*|🔢|:☟البـــ{الثامن عشر}ـــارات☟*

92 7 0
                                    


نظرت للهاتف بصدمة ولأسمها على شاشته عدة مرات وكأني اكذب عيناي , لن تتصل وسن لشيء تافه وبي تحديدا رفعت الهاتف لأذني وكل هواجس الأرض تقودني وكل ما أخشاه أن يكون أصابها مكروه في الجامعة واحدهم اتصل بي بهاتفها
أجبت في صمت فجاءني صوتها الباكي قائلة " نواس خالتي متعبة تعالى بسرعة أرجوك "
انطلقت راكضا من مكاني وأنا أقول " ما بها وما أعادك من جامعتك الآن قبل وقتك "
قالت بذات بكائها " بسرعة لا وقت للشرح "
قلت وأنا أركب سيارتي " اتصلي بالإسعاف ، ستأخذ مني الطريق بعض الوقت "
فصلتِ الخط مني دون حتى أن تقول وداعا , سرت بسرعة كبيرة وعقلي عجز عن التفكير
ترى ما أتعبها فجأة هكذا ، لو أنها فقط قبلت بأن نباشر المرحلة الثانية من العلاج
وصلت المستشفى بعد وقت ونزلت ركضا وسألت عنها في الاستقبال ثم صعدت السلالم قفزا حتى وصلت غرفة العناية
دخلت الممر ألهث من الركض وكانت وسن والممرضة في آخره فتوجهت نحوهما مسرعا لتقفا ما أن رأتاني فقلت " ما بها ؟ ماذا حدث "
قالت الممرضة " تعبت قليلا صباح اليوم ورفضت أن أخبرك أو أخبر وسن وحينما ازدادت حالتها سوءا اتصلت بوسن بالخفية عنها لتأتي لها ، وهي اتصلت بك "
نظرت لباب الغرفة ثم رفعت رأسي ومررت أصابعي في شعري ليصلني صوت وسن الحزين قائلة " نواس "
نظرت لها فقالت ودموعها بدأت بالنزول " هل ستموت خالتي "
قلت بهدوء " لن تموت لا تخافي ستكون بخير "
ثم ابتعدت عنهما ووقفت بعيدا فلم يعد قلبي يحتمل أكثر جلستا حيث كانتا وبدأت وسن بالبكاء مرتجفة وكأنما أحدهم سكب عليها ماءً بارداً في عز الشتاء وتتمتم بأشياء غير مفهومة والممرضة تحاول تهدئتها
اتكأت على الجدار برأسي وأغمضت عيناي بألم أرثي تمزق قلبي على والدتي التي لا أعلم عن حالها بالداخل والقطعة من قلبي التي ترتعش هناك كالورقة  وسن تُعد والدتي الشيء الوحيد المتبقي لها الآن
تراها أهلها تراها فرح ووالدها ووالدتها وحتى أنا وفقدانها بالنسبة لها فقدان لآخر شيء يربطها بالبشر
سحقا لحظك يا نواس ... ليس الكبرياء من يمنعني الآن عن دفنها وسط حضني ولملمت ارتجافا بين ضلوعي بل هو الحلال والحرام لكنت عندها الآن لعلها هي تخفف عني النيران المشتعلة في صدري قبل أن أخفف عنها أنا خوفها على خالتها ً
سمعت باب الغرفة انفتح فقفزت واقفا ووقفتا هما وتوجهت نحو الخارج منها قائلا " كيف هي الآن "
نظر لي وقال " من تقرب لها "
قلت بتوجس " ابنها "
سار أمامي وقال " اتبعني "
تبعته كالدمية غير مصدق أنه قال اتبعني ولم يقل البقاء لله أو أحسن الله عزائكم أو أي شيء مفجع يعبر عن موتها
دخلت خلفه للغرفة وأغلقت الباب وجلست أمامه فقال مباشرة " الورم وصل للدماغ "
شعرت بالأرض تتحرك تحتي ،  ولم أستطع الثبات على الكرسي الجالس عليه , فوقف وأمسكني قائلا " كن قويا ، وعلينا إكمال العلاج معها في كل الأحوال "
رفعت رأسي ونظرت له , كان كالضباب لا أستطيع تمييز ملامحه فأمسكت رأسي بيداي فناولني كوب ماء فأخذته منه على الفور وشربته , كان طعمه مالحا ففهمت انه علم أن ضغطي انخفض
بعد قليل أصبحت الرؤية عندي أوضح وزال الدوار من رأسي ، فقلت له بصوت متعب " لا نفع منه سوا  قتلها بالبطيء ، لا تكذب علي فأنا ملم بمرضها جيدا "
أخفض رأسه وتنفس بقوة ثم نظر لي وقال " اتركوها هنا أفضل لها لتكون تحت المراقبة والشفاء من عند الله وحده وعلينا المحاولة للنهاية "
قلت من فوري " ما الذي يمكنني فعله أخبرني عن أي بلاد آخذها لها وسأفعل فورا "
هز رأسه وقال " لن يفعلوا لها أكثر مما سنفعله نحن "
ثم وقف وقال " كن مؤمنا ولا تيأس فالشفاء لا يحدده أحد والموت لا يمسكه أحد أيضا "
نظرت له للأعلى وقلت " هل يمكنني رؤيتها "
قال مغادرا " ليس قبل أثنى عشر ساعة فلا تتعبوا أنفسكم بالانتظار هنا "
ثم خرج وتركني فوقفت بصعوبة وخرجت لأجد وسن والممرضة ينتظرانني أمام الباب
فقالت وسن بنظرة رجاء " لم تمت أليس كذلك "
هززت رأسي بلا فقالت بصوت ضعيف ويدها تقبض على كم سترتي " هل ستموت يا نواس ؟؟ هل ستموت "
قلت ورأسي في الأرض " لا تقلقي ستكون بخير أزمة وستنتهي "
قالت بعبرة " أريد أن أراها "
نظرت لها لتقع عيناي على عيناها الواسعة الدامعة فأشحت بنظري بعيدا عنها وقلت " لا تزال متعبة عليكما العودة للمنزل الآن "
قالت بجدية " لن أغادر إلا معها "
نظرت لها وقلت بضيق " وسن ليس هذا وقت العناد الطبيب قال أنه لا يمكننا زيارتها قبل نصف يوم فبقائكما لا فائدة منه "
قالت الممرضة " إذا سأغادر وأعود لها غدا هل تريدان شيئا "
قلت " هل عادت فتحية من دولتها "
هزت رأسها بلا وقالت " قالت أن والدها ازدادت حالته سوءا ولن ترجع قبل أسبوع "
هززت رأسي بحسنا فغادرت في صمت ونظرت أنا لوسن وقلت بهدوء " علينا المغادرة الآن وسنعود في الغد "
سارت أمامي في صمت ودون كلام , فقط لأني سأغادر أيضا لما كانت تحركت من هنا ركبنا السيارة وغادرنا المستشفى
كنت أود البقاء لكن وسن تبدوا متعبة وتكابر كعادتها ولا أحد في المنزل لذلك عليا البقاء معها
وصلنا المنزل ودخلت هي قبلي وتوجهت من فورها لغرفة والدتي بعد قليل لحقت بها فكانت تجلس على الأرض متكئة على السرير بذراعيها وتخفي وجهها فيهما وتبكي
فوقفت عند الباب وقلت " وسن لا تنسي أنك متعبة , هذا لن يفيد في شيء , هي لم تمت وستتحسن حالتها "
لم تجب عليا طبعا فغادرت قبل أن ترميني بكلام يغضبني وأكون أستحقه , خرجت لأقرب صيدلية أحضرت لها حبوبا مسكنة وعدت للمنزل
دخلت ووجدتها على حالها فوضعت الكيس على السرير بجانب رأسها وقلت بهدوء " أحضرته من نقود والدتي وليس مني "
ثم غادرت الغرفة وتوجهت لغرفتي , أخرجت هاتفي وفتحته واتصلت بجواد , ترددت بادئ الأمر لكي لا أشغله عن دراسته
لكن إن حدث لها شيء فلن ينساها لي لأنه لم يراها للمرة الأخيرة شعرت بانقباض في قلبي لمجرد الفكرة
كيف أفقدك يا أمي أنتي لا تعرفين ما تعنيه بالنسبة لي فمن لي أنا أيضا بعدك اتصلت وأجاب بعد وقت فقلت من فوري " ما هي أقرب رحلة يمكنك المجيء عليها "
قال بتوجس " ما بها والدتي "
أغمضت عيناي بألم وقلت " متعبة قليلا وأريدك أن تكون هنا "
قال بعد صمت " نواس لا تكذب علي "
قلت بهدوء " الورم وصل للدماغ سندخلها للمرحلة الثانية من العلاج , إن لم يكن بإمكانك المجيء فلا تأتي "
قال من فوره " أسبوعان أو أقل وأكون عندكم ... يا رب لطفك , نواس هل ستموت "
قلت بغصة " توقفوا عن سؤالي هذا السؤال وارحموني "
قال بعد صمت " كيف هي وسن "
قلت بحزن " مرابطة في غرفة والدتي وتبكي , فتحية سافرت منذ أكثر من يومين لأن والدها متعب كثيرا والممرضة غادرت وهي الآن وحدها في الغرفة "
قال من فوره " كن بجانبها تعلم عن حالتها جيدا لا نريد أن نخسر اثنتين "
تنهدت وقلت " تعلم أن اقترابي لن يزيد الأمور إلا سوءا أنا معها في المنزل ولن أغادر , هذا فقط ما سأقدر عليه "
قال بحزن " دعني أكلم والدتي ما أن تدخل لها أرجوك يا نواس "
قلت من فوري " حسنا ووداعا الآن "
قال بهدوء " وداعا واعتني بوسن يا شقيقي تعلم كم سيؤثر فيها ذلك "
قلت بهمس " وداعا "
وكأنك متأكد من موتها يا جواد , من حديثك وعبرتك التي تحاول كتمها , وهذه هي الحقيقة مهما كذبت على نفسي
رن جرس الباب فخرجت له وفتحته فكانت صديقة وسن في الجامعة , نظرت لي وقالت بقلق " وسن تركت الجامعة مسرعة ولا تجيب على هاتفها , زرت منزلكم ثلاث مرات ولم أجد أحدا ! هل هي بخير "
ابتعدت عن الباب وقلت ونظري للأسفل " لقد جئتِ في وقتك , أدخلي لها هي في الغرفة المفتوحة نهاية الصالة , أرجوك كوني بجانبها قدر المستطاع "
دخلت وقالت " ماذا حدث "
أغلقت الباب وقلت مغادرا من أمامها للداخل " خالتها متعبة وفي المستشفى "
ثم توجهت للمطبخ لتدخل هي , من الجيد أنها أتت لتكون معها
* *
نزلت أبحث عن راضية حتى وجدتها وقلت " نواس خرج منذ ساعات ركضا لسيارته وبسرعة مخيفة من المزرعة وهاتفه مقفل ووالدته لا تجيب "
قالت بقلق " سترك يا رب ترى ما الذي حدث "
نظرت من حولي وقلت " أين وليد أو صديقه الآخر ليجدوا أي حل "
قالت من فورها " معاذ ليس هنا ووليد في ..... "
بترت جملتها على دخول وليد من باب المنزل فتوجهت من فوري نحوه وقلت بقلق " ماذا حدث مع نواس "
نظر لي باستغراب فقلت " خرج مسرعا وهاتفه مقفل وحتى والدته لا تجيب "
أشاح بنظره عني متضايقا لتتحول نظرتي للصدمة ثم أولاني ظهره وقال بهدوء " سأحاول الاتصال به أو أبحث عنه لا تقلقي "
ثم خرج من فوره ونظري يتبعه ورن حينها هاتفي فنظرت له من فوري فكان نواس فأجبت عليه قائلة بقلق " نواس ماذا حدث معك وأين أنت "
قال بنبرة غريبة " أنا في منزل والدتي لا تقلقي "
قلت بحيرة " هل حدث شيء "
قال بعد صمت " مرضت أمي وهي في المستشفى الآن "
أغلقت فمي من الصدمة ثم قلت " ما بها "
تنهد وقال بحزن " تعبت اليوم كثيرا والطبيب نصحنا بتركها في المستشفى لبعض الوقت "
قلت بهدوء حزين " أسال الله لها العافية ولن أطيل عليك أكثر وطمئني عليها "
قال بهمس " وداعا وشكرا لك "
أبعدت الهاتف عن أذني وغادرت جهة السلالم وصعدت لغرفتي , كم أتمنى أن أكون بجانبه ووالدته الآن لكن بقائي هنا سيكون أفضل فابنة خالته لن تتقبلني وهو يعلم ذلك جيدا لكان قال أنه سيأتي لأخذي هناك
* *
جلست أحتضن أغطية سريرها أريد أن أشم ولو رائحتها خالتي عودي من أجلي لا تتركيني فبعدك سأضيع وأرجع عالة ومتسولة ويتيمة يرعاها نواس وزوجته
من أشتكي له بعدك , من ينصفني من يحبني ويتحدث معي قبضت على اللحاف بقوة لتعود دموعي التي لم تتوقف للنزول
مجددا فشعرت بيد على كتفي هي ليست لنواس بالتأكيد فنظرت لصاحبها بسرعة وكأني أتخيل أن تكون خالتي تطبطب على كتفي كالعادة وتسألني ( لما أنتي حزينة يا ابنتي )
فكانت ملاك , نظرت لها مطولا ثم قلت ببكاء " خالتي يا ملاك ستموت وتتركني "
جلست بجواري على الأرض وحضنتني وقالت " لن تموت هي متعبة فقط وليست المرة الأولى "
قلت بعبرة " لم تمرض هكذا قبلا " وبقيت لوقت تهدئني وتقرأ على مسامعي آيات من القرآن ثم مسحت على شعري وقالت " إنه وقت المغرب هيا قفي توضئي لنصلي واقرئي في المصحف قليلا وادعي لها بالشفاء "
وقفت ودخلت الحمام توضأت وصليت واتكأت في سرير خالتي وأحضرت ملاك المصحف وبدأت تقرأ على مسامعي حتى هدأت وتوقفت عن البكاء فمسحت على شعري وقالت " وسن لما كل هذا هي حية ولم تمت , ابن خالتك قلق عليك كثيرا يكفيه والدته التي في المستشفى "
خبأت وجهي في ذراعي وقلت " ليذهب ويتركني ، أنا لم أجبره على البقاء معي "
تنهدت وقالت بضيق " وسن هو في النهاية ابن خالتك ويخاف عليك لو رأيت وجهه لتوقفتِ عن هذا الجنون "
خبئت وجهي في ذراعي أكثر وعدت للبكاء فقالت " حسنا لن أذكر اسمه ثانيتا فلا تبكي "
وأمضت معي ملاك الليل بطوله ولم ننم للحظة ولا نواس الذي يطرق علينا الباب من حين لآخر وعند الصباح قالت ملاك " هيا لتذهبي معي لمنزلي , جدتي رحبت بالفكرة وأنتي تحتاجين للابتعاد عن هنا "
نزعت ملابس الصلاة وجلست على السرير وقلت " لا أريد فعليا زيارة خالتي معه "
قالت بهدوء " منعوا عنها الزيارة نهائيا حتى تنتهي جلسات العلاج فتعالي معي أفضل لك وله ليتمكن من مغادرة المنزل "
قلت بحدة " أخبرتك أني لا أجبره على البقاء "
قالت بضيق " أنتي لا تجبرينه لكنه يستحيل أن يذهب ويتركك في المنزل لوحدك فإن كنتي حقا لا تريدي رؤيته فاذهبي معي أو ابقي معه هنا "
ثم تأففت وقالت مغادرة الغرفة " سأجمع لك ثيابا ولتبقي معي حتى تخرج خالتك "
ثم غادرت الغرفة فارتميت على السرير أبكي بحرقة فها قد بت عالة حتى على الأغراب
بعد قليل جلبت حقيبة أغراضي وقالت " وضعت فيها كل ما رايته مهما وإن احتجتِ شيء سنعود لأخذه "
خرجت معها من المنزل وأوصلنا نواس بسيارته لمنزلها نزلت ملاك قبلي وهممت بالنزول حين استوقفني صوت نواس قائلا " اتصلي بي إن احتجتِ شيئا "
قلت بهمس وأنا انزل " شكرا لك " ثم أغلقت الباب ودخلت المنزل , متى سيقتنع أني لا أريد منه شيئا سوى أن يتركني ولا يزيدني على ما بي
دخلت وكانت جدة ملاك وزوجة خالها في استقبالي رحبا بي وسألا عن خالتي فأجبتهم ثم قلت " أريد أن أنام قليلا أشعر بالتعب "
قالت جدتها مبتسمة " المنزل منزلك , خذيها يا ملاك لغرفتك لترتاح "
دخلت خلفها للغرفة فقالت " تبدين متعبة هل أعطيك المسكن "
دخلت للسرير وقلت " أريد أن أنام قليلا فقط " فخرجت وأغلقت الباب بعدما أطفأت النور
* *
أمضيت أيام الأسبوع بين المستشفى والمزرعة ومنزل صديقة وسن لأطمئن عليها من خال صديقتها التي توصل له ملاك أخبارها
هي لم تذهب للجامعة منذ ذاك اليوم ولا تتوقف عن البكاء وتصر على الخروج بنفسها لزيارة والدتي ولا تريد أن تقتنع أن الأطباء يمنعون عنها الزيارة بالفعل فحتى أنا لم أدخل لها سوى مرة واحدة ولدقائق معدودة وهي لا تعي شيئا حولها
جواد قال أن طائرته ستكون منتصف الأسبوع القادم ولم يخبر فرح بشيء فهي حامل وإن علمت ستقلق على وسن ويجن جنونها ولن تهدأ ليلا ولا نهارا " ألن نتمكن من زيارتها أبدا يا نواس "
رفعت رأسي ونظرت لها وقلت " الأطباء لم يسمحوا بذلك بعد "
نظرت للأرض وقالت بحزن " تبدوا حالتها حرجة "
تنهدت وقلت " ليس بيدنا سوى الدعاء لها "
رن حينها هاتفي فنظرت له ووقفت على طولي وأنا أرى رقم المستشفى فأجبت من فوري فقال الذي في الطرف الآخر " مرحبا هل أنت السيد نواس "
قلت بتوجس " نعم هل والدتي بها مكروه "
قال من فوره " تطلب رؤيتك وواحدة اسمها وسن "
أبعدت الهاتف عن أذني انظر له بضياع فقالت مي بقلق " ماذا هناك يا نواس "
قلت مغادرا من أمامها " سأنزل للعاصمة وقد لا أعود اليوم " ركبت سيارتي وغادرت مسرعا أحاول فقط أن لا أفكر
وصلت لمنزل صديقة وسن ونزلت , قرعت الجرس ففتح لي الباب طفل في السادسة أو السابعة فقلت له " أين والدك هل هو موجود "
قال من فوره " خرج هو ووالدتي "
قلت " وملاك هل هي في الداخل أم صديقتها فقط "
هز رأسه بلا وقال " في الجامعة صديقتها فقط هنا وجدتي نائمة "
قلت " أخبرها أن رجلا اسمه نواس ينتظرها في الخارج "
ثم أمسكت كتفيه وقلت " قل لها سيأخذك لخالتك "
هز رأسه بحسنا ودخل وما هي إلا لحظات وكانت وسن أمامي بعباءتها وحجابها واقفة أمام الباب وقالت " هل سنزورها حقا "
هززت رأسي بعم دون كلام فخرجت وأغلقت الباب وتوجهت للسيارة بخطوات سريعة وكأنها تريد أن تسابق الوقت لتصل لها سريعا
ركبت بجانبها وانطلقت في صمتنا حتى قالت " هل رأيتها اليوم "
قلت ونظري على الطريق " لا "
نظرت لي وقالت " وكيف سمحوا لنا بزيارتها هل انتهى علاجها "
دخلت حينها سور المستشفى وقلت " هي طلبت رؤيتنا "
أوقفت السيارة في الموقف فأمسكت قلبها وقالت " هل هي بخير ؟ أخبرني أرجوك يا نواس "
نظرت لعينيها لأول مرة اليوم وقلت " لا أعلم يا وسن أنا مثلك جئت ولا اعلم شيئا "
قالت ودمعتها تتدلى من رموشها الطويلة " ستكون بخير أليس كذلك , قل قسما ستكون بخير "
تنهدت وقلت " كيف أقول شيئا لا أعلمه هيا دعينا ننزل لها الآن " ثم فتحت الباب ونزلت فنزلتْ هي أيضا ولحقت بي
دخلنا المستشفى وصعدنا بالمصعد وهي تتكئ على جداره وتبكي فنظرت لها وقلت بهدوء وقلب ينحب أكثر منها " يكفي يا وسن كوني قوية لتقابليها أو لن يتركوك ترينها "
لم تزدد سوى عبرات ونحيب على نحيبها , اليوم فقط تمنيت أني سمعت كلام والدتي وتزوجتها ذاك اليوم رغما عنها وعني لَما كنت تركتها الآن تحتضن الجدار الأصم الذي لا أعلم كيف لم يتحرك ويمسح دموعها , انفتح المصعد أخيرا ورحمني فخرجت وهي تتبعني وتمسح دموعها
وصلنا الغرفة وفتحت الباب ببطء ودخلت ووسن خلفي , كانت الأجهزة كلها منزوعة منها سوى حقنة المغذي فما يعنونه بهذا !
ما أن دخلت وسن حتى توجهت نحوها مسرعة وحضنتها تبكي فرفعت والدتي يدها بتعب ووضعتها على رأسها وقالت بصوت ضعيف متعب " إن كنتي تحبينني فتوقفي عن البكاء يا وسن "
قالت بعبرة " لا تتركيني يا خالتي أرجوك فليس لي بعدك أحد لا ترحلي أنتي أيضا , ليبقى لي ولو صوتك يكلمني "
نزلت دمعة من طرف عين والدتي ونظرت لي ومدت يدها فاقتربت منها وأمسكتها وقبلتها فقالت ونظرها على وسن المحتضنة لجسدها " ضعي يدك هنا في يدي يا وسن "
رفعت رأسها وامتثلت لها لتصبح يدها فوق يدي وكلاهما في يد والدتي التي قالت ونظرها عليها " عديني اولاً يا وسن ،  وأقسمي لي أنك تفعلين ما سأطلبه منك "
بقيت على صمتها فقالت أمي " عديني يا ابنتي "
قالت وسن ببحة " أعدك "
تنفست أمي بتعب وقالت " قولي أقسم أن أتزوج من يختاره نواس ومتى يقرر هو "
بقيت تنظر لها بصدمة فقالت " لا ترُديني خائبة يا وسن "
غمرت وجهها في جسد والدتي وقالت ببكاء أعدك وأقسم لك أن افعل فقط لا تتركيني وحيدة "
نظرت لي أمي حينها وقالت " وسن أمانتك يا نواس مادمت حيا ولا تنسى وعدك لي بني فأنت لم تزوجها سليمان لأنك اخترت الخيار الآخر فكن عند وعدك مهما طال بك العمر "
قلت بحزن " لا تخافي لن أخلفه يا أمي "
ابتسمت حينها ابتسامة صغيرة متعبة وقالت بهمس " الحمد لله "
ثم ارتخت قبضة يدها ورفعت وسن رأسها ونظرت لها وهزتها بيدها الأخرى وقالت بصدمة " خالتي "
فقبضت بيدي بقوة على يدها التي تحت يدي وقلت بألم ودمعة سقطت من عيني " ليخلفنا الله فيها خيرا يا وسن "
*
*
كنت أنظر لها باستغراب كانت فتاة في بشرتها سمرة خفيفة بملامح جذابة وعينان بنيتان لم تفارقا الزهرة في السلسال وكأنها رصاصة ستخترق عنقي , قلت بهدوء " هل يمــ .... "
قاطعتني ناظرة لعيناي " من أين تحصلتِ على هذا السلسال "
بقيت أنظر لها بحيرة فقالت بحدة " تكلمي "
بقيت أنظر لها بصمت , أي وقاحة هذه تحقق معي وهي تراني للمرة الأولى ! وما علاقتها بالسلسال ومن أين تعرفه
رفعت نظري حينها للذي ظهر خلفها وكان نزار فالتفتتْ هي ما أن انتبهتْ أن عيناي ثبتت خلفها ونظر لها هو وقال عاقدا حاجبيه " رهام !! "
دارت بجسدها نحوه وقالت " نعم رهام صاحبة السلسال الذي أصبح عند غيرها "
قال بجمود ونظره على عينيها " لم تكوني يوما صاحبته "
قالت بصوت مرتفع قليلا وحاد " بلى أعجبني في المحل هو نفسه أعرفه جيدا وكنت معك وتحدثنا عنه "
نظر حينها لي وأنا عيناي عليه , هذه رهام إذا خطيبته السابقة تخطاها وتخطاني داخلا فالتفتتْ ناحيته وقالت بحدة أكبر " لم أصدق حين سمعت أنك بت تهوى المراهقات ويعجبنك ولكني صدقت الآن "
وقف حينها والتفت لها وقال باستغراب " ما تعني بما تقولينه "
نظرت لي ثم له ثم قالت من فورها " أعني أنك أنت أيضا كسرت الشعار وسقط منك القناع "
ضغط على فكيه بقوة حتى خفت من ملامحه ثم أشار بإصبعه للباب خلفها وقال " أخرجي من هنا وفورا "
قالت بسخرية " نعم وتطردني من أجلها أيضا معك حق " ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها صورة ووضعتها أمام وجهي
كان نزار في الصورة وهي تتكئ على صدر بظهرها ويحيط خصرها بذراعيه مبتسمان وقالت وهي تحركها أمام وجهي " لا يخبرك انه مثالي ولم يحب غيرك ولا قبلك لأنه سيكون كاذبا مثلما كذب حين قال لا أقتنع بحب وزواج المراهقات "
نظرت له فكان هو نظره ثابتا عليها فعدت بنظري لها وقلت " حكا لي كل شيء "
ضاعت بنظرها بين عيناي مصدومة فتوجهت نحو نزار ووقفت بجانبه وتمسكت بذراعه وقلت ونظري عليها " أخرجي من حياتنا "
فانفتحت عيناها أكثر من الصدمة فرفعت نظري لنزار فكان على حاله ينظر لها فعدت بنظري عليها فانتقلت هي بنظرها مني له فقال بجمود " وأغلقي الباب خلفك "
لا اعلم قالها تكملت لجملتي أخرجي من حياتنا أم يقصد بها باب المنزل لكنه لم ينكر كلامي رغم أنه غير صحيح فخرجت وملامحها لا يمكن وصفها ولم تضف حرفا واحدا
فابتعدت عنه بسرعة وتركت ذراعه وقلت ونظري للأرض " آسفة إن أزعجك بما قلت لكني إن أنكرت ما قالته فلن نجني شيئا وأنا حقا تعبت منهما "
توجه نحو الباب وأغلقه ثم عاد مارا بي وقال وهو يجتازني " فعلتي الصواب فالحقيقة لن يقتنع بها أحد "
ولم اسمع بعدها سوا خطواته يصعد السلالم فتنفست بقوة وغادرت جهة غرفة خالتي ونظري للأرض حتى دخلت فوصلني صوتها قائلة " ماذا هناك ما كل هذه الأصوات "
نظرت لها وقلت " لا شيء مهم ماذا تريدين على الغداء "
ضحكت وقالت " كان دائما على ذوقك ما تغير الآن "
تنهدت وقلت " لا أعلم "
قالت بحيرة " لا تعلمين ماذا !! سما ما بك ولما صعد نزار دون أن يلقي علي التحية ومن الذي كان عند الباب "
هززت رأسي بحيرة ولم اعرف ما أقول , لا أريد أن اكذب عليها ولا أن أتحدث عما حدث
خرجت من عندها وتوجهت للمطبخ , وضعت بعض الخضار في طبق وجلست على الطاولة أمسك السكين في يدي وأقطعها بذهن شارد
ألم تقل خالتي أن السلسال ليس لها ولا تعرف عنه وها هي تعرفت عليه أو يبدوا كما قالت هو أعجبها في إحدى المحال فاشتراه لها ليهديها إياه في عيد ميلادها فافترقا قبلها
حسنا لما أنا المتهم دائما دعاء ثم هذه المدعوة رهام ألا يوجد رجل غيره في هذه البلاد , أتمنى أن لا تخرج لي واحدة أخرى بعد قليل لأعلم أنها تحبه أو كان يحبها
أغمضت عيناي بشدة أحاول محو تلك الصورة من دماغي وهو يحضنها مبتسمان لكنها أبت الخروج ولم يخرج من عيناي سوا دموعي ....
" سما " ارتجفت لسماع صوته المصدوم ينادي باسمي ليسقط السكين من يدي في الصحن وبقع الدم تلون الخضار تحتي
اقترب مني مسرعا وأمسك يدي وقال " يدك تنزف وأنتي تغمضين عينيك وتبكي ولا توقفين النزيف "
نظرت لوجهه وأشعر بقلبي يرتجف بقوة للمسه لي الشعور الذي أصبح يتعاظم يوما بعد يوم , وقفت لأنه كان ممسكا يدي ويسحبني جهة المغسلة وفتح الصنبور عليها , كان الجرح في كف يدي اليسرى وهو يضغط عليه بأصابعه بقوة حتى احمرت مفاصلها ونظره عليها
وعيناي تسافر في ملامحه ... العينان الرماديتان والأنف المستقيم لحيته الخفيفة بشعيراتها السوداء وذقنه البارز قليلا للأمام
شعرت بالدماء ترتفع لوجهي وبخجل شديد ومعدتي تضطرب حين تذكرت ما حكته لي خالتي يومها عما يحدث بين الرجل والمرأة والكارثة أنها قالت ( هذا شيء مبسط فقط لتعلمي بالأمر مني قبل غيري وتكوني حذرة بنيتي )
إن كان ذاك مبسط فكيف ستكون التفاصيل , تمنيت فقط أن يترك يدي التي كان يمسكها بكلتا يديه لأني لم أعد أحتمل أكثر من هذا
رفع حينها أصابعه ليرى الجرح وحرك إبهامه في كفي ليعرف عمقه فقلت بألم " أي "
قال وهو يغادر " لا تخرجي يدك من تحت الماء "
غادر لوقت قصير ثم عاد وفي يده شاش فأخرجت يدي من تحت الماء ولف كفها بعشوائية وقال وهو يغلق الصنبور " غيري ثيابك والبسي حجابك عليا أخذك ليخيطوا لك الجرح "
صعدت لغرفتي وغيرت ملابسي بصعوبة لأن يدي كانت تؤلمني بشدة والدماء بدأت تخرج من الشاش , حاولت لبس الحجاب ولم أستطع فنزلت به في يدي فكان ينتظر في الأسفل
فقلت وأنا أريه الحجاب " لم أستطع لبسه سأطلب من خالتي أن تلبسه لي بسرعة "
أمسكه من يدي وقال " والدتي نامت سأساعدك أنا بسرعة فالجرح لازال ينزف "
لم أستطع قول شيء فأمسك بالحجاب وقلبه كثير ويبدوا لم يفهمه لأنه معد جاهزا لأن يلبس دون لف فأمسكته معه وقلت مبتسمة " من هنا هذه الفتحة للوجه "
قلبه مرة أخرى وأدخله في رأسي فكان وجهي مغطى بالكامل
فقلت بضحكة " نزار هذا مقلوب وفتحة الوجه في الخلف " سمعت حينها ضحكة صغيرة
خرجت منه فهو يبدوا مستاء منذ أن تقابل وتلك الرهام اليوم
غير من وضع الحجاب بمساعدتي بيد واحدة ورفع وجهي له ودس خصلات شعري جيدا ونظره عليها لتعود لي تلك الرغبة في تأمل ملامحهمجددا ثم سرعان ما أبعدت نظري عنه وتوجه هو حينها ناحية المطبخ قائلا " علينا أن نغير الشاش أولا "
نظرت لكف يدي فكانت الدماء تغطي الشاش كله وزاد شعوري بالألم فيها وكأنها جرحت للتو , عاد سريعا وأزال الشاش منها ولفها مجددا بسرعة لأن الدم لازال ينزف
وهو يقول بضيق " لا أعلم كيف تجرحين نفسك هذا الجرح المخيف فليست عادتك يا سما "
لم أستطع التحدث فما سأقول له ... لم أكن أشعر بنفسي وأنا أقطع يدي أم أني كنت أفكر في تلك الصورة وغائبة عن كل شيء من حولي
خرج بعدها وأنا أتبعه قائلة " والدتك ستستيقظ ولن تجدني وستقلق "
قال وهو يغلق باب المنزل " فكري في نفسك الآن فقط علينا أن نصل سريعا قبل أن تفقدي دما أكثر ويغمى عليك "
ركبت السيارة وأنا بالفعل أشعر بتنمل في قدماي لكني لم أتوقع أن يكون ذاك السبب فأنا في كل حال فقدت دما كثيرا هاذان اليومان ويدي نزفت كثيرا تحت الماء
انطلقنا وأنا أمسك كف يدي لأنه يؤلمني بشدة ووصلنا بسرعة للمستشفى , نزل ونزلت بعده وكان يسير بخطوات سريعة فقلت " لا تسرع نزار أشعر بتنمل في قدماي "
وقف والتفت لي وأجلسني على إحدى الكراسي في الحديقة قائلا " سأحضر كرسيا يبدوا فقدتِ دما كثيرا "
وسار مسرعا دون أن يستمع لاعتراضي ومرت خلفه مباشرة اثنتان وقالت واحدة للأخرى " أنظري كيف يخاف على زوجته , ما جنس الذين نتزوجهم نحن "
وصلني صوت الأخرى وهما تبتعدان قائلة بضحكة " مؤكد عريسان جدد "
عدت بنظري منهما ليدي المجروحة , لما الجميع يرى أننا متزوجان ! هل نزار وحده مقتنع بفكرة أني صغيرة على الزواج
خرج حينها متوجها نحوي دون كرسي ووصل عندي وساعدني على الوقوف قائلا " هل يمكنك السير سأساعدك فلم أحصل على واحد "
سرت بمساعدته قليلا ثم قلت " قدماي تتيبسان وأشعر بالجفاف في حلقي "
شعرت بعدها بدوار خفيف واضطربت خطواتي ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أرتفع عن الأرض بين ذراعيه
وقد حملني بخفة وسهولة وسار بخطوات سريعة قائلا بضيق " لا أعلم أي مستشفى هذا لا شيء متوفر فيه "
شعرت حينها بالضيق لأنه منزعج من حمله لي فقلت بهمس " أنا آسفة "
قال ونحن ندخل باب المستشفى " ولما تعتذري فالخطأ عليهم وليس عليك , تمسكي بي جيدا المكان مزدحم اليوم "
وما أن أنهى جملته حتى انفتحت عيناي من الصدمة وأنا أشاهد العدد الكبير من رجال الشرطة وازدحام الناس بسببهم فقلت بدهشة " ماذا يحدث هنا !! "
اصدم حينها أحدهم بنزار بسبب الازدحام وكاد يوقعني فتمسكت بعنقه على صوته قائلا " سما ألم أقل تمسكي جيدا "
لذت بالصمت أشعر بالإحراج من تشبثي بعنقه ومن تصرفاتي اليوم التي جميعها لم تعجبه لكني لحظتها شعرت حقا أني تمنيت لو أن دعاء ورهام هنا فما سيكون موقفهما يا ترى
ثم سرعان ما مات ذاك الشعور بالنشوة حين تذكرت كلماته حين قال ( الحقيقة لن يقتنع بها أحد ) وهو يعني بالتأكيد أنه لا يحبني كما تعتقدان
فنزلت دمعتي دون شعور مني فأبعدت يدي ومسحتها فقال وهو ينزلني عند قسم الطوارئ " هل تألمك كثيرا "
هززت رأسي بلا دون كلام فدفع الباب وأدخلني حتى السرير فجلست عليه واقتربت إحدى الممرضات قائلة " ما المشكلة "
قال نزار " استدعي لنا طبيبا "
نظرت ليدي وقالت " يمكنني القيام بذلك هي وضيفتي "
تأفف وقال " يا آنسة الطبيب لو سمحتِ "
قالت بضيق " ترى بنفسك حال المستشفى يعج بالشرطة منذ يوم الأمس ووصلنا اليوم ثلاث حوادث سير كلها لعائلات "
قال مغادرا الغرفة " سأجلبه بنفسي إذا "
لوت هي شفتيها وتمتمت بضيق " لا أعلم لما الوسيمين أسلوبهم سيء دائما "
ثم نظرت لي واقتربت مني وقالت " أرني يدك " خبأتها في يدي الأخرى وقلت " سيغضب مني اتركيه حتى يرجع أولا "
قالت مغادرة الغرفة " هذا ما يقوي الرجال عليكن خوفكن الزائد منهم "
تساندت بالسرير لأن شعور الإغماء بدأ يزداد والدماء عادت تملأ الشاش مجددا فدخل حينها نزار يتبعه الطبيب
وسحب الكرسي وجلس أمامي قائلا " مدي يدك لأراها "
مددت له يدي قائلة " أشعر بدوار "
وقف وقال " يبدوا فقدتِ دما كثيرا سنحقنك بالمغذي "
سحب حامل المغذي نحوي وعلق فيه واحدا وحقنني به
بسرعة في يدي السليمة ولم يفتحه ثم فتح الشاش ونظر للجرح
وتحرك قائلا " يلزمه ثلاث غرز أو أربع تقريبا " توجه للأدراج في الغرفة وأخرج أشياء وضعها على طاولة وسحبها نحونا وعقم الجرح كثيرا بادئ الأمر ثم بدأ بخياطته
ومن أول غرزه شعرت بألم فضيع رغم أنه رش كف يدي ببنج موضعي فقبضت بيدي الأخرى على السرير بقوة وأنا أتألم وهو يخيط باقي الغرز
حتى شعرت بيد نزار على كتفي تمسح عليه ببطء ويده الأخرى تمسك ذراعي المصابة وأنيني المتوجع يزداد
فأمسكت طرف سترته بيدي اليمنى ودفنت وجهي فيها وقد بدأت بالبكاء فقال الطبيب " تحملي قليلا نكاد ننتهي "
فانتقلت يد نزار من ذراعي لرأسي يمسح عليه قائلا " قليلا فقط يا سما إنها الأخيرة "
بعد ذلك شعرت بالطبيب يمسح بشيء على الجرح فأبعدت وجهي عن سترة نزار ونظرت له فكان قد بدأ بلف الشاش عليها قائلا " عليكم المجيء لتغييره مرة كل يومين أو ثلاث كحد أقصى "
أنهى لفه وفتح المغذي ثم فتح دفترا كبيرا وأخذ بياناتي ونزار يعطيها له ثم أغلقه ونظر لنا وقال مبتسما " أليست صغيرة على الزواج "
قال نزار من فوره " لسنا متزوجان "
يبدوا أغلب الرجال مقتنعون بهذه النظرية وليس نزار وحده
وقف الطبيب وقال ضاحكا " لا تشبهان بعضكما لم يخطر ببالي أن تكونا شقيقان "
ثم اقترب مني ورفع وجهي له وطلب مني أن أفتح فمي وأخرج لساني وفحص لي عيناي ثم قال " لا علامات لفقر دم وستكونين أفضل , لقد خف الدوار أليس كذلك "
قلت بهمس " قليلا "
قال وهو يتأكد من يدي " حاولي أن لا تحركي يدك قدر الإمكان يا سما كي لا تنفتح الغرز حتى يلتئم الجرح على الأقل "
ثم نظر لنزار وقال " أجلب لها عصير برتقال , أنت ترى الفوضى في المستشفى لكنا أحضرناه لها "
هز له رأسه بحسنا ، وخرج الطبيب وقال نزار " سأذهب لجلب العصير وأعود سريعا "
قلت بخوف " لا نزار لا تتركني وحدي "
تنهد وقال " سأتحدث مع أحدهم ليجلبه سأكون هنا عند الباب حسنا "
هززت رأسي بالموافقة وغادر وهو يجيب على هاتفه قائلا " نعم يا أمي إنها معي لا تقلقي وسنعود قريبا "
ثم خرج وسمعته يتحدث مع أحدهم ثم عاد للداخل واقترب مني قائلا " نامي على السرير يا سما سيكون أريح لك "
اتكأت عليه للخلف ونظرت للمغذي وقلت " هل سيأخذ وقتا كثيرا "
جلس على الكرسي وقال " ساعة ونصف كحد أدنى "
* *
بقيت عيناها معلقتان في المغذي لوقت وكأنها تنتظر أن ينقص ولو قليلا , طرق حينها أحدهم باب الغرفة ثم فتحه فكان الرجل الذي وجدته في الخارج وفي يده كيس به علبة عصير كبيرة وأكواب بلاستيكية
فوقفت من فوري وأخذته منه قائلا " شكرا لك يا أخي أسأل الله أن لا يرد لك طلبا "
قال مبتسما " لا شكر على واجب وحمدا لله على سلامتها " ثم غادر من فوره فأغلقت الباب وعدت نحوها وأخرجت العلبة وفتحتها وملئت منها أحد الأكواب ومددته لها فأخذته مني وقالت بهمس " شكرا "
ثم سمت الله وشربته ووضعت الكوب على الطاولة بجانبها فقلت " عليك أن تشربي واحدا آخر "
هزت رأسها بلا فقلت بضيق " سما عليك شربه الآن "
نظرت للأسفل بخجل وقالت " لا استطيع سأحتاج الحمام حينها ولن أستطيع الذهاب له "
أغلقت حينها العلبة ووضعتها على الطاولة بجانبها وعدت جالسا على الكرسي من جديد ولا شيء سوا الصمت
غفت سما بعد قليل ونظرت للمغذي فكان في بدايته جيد أنها نامت فالنوم سينسيها الانتظار لساعتين فما يزيد
رن حينها هاتفي فأسكته سريعا وكانت والدتي فأجبت عليها قائلا بصوت منخفض " نعم يا أمي "
قالت في الفور " لم يهدأ لي بال بني ما الذي أخرجكم وسما لا تخرج إلا للضرورة "
قلت بشبه همس " لقد جرحت نفسها بالسكين وأخذتها للمستشفىً وخاطوا لها الجرح وحقنوها بالمغذي وهي نائمة الآن "
قالت بصدمة " يا إلهي لم تجرح نفسها سابقا وهل الجرح بليغ "
قلت " أربع غرز , سنعود للمنزل ما أن ينتهي المغذي "
قالت بقلق " خذ حذرك بني واعتني بها جيدا "
قلت بهمس " لا تقلقي وداعا الآن "
ثم أنهيت منها الاتصال وتنهدت بضيق , يبدوا سما توترت من مقابلة رهام واتهاماتها لنا فما كانت ستجرح نفسها اليوم تحديدا إلا بسبب ذلك
لا أعلم أي مرض يصيب الفتيات هل من الضرورة أن أحب فتاة فقط لأنها تعيش معنا !! وهل كل فتاة ستبقى عندنا لفترة سأحبها !
وما كان قصد رهام حين قالت ( لم أصدق حين سمعت أنك بت تهوى المراهقات ) كيف علمت عن سما ومن أخبرها !
مؤكد دعاء فهي صديقتها لكن ما مصلحة دعاء لتقول ذلك وما الذي عنته سما بأنها قد تعبت منهما ! هل تحدثت دعاء معها أيضا
نظرت لملامحها النائمة بهدوء وتنهدت بحيرة , كم أخشى أن يصيبك مكروه عندي يا سما وكل ما أتمناه أن أعيدك لأهلك سالمة وبدون ولا خدش صغير قد أحاسب عليه واتهم بالإهمال رغم أني أحرص عليك أكثر حتى من نفسي
ما يحيرني أنها لم تتساءل عن رهام ومن تكون بل مثلت الدور أمامها وكأنها تعلم بما يجري ! هل أخبرتها والدتي عنها يا ترى ؟ لا خيار غيره فهما معا طوال النهار خصوصا قبل أن تعود سما لدراستها
وكم مرة كانتا تتحدثان وحين انزل السلالم تسكتان , وموقف سما اليوم غريب كذلك توقعتها ستدافع عن نفسها وتقول أن لا شيء بيننا مما قالته رهام لكنها خانت توقعاتي بل وتصرفت بجرأة لم أعهدها فيها قبلا وواجهتها بقوتها الدفينة داخلها ,
القوة التي تحملت بها كل ما مرت به , إنها كالطاقة العجيبة لا تخرج منها إلا وقت اللزوم ولا يمكنك أن تتوقع من شخصية هادئة وخجولة مثل سما أن تكون لديها كل هذه القوة لمواجهة الصعاب
بعد وقت وقفت وفتحت باب الغرفة ووقفت أمامها لعله يمر الوقت سريعا , لمحت بين ازدحام الشرطة بعيدا جابر يقف بينهم
فنظرت حولي ، وتحدثت مع أقرب الواقفين أمامي قائلا " هل ستبقى هنا طويلا "
نظر لي وقال " نصف ساعة تقريبا "
قلت " توجد فتاة في هذه الغرفة في سن الخامسة عشرة بحجاب أبيض وعينان زرقاء لا تسمح لها بالخروج حتى أعود , سأكون هناك قريبا عند تجمع الشرطة حول ذاك الرجل باللباس الرسمي "
هز رأسه بحسنا ، ثم نظر لساعته وقال " لا تتأخر كثيرا فقد أغادر في أي وقت "
تحركت قائلا " لا تقلق قليلا فقط وأعود "
توجهت نحوهم بخطوات سريعة حتى وصلت عندهم وقلت وأنا أجتازهم " المعذرة قليلا "
نظر لي جابر وقال باستغراب " نزار ماذا تفعل هنا !"
صافحته وقلت " بل أنت ما الذي تفعله هنا "
نظر جانبا وقال " لدينا حالة مهمة في هذا المستشفى " ثم نظر لي وقال بهمس فهمته فقط من حركة شفتيه " عفراء "
انفتحت عيناي من الصدمة وقلت " وجدتها "
هز رأسه بنعم وقال " لكنهم قتلوا زوجها ويريدون قتلها أيضا وبأي طريقة "
نظرت لعيناه بتركيز وقلت " إذا سما في خطر حقيقي "
هز رأسه بنعم ثم قال " ما الذي جاء بك هنا هل والدتك معك "
قلت " لا ... سما جرحت يدها وجلبتها هنا وهي في أحد الغرف هناك في قسم الطوارئ "
تغيرت نظراته للقسوة وفرقع بأصابعه لثلاث رجال من المحيطين به وقال " تتبعونه حالا وتحرسون الغرفة حتى يغادروا ، ولا تلفتوا الانتباه للغرفة المحددة "
ثم نظر لي وقال بضيق " هم منتشرون مثلنا هنا في المستشفى كيف تتركها وحدها يا رجل "
نظرت للخلف من فوري فكان ذاك الرجل ما يزال واقفا مكانه وعيناه على هاتفه
فتركتهم وعدت جهة الممر مسرعا ورجال الشرطة يتبعونني حتى وصلت وفتحت الباب فكانت نائمة مكانها فتنهدت براحة ثم التفت لهم وقلت بصوت منخفض " ما تزال هنا "
هزوا رؤوسهم بالموافقة وانتشروا في الممر وعدت أنا للغرفة وأغلقت الباب خلفي ولعبت بي الهواجس وكلما فتح أحدهم الباب خفت أن يكون منهم وتعرف عليها أو يعرفها
ولم أرتح إلا حين شارف المغذي على نهايته فنزعته منها بنفسي فلن أستطيع مفارقة الغرفة لأنادي إحدى الممرضات ثم هززتها قائلا بهمس " سما استيقظي "
فتحت عيناها ونظرت من فورها لقارورة المغذي ثم جلست فسكبت لها كأسا جديدا من العصير وأعطيتها إياه فشربته على دفعات كعادتها
وقفت ولبست حدائها وخرجنا وذراعي تحيط بكتفيها وكأن ثمة من سيسرقها مني , لو فقط تنتهي كل هذه المشكلة وأعيدك لأهلك يا سما ليرتاح بالي وضميري
ركبنا السيارة وخرجنا من المستشفى وبعد مسافة قليلة نظرت لها ثم للطريق وقلت " هل حدثتك والدتي عن رهام "
قالت بعد صمت ورأسها للأسفل " سألتها عن مرضها فحكت لي أنه كان لديك خطيبة اسمها رهام كنت ستتزوجها لتسافر وتدرس وهي تبقى معها لتتمكن من إجراء العملية لها "
قلت بهدوء " فقط "
نظرت لي وقالت " هل تصدقني إن أخبرتك "
أوقفت السيارة حينها عند المنزل ونظرت لها وقلت " بل أثق في صدقك أكثر من نفسي "
نظرت لي مطولا بصمت ثم أخفضت نظرها وقالت " دعاء أخبرتني عنها أيضا "
بقيت أنظر لها بصمت وصدمة لوقت ، ثم قلت " وما شأن دعاء وبما أخبرتك !! "
نظرت لي وقالت " هل تذكر ذاك اليوم حين ذهبت وخالتي للمستشفى وطلبت منك ألا تتركوني وحدي "
هززت رأسي بنعم وقلت " أجل اذكره "
أخفضت نظرها مجددا وقالت " جاءت دعاء هنا ودخلت وبدأت تقول لي أشياء لم أفهمها بادئ الأمر وتحدثت عن خطيبة لك كنت تحبها وأنها عادت
وأنك لم تنساها لذلك لم تتزوج وقالت أنه عليا أن لا أفكر في أن استحوذ على قلبك وأنها تنصحني لأنها تريد مصلحتي فقط "
بقيت أنظر لها مصدوما لوقت ، فرفعت نظرها لي وقالت " تصدقني أليس كذلك "
تنهدت بضيق وقلت " بالتأكيد أصدقك وما الذي قلته أنتي لها "
قالت " قلت لها أنها أمور تخصك وحدك وليس علينا الحديث عنها ولا التدخل فيها
فسألتني إن كنت طالبة لديك وتم طردي من المدرسة وحين سألتها كيف علمت قالت أنك أنت من أخبرها "
قلت بهمس مصدوم " كاذبة "
قالت من فورها " اعلم أنها كانت تكذب "
قلت بحيرة " ومن أخبرها إذا "
رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم "
فتحت الباب وقلت " سأنزل أنا أولا ولا تنزلي حتى أفتح الباب حسنا "
ثم نزلت من فوري وفتحت باب المنزل وانتظرتها حتى دخلت قبلي وتوجهت من فورها لغرفة والدتي بالطبع فتبعتها ودخلت خلفها فكانت تجلس بجوارها على السرير
فوقفت عند الباب وقلت " سأنام قليلا ولا تحاولي إعداد الطعام يا سما ولا تحركي يدك كما قال الطبيب وحين استيقظ سأخرج لجلب الطعام وسأطهو أنا الأيام القادمة "
قالت والدتي ضاحكة " سنعود للبطاطا المقلية واللحم المشوي "
قلت مبتسما " لقد قررت أن أتعلم من سما طريقتها كي لا تتعبيني فيما بعد , عن إذنكما الآن "
وصعدت بعدها لغرفتي ودخلتها وضربت الباب خلفي بقوة يستحيل أن تكذب سما ولا أريد أن تدخلني الشكوك في ذلك ولن تكون مثلهما بالتأكيد
لقد جُنّت دعاء كيف تختلي بالفتاة وتقول لها كل هذا الكلام ومن الذي زرع في دماغها فكرة أني قد أحب سما بل من أين علمت أن سما كانت إحدى طالباتي وتم طردها
إن واجهتها فستنكر بالتأكيد ولا دليل لدي ولا لدى سما على ذلك خصوصا أننا كلانا أنا وأمي كنا خارج المنزل حينها
لا أستغرب الآن أن تكون فتشت غرفة سما بل وحتى غرفتي , استحممت وغيرت ثيابي ونمت من فوري لأني استيقظت مبكرا
ولم أستيقظ إلا على صوت جرس المنزل يقرع باستمرار فغادرت السرير والغرفة ووقفت عند بداية السلالم وقلت لسما المتجهة نحوه " لا تفتحيه يا سما سأنزل أنا له "
عادت من فورها لغرفة والدتي وعدت أنا لغرفتي غسلت وجهي ثم نزلت وفتحت الباب فكان حسام فصافحته مبتسما وقلت " كيف حالك وما جاء بك الآن هيا أدخل "
دخل وقال ضاحكا " ثلاث أسئلة دفعة واحدة !! يفترض بهم تعيينك كمذيع في التلفاز "
أغلقت الباب ودخلت خلفه وقلت ضاحكا " هذا لأني استغربت قدومك فقط "
وقف عند غرفة والدتي وحمحم وقال " هل أدخل يا خالتي "
جاء صوت والدتي قائلة " تفضل بني "
دخل وأنا اتبعه قائلا " وما تراني أمامك عمود كهرباء كنت تركتني آخذ لك الإذن "
صافح والدتي وسما الجالسة على السرير ثم التفت لي قائلا " أولا أعمدة الكهرباء في الشارع فقط "
ثم ضحكوا ثلاثتهم وتابع قائلا " ثانيا أنت أيضا يلزمك أخذ الإذن لوجود فتاة غريبة عنك "
قلت ببرود " سما قريبتي وليست غريبة عني مثلك "
ثم قلت مغادرا الغرفة " سأصلي العصر وأعود لك "
صعدت لغرفتي توضأت وصليت ثم نزلت لهم على صوت ضحكات حسام وكأنه بلع جهاز ضحك
وقفت عند الباب وقلت " سأخرج لأحضر الطعام هيا لترافقني "
تجاهلني وقال " لا أريد الخروج سأنتظرك هنا معهما "
نظرت لهما وقلت " هل تريدان شيئا معينا "
قالت سما من فورها " بيتزا "
ابتسمت وقلت " لم يتغير ذوقك أبدا وأنتي يا أمي "
قالت مبتسمة " أي شيء بني لا فرق عندي "
هممت بالمغادرة فقال حسام " هيه أنت لم تسألني "
قلت مغادرا " أعرف ذوقك في الطعام جيدا برغر حارة "
ثم خرجت وجلبت الطعام سريعا وعدت للمنزل ودخلت وحسام لازال يقرقر كالمذياع ، فوقفت عند الباب وقلت " لا أعلم كيف لا ينتهي الأكسجين من رئتيك "
ضحكا سما ووالدتي فنظر لي وقال بضيق " نعم شوهتم العروس وتشوه سمعتي أيضا "
تجاهلت ما يلمح له فوقفت سما واقتربت مني لتأخذ الأكياس فقلت مغادرا " أنا سأجهزها , عليك أن لا تحركي يدك كما اتفقنا "
تبعتني قائلة " سأساعدك إذا "
دخلت المطبخ ووضعت الأكياس على الطاولة وبدأت سما بإخراج الأطباق بيد واحدة ومن ثم الكؤوس
فقلت وأنا منشغل بالأكياس " أحضرت البيتزا بلحم الدجاج كما تحبينها "
وصلني صوتها قائلة " خشيت بالفعل أن تنسى ذلك "
دخل حينها حسام قائلا بابتسامة واسعة " من اليوم أنا أيضا أحب البيتزا وبلحم الدجاج أيضا "
خرجت حينها سما تحمل الصينية التي بها الكؤوس والعصير بيد واحدة مسندة لها بذراعها الأيسر
فنظرت له وقلت ببرود " الفتاة تخجل كثيرا وأنت لا حسيب على لسانك ففرق بين المزاح والجد "
وضع يده على كتفي وقال بابتسامة " ما بك يا رجل لا تتزوجها ولا تتركها لغيرك "
هززت رأسي بيأس وقلت " عندما تصبح عند أهل والدها أخطبها منهم وتفاهم معهم ، أما الآن فاترك الفتاة وشأنها ولا تحاول أن تتلاعب بمشاعرها لأجل ذلك "
حمل صينية منهم وقال مغادرا المطبخ " أنا لا أتلاعب بمشاعرها فغير أنت نظريتك القديمة عن المراهقات "
حملت باقي الأطباق وخرجت بها من المطبخ فكانا قد أدخلا الطاولة للداخل وتناولنا الطعام وأصرت سما أن تغسل هي الأواني بيد واحدة ولم ترضى حتى أن أساعدها
فجلست ووالدتي وحسام نتحدث حتى وقف فجأة وغادر الغرفة , ظننته سيدخل الحمام لكني لم أسمع بابه يغلق , لقد توجه للمطبخ إذا فهي فرصته ليكونا وحدهما ,
نظرت جانبا وتنفست بضيق من تصرفاته وخصوصا هذه , ليس اهتماما بسما ولكن لا أريد أن يتلاعب بها حقا وهي بهذا السن لا تعرف حتى كيف توجه مشاعرها ويسهل خداعها
أيقضني من أفكاري صوت أمي قائلة " يبدوا حسام مهتما حقا بسما "
قلت بابتسامة سخرية " بل تبدوا الزيارة كلها من أجلها "
قالت بهدوء " وما يضايقك في الأمر , سما فتاة عاقلة أكثر من سنها وأنا أفهمتها كل شيء "
نظرت لها باستغراب ثم قلت " كل شيء عن ماذا "
قالت ونظرها على الباب المقابل لها " كل شيء لا تعرفه كي لا تعرفه من المدرسة أو من رجل دنيء أصل يتلاعب بها "
نظرت للأرض وقلت " لا احد يريد أن يقتنع بتفكيري ولا اعلم لما العيب بي أنا "
قالت ببرود " لأنه تفكير خاطئ وإن كان أنت لا يعنيك كل مميزاتها كزوجة فأنا سأتحسر حين ستضيع منك لغيرك "
تنهدت بضيق ولذت بالصمت فأنا اعلم أن هذا الحديث لا جدوى منه , هذا ووالدتي تعلم أني أعرف عائلتها وثرائهم الفاحش وأنها صغيرة وهي كانت في سنها أو يزيد بعام حين تزوجت وتعلم معنى الزواج المبكر
لا وزواج مصلحة لتبقى تخدمنا طوال العمر , ثم أهلها لن يرضوا بهذا فهل سنعيش نحن بأموالها , هذا إن قبلوا بنا ولم يرموا لي أبنائي منها في الشارع لأعود للصفر أسوء مما كنت وأبحث عن زوجة وأم لهم
أعادني صوتها مجددا من أفكاري وهي تقول بهدوء " جربت الراشدات العاقلات فما كانت النتيجة "
وقفت وقلت " أمي لننهي الحديث في هذا الأمر رجاءا "
أبعدت نظرها عني وقالت ببرود " لو كان لي ابن غيرك لما تركتها تضيع مني وأتمنى أن لا تندم يوما يا نزار فالفتاة أمامك الآن ولا أحد تحبه لكن إن خرجت من يديك لا تعلم حينها شعورك كيف سيكون فكم من مشاعر دفينة خرجت وقت فقدنا لمن كان أمام عينينا "
قلت بضيق " ما هذا الذي تقولينه يا أمي "
قالت ببرود أكبر " لا شيء اعتبر نفسك لم تسمعني "
خرجت حينها من عندها متضايقا , ما هذا الذي تهذي به أنا أحبها وأكتشف ذلك فيما بعد ! لا أعلم كيف لا ترى العشرين عاما التي بيني وبينها
وقفت عند باب المطبخ وقلت " حسام لنخرج قليلا "
وقف من كرسي الطاولة وقال " الله أكبر على الحسد لم تتركني معها دقيقتين "
قالت سما مغادرة من أمامي " عذرا منكما "
غادر أمامي قائلا " هل ارتحت يبدوا أنك أخفتها مني "
غادرت خلفه صامتا لا أريد التحدث أو بمعنى أصح التشاجر معه
* *
بعدما غادر حسام ونزار عدت لخالتي وساعدتها لتدخل الحمام وتتوضأ لتصلي المغرب ثم صعدت لغرفتي وجهزت أغراضي المدرسية للغد بصعوبة
فكم من نعم لدينا أنعم بها الله علينا ولا نحصيها فكم هو صعب فعل أي شيء بيد واحدة
جلست بعدها في غرفتي ودرست قليلا ولم يرجع نزار إلا متأخرا وخالتي قالت أنها لا تريد أن تتعشى لأننا تناولنا الغذاء متأخرا
وبعدما أنهيت كل دروسي نزلت لها ووقفت عند الباب وقلت " خشيت أن تكوني نائمة "
قالت مبتسمة " لن أنام قبل أن نقرأ في روايتنا لا تخافي "
دخلت مبتسمة وأخذتها منها وجلست وفتحتها بصعوبة طبعا حمدا لله أنها ليست يدي اليمنى هي المصابة لأني كنت أمسك السكين بها لكنت الآن في مشكلة أكبر
فتحت حيث توقفنا وقرأت (( ركبت السيارة في صمت بعدما اعتذر عما قاله ولم أستغرب كيف بذر منه هذا التصرف فمؤكد والدته هددته أنها ستخبر عمي رياض
عدنا في صمت تام وأنا انظر للنافذة طوال الطريق , وقفنا عند الإشارة وكانت السيارة المجاورة لنا ناحيتي فيها فتاة حيتني بيدها فركزت عليها قليلا لأن لا إنارة سوى من أعمدة النور فكانت جوجو
فابتسمت لها ابتسامة باهتة ثم انطلقنا وقال فراس " هل تعرفينها ؟؟ "
قلت ببرود " لا "
قال " ولما حيتك إذا "
قلت ببرودي ذاته " تبدوا شبهت علي "
قال بلهجة غريبة " آه ظننت فقط "
فنظرت له في المرآة الأمامية فكان ينظر لي فعدت بنظري للنافذة , يبدوا يعلم عن علاقة أشرف بها وفهم الآن أني تعرفت عليها من خلاله أو هي تعرفت علي
قالت والدته بعد قليل " متى قال لك عمك مصطفى سيأتي وابنته "
قال بهدوء " خلال هذه الأيام "
قالت مباشرة " وخالك وجدّك أيضا قال سيزورنا قريبا "
قال بذات هدوءه " جيد فنحن لم نره من مدة "
جميل لما هذا الهدوء يختفي معي , لأول مرة أسمع له نبرة غير الغضب والحدة والغيظ والسخرية أيضا
قالت عمتي " ولما لا تزورونه إن كان يعنيكم أمره "
قال ببعض الضيق " أمي تعلمين أني أكثر من يزوره ويسأل عليه وعلى جدي فلما اللوم الآن "
قالت ببرود " أعلم أنك وحدك تفعلها لكن علينا أن نشعر بكبار السن لأنهم يصبحوا حساسين جدا "
خرجت حينها من صمتي قائلة بحماس " متى ستذهبين له يا عمتي ؟ أريد أن أذهب معك " أنا أحب كبار السن كثيرا كم هم رائعين في كل شيء حديثهم وحركاتهم وحتى طريقة أكلهم ونومهم
قال فراس " سأزوره ووالدتي قريبا "
انطفأ حماسي وقلت ببرود " غيرت رأيي "
قال بلامبالاة " كما تريدين "
وصلنا حينها للمنزل ونزلت خالتي وأنا بقيت أتأكد من أنه لم يبقى شيء تحت كرسي السيارة من عدة ماكياجي
ثم هممت بالنزول حين استوقفني صوته قائلا " انتظري قليلا "
خرجت من الباب قائلة " يكفيك استجواب لي "
نزل هو أيضا وقال مستندا بذراعه على بابه " ومن قال أني سأستجوبك "
ضربت باب سيارته بقوة وقلت بصوت حازم مرتفع قليلا وأنا مغادرة من أمامه " قسما برب الكعبة يا فراس إن سحبتني من ذراعي واستجوبتني ثانيتا سأخبر والدك وعلى الفور "
ودخلت باب المنزل عند آخر كلمة قلتها ثم صعدت لغرفتي على الفور , استحممت وغيرت ثيابي ولبست بيجامة النوم ونمت فورا ولم استيقظ إلا وقت صلاة الفجر
صليت وجلست أتابع التلفاز فأنا معتادة على نظام النزل الداخلي ... الإفطار عند وقت الفجر والمكتبة تفتح ذاك الوقت فقط والإضاءة تفتح في جميع الغرف وكأنهم يجبروننا على الاستيقاظ
وجدت فيلما فكاهيا فجلست لساعتين أشاهده واضحك ثم نزلت للمطبخ بملابس النوم فالجميع نائم بالتأكيد
دخلت وفتحت الثلاجة أخرجت العصير والشطائر ثم حمصت الخبز وأخرجت الزبد والمربى وأعددت الشاي وجلست أتناول الطعام
حتى دخل وائل ونظر لي باستغراب , كان بملابس أنيقة كعادته ورائحة عطره تدخل قبله وتخرج بعده ويبدوا سيذهب للجامعة لَما كان استيقظ الآن
تعمدت أن لا انظر ناحيته فوقف ونظر بكل اتجاه وقال " أين الخادمة ؟؟ "
قلت ببرود " لم أجد أحدا هنا "
تأفف وتمتم قائلا " أمي تفسد أطباع الخادمات دائما بتدليلها لهن "
أشرت للطعام أمامي وقلت " أجلس وتناول فطورك معي "
قال وهو يتوجه ناحية الباب الخارجي للمطبخ " أنا لا آكل إلا البيض المقلي بالطماطم في الفطور "
ثم فتح الباب ونظر جهة غرفة الخادمة هنا ثم دخل وأغلق الباب بقوة فوقفت وقلت " سأعده لك سريعا هيا أجلس "
قال ويديه وسط جسده " لن يكون على طريقتها وأنا اعتدت عليها "
سحبته من ذراعه جهة الطاولة قائلة " أجلس أنت فقط وسترى إن لم يكن أفضل من طريقتها "
حضرته له بطريقة الأومليت فأنا أحب إعداده وجعلته بالطماطم كما يحب وبدون جبن ثم وضعته أمامه فنظر له مطولا ثم قال " ما هذا ؟؟ "
قلت بابتسامة " أومليت لكن بطريقة مختلفة كما تريده "
وقف وقال " هل تتعلمين الطهي في يا حمقاء "
قلت بعبوس " هل هذا جزائي , تذوقه على الأقل "
عاد للجلوس قائلا ببرود " أمري لله فلا خيار أمامي غيره ولا أحب الخروج دون إفطار "
عدت للجلوس مكاني لأنهي إفطاري وأنا أراقبه كل حين فأكله كله ثم وقف وقال " ليس سيئا كثيرا "
ثم غادر من فوره , وقح أكله كله ويقول ليس سيئا كثيرا أي أنه سيئ بعض الشيء حتى أنه لم يشكرني
أنهيت إفطاري على دخول الخادمة التي شهقت وقالت بصدمة " فوضى ومن السبب "
ثم أشارت لي قائلة " أنت السبب فتاة وسخ "
وقفت وقلت بضيق " وأين أنتي تنامين طوال الوقت يا نظيفة "
نظرت للفوضى وحركت رأسها بقلة حيلة ثم تحركت جهة المغسلة قائلة " أنا يشتكي لسيد وسيدة منك "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بابتسامة جانبية " وأنا يوسخ لك المطبخ كل صباح "
دخل حينها فراس ، وجلس على الطاولة قائلا " ماري الفطور بسرعة يا كسولة "
نظرت له وقالت مشيرة بيدها لي " هذا يسبب فوضى هنا وسخ ولا فطور اليوم "
وقف وقال مغادرا المطبخ " أمري لله "
وأنا أتبعه بنظري بذهول , هل هي الخادمة هنا أم هم !! وأين عصبيته تلك تختفي أمامها , وما هي إلا لحظات وسمعت أصوات لطيور أو ما شابه في الخارج
فصرخت الخادمة وقالت وهي تركض جهة الباب " فراس مجنون سيرى من سيد وسيدة سعاد "
وخرجت راكضة وأنا اضحك عليها , عرف كيف يعاقبها ضحكت كثيرا ثم قلت " يبدوا لديه بعض المنافع السيد كونان "
" منافع مثل ماذا يا سيدة رُدين "
نظرت للخلف مصدومة لأجد وائل متكأ على باب المطبخ وينظر لي ))
أغلقت الرواية وقلت " تسبب لنفسها المشاكل دائما "
ضحكت خالتي وقالت " بعض البشر هكذا لا يرتاحون إن لم ينكدوا على أنفسهم "
وقفت وقلت ونظري على يدي المجروحة " أشعر أن الألم عاد لها "
قالت وهي تفتح كيس أدويتها " هذا لأن مفعول الحقنة المسكنة انتهى "
ثم أخرجت شريطا وأعطتني منه حبتين قائلة " تناوليهما لتنامي دون ألام وفي الصباح ستكونين أفضل وإن عاد الألم لها فلا تذهبي للمدرسة "
هززت رأسي بحسنا وأخذتهما منها وقبلت خدها وأطفأت النور قائلة " تصبحين على خير "
ثم توجهت للمطبخ أخذت كوبا من الماء وبلعت الحبتين وصعدت لغرفتي ونمت لأن الألم زال مجددا
عند الصباح استيقظت وجهزت نفسي ونزلت , كان نزار من أعد الإفطار فدخلت الغرفة وقلت " صباح الخير "
قالت خالتي مبتسمة " صباح النور ، تعالي نحن اليوم أميرتان ولدينا من يخدمنا "
قال نزار بضيق " أنتي أميرة دائما "
جلست على الطاولة مبتسمة وقالت خالتي بضيق " كنت خادمة لسنوات فمن جعل منك رجلا طويلا عريضا غيري يا ناكر الجميل "
نظرت لخالتي وقلت لها " هل كان زوجك طويلا وعريضا ، هكذا فأنتي قصيرة "
تنهدت وقالت " كان وسيما وطويلا وتعشقه كل فتيات الحي "
ضحك نزار ولم أستطع إمساك ضحكتي فقالت بضيق " نعم تسخران مني , من أين جئت أنت بوسامتك إن لم يكن والدك كذلك "
ضحك نزار كثيرا ثم قال " ضننت أنك أنتي كنتي الجميلة وورثته منك كما تقولين "
نظرت لي وقالت ببرود " انظري لغروره يقول ورثته منك يرى نفسه جميلا حقا "
همست لها مبتسمة " ممن ورثه بصراحة "
غمزت لي وضحكنا كلينا فقال بضيق " أضحكاني معكما "
وقفت وقلت " شيء لا يخص الرجال "
وقف وقال " علمت أنك لن تخرجي من هنا إلا نسخة عن والدتي "
ثم خرج ونحن نضحك عليه وصعدت بعدها لغرفتي أنزلت حقيبتي وغادرنا حتى وصلنا باب المدرسة
نظر لي وقال " سما كوني حذرة لقد تحدثت مع مدير المدرسة وجابر وسيسمحون لك بجلب هاتفك رغم أنه ممنوع فلا تريه لأحد وأحضريه معك منذ الغد "
هززت رأسي بحسنا فقال " إن تعبتِ من يدك أخبري المدير ليتصل بي وسآتي لأخذك للمنزل ولا تحركيها أبدا "
قلت بهمس " حسنا "
ثم نزلت ودخلت المدرسة ومر اليوم على خير وساعدتني ريحان كثيرا كي لا أحرك يدي والغريب أن بتول لم تأتي اليوم ولا تجيب حتى على اتصالاتي رغم أني حاولت كثيرا أن أتصل بها بعدما عدت للمنزل

انتهى الفصل

*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*

➖➖➖➖➖➖➖➖

☆☆☆☆☆☆

أوجاع ما بعد العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن