "
مددتها مجددا وقلت مبتسما " لن أقاومها حتى تبرد .... سأتذوق لقمة واحدة فقط "
أمسكت يدي وأبعدتها قائلة باستياء " خالتي أخبريه يبتعد عن طبختي "
ضحكت أمي وقالت " نزار أتركها حتى تسمح لك هيا "
قلت بضيق " لو أعرف سر حبك الشديد لما تطهيه لتضعي كل هذه القوانين الصرامة ولا تقدري مشاعر البشر "
وضعت يداها في وسطها وقالت " هل تعرف ما هو شعورك حين ترسم إحدى خرائطك الصعبة المعقدة تلك وآتي أنا واسكب لك عليها الحبر , هذا نفس شعوري أنا "
ضحكت وقلت " شعور سيء جدا "
قالت ملوحة بيدها " ابتعد إذا حتى تبرد "
قلت باستسلام " أمري لله لقد تغلبتِ علي "
* *
كان هذا من أجمل أيامي شعرت فيه أنني مع عائلتي الحقيقية التي فقدتها منذ أشهر وهما الاثنان أغنياني حتى عن أهلي الحقيقيين المجهولين فأولئك تخلوا عني وعن والداي وهؤلاء لا رغم أنهم ليسوا عائلتي ولا من بعيد
غمزت لي خالتي بعينها على نزار الذي كان يأكل المعكرونة لآخر قطعة منها يتتبعها في الطبق وهو يقول " لذيذة وألذ من التي تعدينها في المنزل رغم أن تلك مذاقها رائع "
ضحكت خالتي وقالت " اترك شيئا للماء يغسله "
ضحكت أنا ورما هو الشوكة في الطبق وقال بضيق " قولي أنك تغارين منها "
شهقت خالتي بقوة ونظرت له أنا بصدمة فضحك كثيرا ثم وقف قائلا " هيا يا كسولتان لنعود للمنزل سيقترب المغيب "
قلت بصدمة " كيف ونحن لم نصلي العصر بعد "
قال متوجها جهة الأغراض " ما أن نضع الأغراض في السيارة ونغسل الأواني نكون بعد العصر ويقترب حينها وقت غياب الشمس "
وقفت وقلت باستياء " لا أريد أن نعود الآن "
ضحكت خالتي وقالت " عليك أن تطيعيه كي نحظى بنزهة أخرى "
قلت بتذمر " أمري لله فإن غضب خسرنا هذه وغيرها "
قالت ضاحكة " هذه انتهت لما ستخسرينها "
قلت وأنا أجمع البساط " ما الفائدة منها إن انتهت بغضبه فستترك ذكرى سيئة لنا "
قالت مبتسمة " معك حق "
غادرنا بعدها بقليل وعدنا للمنزل وأنزل نزار خالتي ثم الأغراض يضعهم عند الباب وأنا أدخلهم للداخل ثم قضيت وقتا طويلا أرتب المطبخ وأعيد كل شيء مكانه بعدما غسلته مجددا
ودرست بعض دروسي بمساعدة نزار في غرفة خالتي فهو سيساعدني في مواد الرياضيات والفيزياء والباق مواد سهلة تحتاج الحفظ فقط بما أن لغتي الانجليزية والفرنسية ممتازة وحمدا لله لم يتبقى كثيرا على العام الدراسي وينتهي
رفع رأسه وقال " هكذا نكون انتهيا , هل كل شيء واضح لك "
هززت رأسي بنعم وقلت " شكرا لك نزار أنا أتعبك معي "
وقف وقال " أبدا فأنا اشرح للطالبات كل يوم , أنتي على الأقل تفهمين من أول مرة ويثمر فيك التعب "
ضحكت خالتي وقالت " احمد الله أنها ذكية لكنت طوال النهار تعيد كالببغاء "
ضحك كثيرا ثم قال مغادرا الغرفة " لن استكثر فيها التكرار لأنها تستحق "
ثم خرج وصعد السلالم وأنا ذابت جميع مفاصلي وأشعر أنني أصبحت كبقعة ماء على الأرض من مشاعر الفرحة لدي
وأوليت خالتي ظهري بسرعة اجمع كتبي في صمت فوصلني صوتها قائلة " تبدين متعبة الليلة ولا رواية "
التفت لها محتضنة كتبي وقلت " بل كنت أخشى أنك أنتي المتعبة ولم أرد أن أحرجك , سأضع كتبي في غرفتي وأعود لك "
خرجت بهم وصعدت مسرعة أحمد الله أنها لم تنتبه لكلماته وتعلق عليها , كم أتمنى فقط أن أعلم بمشاعره نحوي
هل أنا مجرد مسئولية كما كان يقول وأمانة سيعيدهالأصحابها أم شيء آخر أنا أتمناه فقط وقد لا يكون له وجود
عبرت الممر راكضة وشاردة مع أفكاري لاصطدم بشي أوقعني أرضا وتناثرت الكتب وقلت بتألم " آي هذا مؤلم , نزار ما بك لا ترى أمامك "
ضحك وقال وهو يجمعهم من الأرض " أنتي من لم تريني وليس أنا , ثم لست وحدك المتضررة وأنا حطمتِ لي ضلوع صدري "
شعرت بالإحراج من كلماته ووقفت وأشعر بمؤخرتي تحطمت ولا أستطيع لمسها وتخفيف الألم عنها والغريب أنه حمل الكتب ولم يساعدني أنا على الوقوف كعادته كلما وقعت
بل شغل نفسه بها عني حتى وقفت وحدي أولا ثم رفعها عن الأرض مع بعضها مدهم لي فمددت يداي له ووضعهم فيهم قائلا بابتسامة " حسنا أنا آسف رغم أن الخطأ عليك "
قلت بعد ضحكة صغيرة " لقد أفسدت الاعتذاركنت تركتهما كلاهما بدلا من تذكيري بخطئي "
اكتفى بابتسامة أراها أجمل في كل مرة ورفع كفيه وكتفيه علامة لم أعرف ما أقول فزادني على ما بي
آه يا نزار ليتك تعلم فقط ما تفعله في قلبي بكل هذا تركني وتوجه جهة السلالم مغادرا فالتفت له وقلت " نزار "
التفت لي فاقتربت منه حتى صرت أمامه حاضنة كتبي لصدري وقلت ونظري للأرض " شكرا على كل شيء اليوم لن أنسى هذا اليوم ما حييت ولو كان لدي شيء غير عبارات الشكر لقدمته لك "
وصلني صوته مبتسما " ولما الشكر يا سما لم أفعل شيئا يستحق "
رفعت نظري له وقلت " بلى فعلت الكثير وتستحق الشكر "
شتت نظره بعيدا وكأنه ارتبك وقال بهدوء " المهم أنها أعجبتك فهي من أجلك انتي "
ثم نزل وتركني حائرة في أمره الليلة وكأنه يتهربمني ومن عيناي والحديث معي وليس كالسابق
رفعت كتفاي بعدم فهم وتوجهت لغرفتي ووضعت كتبي هناك ورتبتها مكانها ثم نزلت لغرفة خالتي ودخلت قائلة " يبدوا نزار نزل ولن نستطيع القراءة "
مدّتها لي قائلة " رأيته وهو يصعد مجددا اطمئني "
أخذتها منها وجلست وفتحت أين وقفنا وقرأت
(( ضغط على ذراعي بقبضته بقوة وقال من بين أسنانه " ماذا كنتي تفعلين في غرفة أشرف "
سحبت ذراعي منه بقوة وبلا فائدة وقلت بتألم " أتركني لقد آلمتني "
قربني منه أكثر حتى بات تنفسه الغاضب يلفح وجهي ثم قال بغضب " ماذا تفعلين في غرفة رجل نائم يا رُدين "
أبعدته بيدي من صدره بقوة حتى ابتعد وترك ذراعي وقلت بحدة " ما تقصد بهذا يا وقح أين ذهب فكرك وهو ابن زوجي إن نسيت "
سحبني للجدار مسندا لي عليه ووقف أمامي ويداه تمسك ذراعاي بقوة وقرب وجهه حتى أصبح أنفه سيلامس أنفي وفحيح نفسه يخرج كالإعصار وقال " تكلمي هو من ناداك أم ذهبت لوحدك "
بقيت انظر لعينيه الملتصقة بي دون كلام فقال بهمس " تكلمي هل هو قال لك أن تدخليها "
قلت بهدوء وعيناي لازالت في عينيه " أنا دخلت لأسأله عن ...... "
قال بجدية وذات الهمس " عن ماذا "
وضعت يدي على صدره أدفعه وقلت بضيق " فراس ابتعد "
اقترب دافعا يدي بصدره حتى تلامست أنوفنا هذه المرة وقال " لا أراك في غرفة أحدهما مرة أخرى تفهمي "
قلت بضيق " ابتعد يا فراس واستحي أنت أولا ولا تنسى هم أبناء زوجي وأنا لم أخطأ "
قال بحدة " كذ .......... " ثم تأفف وهز رأسه بقوة وقال بحدة أكبر " قلت لا تدخلي تفهمين "
دفعته بقوة حتى ابتعد وقلت بغضب " هذه آخر مرة تتصرف معي هكذا يا وقح ابتعد "
قال مغادرا " حذرتك وجربي أن تفعليها مجددا ولا تنسي أني أيضا ابن زوجك يا أم زوج "
ثم غادر وتركني اغلي من الغيظ , ما يعني بما يقول وكيف يشك بي وبشقيقه هكذا , هذا المريض المتخلف سيرى إن لم أخبر والده ليضع له حدا
دخلت غرفتي أنفض ثيابي بغيض وأشعر أنني سأحترق واحرق الدنيا بما فيها , وما قصد أشرف بما قال ! ترى هل هو صادق هذه المرة وفراس وجده معها سابقا ونصحه بالعذل عم يفعل
أذكر عمتي سعاد قالت أن فراس اعتاد منذ صغره على مراقبة تصرفات شقيقيه وينهاهم عن الخطأ لكن يبقى أشرف لا ثقة في كلامه وفراس لا ثقة فيه كله على بعض أختار أشرف بشلة فتياته ولا أتزوج بهذا الخرف العفن
جلست على السرير أتأفف طوال الوقت وكأني بركان يوشك على الانفجار حتى طرق أحدهم الباب
وكانت عمتي سعاد دخلت ويتبعها الغضنفر فراس , اقتربت مني وجلست بجواري على السرير وهو وقف مستندا بالجدار
فقلت ببرود ونظري للأرض " أخبري ابنك يخرج من غرفتي بكرامته قبل أن أطرده "
تنهدت وقالت " رُدين يا ابنتي استهدي بالله فعمك رياض منذ رآك تبكي بالأمس وهو لا يكلمه أنهيا هذه المشكلة المعقدة "
أشرت له بيدي وأنا انظر لها وقلت " يخرج من غرفتي حالا فحسب ما أعتقد أني أنا فقط عديمة الأخلاق التي تدخل غرف الرجال وهم نيام "
وطبعا ذاك الحجر لم ينطق بأي حرف , قالت بهدوء " لما كنتي في غرفة أشرف أخبريه الحقيقة ليرتاح "
قلت بضيق " لا يهمني أن يرتاح أو لا فليمت من التعب لا يعنيني ذلك ولن أبرر له لا هو أبي لا أخي ولا زوجي "
أمسكت يدي وقالت " وإن طلبت منك أنا هذا لننهي المشاكل يا رُدين "
قلت بأسى ضاربة على صدري " وحقي يا عمتي وحقي من يأخذه لي , ذلني وأهانني بالأمس واتهمني في أخلاقي اليوم وعليا أنا فقط أن أبرر له "
تنهدت وقالت " تكلمي وحقك لن يضيع "
وقفت مقابلة لها ووضعت يداي وسط جسدي وقلت " ومن سيأخذه منه وماذا إن خدعني ثم بأي صفة أبرر له "
قالت بعتب " لم أتصور أن لا خاطر لي عندك "
تنهدت بضيق ثم قلت " أشرف كذب علي وخدعني من أجل أن أساعده في مخططاته الفاشلة وحين اكتشفت كذبته ذهبت له وأيقظته وسألته عن الحقيقة فقط هذا ما حدث "
قال حينها الحجر الصامت " وهذه أول مرة أم لا "
نظرت له وأشرت بإصبعي وقلت بغيض " أنت لا تتحدث أبقى على صمتك "
قال بغضب " احترميني أنا أكبر منك "
قالت عمتي سعاد بحدة " فراس يكفي وأنتي يا رُدين كلامك معي وليس معه "
نظرت جهتها وقلت " لا علاقة لي يورطوني أبنائك في مصائبهم وأدفع أنا الثمن "
ثم تابعت وأنا أعد بأصابعي " أخذني للسوق وابتزني وجعلني أقابل جوجو وأخبرها أني شقيقته وأنه سيتزوجها
ثم تحايل علي وجعلني أكلم أسوم وأخبرها أني شقيقته ووالدي يرفض زواجه بها ونحن نقنعه
ثم اكتشفت أنه يكذب فيما ابتزني لأطيع رغباته ومخططاته كنت مجبرة وكم نصحته أن يبتعد عن بنات الخلق وأن يعتبرهن شقيقاته أو بناته
وفي النهاية أنا عديمة الشرف التي دخلت له لغرفته وهو نائم وكان ينقص أن يقول أني نمت معه منذ الليل , أليس هذا ما يفكر فيه "
قالت عمتي سعاد " أستغفر الله يا ابنتي هو لم يفكر هكذا مطلقا "
قلت بأسى " وبما فكر إذا "
نظرت له ثم لي وقالت " هوا رآك خارجة مسرعة من غرفة أشرف وظن أن أشرف من أدخلك وأجبرك على الدخول ، وأن يكون فعل شيئا فقط هذا ما حدث "
قلت ببرود " لا أصدقه فما قاله لي ليس كذلك يزمجر بي كالتنين يضنني جدار لا يشعر ثم يغير أقواله "
ابتعد عن الجدر وقال " أنا لم أغير شيئا وما قلته لك قلته لها ولست خائفا من أحد لأغير كلامي "
قلت ببرود " ما لدي قلته واسألوا ابنكم إن لديكم شك هذا إن لم يكذب عليكم كما كذب علي "
قالت عمتي " المهم الآن لا يسمع رياض بكل هذا "
قلت بجدية " أبدا كله سيكون لديه وكلام ابنه هذا بالتحديد وبالحرف الواحد أيضا "
قال بضيق " أرأيت كيف تهددني يا أمي "
نظرت ناحيته وقلت بضيق أكبر " سأسألك سؤالا واحدا يا حضرة المحقق , عندما أخبرت شقيقاك أن يخرجا ويتركانا وحدنا
وأغلقت الباب واستفردت بي وعندما سحبتني للمجلس وأغلقت الباب علينا وعندما جئتني هنا لغرفتي ماذا تسمي كل هذا أم أنه لا بأس لأني لست أنا التي ذهبت إليك "
كان سيقول شيئا فسبقته والدته قائلة " أخرج الآن يا فراس "
كان سيتحدث معترضا فقالت بجدية " أخرج ولنا حديث آخر معا "
خرج وضرب الباب خلفه ،. فقلت بحرقة " هل هذا هو حقي الذي ستأخذينه منه "
تنهدت وقالت " أجلسي يا رُدين "
جلست أنظر للجانب الآخر وأشعر بكل مشاعر الغضب والاستياء فوصلني صوتها قائلة بهدوء " رُدين فراس كان خائفا عليك حقا وخاف من أن يكون أشرف أذاك
ليس معنى أن يعتقدوا أنك زوجة والدهم يعني أنهم ليسوا رجالا والشيطان يعرف كيف يدخل للإنسان فكم من فتيات تعرضن لمواقف بشعة من العم أو الخال وحتى الشقيق أو الأب وفراس معه حق في هذا "
قلت بأسى " ولما هو يستفرد بي أليس رجلا مثل الجميع ثم كيف يضن بشقيقه هكذا
صحيح أن أشرف يصادق الفتيات لكنه ليس بالشكل الذي يعتقد فراس هو لا يستغلهن أبدا ولا يمسس شرفهن ولم يبدر منه ناحيتي أي تصرف مشين ولا بكلمة أو لمسة بالعكس كانت هذه الأمور أبعد ما يفكر فيه وإلا ما كنت دخلت غرفته ثم أنا تركت الباب مفتوح ولم أغلقه "
أمسكت بيدي وقالت بجدية " رُدين عمك رياض لا يستحمل فيك شيئا ولم تسمعي سيل الشتائم التي تلقاها فراس منه بسبب بكائك بالأمس رغم أننا وجدناكما مبللان كليكما والإهانة له كرجل كانت ستكون أكبر
ولو لم أكن متأكدة من أن فراس كان خائفا عليك بالفعل من لهجته وكلماته ما كنت وقفت في صفه
ففراس اعتاد كل حياته تحمل مسئولية من حوله ويخاف على جميع المحيطين به "
قلت بحرقة " لا أريد أن يخاف علي لا شأن له بي "
وقفت وقالت " أنا متأكدة منك ومن تربيتك جيدا يا رُدين ويستحيل أن تكوني السبب في فجوة بين رياض وابنه قد تستمر طوال العمر ،. لأني أعرف كم سيجن جنونه لو أخبرته أن فراس اتهمك في أخلاقك ، وفراس حقا لم يفكر هذا التفكير "
ثم غادرت الغرفة وأغلقت الباب وتركتني وحدي ولم أغادرها حتى جاءت الخادمة تخبرني أن الغداء جاهز ولو لم يكن عمي رياض موجودا على الغداء ما نزلت لأني لا أريد أن يسأل لما لم أتناوله معهم
نزلت وتوجهت من فوري لطاولة الطعام وجلست بجوار والدتهم مقابلة لهم ثلاثتهم أتجنب النظر للجميع وبدأت بالأكل لا أنظر إلا للطبق أمامي وكانوا يتحدثون عن عمهم القادم اليوم وابنته وأنا لم انطق بحرف
بعد وقت رفعت نظري فوقع على فراس ينظر لي فأبعدته فورا ونظرت جانبا بضيق ووقف حينها عمي رياض وتبعته زوجته ووقف بعدهم أشرف وقال واضعا يديه وسط جسده " رُدين تعالي أريدك قليلا "
قلت ببرود وأنا أسكب مشروبا غازيا لي في كأس " لن أذهب مع أحد ولن يخاطب لساني لسان أحد وأي إهانة لي مجددا لن أسكت عنها ، لو لديك شيء قله هنا وأبعدني عن خططك ومغامراتك "
قال من بين أسنانه " قلت تأتي يعني تأتي "
قال فراس بحدة " أشرف أترك الفتاة وشأنها كلامك معي وليس معها "
نظر له أشرف وقال بحدة مماثلة " لا علاقة لك أنت "
وقفت وقلت بضيق مشيرة بإصبعي لهما بالواحد " لا علاقة لك ولا له ولم اسكت عما حدث إلا من أجل عمتي سعاد ولن أسكت مجددا "
قال وائل بسخرية " ها قد جاءكم كلامي ولم تروا شيئا بعد حتى تفرق العائلة عن بعضها "
أشرت له بإصبعي وقلت بغضب " أصمت ولا تتهمني بما فيكم من قبل مجيئي فأنا لن أكافئ الرجل الذي رباني ورعاني أن أشتت عائلته فانظروا لأنفسكم أنتم ما عيوبكم ولا تلصق الأمر بي "
وقف وقال بحدة " ومن كانت تهدد الآن وتتوعد بأنها لن تسكت ، بماذا يسمى هذا غير أنك تفتنين "
قلت بحرقة " وما تضنني أنا .... حجر أسمع الإهانات والسب والشتم واسكت , احترموني احترمكم "
فتح فمه فصرخ به فراس قائلا " يكفي اتركوا الفتاة وشأنها وإن تعدت هي على أحدهم يكون الحل بالتروي ولا أحد يدخلها في شيء يخصه بعد اليوم "
قال أشرف بضيق " تسـ...... "
صرخ به أكثر " أنت خصوصا لا تتحدث فكم نصحتك تترك عنك هذه الحركات الطائشة ولن تتربى إلا بدرس تدفع ثمنه الكثير "
قال بغضب مغادرا " أترك مثالياتك لك وحدك ولا تتدخل في حياتي "
وغادر وائل بعده بعدما قال ببرود " لقد أثبتت لكم هذه الطفلة أنكم شلة من الحمقى يا أبناء رياض "
وابتعد حتى خرج فوقفت أنا مغادرة وقلت موجهة كلامي لمن بقي هنا وهو فراس " لا تتحدث بالنيابة عني ثانيةً ولا دخل لك بي "
ثم غادرت والمعجزة أنه لم يتحدث بشيء عما قلت عدت لغرفتي وضربت بابها بقوة ، أنا أفتن بينهم .. أنا الأفعى وعديمة الأخلاق ولا يرون ما يفعلون بي
عدت لسجن نفسي في غرفتي ولم أنزل إلا حين طلبت مني عمتي سعاد أن أقابل ابنة عمهم وأتعرف عليها فوافقت لأنهما وحدهما الآن في الأسفل ونزلت أتبعها
حتى وصلنا وكانت تجلس في صالون الضيافة وسط المنزل وليس غرفة الضيوف ، كانت فتاة بملامح جذابة ذات قدر لا بأس به من الجمال وابتسامة رقيقة وتبدوا تتسم بالهدوء
تصافحنا وقالت مبتسمة " سررت بالتعرف عليك يا رُدين لم أتخيلك جميلة هكذا "
جلست وقلت مبتسمة " ومن هذا الذي أخبرك أني قبيحة " ضحكنا ثلاثتنا ثم قلت " وأنا سررت بمعرفتك وأنتي جميلة كما تخيلتك "
قالت عمتي سعاد " طبعا هذه جوري ابنة عمك مصطفى شقيق عمك رياض هو لديه ثلاث أبناء وفتاة واحدة يعيشون في الخارج ويأتي هو وجوري مرة في
العام يبقى هنا لفترة ويرجع هناك ، لديهم منزلهم هنا لكنهما سيقضيان يومين معنا أما رُدين فسبق وعرفتك بها قبل أن تنزل "
قلت مبتسمة " سررت بمعرفتك وسنقضي وقتا ممتعا معا "
قالت مبتسمة " نعم بالتأكيد "
تبادلنا أطراف الحديث وتعارفنا أكثر واكتشفت أنها في نفس سني وترغب في دراسة المحاماة مثلي وأمضينا ثلاثتنا وقتا ممتعا أنساني بعض الشيء كل ذاك الضيق والهم
بعد وقت مر فراس داخلا من الخارج واقترب ناحيتنا وصافح ابنة عمه قائلا " مرحبا يا جوري أنورت البلاد "
وأنا طبعا لم أرفع نظري له أبدا وكنت ألعب بأصابعي بخيوط  وسادة الأريكة ونظري عليهم وأجابت جوري قائلة " شكرا لك يا فراس والبلاد نورها بساكنيها "
ثم قال مغادرا " أتمنى أن تقضي وقتا ممتعا هنا فرُدين مشاكسة وتعرف كيف تستمتع بوقتها "
نظرت له بصدمة وهو يصعد السلالم , ما به هذا منذ متى كل خفة الدم هذه ! تأففت ونظرت جهة والدته فضحكت وقالت " أمازلتما متشاجران "
قلت بضيق " نعم وما وعدتني به لم يحدث وقد خدعتماني أيضا "
قالت جوري مبتسمة " أمازال فراس كما كان يتشاجر مع الفتيات ولا يحبهن "
ضحكت والدته وقالت " ووجد نموذجا أمامه لكني أراه بدأ يخف كثيرا عن السابق "
قالت بعد ضحكة " أذكر كيف كانت والدتي تركض خلفه لتحضنه وتسلم عليه وهو يهرب منها "
قلت مغيرة مجرى الحديث الممل عنه " وأين والدتك لم تأتي معك "
قالت مبتسمة " والدتي ليست عربية وتلك هي بلادها ولا تحب الخروج منها "
وعدنا نتنقل من حديث لآخر حتى غادرت عمتي سعاد للمطبخ وبقينا نحن الاثنتين وقد انسجمت معها كثير فهي فتاة تدخل القلب بسرعة
بعد وقت أشارت برأسها بحسنا لأحدهم خلفي واعترى ملامحها ارتباك وخجل واضحين فالتفت للخلف فكان وائل مغادرا
جميل يبدوا ثمة شيء بينهما ولو لم أكن قررت أن أبتعد عنهم وأتجنبهم لكنت انتقمت منه على ما قال لي هذا الحشرة المغرورة , عدت بنظري لها وقلت بابتسامة " ما قصتكما "
ارتبكت ونظرت للأرض مبتسمة بخجل فقلت بمكر " اعترفي أو أفسدت كل شيء "
قالت بصوت منخفض " سيخبر والده ووالدي من أجل خطبتي لأن والدي لن يوافق أن يزوجني قبل أن تنتهي دراستي الجامعية وهو سيكمل دراسته أيضا وكل ما نخشاه أن لا يوافق والدي لأنه لا يحب الحديث في الأمر وعمي رياض أيضا يؤجل الأمر ولم يوافق عليه "
آه جيد يبدوا أنه هناك روميو جديد , أنقذك حضك مني يا وائل لكنت دفعتك ثمن كلامك وسأحاول أن لا أتدخل
كانت ستقول شيئا لكن قاطعنا قدوم عمتي سعاد فقلت بهمس قبل أن تصل " لا تقلقي لن يعلم أحد بما أخبرتني "
واستمر الوقت في السمر والأحاديث حتى وقت العشاء وكان الجميع مجتمعا على طاولة العشاء والأحاديث كانت ساخنة والضحك وأنا ألوذ بالصمت أكثر من جوري التي تتحدث أحيانا حتى قال عمهم " رُدين ما رأيك بعريس تعيشين معه خارج البلاد "
نظرت له باستغراب فضحك وقال " ابني الأوسط يريد أن يتزوج من بنات بلاده ولا يريد أن ينزل هنا ليختارها وكلفني بالمهمة "
نظرت مباشرة لثلاثتهم فنظرا وائل وأشرف لبعضهما وغمز وائل بعينه وابتسما وكأنه يقول له سنتخلص منها
أما فراس فكان نظره على والده وبتركيز وكأنه ينتظر أن يبدي رأيه فيما قيل , سترى مني يا وائل يا مغرور
قلت بابتسامة جانبية " بل لما لا تزوج ابنتك وها هم أبناء عمها كل واحد أطول من الثاني "
نظروا لي جميعهم فتابعت بابتسامة ماكرة " أرى أشرف أنسبهم جميعا "
وكما توقعت ضحك من فوره وقال " جاهز على الفور "
ليمتقع وجه وائل وكأن سهما أصاب قلبه فنظرت له هو تحديدا وقلت ببرود " إلا إن كنت ترفض أبناء شقيقك "
قال عمهم بعد قليل " لا بالطبع لن نجد أفضل منهم "
كاد يغمى على وائل وهنا وكزتني جوري , أقسم من أجلها فقط لكنت علمته درسا لن ينساه باقي حياته هذا المتعجرف لكن لا بأس تكفيه هذه الطعنة , قلت بابتسامة " لكن أشرف لديه واحدة يريدها زوجة له فوائل مناسب أكثر وناجح في دراسته وسيسافر ليكملها بالتأكي
, أنا خطبت منك ابنتك لشقيقي وائل , هيا لما لا تعطي جوابك "
تحول وجه وائل للحماس ينظر له باهتمام وقال عمهم " وهل هناك من يخطب لأحد وهو موجود ودون رأيه "
قلت بعد ضحكة " لو كان رافضا لتكلم , لما يتركون هذه الماسة حتى تضيع منهم ويتزوجها أبناء الغرب , أنت فقط ، وافق وكل الأمور ستسير على ما يرام "
نظر لشقيقه وضحكا معا وقال عمهم " ما هذه التي ربيتها يا رياض تخطب لابنك أيضا وأنت جالس "
قال مبتسما " وما سأفعل إن كان لا لسان لدى غيرها لو كان لأحد اعتراض فليقله "
عمي رياض يفهمني جيدا ويعلم أني لن أقول هذا إلا لأني أبعدته من قائمة مخطط اختيارنا فهو لم يعارض خطبتها له إلا من أجل مخططنا , لكنه لم يخبرني سابقا أنه يريد خطبة ابنة عمه
آه يا عمي رياض هل رغبتي أهم عندك حتى من رغباتهم كم أنت رجل رائع قلت بحماس " وائل هل أنت موافق "
قال مبتهجا " بالتأكيد وكنت أنتظر أن يفاتح والدي عمي مصطفى في الموضوع وسأنتظرها حتى تنهي دراستها وانهي دراستي "
وقفت وقلت " وجوري موافقة ماذا قلت يا عمي "
ضحك وقال " وما سأقول معك يا مشاغبة لكن ابني ينتظر عروسه فوافقي أنتي أيضا "
قال عمي رياض " سنضيفه للائحة وأرى من المناسب لأزوجها به "
ضحك وقال " ولديها لائحة من الخاطبين أيضا حسنا ننتظر الجواب "
شددت جوري من يدها وقلت " هيا يكفيك أكل سنصعد لغرفتي "
وقفت معي ضاحكة على ضحك الجميع ومررت بوائل وهمست له في أذنه ممررة رأسي بينه وبين فراس " أقسم أنها من أجل جوري وليس من أجلك أما الأولى فدرس لك كي لا تتهمني ثانيةً ومبارك يا عريس "
وما أن أبعد رأسي حتى قال فراس بصوت منخفض " ابنه صاحب سمعة سيئة هناك "
ابعد رأسي قائلة بصوت منخفض أيضا " إذا سأوافق " وغادرت وجوري وصعدنا لغرفتي وأغلقت الباب فحضنتني وقالت " شكرا لك يا رُدين لقد خدمتني خدمة لن أنساها ما حييت "
قلت مبتسمة " أقسم فعلتها من أجلك لأنك تستحقين "
ثم ابتعدت عنها وقلت بقرف " لكنه مغرور ومتعجرف كيف ستستحملين الحياة معه "
ضحكت وقالت " أحبه كيف سأفعل مع قلبي "
للثم تابعت وهي تجلس على السرير " لكنك كدتِ توقعين لي قلبي حين قلتِ أشرف وهو وافق "
ضحكت وقلت " تلك مزحة فقط مع وائل "
وقضينا باقي الوقت حتى كان موعد النوم وغادرت هي لغرفتها واتفقنا أننا صباحا سنجلس في الحديقة واكتشفت أنها تحب الاستيقاظ منذ الفجر مثلي , كان يفترض أن تزوجتها أنا وليس هو ههههه
وعند الصباح نزلت ووجدتها سبقتني في المطبخ وخرجنا معا
وأحضرت لنا الخادمة الفطور في الخارج بعدما وضعن بساطا لنتناوله على الأرض وانضمت لنا عمتي سعاد أيضا
ومر بنا وائل وهو ذاهب لجامعته وقال مبتسما " صباح الخير "
ثم اقترب وقال " رُدين لن أنساها لك ما حييت "
قلت بابتسامة جانبية " الأولى أم الثانية "
قال مغادرا بضحكة " الثانية طبعا "
رغم أنك لا تستحق لكن لا بأس لما أكثر أعدائي سأربحه في صفي
قالت عمتي سعاد " لو لم تفعلي ذلك ما حدث هذا , لقد فاجأتِ الجميع "
نظرت لها وقلت " ليقتنعوا أنه أحيانا يكون رب ضارة نافعة "
وضحكنا معا لأنها تفهم مقصدي ، وهو كرههم لوجودي هنا وما جلب من منافع
مر حينا أشرف وقال مبتسما " صباح الخير يا أفعى "
أشرف قلبه أبيض ولا يحقد أبدا وينسى بسرعة قلت قبل أن يختفي " وما أيقظك باكرا على غير العادة يا ثعبان "
توقف ورفع حجرا ليرميني به فاختبأت خلف والدته أضحك
فقال ضاحكا " ستري حسابك مني يا أفعى يا رقطاء "
ثم غادر وقالت جوري مبتسمة " يبدوا منسجمين معك كثيرا ألا يفكرون في الزواج منك "
قلت بمكر " لم تتركي لي وائل لأتزوجه "
ضحكت محرجة ولم تعلق فضحكت عمتي سعاد وقالت " أشرف كما تريه أمامك وفراس هي وهو كالقط والفأر لا يتقابلان دون أن يتشاجرا ووائل حجزته فلم يتبقى لها أحد "
وأمضينا الوقت كالأمس ومر النهار من أجمل ما يكون فقد خرجنا ثلاثتنا برفقة عمي رياض وشقيقه ، ولم نرجع حتى المساء من دون واحد من أولاده ثقلاء الدم
ثم غادر عمهم وابنته لمنزلهم وودعتها وطلبت منها أن نتقابل ثانيةً فهي كانت فتاة من أروع ما قابلت
بعد خروجهم وقف عمي رياض وقال " رُدين أريدك في أمر اسبقيني لغرفتي سأتحدث وعمتك قليلا وألحق بك "
صعدت لغرفته وكل الظنون تلعب بي ودخلت وجلست على الأريكة وكل مخاوفي أن يوبخني على موقف وائل وجوري لكنه لم يتغير تصرفه معي بعدها والأمر كان منذ ليلة أمس
بعد وقت دخل وحده وأغلق الباب وجلس على السرير مقابلا لي وقال " خطبك أحدهم رأتك والدته في حفل الزواج وأخرى تحدثت مع عمتك سعاد رأتك هنا , ومصطفى شقيقي فتح معي موضوع ابنه مجددا "
قلت من فوري " ما تريده سأنفذه "
قال بجدية " كل ما أريده "
هززت رأسي بنعم وقلت " لن أتني رأيك وأرفضه ولو كان فيه موتي "
قال بهدوء " أريدك حقا لأحد أبنائي "
ثم تابع قبل أن يعطيني فرصة للكلام وقال " أريدك لفراس والاختيار لك يا رُدين "
كاد قلبي يتوقف , لما فراس أشرف بنسائه أرحم منه فقد يعتدل حاله , ذاك الفراس لا ... حتى أنه لم يعتذر عن أخطائه في حقي
قال " ها ما رأيك وما ستقولينه سيكون ومهما كان " ))
نظرت لها وقلت مستاءة " لما دائما تنتهي الصفحة نهاية ناقصة وسيئة "
ضحكت وقالت " وهذا الممتع فيها أليس كذلك "
قلت مبتسمة " نعم تتركك تفكرين فيما سيجري "
وقفت ومددتها لها فأمسكتها وقالت " شكرا لك يا سما على ما فعلته اليوم من أجل نزار "
قلت باستغراب " ماذا فعلت !! "
قالت مبتسمة " يكفي الكلام الذي سيحيي نزار الميت داخله فحتى ابتسامته اليوم تغيرت و ضحكته ونظراته لمن حوله , كنت متأكدة أنه سيعود يوما كما كان ولو بالتدريج وسيكون ذلك على يديك "
نظرت للأسفل وقلت بحيرة " أنا أريد ذلك حقا لكن لا أعلم كيف وتأتي الأمور هكذا بعشوائية وأقولها ولا أعلم هل تصلح الأمر أم تفسده "
قالت مبتسمة " أتركي كل شيء هكذا بعفوية فلا شيء ينجح مثلها فالخطط دائما تبوء بالفشل والدليل أمامك في دعاء ورهام "
توجهت جهة الإنارة ونظرت جهتها وقلت مبتسمة " علينا أن ننام كي لا نستيقظ متأخرتان وينادينا بالكسولتين "
قالت ضاحكة " نحن كسولتان لديه في كل الأحوال "
قلت مبتسمة بعدما أطفأته " تصبحين على خير "
ثم صعدت لغرفتي وأشعر كل يوم بمشاعري نحوه تكبر وتتعاظم , ترى عند أي نقطة يتوقف الحب وإلى أي حد يصل !
ستكون كارثة إن كان لا حد له فأنا الآن أشعر أنه بحجم الكون , لا أعرف كيف سأعيش من دونه
كيف سيكون يومي وهو ليس فيه ! كيف يكون هو في مكان وأنا في آخر ولا أسمع صوته يوميا ... ضحكته وجهه ابتسامته وحدّته وهو ينصحني وينهاني في كل شيء
حتى ثيابه التي أغسلها وأكويها لا يمكنني التفكير في أن تبتعد عني ويكون يومي من دونها
وصلت غرفتي ودخلت وكل هذه الأفكار تولِد لدي رغبة في البكاء لأني أعلم أن كل ما أخشاه سيحدث وكل هذا سيضيع مني يوما قد يكون قريبا جدا فبقدر ما أريد أن يمسكوا بالمجرمين اللذين قتلوا أهلي بقدر ما أكره أنها ستكون بداية لابتعادي عن هنا
أغلقت باب الغرفة وركضت جهة سريري وارتميت عليه وحققت لعيناي وقلبي غرضهما واستسلمت للدموع حتى نمت
عند الصباح وكما توقعت استيقظت متأخرة عن وقت ذهاب نزار ولم أعِد له ولخالتي الإفطار
فنزلت مباشرة ودخلت غرفتها أفرك عيني وقلت " خالتي لما لم يوقظني لما تركتموني أنام كل هذا الوقت "
ضحكت وقالت " لم يرضى وركب دماغه أن تنامي حتى تنهضي لوحدك رغم أني أخبرته أنك لا تريدين هذا كي تنامي ليلا دون تعب "
حككت شعري وتأففت منه فقالت بعد ضحكة " اذهبي وأغسلي وجهك وتعالي قبل أن تغيري ملابس النوم "
نظرت لها بحيرة وقلت " ولما !! "
قالت مبتسمة " ستعرفين في وقته هيا بسرعة "
خرجت من عندها ودخلت الحمام السفلي وغسلت وجهي
وعدت لها وقلت وأنا ادخل " هل تناولتِ فطورك "
قالت مبتسمة " نعم تعالي أخرجي المقص من ذاك الدرج هناك وأحضريه لي " توجهت حيث قالت وأحضرته لها
فأخذته مني وفتحت درج الطاولة التي بجانب سريرها وأخرجت مشطها وقالت " أحضري ذاك اللحاف هناك "
قلت وأنا أحضره " هل ستقصين شعرك "
قالت ضاحكة " أنا لا ... غيري نعم "
أعطيته لها وقلت بصدمة " لا أنا لا أريد أن أقص شعري "
قالت مبتسمة وهي تفرد اللحاف " لن أقصه لا تخافي تعالي سأقص لك غرة فقط وستعجبك وتزيدك جمالا فوق جمالك بدلا من إمساكك هذا الشعر الحريري الجميل للخلف دائما "
جلست مقابلة لها وقلت " حقا ستجعلني أجمل "
قالت وهي تنزل لي رأسي أماما " بالتأكيد وستري بعينك "
مشطت لي شعري للخلف من الأعلى بعدما أخذت منه جزئا للأمام ومشطته وحده ثم رفعته للأعلى وقصته لينزل متدرجا على جبيني وأطراف وجهي وفرقتها ومشطتها وقالت مبتسمة " أنظري في المرآة الآن وستحبين شكلك وشعرك أكثر "
وقفت وتوجهت للمرآة في المكتبة ونظرت لأفاجئ بالتغير في مظهر شعري حيث كان سابقا ينزل بطوله لا معنى له وكأنه قطعة قماش أما الآن أصبح أجمل ولم أعد أريد حتى أن أمسكه
كانت الخصلات القصيرة تحتضن أطراف عيناي وخداي فقلت مبتسمة وأنا أعدلهم أكثر بأصابعي " ما أجملني هكذا يا خالتي الآن فقط اكتشفت أني كنت بشعة "
ضحكت وقالت " بل كنتي جميلة ، والآن صرتِ أجمل وليرحم الله قلوب الرجال "
توجهت نحوها وقلت " لا أريد أن أمسكه أحببته هكذا "
ضحكت وقالت " أعانه الله إذا "
قلت باستغراب " من !! "
ضحكت كثيرا ثم قالت " المشط لأنك لن تتركيه من يدك بعد الآن "
ثم مدت لي باللحاف بعدما جمعته وقالت " أرمي هذا وانفضي اللحاف جيدا "
أخذته منها وفعلت ما طلبت مني ثم عدت لها وأعدته حيث كان وعدت للمرآة مجدداً ، وقلت وأنا أرتبها من جديد " كم تعجبني ولا أريد أن أتوقف عن رؤيتها "
سمعنا حينها باب المنزل يغلق فقالت خالتي " ها قد جاء الطعم "
نظرت لها بحيرة فقالت مبتسمة " ما رأيك أن تلفي لفة كاملة حول نفسك وبسرعة "
ضحكت على الفكرة لكني سرعان ما طبقتها ولم أنهي اللفة إلا ونزار عند الباب فأبعدت شعري عن وجهي لتتدلى الغرة للأسفل بسبب حركته معي حين لففت فرفعتها بأصابعي لتسقط من جديد محتضنة وجهي وجبيني
فنظرت لخالتي وكانت تنظر للمذياع في حجرها فانتقلت بنظري سريعا لنزار فكان على صمته وينظر لي
فرفعت شعري خلف أذني أنظر للأرض وخرجت من الغرفة مارة به وهو دار معي حتى خرجت وصعدت لغرفتي مباشرة لأغير ملابس النوم أو لأهرب منه ومما فعلت

انتهى الفصل

*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*
➖➖➖➖➖➖➖➖
☆☆☆☆☆☆

أوجاع ما بعد العاصفةOnde as histórias ganham vida. Descobre agora