الفصل الثالث والعشرون:
استنتج هاشم ان تلك المرأة القادمة باتجاه فرح بصحبة رجل عجوز هي والدة لينا وجدها لم تكن خائفة فقط بل مرعوبة من قد يكون مكروه قد حل بابنتها
بصوت مرتجف سالتها
-اين ابنتي ، ما بها يا فرح؟
لم تفهم شيئا من كلام فرح المتلعثم والمخلوط ببكائها ، لتصرخ بها
-ماذا تقولين ؟، ماذا حل بلينا قولي!!
قبل ان يتدخل هاشم خرج الطبيب والتف الجميع من حوله وسالته بسرعة
-لينا هل هي بخير ؟
-هل انت والدتها
-نعم وهذا جدها الأمر ايها الطبيب ؟
-اصبحت بخير لكن يجب ان تبقى تحت الملاحظة 48 ساعة القادمة
تحدث الجد بصوت رخيم وثابت
-لم نفهم بعد ماذا حدث لها ، هل يمكن ان تشرح لنا
-تفضلا معي لنتحدث بمكتبي وانت ايضا يا دكتور
بقيت فرح واقفة في مكانها ، تفكر فيما سيحصل لصديقتها لو ان امها وجدها علما بأمر ادمانها خاصة وهي تعرف شخصية الجد الصارمة من خلال ما كانت تحكي لها ، اخرجها من شرودها صوت الهاتف
-نعم عمار
-انا امام المشفى اين انت
-اصعد الى الطابق الثالث سأنتظرك امام المصعد .
كان يقف بصعوبة ، وجهه وجسده مليء بالكدمات والردود بسبب ما فعله به السجناء بالزنزانة ، وبعد ان قرأ المحقق تقرير الطب الشرعي وضعه جانبا ونزع نظارته الطبية وضغط على الجرس ليدخل الشرطي الواقف على الباب
-ادخل السيد ابراهيم الشاوي
وقف المحقق لرجل الاعمال المحترم ومد يده مصافحا له وللمحامي
-تفضل بالجلوس سيد ابراهيم
فتح هذا الاخير زر سترته وجلس على الكرسي المقابل لعبود واضعا قدما فوق الاخرى و في يده سيجاره الكوبي بينما ظل المحامي واقفا
-شكرا ايها المحقق
-سيد ابراهيم خلال عمل عبود بقصركم هل لاحظت عليه اي سلوك مريب او مشكوك به
-لا ابدا ، كان سلوكه طبيعيا للغاية ، ولو لا حظت شيئا لكنت طردته دون تردد
-وخلال الفترة التي قضتها الطفلة اية لديكم، كيف كنت ترى معاملته لها
-انا لا اتواجد بالمنزل كثيرا ، المرات التي كنت اراها بها قليلة معدودة لكن...
-لكن ماذا ؟
-مكتبي يطل على ملحق الخدم وفي بعض الاحيان كنت ارى عبود يدخل الى المستودع مع الطفلة ندى
-تقصد اية
-نعم اية لكن لم اتصور ابدا انه قد يكون .... تفهم قصدي
-نعم مفهوم وانت يا عبود ما رايك بشهادة السيد ابراهيم
وكأن الكلام غير موجه اليه ، كان عبود بعالم اخر ، الحزن الذي يملأ قلبه جعله منعزلا عما يجري بغرفة التحقيق.
- شهادة الشهود و التقرير الطبي يوضحان كل شيء ، ليس امامك سوى الاعتراف
بقي عبود صامتا عيناه تفيض بدمع ليس على نفسه وحاله بل على الطريقة البشعة التي انتهت بها حياة اية
قال ابراهيم
-هل تريد ان تسالني عن شيء اخر
-لا سيد ابراهيم شكرا على وقتك
-العفو انا تحت امر العدالة
القى نظرة سريعة على عبود وقال للمحامي هامسا
-ابقى معه حتى نهاية التحقيق.
عند خروجه وجد سوسن جالسة على الارض قرب غرفة التحقيق ، ما ان راته حتى اسرعت تقبل يديه وتقول بتوسل
-سيدي ساعدنا انت تعرف عبود جيدا وانه لا يمكن ان يفعل ذلك
-لقد طلبت من محامي الخاص ان يهتم بقضيته اطمئني
-جزاك الله خيرا يا سيدي ، شكرا لك
بينما هالة تقدم القهوة له سمعت باب الشقة يفتح ، وضعت الصينية على الطاولة وقالت:
-لابد انها رشا سأخبرها انك هنا
كانت رشا تنزع حذاءها عندما اتت اختها تقول
-لن تصدقي من جاء لرؤيتك
-من؟
-جاد ، ينتظرك منذ ساعة
-اين عمر؟
-بغرفته يشاهد الكرتون
-من فضلك يا اختي ابقي معه ولا تدعيه يخرج حتى اقابل جاد
اخدت نفسا عميقا ودخلت الى الصالة
-اهلا بك
-اشتقت لك
جلست بعيدة عنه وقالت متجاهلة جملته
-متى وصلت
-قبل قليل ، علمت انك تكفلت بتربية عمر وقد تدبرت لوالدته منزلا جديدا وعملا ايضا
-نعم بصعوبة اقنعتها بذلك بعدما اخبرتها عن ما فعله اخوها
-وبعدما تدبرت له تهمة ستجعله قابعا بالسجن لسنوات وسنوات
-اقل ما يستحق عدا انني لم الفقها له كله ما فعلت انني ابلغت الشرطة عنه، هل اتيت لتسالني عن عمر ؟
-بل لأني اشتقت اليك وانا متأكد انك ايضا مشتاقة لي
اشاحت بوجهها بعيدا وقالت وهي تهز قدمها بعصبية
-لقد انفصلنا ولا حاجة لهذا الكلام
اقترب منها وجثى على ركبته وامسك بيدها
-اعرف اني اخطأت و ما حصل كان الصفعة التي ايقظتني ، لقد تغيرت امنحيني فرصة لنصلح اخطاءنا سويا
-هناك اخطاء لا يمكنك اصلاحها
امسكها من ذقنها وادارها بلطف لتنظر في عينيه
-انا ما زلت احبك ، سامحيني
دخلت اختها التي كانت تسترق السمع وقالت
-كلاكما قام بأفعال سيئة ، جاد ايضا يستحق فرصة ثانية مثلك .
لم تعبر عن موافقتها بالحروف لكن عيونها التي كانت مشتاقة لرؤية جاد كانت كفيلة بذلك.
كان من الصعب تصديق ما سمعت من الطبيب ،شلت الصدمة وتفكيرها ولم يعد لسانها يردد سوى لا يمكن ، غير معقول اما الجد فلم تختلف حاله عن حال ابنته غير انه لم يعلق
انقضت على فرح الواقفة مع ابن عمها تحكي له ما حدث قرب المصعد المتواجد على مقربة من مكتب الطبيب ، هزتها بعنف وبدأ تكيل لها الاتهامات
-انت السبب ، انت السبب، ولدك دمر زوجي وامك دمرت زواجي وانت دمرت ابنتي لن اسامحك.
خلصها هاشم و عمار من بين يديها حيث قال لها الدكتور وهو يبعدها
-سيدتي فرح لا دخل لها ، بالعكس لقد كانت دائما تساعدها
-انها افعى مثل والدتها تماما ، اللعنة عليكم ، اقسم سأجعلكم تندمون
غضب عمار و ما زاد غضبه رؤيته لفرح ترتجف وتخفي وجهها بيديها وتبكي بصمت
-سيدتي قبل ان تلقي اللوم على فرح يجب ان تلومي نفسك اولا ، كيف لم تكتشفي ادمان ابنتك ، اي نوع من الامهات لا تعرف شيئا عما تعانيه ابنتها
تدخل هاشم قائلا
-لو سمحت خد فرح الى المنزل وانت سيدتي تفضلي معي وانت ايضا سيدي سأخبركما بكل شيء .
-هل جاء سليم
-نعم سيدي وينتظرك بمكتبك
-طلبت منك ان ينتظرني ولم اقل في مكتبي ايتها الغبية
قبل ان تشرح او تبرر دخل الى مكبته ورسم على وجهه ابتسامة مزيفة
-اهلا اخي هل تأخرت عليك
كان سليم واقفا امام صورة فوتوغرافية بالأبيض والاسود لقطة سوداء، التفت الى ابراهيم
-لقد وصلت منذ دقائق
ثم قال وهو يشير الى الصورة
لم اكن اعرف انك تحب القطط
-لا احب الحيوانات بصفة عامة لكنها هدية من فرح هي من قام بالتقاط الصورة
-انها موهوبة عليك تشجيعها
سأله مغيرا الموضوع؛
-لم تخبرني الأمر الذي اردت ان تحدثني به؟
جلسا مقابل له وقال
-الامر متعلق بإرثي
-اظن ان هذا الموضوع قد حسمناه منذ سنوات وتأكدت بنفسك بالدلائل والمستندات ان والدنا كتب كل املاكه باسمي قبل وفاته
-نعم يا اخي وقد اخذت اسرتي وهاجرت بعيدا بادئا من الصفر و اسست لنفسي حياة مستقلة
-ولما عدت اذا؟
-لانني لن اقضي حياتي بعيدا عن بلادي وكما قلت لك من اجل ارثي ، فقد عرفت بالصدفة ان مصنع قطع الغيار كان مسجلا باسم والدتي حتى وفاتها ولا اعرف كيف اصبح مسجلا باسمك
-ماذا تقصد ، هل تتهمني بالتزوير؟
-استغفر الله ، انا لا اتهمك بأي شيء كل ما في الامر انا اريد حقي ولن اتنازل عليه كما فعلت في السابق سأتركك الان لتفكر وتخبرني بقرارك قبل ان اتخذ اي قرار
بعد مغادرته دلف عادل الى المكتب
-مالاخبار يا ابراهيم كيف سار التحقيق؟
-وضعنا جيد ولا يوجد شيء للقلق منه
-لكن وجهك يقول عكس ذلك
حكى له ما دار بينه وبين سليم وقد كان هذا رد عادل
-اسمع يا صديقي انت بغنى عن اي ضجيج يأتيك من اخيك او سواه خاصة بهذه الفترة وبرايي اعطه نصيبه في الشركة
-معك حق لكن سأعطيه نصيبه حسب ما ارى و اظنه سيكون راضيا
بعد ان ارتدى كل منهما ملابسه ، كانت ايمان غاضبة جدا من برودة رؤوف وعدم تجاوبه معها
-ذقت ذرعا منك ، ولا تقل لي ان حادثة تلك اللقيطة السبب
-قلت لك منذ البداية انني متعب انت من اصر
-اها وانت تعاقبني على اصراري ورغبتي بك
-اووف ايمان هيا اريد ان انام
حملت حقيبة يدها وخرجت صافعة الباب ، بقي واقفا للحظات ثم لحق بها ،
عندما نزل الى الاسفل وجدها تجلس بمقعد السائق ، طلبت منه المفاتيح ، لم يتردد ولم يسالها حتى لماذا ، مدها لها من النافذة ثم عاد ادراجه الى الشقة.
عادة عندما كانت تواجه اي مشكلة من اي نوع كانت تلجأ لحضن رجاء، وهذا ما فكرت به ، طلبت من عمار ان يوصلها الى المشفى حيث رجاء ،
اوقف سيارة اجرة ورافقها الى هناك ، احترم رغبتها بالصمت واكتفى بمراقبتها وهي تنظر من زجاج السيارة الى الطريق
علما من الطبيب المعالج لرجاء ان زميلة لها زارتها واخبرتها عما تعرضت له ابنة اختها مما ادى الى تأزم وضعها واضطر الى اعطاءها المهدئات لا بقاءها نائمة، ولذلك فزيارتها ممنوعة في الوقت الراهن.
-الرجل الذي تسبب في فقداني لطفلي سيدفع الثمن سواء ساعدتني في ذلك ام لا
-سأساعدك طبعا انه طفلي ايضا لكنك تسيرين في طريق خاطئ ، ماذا لو اخبرته تلك الفتاة عنك خاصة وانك اخبرتها باسمك وتركتي لها رقمك
-لم يكن امامي حل اخر ، انا اتحرى عنه منذ عودتي ولم لم اتوصل الى اي شيء ضده ، لكن لحسن الحظ عرفت بأمر الفتاة واستطعت الربط بينها وبين حادث الطفلة
-اكيد ابراهيم الحقير هو من اعتدى عليها ، لكن مع ذلك ما كان عليك ان تخاطري وتكشفي نفسك لها
- تلك الفتاة مسكينة ولا خوف منها ، كل ما علينا فعله ان نضغط عليها قليلا وستشهد ضده
-دعي هذا الامر لي
-لكن يجب ان نسرع فانا لا املك الكثير من الوقت
-لماذا ؟
-الدراسة ستبدأ قريبا ووعدت والدة عمر ان نعود مع بداية الدخول المدرسي
-سأفعل ما بوسعي لكن لا تقحمي نفسك بهذه القضية اتركيني انا اتولى الامر ، انا خائف عليك يا رشا ولا اريدك ان تتورطي مع الشاوي.
عند عودة ابراهيم للمنزل مساءا كانت رحاب تشاهد التلفاز بالبهو، وقف مكتفا ذراعيه امام صدره وقال لها
-هذه اول مرة ارى هذا التلفاز مشغلا
ابتسمت له وقالت مرحبة
-اهلا بعودتك يا ابراهيم،
-شكرا لك ، الا يوجد احد بالمنزل
-انا فقط لكن سليم اتصل وقال انه على الطريق
-من فضل يا رحاب نادي علي عند وصوله
جاء صوت اخيه من الخلف قائلا
-انا هنا يا اخي
-ما رايك ان نتحدث بمكتبي
-بالطبع تفضل
بعد ان جلسا فتح ابراهيم حقيبته واخرج بعض الاوراق
-كما تعرف عند استلامي ادارة المصنع كان على حافة الافلاس لكني خلال هذه السنوات حولته الى احد اكبر المصانع بالبلاد وبإمكانك الاطلاع على هذه الاوراق التي تؤكد كلامي
-سأوفر عليك ما تريد قوله ، انا طبعا اقدر مجهودك ولا استطيع ان انكره كما اني لا افهم بمجال قطع الغيار ، ما اريده هو ان تقدر نصيبي بالمصنع وتعطيني قيمته
-لدينا نفس التفكير لا شك اننا اخوة ، لقد جهزت كل شيء
اخرج شيكا من جيب سترته و قدمه له، القى سليم نظرة على قيمته وبدا راضيا على المبلغ المكتوب
-شكرا لك، لكن رغم اننا اخوة ، ليس لدينا نفس التفكير
وانصرف من المكتب .