LEONIDAS PROPERTY|ملكية ليونا...

By Laya6n

31.8K 1.2K 351

كل شيئ بدء منذ تلك الليلة،في تمام الساعة العاشرة مساءاً، كل شيئ بدء عند ولادتها، وعند قيامهِ بإعطائها اسماً، ... More

Intro|مقدمة
1
اقتباس.
2
Songs for part 2 | أغاني
3
4
اعتذار.. ربما؟
6

5

3.5K 147 50
By Laya6n


لا تنسوا التصويت على البارت والإستمتاع به❤️
واتمنى ان تقرأوه بعد الإفطار وتذكروا ان صلاتكم اهم من كتابي هذا🙏💙


~~~

"لكنها جميلة بصورة غير محددة، بصورة خاصة، لا يمكن شرحها بالكلمات، مثل بيت شعر يفلت معناه من المترجم."
- جوزيه ساراماجو.

~~~

-"مرحباً ماما،
لقد مرّ وقتُ طويل بلا زيارتك، وهذا مؤلم،
قولي لي كيف تبدو الأرض من السماء؟ هل هي حقا ما زالت تبدو قاسية رغم انك بعيدة عنها جداً؟"
توقفت برهة لتنثر ورود القرنفل الوردية على سطح القبر ، تلك التي ترمز إلى إشتياق المرء الحاد لمحبوبه،
" لقد إلتقيت به البارحة.." تمتمت وهي تجلس على العشب بقرب القبر المكتوب فوقه بخطٍ أسود كبير وواضح:

"أشكُر ربي على كل ذكرى لك" ،( فيلبي 1:3)
هنا ترقد زوجة محبوبة وأم حنونة والمرأة التي بفضلها أشرقت الشمس أكثر،
ديانا موريغان.

"لقد كان يبدو مذهلاً، أكثر جمالاً من الصور حتى، لكنه بدا غامضاً بصورة مريبة، اكثر غموضاً من الماضي،رؤيته اعادت شيئاً من الطمأنينة الى روحي، الطمأنينة التي فقدتها بعدما فقدتكم، رؤيته من جديد جعلتني أُدرك كم كنت أشتاقُه وكم كنت وحيده بدونه،
ورغم هذٰا، رغم هذٰا كلهُ، لقد كان متوحشاً، لقد آلمني بقدر ما أُثلِج صدري برؤيته، هو لم يحتضنني، لم يبرر لي سبب غيابه، لم يسألني عن حالي حتى،
طوال ليلة البارحة ومنذ غادرت الحفلة وانا افكر، هل يا تُرى كان هذا عبثاً؟
حبي القاتم الذي لم يرى النور بعد - وصدقيني انا لن اجعله يرى النور- عبثاً؟
هل كلماته،حنانه،ذكاءه،ذكرياتنا معا، عبثاً؟
هل احبني حقاً؟ - لا اقصد بهذا الحب العاطفي الرومانسي الذي يجعل المرء لا يغمض جفونه من فرط العشق- انا أقصد الحب الذي يكنه صديق لصديقه او اخ لأخته او حتى إنسان لشخص أخر شاركه جزءا -ولو ضئيلاً- من حياته،
لكنني  وبعد تفكير مُهلِك رأيت نفسي أبدو وكأنني اتوسل عطفه، فقررت أن أنام لكي لا أبدو بعين نفسي ضعيفة.."

نظرت ديڤينا نحوها وهي تستنشق بعضاً من الهواء الكئيب الذي يُحيط بها،
القت نظرة على كم القبور الموجودة حولها، والتي تعود معظمها لعائلة موريغان، ثم لمحت شخصاً خارجاً من كنيسة القديس بطرس التي تتبع المقبرة لها، لكنه بدا لها بعيدا كفاية لتَشيح وجهها عنهُ وتكمل مناجاة أمها بصوتٍ مُرهَق،

" يا ليتك هنا ، لا تعلمين كم اشتقتك يا صديقتي المفضلة الى الأبد، كل هذا الجموع حولي لا يعنيني، من أُريده انتِ، انصحيني من فضلك،
اضيئي طريقي، أنيري مستقبلي، ألهميني الحكمة والقدرة على المواصلة.."
و همست بصوتٍ خافت:" والمغفرة ربما.."

-"آنسة ديڤينا " سمعت صوت تعرفُه، وهالة تحيط بها،

-"أُحِبّكِ سكينتي." همست ديڤينا ببطئ ثم إنحنت قليلا نحو حافة القبر الباردة وقبَّلْتهُ بهدوء،
التفَتْ نحو قس الكنيسة الذي تعرفُه جيداً،
-" الأب جوشوا.." اومئت مُلقيةً التحية عليه، وبسبب الجو الساكن المليئ بالرهبة حولها لم تستطِع الإبتسام له،

-" كيف حالك يا قديسة؟" قال بصوت أبوي حنون يتلائم جيداً مع تجاعيد الشيخوخة التي تملئ وجهه،
إبتسمت بسخرية ثم قالت:
-" صدقني، انا لستُ اهلاً لهذا اللقب ابداً.."

-"صدقي ام لا، أنتِ كذلك..، لا أحد يساعد أطفال الميتم مثلما تفعلين، لا أحد يتصدق للكنيسة مث.."

-" هذا لا يعني أنني قديسة، أنا مليئة بالخطايا، وانت تعلم هذا جيداً.."

-" إغفري لنفسكِ، حتى يغفر لكِ الرب يا إبنتي."

-" أنا أخاف أن أغفر لنفسي يا أبتي، لأنني أُدرِّكُ جيداً أنني سأرتكب الخطايا واحدةً تُلوَّ الأُخرى." اجابته بِصوتٍ محموم، مليئاً بالسئم،

-" هل تعلمين ماذا قال الرب في الأعمال 10:43؟"
وعندما لم تجبه، أكمل بصوتٍ عطوف،
-"يشهد جميع الأنبياء عليه أن كل من يؤمن به يتلقى غفران الخطايا من خلال إسمه.."

-" من خلال إسمِه." همست تزامناً معهُ،
إلا أن شعور سخط النفس الذي كانت تشعر به كلما التقت بالقس جوشوا،لم يتلاشي.

~~~

-"صباح الخير" قالت بصوتٍ لاهث وهي تدخل نحو قاعة الطعام التي كان يتواجد بها كل من أبيها ورفاقها الأربعة والسيدة روبرتس تضع أطباق الفطور على الطاولة امامهم ومعها خادمة أخرى،

-" صباح الخير" رد كل من أبيها ،صوفيا،السيدة روبرتس والخادمة الأخرى معاً،وأومأ رفاقها الثلاث لها كتحية،

-" هل كنتِ تركضين؟" سألتها السيدة روبرتس بصوتٍ حنون وهي تطالع جسدها المبلل بفعل العرق، وشعرها المشعث،

-" نعم،وانا اكاد اموت جوعاً" همست جملتها الأخيرة بحماس طفلة جائعة،

-" تفضلي حبيبتي." أشارت لها بإبتسامة عطوفة وهي تشير نحو مقعدها بجانب والدها الذي يجلس على رأس الطاولة وبجانبها الأخر مارسيلو،

-"أبي.." قالت وهي تقبل خدّهُ بخفة،

-"لقد غطيته بالعرق الأن" قال  مارسيلو بتقزز،

-" لا شأن لك يا بغيض" قالت بصوتٍ متهكم وهي تضع شعرها المبلل على خده حتى تبلله،
-" اللعنة ديڤ توقفي " قال وهو يبعدها عنه،

-" انا لن افعل"

-" لقد إستحممت قبل قليل يا مجنونة" قال وهو يمسك رأسها حتى يثبتها،

-" حقاً " قالت وهي تحدق به بتفاجؤ مبالغ به،
" إذاً لما رائحتك تبدو كرائحة الغنم؟" سألتهُ وهي تزيل يدهُ عن وجهها،

-" هذهِ رائحتك يا قبيحة " قال وهو ينظر لها بتقزز مبالغ به،

أخرجت ديڤينا لسانها لهُ بهدف إغاظته ثم قالت لهُ وهي تضع قطعتين بانكيك في الصحن الخاص بها:
-" من حظك أنني اتضور جوعاً وإلا كنتَ الآن في عداد الموتى.."

-" نعم هذا صحيح." قال بإستهزاء وهو يُقرِّب لها صوص الشوكولاطة السويسرية التي تحبها أكثر من أي شيئ في هذا العالم،

-" شكراً يا بغيض" همست وهي تسكب كمية تكفي اربعة أشخاص غيرها،

-" هل تريدين بعض الفواكه؟ جوز؟" سأل وهو يشرب قهوته،

-" لا، ليسَ اليوم."
قالت وهي ترفع رأسها ملقية نظرة سريعة على باقي  الأفراد الجالسين معها، والذين كانوا مشغولين بشكل كلي بإكمال طعامهم، غير مباليين لكمية الإنفصام التي سمعوها، وبدا انهم قد إعتادوا عليها تماماً،

-" صوفي؟" نادت عليها بصوتٍ هادئ، فهمهمت لها صوفيا كرد على النداء وهي مشغولة في تقطيع عجة البيض بالفطر والموتزَريلا الخاصة بها،

-" هل تريدين بعض البانكيك بالشوكولا الذيذ هذا؟ " قالت بحماس طفلة وهي تشير نحو صحنها المغطى بالشوكلا السائلة،

-" لا،شكراً " قالت صوفيا وهي تهز رأسها يميناً يساراً وتشير نحو صحنها،

-" انت حمقاء، من لا يحب الشوكولاطة؟" تمتمت بصوتٍ مسموع،

-" لا تكثري من الشوكلاطة ديڤ، هذا مضر جدا" نبَّهَ إيثان وهو يشير نحو صحنها،

-" إيثان مُحِق" قال بوتير مورغان وهو يضع لها قطعتين من الفواكه في صحنها،
اومأت ديڤ لوالدها بلُطف وهي تحشو قطعة البرتقال التي وضعها لها بفمها،

-" هل ذهبتي لزيارة والدتك؟" سأل والدها بهدوء وهو يحتسي من كوب الشاي بالنعناع والعسل،

اومئت ديڤينا سريعاً لهُ قبل ان تشرب هي الأُخرى من كوب النسكافيه خاصتها،
-" لماذا لم توقظيني للذهاب معكِ" قال جايكوب الذي توقف عن الأكل سائلاً إياها،
-" لماذا سأفعل هذا؟" سألتهُ بإستفهام وهي تمضغ لقمتها الأخيرة في صحنها،

-" لأنني حارسك الشخصي ربما؟" أجاب جايكوب بإستنكار،

-" لا تُصَدِّق نفسك جاك" قالت وهي تضع قطعة بانكيك أُخرى،
وسمعت شهقة مارسيلو الذي كان يضحك بشدة ساخِراً من جاك،
مما دفعها لضرب ضهره بقوة قائلة:
-" على مهلك، سوف تعلق اللقمة في حلقك و تتوقف عن التنفس وتموت، وانا لا اريدك ان تموت.."

-" فليمت من الضحك أفضل من الموت قتلاً على يدي" قال جاك وهو يسكب بعض العصير لنفسه،

لكن هذا لم يمنع مارسيلو من الضحك بصوت عالي اكثر،
مما دفع أيثان وصوفيا للإبتسام،
-" انت صديقي وليس حارسي الشخصي، بالإضافة الى انك تعلم اني لست بحاجة لحراسة طوال اليوم كطفلة صغيرة."
-" انا اعلم كل هذا الهراء، لٰكنني لا أهت.."

-" انا سأُسافر غداً" قاطع بوتير المقطوعة الصباحية التي تُعاد كل يوم،
-" ماذا؟"
-"لماذا؟"
-" إلى اين؟"
-" خذني معك، لا تتركني هنا معهم" كان هذا مارسيلو خفيف الظل، مما دفع صوفي لضرب قدمه من تحت الطاولة،

-" هل هذه المرّة الأولى التي أسافر بها إلى مكانٍ ما؟" قال بوتير بأستغراب وهو ينظر إليهم،

-" لم يمُر وقت طويل منذ أن عُدْتُ إلى البيت وها انت راحل." قالت ديڤ بحُزن،

-" جميعكم هنا الآن ولهذا انتونيو يريد ان نذهب في رحلة لنُرَّفِه عن نفسنا قليلاً."

-" والخالة اليسا ايضاً؟" سألت ديڤ
اومأَ انتوينو ،
-" لاااا " قالت بصوتٍ عالٍ، " لم تسنح لي الفرصة لآراكم بعد"

-" ليس وكأننا سنهاجر الى الفضاء، سنذهب للحصول على بعض الراحة ونعود" حمحم بقوة مُكمِلاً " ثم هذه فرصة لتبدئي بممارسة العمل في الشركة والتدرب جيدا لتحلي مكاني"

-" حقاً بوتيريوس ؟" سألت ديڤ بإستهزاء، " انت ستذهب في رحلة نقاهة بين البحار وكؤوس الويسكي وستتركني أغوص بين الأوراق لوحدي؟"
نظر لها بوتير بملل ثم قال:
-" لا تبالغي ديڤ، انت متضطرة للبدء بالعمل قبل الإلتحاق بالجامعة على اي حال"

-" هل تريدين قطعة بانكيك أُخرى؟" سألها مارسيلو مُكملاً طعامه،
أشارت له ديڤ بيدها بإنها لا تريد بلا ان تنظر نحوه،

-" حسناً أبي العزيز، لك ما تُريد، الأن بما انكم ثلاثتكم سوف تسافرون، من سيُريني المستندات المهمة الخاصة بالعائلة، لا تقل لي أنه توماس الغبي"

-" هذا الأحمق سيحرق الشركة بدلا عن ذلك" نعم انه مارسيلو الذي لم يتوقف عن التهام الطعام منذ ان إستيقظ،
أجابها بوتير وهو يُرجع كرسيه الضخم للوراء حتى يقف,
-" بالطبع لا، هو الأخر لا يعلم شيئاً بعد"

-" من إذن؟ المستندات المهمة وطريقة الإدارة هي أمور لا يعلمها أحد من خارج العائلتين" سأل إيثان بهدوء،

-" إذاً؟ " تسائَل بوتير مُشيراً للسيدة روبرتيس بإصبعه أن تلحقه للمكتب،

-" لا تقُلها " قال جايكوب بنبرة لا يتكلم بها عادةً مما لفت إنتباه مارسيلو الذي وجهَ انظارهُ نحو بوتير والبقية،

-" ما الذي يعنيه هذا ابي؟ " سألت ديڤ بهدوء وبدت ملامحها مختلفة تماماً عن ما كانت عليه قبل ثواني،

أجابها بوتير بصرامة موجهاً بصرهُ نحوها بحدة،
-" انا أقصد ليو، ليو يا ديڤ، هو الوحيد المتواجد في الأرجاء هذه الفترة"

-" اوو حقاً؟" أجابته ديڤ بتفاجئ مصطنع، " هو الوحيد المتبقي؟ حسناً إذاً، سأُباشر العمل المعتاد حتى عودتكم ومن ثم.."

قاطعها بوتير بهدوء،
-" لن نعود بوقت قريب ديڤ، وانت مجبرة على التعرف على أسرار العمل الخاص بالعائلة قبل الإلتحاق بالجامعة، ليونايدس هو من سيدربك في اول أيامك، وهذا قرارنا النهائي والذي لا عودة فيه."

-" قرارنا؟" اجابته بتساؤل هادئ
-" قراري انا وأنتونيو" قال بوتير بسئم وبدا انهُ بدء يملّ من هذا النقاش

-" يا لهذه الحياة المثير للإهتمام! انا جالسة كالحمقاء وأنتم تُسيرون حياتي بالطريقة التي ترغبوها؟ ها هذا ما ستكون عليه حياتي الأن؟"

-" ديڤ!" قال ايثان بهدف تهدئة الجو المشحون،

-" انا لن أبدأ نقاشات لا معنى لها منذ الصباح الباكر ديڤينيا" اجاب بوتير وهو يسير متجهاً نحو الدرج،

-" اوو ابي لا حاجة لأن ترحل لأنني انا من سأفعل" قالت ديڤ متجهه نحو خارج المنزل ناسية أنها لم تستحم بعد،

-" ديڤ انتظري قليلاً" قالت صوفيا بسرعة ملتقطة هاتفها من على المنضدة قبل ان تهرول نحو ديڤ التي اسرعت محو الخارج وهالتها الغاضبة تلحق بها،

-"ديڤ! على مهلك يا فتاة!" قالت صوفيا بصوتٍ لاهث لاحقة ديڤينا التي كانت تهرول نحو سيارتها اللامبورغيني الحديثة، ذات اللون الأسود اللامع.

رغم نداء جاك وصراخ مارسيلو الا ان ديڤينا لم تعرهم اي اهتمام، كل ما قامت به هو تشغيل محرك سيارتها بقوة مما ادى الى خروج دخان كثيف غطى الأجواء المحيطة.
-" اللعنة!!" قال مارسيلو بصوت عالً،

-" ماذا الأن؟" تحدث جاك ناظراً نحو السماء،

-" واللعنة لا اعلم، ديڤ ستصاب بالجنون على الأغلب، اللعنة عليك ليونايدس!"

~~~
-"ما هذه الفكرة بوتير؟ انت تعلم ان ديڤ لا تستطيع فعل هذا، هي تبغضه"

-" ستعتاد على هذا، هي مجبرة على ذلِٰك."

-" ما هذا الهراء الأن؟ لماذا هي مجبرة على هذا؟ ما خطبك بوتير؟" صرخ
إيثان، وهذا امر نادر الحدوث بالمناسبة،

-" إيثان بُني.." تحدثت السيدة روبرتس وهي تحاول وضع يدها على كتفه، علّها تقلل من حِدّة أعصابه، إلا ان صوت انتونيو الغاضب كان قد أجفلها وأثر رعبها مما دفعها للأبتعاد عن كِلاهما خطوتين للوراء.

-" هل تعتقد انك تعرف مصلحة إبنتي اكثر مني،سيد إيثان؟ هل تعتقد انك تدرك ما يدور بداخلها أكثر مني؟
انا مُدرك تماماً لحقيقة انها تكرَهُه، واللعنة كل من في هذه البلدة يعرف هذا!
لكٰن هذا لا يهم، كل هذه المشاعر هي أمور هامشية في عالمنا،
ديڤينا هي وريثة عائلك مورغان، هل تعلم معنى هذا؟ هل تظُن أن مشاعر غبية كالكُره والمحبة يمكنها ان تتغلب على وظيفة هذه العائلة؟
ديڤ ستوافق على ما قررناه، كلكم ستفعلون، هي سترافق ليون حتى تتعرف على كل شيئ يخص العائلتين،
وهذا ليس لأننا استبداديين كما تظنون ، بل لأنها ببساطة خُلقت لتفعل هذا،
عائلة مورغان خُلقت لتكون موالية لعائلة اليكساندر،
هي مجبرة على الأعتياد على هذا، على ان تتواجد حوله دائماً، تماماً كما انا متواجد حول انتونيو،
لهذا توقفوا عن هذا الهراء، توقفوا عن التحدث بلا تفكير،
سيدة روبرتيس الى الحقي بي الي المكتب."

حسناً، هذا كان كافياً لكي يجعل كل من في القصر صامتاً لثلاث ايام قادمة،
وهذا لعدةِ أمور، أوّلُها أنه محق تمام، هي مجبرة على الأعتياد عليه، هي ستكون حوله طوال الوقت في النهاية فهذِهِ هي وظيفتها،
وثانياً، بوتير موريغان تحدث كما لم يتحدث من قبل! هو مبدئياً، قام بنشرة أخبار التاسعة في نفسٍ واحد، وهذا أمر لا يحدث إلا في اوقات نادرة خلال السنة.

-" نعم سيدي أنا اتية." هتفت السيدة روبرتس بصوتٍ منخفض وأكملت تُناظر ايثان بعدما اختفى بوتير عن الأنظار،
-" ايثان عزيزي، هو محق بالكامل، عليها مواجهته عاجلاً ام اجلاً، لا تقلق من أجلها، ديڤي اقوى فتاة اعرفها." همست له بصوتٍ حنون، ثم ربَّتت على كتفه بعطفٍ قبل ان تركض لغرفة سيدها.

-" اللعنة عليك ليونايدس انتونيو الكساندر." همس ايثان بصوت شاحب وهو مدرك ان كل ما قالوه صحيح بالكامل،
إذا أردت ان تتخطى مخاوفك، واجِهُها.

~~~
واقفاً بِصمتٍ مُهيب،
مكتب يصرُخ عراقة،
زجاج كريستالي شفاف يغطي كامل محيط المكتبه، كاشفاً كل المدينة للناظرين.
بدلة سوداء رسمية، شعرٌ حالك السواد، رموشٌ سوداء كثيفة،
وجهٌ ينتفِضُ وسامةَ،
ورأسٌ يضُجُ بالأفكار،
مناظراً المدينة تحتَّهُ، تمامً من الطابق الرابع والخمسون في ناطحة السحاب الخاصة به،
كان وقتَ الغروب، اللون البرتُقالي كان غاِلباً على السماء من حوله، مُختلطاً به بعض الإحمرار ، مما اضفى الكثير من الحميمية للجو،
هذا وقت الإنتهاء من العمل عند معظم الناس، ولهذا كانت الأرض تحتهُ مليئة بالبشر،
كان جو عاطفي بإمتياز،
لكن ولأنّهُ ليونايدس ، هذا المنظر الرومانسي كلّهُ لم يُثير عاطفته، حيث ان عقله كان يدور في كوكب اخر تماماً،
افكاره كلها تتمحور حول شيئ واحد،
"ديڤينيا"

كان قد اخبره انتونيو صباح اليوم أنه هو من سيرشد ديڤ في امور العمل وذلك لكونهم سيكونون خارج البلاد لفترة ليست بقصيرة،
لٰكن ليس هذا ما كان يُشغلُه، كان مدرك لحقيقة انهم سيتواجهان بالنهاية، ان كان لمصالح العمل او لأمورِ عائلية،

ما كان يشغل بالَهُ حقاً، ما كان يدور في عقله كما تدور الارض نحو الشمس، ما كان يتّقلِّد منصِّب الرئيس في مخيلتِّه كان:

إنعكاس اضواء المدينة على عينيها ليلة البارحة،
هل كان عسلياً؟ ام بلون الكارميل؟ او ربما أسود مُصفّر؟
كان يدور حول نفسه طوال اليوم باحثاً عن إسم لون عينها بتلك اللحظة،
للأسف، لم يجد حتى الأن، كان مُحتاراً جداً، وكأنه في معضلة،

ربما كانت هذه لعنتَهُ لهذا اليوم؟ ربما لعنات ايثان ومارسيلو لم تذهب عبثاً؟

قاطع تدفق افكاره صوت طرقات الباب، علِمَ من صوت الطرقات انه ادم، حيث كان ضرباته على الباب تبدو وكأنها معزوفة، كما لو انه يضري على طاولة المدرسة في منتصف حصة للرياضيات البغيضة،

لقد علِّم انه ادم من طريقة دقِّه على الباب طبعاً، كان يفعلها بملل وكأنه مجبر على هذا، وفي الحقيقة هو كان مجبر على هذا، ليونايدس عنده مشكلة جدِّيَّة في ما يتعلق بخصوصيته،خاصةً اقتحام مكان جلوسه بلا إستئذان، ادم كان قد فعلها مرات عديدة بالطبع، لكنه بعد المرة الأخيرة والتي كانت قبل سنتان، اقسم انه لن يفعلها مرة اخرى،

"الإحتفاظ بأنفاسي الثمينة أم الطرق على الباب؟ اللعنة على كل الأبواب، انفاسي العزيزة بالطبع!"
هذا ما فكّر به حينها حينما اقتحم مكتب ليونايدس الذي اطلق رصاصتين نحوَهُ، واحدة اصابت باب المكتب المصنوع من خشب الأچار باهظ الثمن، والأُخرى اصابت برواز كلاسيكي الصنع مُعلَق على الحائط الاسود بجانب الباب، لحُسن حظه لم يكن هذا بروازه المفضل.

-"أُدخل."  قال ليونيادس مستمراً بالنظر من زجاج مكتبه الضخم نحو الخارج.

-" لا تخبرني انكَ ما زلتَ...اوووو ليونايدس الكساندر الغامض بعظمته ينظر من شباك مكتبه الضخم الى عامة الشعب، ما هذا الموقف المحرك للعواطف والاحساسيس"
قال ادم بسخرية دافعاً باب المكتب بعنفٍ شديد وكأنه سجين تم الافراج عليه، هذا الرجل يملك مشاكل انضباط حقيقية.

-"ما الذي تفكِّر به؟" سأل ادم عندما لم يُلقي ليون له اهتماماً،

-" لا تعبث بما ليس لك !" قال ليونايدس بهدوء مكملاً النظر نحو الخارج لِآدم الذي كان يحرك اصبعه السبابة بعشوائية على عناوين الكتب الخاصة بِليون المصففة بعناية على مكتبة ضخمة تحتل جزء كبير من مكتبه.

-"كيف علم بهذا بلا ان يُدير ظهره بحق الجحيم؟" تمتم لنفسِهِ بصوتٍ كان قد سمعه ليونايدس.

-"ما الذي تُريده ادم؟" سأل ليونايدس بعد ان بدء يسئم من تواجد شخص ما حولَّهُ،

-" ما الذي تفعله عند الشباك بحق خالق السموات، هل تُصفف شعر نملة؟" استفسر بسُخرية من ليونايدس الذي لم يُدير وجهه من امكانه حتى الان،

-" ما اللعنة التي تُريدها ادم؟ "

"اوو نوو، اذا لعنتَ اذا انت بدأت بفقدان اعصابك ، أقدم إعتذاري وإنسحابي أيُها الملك" قال ادم بدرامية كما لو انه يُمثّل مسرحية تاريخية لشيكسبير، مُشيراً نحو ليونايدس بيديه الاثنتين للأمام.

هذا كان كافياً لكي ينظر ليونايدس له اخيراً، نظر له بعصبية وغضب، اذا هو حقاً ليس بمزاج جيد اليوم،

-" ما الخطب؟" سأل بجدية، " هل هذا لكونك ستُشرف علي ديڤي؟ يمكنُك الرفض اذا.."

-"ديڤ"  قاطعه مُلْقِيّاً بنظراته السوداء نحوه،

-"ماذا؟" سأل ادم بعد فهم،

-" ديڤ، إنّهُ ديڤ بالنسبة لك" كرّر مرّةً أُخرى وكأنه امرٌ غير مشكوك به،

-" واللعنة ليون لقد اخفتني، ثم انه حرف صغير لا يعن.."

قاطعه مرةً أُخرى،
-" و لا ، انا لست منزعج لأنها ستكون معي لبضعة ايام، هي ستصبح شريكتي بالعمل في النهاية، عالمنا ليس لعبة اطفال"

سكتَ لثانتين ثم أكمل وهو يعود الى مقعده مُديراً بوجهه نحو المنظر الخارجي مرة اخرى، مما دفع ادم لأن يُقسم بداخله انه كان يتحدث مع مجموعة من النمل عن احوال الطقس جنوب افريقيا وهو الان يودعهن.

-" ثم، ما ادراك بهذا؟ الاخبار تنتشر بسرعة كبيرة كما ارى."

-"اليسا اخبرتني عندما اتصلت لتدعوني الى عزومة غداً."

-" هل انت معزوم ايضاً؟" سأله بتساؤل،

-" بالطبع عزيزي" اجابه ادم بتفاخر كما لو انه يتحدث عن احد انجازاته، " انت تعلم اني لا استطيع مقاومة كعكة السينابون التي تصنعها اليسا"

حدق به ليون بسخرية لوهلة ثم نظر نحو حاسوبه الشخصي متذكراً ان هناك الكثير من الأعمال التي عليه ان ينهيها وان وجود هذا الكائن المفجوع حوله لا يساعده البتة.

-"ما الذي كنت تريده ادم؟"

حمحم ادم بقوة متذكراً ما كان يريد ان يقول,
-"اردتُ ان اطلب منك ان تُخبر اليسا بأنني اريد باستا كونكليونيه محشوة بالريكوتا بالاضافة لطبق اللوبستير مع صوص الزبدة والثوم."

قالها على نفسٍ واحد، خوفاً من ان يقاطعه ليونايدس وان لا يقدر على اكمال جملته،

نظر له ليونايدس بدهشة، كما لو انه ينظر الى تحفة فنية
- في هذه الحالة ، تحفة فنية مليئة بالغباء- .

-" اقسم انني حاولت اخبارها بهذا عبر الهاتف لكنها اغلقته بوجهي عندما بدئت باخبارها ما الذي أُريده"   برّرَ لهُ سريعاً قبل ان يهجم عليه ويصنع منه طبق فاخر الصنع،

-" ‎اقسم ان لم تخرج بعد خمسة ثواني، سوف أُفرِغ هذا المسدس برأسك" اخبره بسئم،
-" يا اللهي هناك شيئ اخر علّي اخبارك به!"  قال بهلع ،

-" واحد !" قال وهو يرفع احد اصابعه امام وجهه.

-" حسناً يا رجل ، ريلاكس ما خطبك؟ أنظر " قال مشيراً لنفسه وهو يعود الى الوراء متجهاً نحو الباب " انظر...انا ذاهب ".

وعندما فتح الباب ليخرج، قال جملة كان قد تردد صداها بالغرفة بعدما ذهبَ هُوَ،
-" اعلم انني ابدو غريب اطوار احياناً، لكنني صديق جيد أُقسم، اذا اردتَ ان تُخبرني بما تشعر حتى ولو كان سخيفاً فقط اتصل بي وسوف اركض لك هنا، حتى ولو كان هذا في الرابعة صباحاً، انا اعلم انك تكره ان تقول ما تشعر لشخص اخر، لكن، ان اردت فعلها، فقط اخبرني، او إن اردت فلتتصل بالوغد الأخر سبيس، هو سيخبرني كل شيئ على اية حال" قال ضاحكاً بتكلُّف، ثم أكملَ مُنْهِياً،

" لقد اوصلتُ البضاعة بأمان، الى اللقاء ايها المهووس ." 

هذا دفع ليونايدس لأن يحرك رأسَهُ الى الجانب٬ فاقداً للأمل منهُ،
نعم، ملاعيين، لكنّهم سيفدونكَ بروحِهم لو تطلب الأمر، هل هناك افضل من صديق كهذا؟

~~~

-"واللعنة ديڤ انتي تسوقين بلا وجهه منذ ساعتين ونصف، لقد طفح الكيل ،لقد اصبت بالدوار يا اللهي" تذمرت صوفيا بذعر..
نعم، هي عملياً، تُكرر الجملة ذاتها منذُ اكثر من ساعتين ونصف، وديڤ حرفياً تحاول مسك اعصابها بأن لا تقوم بجعلها قطع ستيك جاهزة للشوي،

-" اغلقي فمك اللعين صوفيا... لقد اخبرتك ان لا تأتي معي، لا تتذمري الان... حتى لا أُعيدك الى المنزل بلا فم ذكي تتحدثي به.." قالت ديڤينيا بهدوء يخفي تحته الكثير من العصبية.

حسناً، هذا كان كافياً لجعلها تصمت لثواني معدودة، نعم ديڤ اخبرتها الا تأتي معها وذلك لكونها لا تسطيع التنفيس عن غضبها سوى بهذى الطريقة،
السياقة بسرعة عالية جداً،
مكان واسع،
لا سيارات ولا بشر،
فقط الرياح من حولها، تداعبها من كل اتجاه،
وشعور الحرية يغمرها من كل مكان،

لطالما كانت تربط كل مشاعرها الإيجابية بالحُرية،
ناطحات السحاب تمنحها الحرية اذا هي... جميلة،
الهواء من حولها يُشعرها بأنها لوحدها من تتحكم بنفسها اذا هو... جيد،
السياقة بسرعة عالية يعطيها شعور بأنها سجين قد تحرر اذا هو امر ...يستحق التجربة،
السفر الى اماكن جديدة لوحدها يعطيها فرصة ان تتعرف على جزء جديد منها  اذا هو... ممتع،
القراءة تجعلها تغوص في عوالم لم تعلم انها موجودة حتى ،اذا هي... اكثر شيئ تحب فعله بالعالم ،
ركوب الخيل مع يدين مفتوحيتين الى كِلا الجانبين يعطيها شعور انها فرس حر طليق اذا هذه هي... هوايتها المفضلة،
ولهذا ان سألها احدهم يوماً، ما هو شعورك المفضل على الأطلاق، ستُخبره ببساطة وبإبتسامة كبيرة:
الحُرية.

وفي الحقيقة ، كان هذا دائماً كافياً لكي يخفف من عصبيتها المفرطة التي تأتي عكس مُخطتاطتها في كثير من الاحيان،
وهي فتاة تعرف مصلحتها جيداً وصدقوني ان قلت ان طُرُقها في تُهذيب نفسها كثيرة وعديدة جدا ،
هي مستعدة لفعل كل شيئ حتى تُهذّب نفسها، تماماً كما الصوفِيُّ حينما يتزهد،
وهذا كان اكثر ما يميزها،
قدرتها على فهم ذاتها جيداً.

-" على الأقل اجيبي على الهاتف" قالت صوفيا بخفةْ قِطةَ، خوفاً من الشرسة التي بجانبها،
-" مارسيلو لم يتوقف عن الاتصال منذ ساعة ونصف وايث قلق جداً ايضا، انت اكثر من تعرف كيف يُصابوا بالجنون حين يصيبك اي مكروه"

وبالفعل، كلمة قلق لا تستطيع وصف حالتهم حقاً، فمارسيلو ومع اتصالاته الجنونية، ارسل اكثر من خمسون رسالة، الأولى بدأت ب:
"اين انت حبيبتي"
والاخيرة كانت:
" اين انت يا لعينة"
نعم، تناقض تُقشعِر له الأبدان، لأنه وببساطة، تماماً كما كانت ديڤينيا تستطيع التحكم بعصبيتها الشديدة، مارسيلو عكسها تماماً، لا يملك القدرة على فعل هذا ابداً، عندما يغضب، ينتقل عقله من رأسه الى مكان اخر بعيد كل البعد عن ذلك...
كما تقول ديڤينيا عندما يغضب : العفاريت بدأت بالرقص امام أعين مارسيلو...

اما ايثان فكان نقيضهم بالكامل،
الرجل الرزين، الذي يبدو كأن لا أعصاب لهُ من فرطِ هدوئه،

-" هل تعلمين ما هي امنيتي صوفيا؟" قالت ديڤ شاردة بعدما انتهت صوفيا من القاء مُحاضرتها،
" ان أحزن لوحدي ، ربما لو سمعني شخص ما لظنّ انني أصبتُ بالجنون... فمن يريد ان يحزن لوحده؟ ربما لظنوا انني جاحدة للنعمة...
لكنّ الأمر ليس متعلقاً بكوني سأشعر بالحزن او سأبكي، الأمر متعلق بأنني منذ خلقت في هذا العالم لم يتركني احد لوحدي،
ونعم، مرةً اخرى هذا جنون للبعض، لكنني أشعر وأنني يتم التحكم في كل ما يخصني، لدرجة أنهم لا يسمحون لي أن احزن حتى،
ثم أكملت شاردة،
" هذا ليونايدس رفيق طفولتك وحاميك، أحبيه وكوني معه دائما،
لا، لقد غيّرنا رأينا، سوف نُبعدك عنه قليلاً،
لا لا، ليونايدس لا يريدك بعد الان، اخرجي من حياته بالكامل،
انت الان فتاة ناصجة، سوف تذهبين الى مدرسة الوحوش هذه،
هل انتهيتي منها؟ برافوا، سوف نُدخلك الى الجامعة الان، ولكنك بالمقابل ستبدئين بوظيفتك في هذه الحياة، حماية عائلة الكساندر،
واحزري ماذا، ستُجبرين على فعل هذا مع اللعين ليونايدس،
انها ليست فكرة إنه ليونايدس ، يا اللهي الرحيم، انا منذ خُلقت وهم يُرتِّلون لي بأن حياتي ملكه وعائلته وليست لي، انا اعلم هذا جيدا" صرخت بجملتها الاخيرة بإرهاق ، ثم اكملت بهدوء مرةً اخرى، مُحركة شعرها الى الوراء بإرهاق،

" انها ليست فكرة اللعين ليونايدس، انها فكرة انهم هم من يُقررون كل شيئ، كل شيئ لعين في حياتي يعود لهم،
هو حتى لم يسألني، ابي لم يستشيرني بهذا، أود لو أشعر مرة واحد، مرة واحدة لعينة بأنني حُرّة ،
بأنني لي.."

وهنا، بعد ان أفرغت كل ما شعرت به قامت بإيقاف السيارة في وسط السهل الأخضر الذي كانت به، بكل هدوء ورقة،
كما لو أنها تخيط جُرحاً،
كما لو أنها لم تقود كالمجانين لساعتين ونصف..

وهكذا، توقفت سيارتها في وسط مُنحدر سهلي شاسع، الهواء من حولها، وكلماتها المبعثرة التي تفتقر للتهذيب تحوم بجانبها،

امّا الصمت، فكان يحيطهما من كل اتجاه، كما لو انهُ شرنقة يغزل خيط حرير،
الصمتْ كان بريئاً، بسيطاً ، ومفهوماً ، بلا تعقيد او مبالغة،
كان صمت مُحبب لِكلاهما، كان من النوع الذي يُقّوِي العلاقات وليس يُضعِفُها،
ديڤ اطلقت العنان لمكنون صدرها، وصوفيا استقبلته بصدرٍ رحب،

الكلام هِبة من الله للعالمين، لكنه في الحالات التي يكون بها الكلام غير مفيد البتة، تتبدل الأدوار، ويصبح السكوت هو الفضيلة.

تماماً كما هنا، ليس وكأن كلام صوفيا سيجد حلول خارقة لها، ما يحصل كان فوق طاقتهما، فوة طاقة الجميع بالحقيقة،
الأمر كان بيد القوة الأعظم بالكون،
بِيَدِ القدرْ.


~~~

-" لقد وصلت الآنسة ديڤينيا سيدي.."

-" ارسليها إلَي" قال بوتير بهدوء، شارباً من كأس النبيذ عنابي اللون من نوع رومان كونتي الأغلى بالعالم،

بعد ثلاث دقائِق ، سَمِع بوتير دقات على باب مكتبه تُخبره عن وجود ديڤ خلفَهُ،
نعم، هي كانت تكاد تنفجر غضباً،
نعم، هو يتصرف بإنانية إتجاهها،
نعم، هي اكثر من غير راضية عنهم جميعاً،
لكنّهُ عائلتها الوحيدة، والعائلة بالنسبة لهم، هي الرُكن الوحيد الثابت في هذا العالم،
الثابت رغم كل المُتغِّيرات.

-" تفضلي.."

-" لقد طلبتني أبي.." قالت ديڤينيا بهدوء وهي تنظر الى كأس النبيذ الذي وُضِع على الطاولة، لم تكن تُناظر وجهه،

-" غداً ستُقام عزيمة في منزل انتونيو" قال بهدوء وهي ينظر الى عيناها التي كانت تنظر نحو الفراغ،

وُهنا إبتسمت ديڤينيا بسُخرية، وكان هذا لسببين،
بدايةً، هل وصَّفَ تلكَ القلعة المُشَّيَّدة بالمنزِل؟
ثانياً، هل إستدعاها ليُخبرها عن هذه العزيمة التي اتت في وقت غير ملائم ابداً؟ هو يعلم - الجميع يعلم- ان اليسا لا تترك احدا بلا ان تدعوه شخصياً عبر الهاتف.

-" انت تعلم انني اعلم يا ابي" اجابتهُ بعد ان استعادت بعضاً من هدوئها،

-" لقد إعتقدت ان ما حدث اليوم سيُغيّير من مجيئك غداً.."

اجابته بحدة،
-" انت تعرف انني لستُ سخيفة لهذه الدرجة ! انا لن أتجاهل دعوة اليسا بسبب قراراتكم انتم! انا لن أُعاقبها وأكسر فرحتها بسبب أمر هي غير مسؤولة عنه.."

كالعادة، كلمات مُخبئة بين السطور...

نظر لها بوتير بمغزى،
-" نحنُ لسنا ضدكِ ديڤ" قالها بهدوء،
هو ليس رجل حنون بطبعه، لكن عينَهُ اليُمنى لمعتْ لوهلة..

-" لا يجب ان تكون ضدي كيف تخنِقَني، انت لست ضدي، انا مدركة لهذا، لكنني أشعر وكأنني قطة تحبِسها في قفص من ذهب،
انت تُقدم لها الطعام والشراب، تُلعبها بكرة مصنوعة من الحرير بدلا من الصوف، تداعبها طوال اليوم، لكنك تحتجزها بالمقابل."
أجابته بهدوء شديد، وذلك لأنها كان مرهقة، من كل شيئ،

-" انت لست محتجزة ديڤ، انت امراة حرّة تماماً، انت تملكين حقوق لا تملكها معظم نساء هذا الكون، انظري حولك جيداً"

ها قد بدأنا من جديد،

-" حسناً ابي، انا حقاً مُسنتزفة عاطفياً وجسدياً، كما أنّ رائحتي كرائحة كلاب البراري ولهذا عليّ الإستحمام.."

هذا افضل صحيح؟ خيرُ الكلام ما قلّ ودل.

-" حسناً، انا لا اريدك ان تنزعجي مني، انا فقط أُريد مصلحتك"

آآه، اذن هو يعتذر؟ هو حقاً عنده مشاكل مع التواصل...

-" مصلحة العصافير ليست بأن يُقفل عليها داخل اقفاصها ابي، بل بالطيران وفرد جناحيها عالياً مُحلقة نحو السماء،
تصبح على  خير."

أجابته سريعاً وبخفة، متجهتاً نحو غرفتها بلا ان تُقبل وجنتيه كما تفعل كل ليلة قبل النوم،
هي تحبه اكثر مما تحب نفسها، لكن عليه ان يُدرك انها غير راضية على قراراتهم العبثية هذه،

هي ليست بيدقاً في لعبة الشطرنج خاصتهم،
هي أكبر من هذا بكثير،
هي المُناورة ذاتها،
هي كش ملكْ.

~~~

إنتهت صوفيا من ارتداء الفستان الصيفي الأزرق القصيرخاصتها،
لونه ازرق سماوي،يصل حتى رُكبتيها، بقصة هالتر من عند الرقبة، مزيج مثالي مُظهراً لمعة بشرتها اليانعة،

كانت قد اعتنت بنفسها اكثر من كل مرة اليوم، وهذا كان بالطبع،بسبب شخص ما ستواجد هناك على الاغلب،
شخص هي خائفة من ان تُفَكِّر مجرد تفكير انها منجذبة لهُ،
هذا ليس لأنها تنتقص من نفسها، لكنها واقعية بطريقة تجعلها تفهم انهم مختلف عنها جدا، هي تصديقة ديڤ المفضلة نعم، مارس، ايثان وجاك وحتى السيدة روبرتس وبوتيإسر كلهم عائلتها،
لكنها، ما زالت هي، لم تتغير، عائلتها الحقيقة لم تتغير، طفولتها البائسة لم تتغير، سنوات عمرها الي قضتها وهي تُقاتل من اجل الحفاظ على نفسها لم تتغير ومبادئها لم تتغير ايضاً،

اكبر مثال على هذا كان الحفلة الراقصة قبل يومين،
كل شيئ بهم كان يعجُ إختلاف،
نظراتها على كل شيئ في الحفل حولها، وإعتيادَتِّهِ على كل هذا الترف،
نظراتها الحماسية عند كل اغنية جديدة يضعها الدي جي ومَلَلَهُ الظاهر على ملامح وجهه،
حركاتها الراقصة عديمة الخبرة وطريقة مسكه لفتيات الحفل كما لو انهن قطع اثرية قديمة،
كانا مُختلفان في كل شيئ،
وحدها نظرات عينيهم الامعة عندما كانا يناظران بعضهما من تشابهت..

هي حتى لم تكن تتوقع ان تدعوها اليسا على الحفلة، لكنها هي حقاً لطيفة جدا لأن لا تفعل،

قاطع تدفق افكارها صوت ديڤينيا التي اقتحمت غرفتها بلا استأذان،كالعادة.

" واو واو واو ما هذا يا فتاة " صفقت ثم صفرّت بإعجاب، حسناً، لا عجب لهذا، لقد قضت طفولتها بين احضان الرجال، هذا اقل ما ستفعله،

-" انظري الى هذه المنحنيات الخطيرة، انا متأكدة ان اللعين سبيس سيعلق مشنقة لنفسه اليوم" قالت بصوتٍ لعوب، كما لو انها تخفي سر خطير،

نظرت صوفيا بتفاجئ، هي لم تخبرها عن كل ما حدث بينهم، وهذا بسبب جنون البارحة  وفمها الذي لم يجرؤ على النطق بما حدث، خوفاً من ان يصدّقْهُ عقلُها،
خوفاً من نفسها،

-" هل اخبرك جاك؟ اقسم انه لم يحدث اي امر بيننا، كل قمنا به كان رقصة"
أخبرتها بإنفعال شديد،

-" هاي هاي، على مهلك يا فتاة.."
اجابتها ديڤ وهي تشير بيديها كي تهدئ،
-" لا، لم يخبرني جاك" ابتسمت بسخرية ثم قالت " هو لم يجد وقتاً لكي يفعل هذا صدقيني، البارحة كان يوماً حماسياً جدا انت تعلمين.."

-"كيف علمتي ا.."
قاطعتها قائلة،
-" عزيزتي صوفي، الم أُخبرك عن لغة العيون من قبل؟ عينا سبيس كانتا تلاحقنك كما لو انك وحدك من في الحفل، ثم الم تنظري الى نفسك اليوم؟ تفوح منك رائحة الحب حبيبتي "

نظرت لها صوفيا بارتباك وبدا عليها القلق الشديد ثم قالت بتردد،
-" ما خطبك ديڤ؟ هل نحن في فيلم رومانسي قديم؟ ما هذا الهراء!؟"

تقدمت ديڤينا نحوها بخفة ثم احتضنت وجه صوفيا بكفيها وقالت بهدوء كما لو انها تحادث طفلة:
-" انظري الي صوفي، انا اعلم ما يدور بداخلك، لا تجعلي لهذه الأفكار القدرة على التحكم بعقلك، انت تستحقين الوقع بحب افضل رجل بالعالم، انا لا اتحدث عن سبيس، انا أُخبرك انك الطف وأجمل امراءة رائيتها في حياتي، وانك تستحقين ان يقدسك من يحبك، لا تتنازلي عن حقك بأن تحصلي على اكثر الرجال حباً وتقديراً، انت تستحقين ان يُقتل لإجلك.."

أجابتها صوفيا وهي تحتضنها بحب،
-" انا ادرك كل هذا اقسم لكي، لكن الحياة لا تسير بهذه الطريقة، العالم معقد جدا، بطريقة يصعب حلها.."

-" من يهتم بهذا العالم الغبي وانا صديقتك؟  سبيس، جاك، مارس لا يهمني اي لعين، من يحاول ان يأذيكي ستأكله كلاب البراري"
قالتها بنظرتها العاطفية المُتادة،كانت تبدو كأمٍ متوحشة بإستطاعتها قتل العالم اجمع من اجل اطفالها،

ضحِكت صوفيا بخفة على تعابير وجهها ثم تقدمت اكثر وعانقتها بحُب،
كل هذه الأحاسيس الغريبة كان مخيفة جدا بالنسبة لها، لذا ولإنهاء هذا الحديث الغير مُجدي، ابتعدت عنها بخفة ثم قالت بحيوية بسيطة:

-" حسناً، لِنُنهي هذا الحوار البائس الأن ولِنَصُّب تركيزنا عليكِ انت،
انتِ حتماً تودين قتل ذلك الوغد اليس كذلك.."

كانت ترتدي فستان وردي الْلون،صيفي وبسيط التافصيل لكنها بطريقة او بأُخرى كانت تبدو كزهرة في منتصف حديقة،

تبَّدلت ملامحها سريعاً ما ان سمعت كلمة " الوغد"، نعم هي لم تنطق اسمه حرفياً، لكن هذه الكلمة التي لو سمِعها ليونايدس سوف يُنفيهم جميعاً، كانت الكلمة المشتركة بينهم كلما تحدثوا عن شيئ يخصه، لذا بالنسبة للخمسة اصدقاء، كلمة "الوغد" تساوي اسم " ليونايدس".

-" من فضلك صوفي لا تتحدثي عن شيئ يخصه، يكفي انني اضعت البارحة يوماً ثميناً من حياتي بسببه" تحدثت بإنزعاج طفيف،

-" ثم من اخبرك انه من اجله، اناقتي ليست محصورة بوجوده فحسب." اكملت ديڤ،

-" هييي لا يهم، لقد كنت امزح على اي حال، اللعنة على ليونايدس ذو الوجه المُربع"
قالت صوفيا وهي تمسك بحقيبتها الصغيرة البيضاء التي تحتوي على هاتفها، المحفظة وقلم حومرا أحمر.

لم تستطع ديڤ منع ضحكتها من الإنفلات، سماع صوفيا تلعن احدهم كان دوماً محض تسلية لها،

سمِعَت طرقات الباب الخفيفة من ورائها، كان جاك متكئاً على الباب مُكتِفاً يديه، مُلقياً انظاره نحوَهُّن،

-"هيّا يا متمردة" قال جاك ساخِراً من صوفيا المؤدبة والتي تم تلويث لسانها بفضل اصدقائها اللُطفاء، الذي لا يشتمون ابداً..

ضحكت ديڤ بصوتٍ عالٍ ثم تقدمت نحوَهُ اما صوفيا فنظرت له بإزدراء،
عانق جاك ديڤ مبتسماً على صوت ضحكتها الصاخب يم قبَّلَ شعرها وأخبرها هامساً لها:
-" اشتقتُ لكِ"
ضربت ديڤ معدته ذات العضلات السداسية بِخفة ثم اخبرته بخفة،
" اشتقت لك ايضاً ايها المُتنصت"

~~~

-" هيا حبيبتي إنزَلي" قال ايثان بهدوء مادّاً يدهُ نحو ديڤ حتى لمساعدتها من النزول من السيارة،

-" شكرا عزيزي" اخبرتهُ ممسكه بيده وبسرعة كبيرة قامت باللحاق بمارسيلو الذي يتجنبها منذ الصباح بِحِجَة انهُ كان قلق عليها طوال يوم البارحة وهي  لم تُجب على مكالماتِه ولم تُعِرهُ اهتماماً.

-" مارسي عزيزي انتظرني" نادت عليه بصوتٍ كان قد سمعوه كلهم،
لم تتلقى اي رد لذا اسرعت بخطواتها قبل ان يسبقها ويدخل الى قصر عائلة الكسندر،

-" مارسيلو انتظرني، اللعنة مارس انتظر"
عندما لحِقتَ بِه قامت بإمساك يده بقوة حتى تنمعه من التقدم اكثر،

-" هل انت اطرش حبيبي" قالتها مبتسمة بوجهه بلطف،

-" ديڤ اخبرتك ان لا تتحدثي معي اليوم اليس كذلك؟" اجابها مارسيلو وهو عاقداً حاجبيه بعصبية،

-" لقد اخبرتك مئة مرة ان لا تعقد حاجبيك هكذا" قالت له وهي تضع اصابعها على عقدة حاجبيها حتى يفِكها، " سوف تحصل على الكثير من التجاعيد بسبب هذه الحركة، وهكذا ستصبح بشعاً ، وانا لا أُريد لهذا الوجه الوسيم ان يُصبح بشعاً"
أنهت نشرتها الجوية واضعة كفيها على وجهه حاضنة اياه بلُطف،كما لو كان جرواً صغيراً،

-" لماذا تُحبين تعذيبي بهذه الطريقة؟ لقد قلقت عليك كثيرا البارحة"
قال بعِتاب وكان قد تبخر كل غضبه،

-" اقسم انني لم اقصد، انا اسفة، ارجوك لا تغضب"
قالت بصوتٍ صادِق،

-" حسناً لا تعتذري اكثر لكنك لن تكرريها مرة اخرى، صحيح؟"
اجاب كالطفل الصغير،

اومئت ديڤ سريعاً، لكنها كلنت مدركة بداخلها انها ستُعاود تكرار هذا الأمر مرارًا وتكرارًا، ليس ذنبها انها تُحبُ ان تحزن لوحدِها،

احتضنت كفْ يدِه ثم تقدموا نحو باب القصر، وما ان عبرت للداخل حتى اشتمت رائحة الأكل اللذيذ الذي كان مصفف بعناية على الطاولة الضخمة الفخمة في وسط المنزل، وسمعت صوت اليسا التي كانت تُعانق صوفيا مخبرتاً اياها انها جميلة جدا اليوم،

عانقت سبيس وادم بحُب وتبادلوا بعض الكلمات ثم عانقت اليسا التي اثنت عليها كثيراً، قبّلت بيلا وعانقتها، ثم قبّلت توماس الذي دارَ بِها مادحاً اياها،
عانقت انتونيو وأخبرته انهُ يبدو وسيماً جداً اليوم وكل يوم،
لكنها لم تراه، لم تلتقي اعينهم بعد، فكرت بداخلها انهُ عاد ليتجاهلها مرةً أُخرى،عاد يبتعد عن كل مكان تتواجد هي به، كالمعتاد،
لم تسمح لمشاعرها ان تُطغي عليها اكثر، حركت راسها نحو الجانبين بخفة ثم دارت نحو اليسا مخبرتاً اياها انهم يستطيعون بدأ العشاء بدونها وهذا لأنها تحتاج الذهاب الى الحمام،

-" لا بأس عزيزتي سننتظرك"
اومأت لها بإبتسامة ثم صعدت الدرج ذاهبة نحو الحمام، وقبل ان تخرج منهُ قامت بفحص وجهها مرةً أُخرى، لا شيئ يحتاج للتعديل، حسناً هذا جيد،

وهي بطريقها نحو الدرج،إستوقفها صوت مألوف لها، صوت مقطوعتها الموسيقية المُفضلة،
" سيمفونية والتز الثانيةلِ ديميتري شوستاكوفيتش،
ضائقتها الموسيقية واسعة ومتنوعة للغاية، لٰكن هذهِ المقطوعة بالتحديد كانت الأحبُ الى قلبِها،
كانت صعبة للعزف جداً، حتى لِأمهر الموسيقيين تحتاج سرعة وخفة رهيبة لكي تُعزف بطريقة جيدةِ،
كلما سمعَتها وجدت نفسها تدور حول نفسها كما لو انها كوكَبٌ دُرِّيُ يدور حول الشمس،
كلما سمعتها ،شعورٌ دافِئاً يغمرها وكانت تشعُر انها أميرة من القرن الثامن عشر،

وجدتَ نفسها تَتَجِهُ نحو الصوت، كما لو ان سحراً يقودُها، كانت بداخلها مُدركة للمكان الذي يخرُج من الصوت، لكن إنبهارها بالمقطوعة والعزف المُتقن كان قد طغى على كل مشاعرها،

لحقت بالصوت حتى وصلت الى ممرٍ طويل، مليئ باللوحات الآثرية العريقة، لِأقدم الرساميين، اغمضت عينيها لوهلة حينما اجتاحتها مشاعرٌ وذكرياتٌ كثيرة، وسمعت بداخلها صوت ضحكات طفلة صغيرة، قضت طفولتها تركض بين جدران هذا الممر،
هِيَّ.

تلمستْ الجدران ببطئ وهي تتقدم نحو الأمام اكثر، وكلما تقدمت اجتاحتها ذكرياتٍ أُخرى،
لم تعبر هذا الممر منذ رسالتها الأخيرة التي لم يتم الإجابة عليها ،
وكان هذا لخوفها من ما يحصل معها الأن،
لِخوفها من الذكريات،

تقدمت اكثر حتى وصلت للغرفة التي انهت سنوات حياتها الأولى بِها،
للغرفة التي كانت يوماً مليئة بضحكاتهم ،
للغرفة التي كانت يوماً ملجئها من وحوش الطفولة ومن اشباح احلامها التي كلنت تلاحقها بعدما  تنهي مشاهدة فلم رعب مع توماس،
للغرفة التي كانت لها حِصنها الأكثر اماناً،
للمكتبة التي كان يوماً مليئة بالكتب والحُب،

توقفت عن التقدم حينما بدأ يظهر طيفهُ من الباب الذي لم يتم غلقه بإحكام، كانت يداه تتحرك بمهارة على البيان، كان منغمساً جدا كما لو انهُ يحل مشاكل العالم كلها بعزفهِ هذا،

ارادت قدميها ان تتحرك اكثر نحو مصدر الصوت، لكنها نهرتها بعنف، مُجبِرةً نفسها على التوقف، لم ترحل، وقفت تسمع نهاية مقطوعته هذه، منبهرة بخفة يداه المسترسلة بالعزف، واندماجه الشديد،

وعدت نفسها انه عندما يقرب على الإنتهاء سوف ترحل سريعاً حتى لا يراها وهي تراقب عزفه، لكن خطتها باءت بالفشل عندما توقف الصوت فجاءة،
كانت منغمسة بعزفه جدا لدرجة انها شعرت بالغضب عندما توقف قبل ان تنتهي المعزوفة،

نهَرّها عقلها لِأن تتحرك قبل ان يُلاحظ وجودها وعندما ادرات نفسها لكي تعود ادراجها، سمعت صوت قدميه يطرق ارضاً لكنها وبطريقة او بأُخرى شعرت وكأن قلبها الذي يتم طرقه لا الأرضية،

توقفت لِبرهة حتى تستطيع استيعاب انهُ تم القاء القبض عليها متلبسة بمراقبتة خلسة، لكنها عاودت التحرك للأمام مرةً أُخرى،
حتى لا تعطه لذة النظر لوجهها، حتى لا ترى نظرة الإنتصار على وجهه،

-"لا حاجةَ للهرب كما لو انني امسكتك مُتلَبسة" قال بصوتٍ لم تستطع تحديد نبرتِهِ،

اغمضت عينها بقسوة حينما تكلم، بالطبع ليونايدس لن يصمت، هو ليونايدس بالنهاية،
شتمت نفسها داخلياً لأنها انقاضت نحو الموسيقى ووضعت نفسها في موقف كهذا،

-" هل أبدو لك وكأنني اهرب؟" قالتها بدون ان تلتفت نحوه،

-" عندما تحادثيني لا تُديري ظهرك لي... تبدين كالقطة الخائفة و يداك التي تقبض على بعضها بقوة خير دليل على هذا.."
قال لها بهدوء مُلقياً اوامرهُ، محللاً شخصيتها، مُخبراً اياها انه يعرفها اكثر مما تعرف هي نفسها..
كيف عرف انها حركة يداها وهو لا يراها؟ الهذه الدرجة كانت واضحة بالنسبة لهُ،

ارخت يداها قليلا، أخذت نفساً قوياً ثم قالت ومازالت تواجههُ بظهرها،
-" وانت تبدو كالوحش الذي يهوى التهام القطط، سيد ليونايدس.."

سمعت قهقهته العالية التي استمرت لبعض ثواني قليلة ثم اكمل بحدة وهدوء:
-" اخبرتك ان لا تديري ظهرك لي، تعلمين جيداً انني لا احب أن اعيد كلامي"

ابتسمت بسخرية وهمست لنفسها بصوتٍ ظنتْ انه لم يسمعه، لكنهُ فعلْ،
-"اللعنة على كلامكَ"

-" لا تلعني!"

ادارت ظهرها بقوة بعد ان إستفزَّها بأوامِرِهِ الكثيرة،
-" لا تأمرني!" قالت بشراسة قوية،

اراد أن يجيبها، لكن إلتقاء أعينهم قد الْجَمَ فمَهُ، نظر لها بِعُنفوانٍ شديد، ونظرت لهُ بإعينْ لامعة،
تقدم نحوها خطوتين الى الأمام، حتى اصبح يفصل ما بينهم خطوة،

-" سوف أفعل" قال بإستفزاز وهو هادئ،

قرّبت من وجها نحوهُ قليلاً، حتى يُتاح لهُ شمَ عُطرِها،
-" إفعل ما تشاء، وانا سأفعل ما اشاء... لن أُعيرَ ما تقول إهتماماً.."

أغمض عينيه مستنشقاً عبيرها ثم نظر لعيناها بعمق، ثم قال بصوتٍ هادئ:
-" تبدين جميلة اليوم"

ارتخت عيناها وذهبت نظرة الغضب من عيناها، نظرت له بِفِخر أنثوي،
-" انا ابدو جميلة كلَ يوم.."

لم يضحك هذه المرة، إكتفى بالتحديق بها بقوة حتى سرَت رعشةُ رهبة في عمودها الفقري،
-" لم اكن أمزح عندما أخبرتك أنني سأُعيد تربيتك"

ضحكت هي هُنا ثم نظرت لهُ بتحدي وقالت بالإنجليزية:
-" catch me if u can "
(إمسكني، إن إستطعت)
قالتها ثم أدارت نفسها لكي ترحل، كانت قد تأخرت وهذا قد يُثير تساؤلهم وهي لا تُريد من احد ان يراها في هكذا موقف،
إلا ان ليونايدس كان قد أمسك يدها مانِعاً إياها من الرحيل،
-" لا تلمسني" ردّت بشراسة ثم سحبت يدها بعُنف،

-" جميل.. القطة الخائفة تتحول الى شرسة الأن، أحبُ هذا"
مرةً أُخرى، يستفزها،

-" وهذه القطة ستتحول اكثر وتأكُل الوحش الذي يُلاحقها، انا أُنبِّهكَ"
أجابته بإستفزاز أكبر وهي ترمقهُ بنظراتها القاتلة تلك،

-" لماذا تركتي المنزل البارحة؟ هل هذا بسبب عملك القادم معي؟" أجابها وهو ينظر في عيناها بقوة، كمل لو يقرأ روحها،

نظرت لهُ بصدمة ثم سألت بقوة:
-" هل تُراقبني؟"

تجاهلها قائلاً:
-" أجيبي"

حدقت به هي أيضاً، كانت حرب تحديق لن تنتهي سوى بمآساة،
-" هذا ليس من شأنك، أمور حياتي وتحركاتي ليست من شأنك"

-"لقد اخبرتُكِ ان تُجيبي ديڤينيا، هل هذا كان لأننا سنجتمع معاً بالعمل؟"

لقد نطق إسمها وكان هذا، شمساً وربيعاً وبحراً ونهراً وسماءاً زرقاء وقلوبُ حب حمراء وكل شيئٍ جميل،

-" لا، هذا ليس السبب، انا لست طفلة وهنا كان قد ظهر طيفُ حزنٍ في عينها ثم استرسلت بنبرة أهدئ من المعتاد،
" لم أعد طفلة" صمتت للحظة وهما يحدقان ببعضهما ثم قالت
-" انا كنت منتظرة هذهِ اللحظة منذُ ولدت، كل من حولي كان يردد أن مصيري سيكون هكذا، لماذا سأحزن إذاً؟ العمل شيئ لا مُزاح فيه، ثم ان لا شيئ يستحق حزني ابداً، قالتها بصلابة وكانت قد إستعادت اتزانها،

اومأ لها بقبول، ثم ابتعد عنها خطوة نحو الوراء وكأنه بهذه الحركة أعاد إتزانه،
-" نعم، انتِ مُحقة، لا شيئ يستحق حزنك أبداً"
همس بها بصوتٍ ناعم، قالها وكأنه يخفي ورائها الكثير من المعاني، قالها ثم وطريقة سريعة جداً، اسرع من قدرتها على إيقافه، قام بمد إيمهامه ولمسَ الشامة البارزة فوق فمِها، بخفة وبهدوء، كأنه معتاد على هذا، وقبل أن يدير ظهرهُ لها ويرحل، تاركاً اياها خلفهُ، قام بتقبيل إصبعه بخفة،
ذلك الذي لامسها بِهْ.

ولأنها كان هذا فوق قدرتها على التحمل ولأنه كان هو من فعل هذا،
سمعت قلبها يدق بشدة،بشدة أخافتها ،
كأنهُ يعزفُ لحناً لأُغنية حُبٍ لا تعرف نهايتها بعد.

~~~

"أبحث عنك
بالطريقة نفسها التي تعلمت بها
أن أنظر في الاتجاهين عندما أعبر الطريق
بتوتر وحذر، مهيئة نفسي لشيء أعرف أنه
قد يكسرني.
.
أحببتك، بالطريقة الوحيدة التي عرفت بها الحب،
قبل أن أتعلم كبح مشاعري،
عندما كنت أعتقد أن الجميع يحبون مثلي
بعيون مغلقة وقلوب مفتوحة باتساع.
.
بعدك، تعلمت أن أغلق أبوابي ليلًا
أن أحكم إسدال الستائر
أن أحذر الغرباء معقودي الأذرع، حزانى العيون
الراغبين في سكب أسرارهم أمامك مثل بحر
الذين ينسحبون بعدما تكون قد
تورطت كثيرًا.
.
أفتقدك،
مثل طفل نعسان يتوسل لينام
مثل طائر كاد أن يبلغ الشمس
مثل ذكرى أليمة عن الطيران.
.
- لانج لييف، تورط "

~~~

مرحباً، لقد مرّ وقتٌ طويل،
وأخيرا أنهيت هذا البارت، المشهد الأخير لوحده شعرتُ انه أخذ اعوام 🤣
اتمنى أنهُ اعجبكم،

هل هناك اي انتقادات؟

مشهدكم المفضل؟

اكثر جملة قد أحببتموها؟

شخصيتكم المفضلة؟
(انا متأكدة انه مارسيلو🤣🤣)

هل أعجبتكم المقطوعة الموسيقية؟
-انها من مفضلاتي-

اتمنى لكم رمضان كريم وكل عام والجميع بألف خير،

أُحبكم،
دمتم بحفظ الرحمٰن،
ليان❤️.

Continue Reading

You'll Also Like

345K 17K 34
اول روايه لي 🦋.. كاتبه مبتدئه ✨.. استمتعو 💗
328K 11.4K 43
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...
637K 31.5K 34
كان القلب فارغ وحاضري اراه يشبه ماضي،، الحب لم اعرفه ولم اعشه اتاني فجأه كهديه من السماء وعرفت ان العمر هو مجرد رقم لايتحكم بالقلب ولا بالروح عندما...
580K 19.5K 37
قصه شيخ عشيره عمره ٣٩ ياخذ فصليه بعمر المراهقه ١٦ سنه بسبب العادات والتقاليد