صـــه || HUSH

By merry_ah

95.4K 7.2K 7.8K

{K.TH&J.JK} -حيثُ تحتضِنُ العاصمة لندن القصر الشامِخ لأعظم عائلة سحرة في التاريخ، عائلةُ السيد كيم، دافنةً... More

{مَــدخَــلْ.}
{إعلان الرواية.}✨
{ رَقصَـة - الـرَجُل المُقنَـع. }
{ خَفـيفُ اليـد - عَـرضُ الضـاحيـة }
{ مَتـاهة - عَـرينُ الأخـوَين }
{ عَـشاء - دَاكِـنُ الـعَينين وَثَـقيلُ الـصَوت. }
{ فُرشـاة - أشقَـرٌ مَخملـي. }
{ المَاضي - سِـرٌ مَكنون. }
{ تَفسيـرات - قناعُ الأرنَـب. }
{ نَـوايا - ابنُ الـدوق. }
{ حقائق - تِلك الإشارات. }
{ الجناحُ الغربي - مواجَهة أولـى. }
{ ذاتَ الحُسن - سِـرُّ الليدي. }
{ هَمَسـات - قرارُ الـوَريث. }
{ زِيـارة - مكنونـاتُ قَلـب. }
{ تشتُّـت - خطُّ البدايـة. }
{ حِكايـات - الطريـقُ لِلمجـد. }
{ أفكَــار - ثعـابينٌ فضيّـة. }
{ صحـوَة - انطِلاقـة جـديدة. }
إعلانُ الباب الثاني/ فصلُ الصيف.
{افتتاحيّـة -أرنبُ القَصـر.}
{بنينُ الـعتمة -مَـلِكُ الرُقعـة.}
{طلَـب -شوكـولا حُلـوَة.}
{خطـوة -غُــرابٌ داكِــن.}
{لُـعبة -نبـضٌ قديـم.}
[وعـود- رابِطـةُ كيـم.]
{التـوأم-همـسٌ وتـاروت.}
[جـولَـة- ذاتَ الكـراميـل.]
{خفايا -الماضي والحاضر.}
{الشـروق-ما يقبـعُ في القلـوب.}
{مُفتـرَق-الـرحلة والنتيجـة.}
{خيـوط -على الأعتـاب}

{ دَعـوَة - غمـوضٌ وفضـول. }

2.7K 280 338
By merry_ah

---------------------------------

-6-

- لي اعجابٌ عُنصري للمميزين.

---------------------------------

.

.

تنهدت ايميليا، ورفعت احدى يديها لتلمس جبهتها بأصبعها حائرة.. وبقيت صامتة لعِدة دقائق كي تُفكر، فقد ساعدها الهدوء الذي كان يسود غُرفتها وقتها على ذلك.

كان الظلام قد حلّ بالفعل في الخارج، والقمرُ كشف عن نفسه ليُنير السماء الليلية.. وداخل قصر عائلة كيم جلست ايميليا على سريرها تحاول جمع ما يتوفر من المعلومات، بينما قُربها تقبع خادمتها الشخصية آنا تنظُر اليها.

عيناها الزرقاوان تُحدقان في آنستها ولا تُخفيان قلقها من أسئلتها الفضولية، فهي تعلم جيداً ان الفضول ليس مُرحباً به في هذا القصر.

كانت ايميليا مشوشة، بسبب ما شهدَته حتى الآن.. فكُل شيءٍ بدى غريباً بالنسبة اليها، هالة الأخوين مُريبة.. كانت لتظُن ان ذلك بسبب غرورهما ولكنها لا تستطيع نسيان تلك اللحظات التي شعرت فيها انها تختنق أمامهما ليلة أمس.

اما بالنسبة لمدرس الرسم الخاص بهما، السيد بارك جيمين، كان من الصعب ان توصفه بالـ"غريب".. فهو تعدى ذلك بالفعل في نظرها، وأوقظ فيها شكاً وخوفاً.

هي لا تستطيع نكران انه بثّ فيها الخوف، فما حدث لها أمامه كان عجيباً ولم تجد له تفسيراً حتى الآن.. شيءٌ ما حدث لها ولا تستطيع معرفة ما هو، بالاضافة الى ان الأيرل، جونغكوك، همس لها بجُملٍ غريبة جعلتها تستفيق من التأثير الذي أخضعها فيه جيمين.

من غير المعقول ان تتجاهل كل هذه الأمور السابقة!، لا بُد ان لها تفسيراً ما.. ليست ايميليا من النوع الذي قد يتدخل في شؤون الآخرين أو حياتهم ولكن.. هذا حدث لها هي، ولها الحق في معرفة ما اختبرته.

أخيراً التفتت ايميليا مُجدداً نحو آنا، التي كانت تُحدق فيها مُسبقاً بينما تشبك يديها في حضنها.. فبدأت في استجوابها بتعابيرٍ حازمة ونظراتٍ جدية.

" أعذريني ولكن.. أنتِ سكنتِ هُنا فترةً أطول، ألم تُلاحظي حدوث أشياءٍ غريبة؟. "

لم يكُن على ايميليا ان توّضح أكثر، فمن الواضح ان آنا فهمت ما ترمي اليه آنستها.. ولكنها شعرت بالتوتر من أن تقول شيئاً خاطئاً أو تتحدث عن أمورٍ خاصة بالقصر وبالعائلة، لذا ازدردت ريقها وحاولت ألّا تكذب على ايميليا.

" في الواقع، هُناك بعض الأمور التي شهدتها ولكن.. يجب أن تكون محض أوهام فكما تعلمين، أنه قصرٌ كبير وأغلبُ زواياه مُظلمة. "

تحدثت آنا، وعلى شفتيها ابتسامة قلقة كما لو انها لا تشعر بالراحة بالحديث حول هذا الموضوع.. لكنها أشارت في النهاية الى انه من السهل ان يتخيّل المرء أموراً في قصرٍ مثل هذا ليلاً، أو ان تنتشر الشائعات بين الخدم بغية المرح.

هذا لم يكُن مُقنعاً كفاية لايميليا، فهي عقدت حاجبيها وشعرت ان آنا قلقة وخائفة من أن تفشي عن شيءٍ ما وبالتالي تُعاقب من قِبل الأيرلين.. لأنها لاحظت بالفعل انهم يبقون على خصوصية وأسرار الأخوين مخفية، وهذا ما حيّر الاعلام طوال سنوات.

شعرت آنا بيدٍ تحتضن خاصتها، فرفعت عينيها لتنظر في عينّي آنستها التي قررت ألا تضغط كثيراً عليها.. وابتسمت بخفة في وجهها فتسترخي ملامحها، وهذا أراح شيئاً من قلق آنا.

" أنا آسفة.. رُبما أنتِ مُلزمة بعدم الحديث وأنا هُنا أُجبِركِ. "

اعتذرت بصدق، ولكن شيءٌ ما داخلها شعر بخيبة الأمل مذ ان هنالك الكثير من الأسئلة الفضولية التي تزاحمت في ذهنها عن الأيرلين الآن.. وحين شعرت آنا بذلك وعلمت ان ابتسامتها مصطنعة تنهدت.

بقيت ايميليا تنظر لخادمتها كما لو انها توقعت منها قولاً ما، فآنا شعرت بأن لآنستها الحق في معرفة من تسكُن معهم الآن لتشعر بالطمأنينة كونها أُجبِرت حرفياً على القدوم الى هنا.. وهُنا هي بمفردها تماماً، وليس لديها أدنى فكرة عن المكان الذي تعيش فيه.

اقتربت آنا من آنستها أكثر فتحدق فيها ايميليا باستغراب خصوصاً وانها أحكمت احتضان يدها بين كلا كفيها، نظرت اليها بقلق وبدأت بمحاولة قولِ شيءٍ ما لها.. وهذا جعل ايميليا تستعيد تعابير الجدية وتركز فيما توّد آنا قوله، والأخيرة تشجعت وتحدثت حين حدقت بعينّي آنستها كما لو انها تحاول ابعادها عن المشاكل.

" آنستي.. لا يُمكنني اخبارُكِ بالكثير فاني بدوري لا أعرف شيئاً مؤكداً، ولكن يُمكنني أن أنصحُكِ بعدم التجوال في القصر ليلاً وحيدة.. لا تسألي كثيراً ولا تجعلي أي أحد يشعُر بفضولكِ هذا آنسة ايميليا، وبالتأكيد.. لا تفقدي حذركِ أو شجاعتكِ أمام الأيرلين. "

منحتها آنا ما تستطيع من النصائح القصيرة والمُختصرة، وكانت تتحدث بجدية وبصوتٍ مُنخفض كما لو انها تخشى على أحد أن يسمعها بينما هما وحيدتان في الغُرفة.. واستطاعت ايميليا بسهولة أن تُميز تعابير القلق في وجهها ومشاعر الاضطراب في عينيها، وهذا جعلها تشك أكثر وتُقابلها بسؤالٍ آخر.

" لكن آنا.. لماذا؟، لمَ الجميع يُخبرني بأن أحذر؟، ما.. ما خطبُ هذا المكان؟. "

تبادلت الفتاتان الأنظار لوهلة، وبدى ان آنا تبحث عن اجابة مناسبة.. بينما ايميليا تنتظر بصمت وترّقُب، وهُناك فضولٌ في عينيها وحزمٌ في تعابيرها، حتى جاءها ردُ الخادمة المتردد.

" في الواقع.. كلما علمتِ أكثر كلما أصبحتِ السجينة المفضلة لهم هُنا آنسة ايميليا، ولكن ان كان علّي أن أُخبركِ بأن شيئاً ما خاطئ يحدُث في القصر لتأخُذي حذرك.. فسأفعل، لا أحد يعلم ما هو.. ويُستحسن ألا نكتشف لذا أرجوكِ لا تُفكري كثيراً واهتمي بشؤونك لتبقي آمنة. "

سجينة؟.

كان يبدو ان آنا ستُنهي الموضوع، فهي مسدت على يد ايميليا التي تحتضنها بين كفيها ولكن الآنسة أصرّت على سؤالٍ أخير حين تمسكت بها جيداً وجعلتها تعاود النظر اليها.

" اذن.. أخبريني بشيءٍ عن الأيرلين؟. "

كانت ايميليا مشوشة، وتعلم أن آنا لن تُخبرها عن المزيد ما لم تُغير الموضوع.. رُغم ان هُنالك الكثير من الأسئلة ولم تعلم ما عليها طرحه أولاً، وكان هذا التساؤل ما نطقت به دون وعي.. فرأت آنا تتنهد بثُقلٍ وقلق، ثم تستسلم وتنظر في عينيها لتمنحها اجابة.

" ان كان هذا سيوقفُ فضولك.. فحسناً يا آنستي!، لا أحد قريبٌ من الأيرلين عدى عن خدمهما الشخصيين وحارسهما.. وبالطبع السيد جونغهيون والسيد جيمين، كما رأيتي فهما عظيمان ويُحبان أن يحتفظا بخصوصيتهما كثيراً.. ولكن.. "

توقفت آنا للحظة، شعرت بالتوتر واهتزت ثقتها في الحديث.. قبل ان تتذكر انها تقول هذا لتُحافظ على آنستها بعيداً عن المشاكل، وبالطبع شجعتها نظرات ايميليا التي تنتظر بترقب ما ستقوله، حتى أكملت بصوتٍ مُنخفض.

" أعرِف أن الأيرل تايهيونغ صارمٌ وحاد كـسكين، يصر على ان يكون محيطه وكل ما يتعلق به مثالياً.. له هالة كبرياء لم أرَ لها مثيل، ولا يُحب أن يُحاط بأُناسٍ لا يعودون عليه بنفع.. وبالتأكيد هو رجلٌ عظيم يُرى في كُل مناسبة اجتماعية رفيعة الشأن في لندن، ولا أحد يعلم حقاً كيف يُفكر فهو غير متوقع بالكامل. "

أصغت ايميليا باهتمام، ووافقت في سرها على بعضِ ما قالته آنا كونها شهدته فيه بالفعل.. أما الباقي فتركها تُفكر في هذا الرجل الغريب، ولم تنكُر انها انتظرت الجُزئية التي ستتحدث فيها آنا عن الشقيق الأصغر للأيرل الوريث.

فقد جذبت تعابير آنا اهتمام ايميليا، وجعلها تعقد حاجبيها باهتمام لما تُريد قوله.

" الأيرل جونغكوك، انه.. حسناً لا يُمكنني قولُ الكثير عنه، كان الأمر غريباً جداً بالنسبة الّي حين ظهر للعامة فجأة ليُصبح شريكاً للأيرل تايهيونغ في جميع عروضه، لم يعلم أيٌّ من الخدم بوجوده فنحن لم نتخيل ان للأيرل تايهيونغ شقيقٌ أصغر.. أخبرنا السيد جونغهيون انه كان يعتني به بنفسه في الجناح الخاص بالأيرلين لسنوات كون بُنيته كانت ضعيفة ولم يتوقع أحد أن يعيش.. ولهذا لا أحد يعلم بشأنه. "

لكن هذا.. غريب!.

همست ايميليا لنفسها، ووجدت نفسها تُصغي بفضول وتفاجؤ لقُصة كيم جونغكوك التي لم تتوقعها.. حتى ان آنا استرسلت دون وعي منها كما لو ان القُصة غريبة ومشوقة حد أن لا تستطيع مقاطعتها.

" وقتها سُمح لنا بأن نعتني به وخُصص له خدمٌ أيضاً، وها هو ذا.. لطالما كان صامتاً وهادئاً بشكلٍ مُريب، لا أحد يعلم بمَ يفكر أو كيف.. ونرى أن الرفيق الحقيقي لكلا الأيرلين هو بعضهما، فهُما لا يفترقان لحظة واحدة حتى تضطرهما الأعمال، للوهلة الأولى يبدو كُل شيء طبيعياً ولكن.. "

توقفت آنا، ولم تستطع اكمال حديثها.. فهي لم تجد الكلمات المُناسبة التي تُسعفها مذ انها هي أيضاً لا تدرُك ما يجري حولها، فشعرت ايميليا انها تضغط عليها بهذه الطريقة.. واستفاقت من تركيزها الشديد في حديثها عندما رأت القلق المرسوم على تعابيرها، فحاولت الابتسام ورفعت يدها الحُرة لتضعها فوق يد آنا.

رفعت آنا ناظريها لآنستها وأدركت انها تحاول تهدأتها، لكنها لم تستطع الابتسام أو قول أي شيءٍ آخر.. فكان على ايميليا ان تسمح لها بالذهاب.

" أنا أشكُرُكِ آنا، أعلم انه لا يجب عليكِ الكشفُ عن أي شيء يخص هذا القصر خصوصاً وانكِ تعملين فيه لذا.. أعدُكِ انني لن اسألكِ عن شيءٍ بعدها، يُمكنكِ الانصراف. "

اومأت آنا بسرعة، وشعرت انها مُمتننة لأن آنستها تفهمت وضعها.. فنهضت من مكانها على الفور بينما تُفلت يد ايميليا وتقف أمامها باحترام، ابتسمت ايميليا مُجدداً في وجهها حين انحنت لها راغبةً في الانصراف والتوقف عن الحديث حول هذا الموضوع الذي يُزعجها وتراه مُخيفاً.

" عمتِ مساءً آنسة ايميليا. "

أردفت آنا ولا زال القلق مرسومٌ على وجهها، فركت يديها وتوجهت بسرعة نحو باب الغُرفة الفارهة لتخرُج من هُناك.. في حين تُتابعها ايميليا بنظراتها حتى أغلقت الباب خلفها لتتركها وحدها دون أن تسمع حتى رداً منها.

ساد الصمتُ في الغُرفة مُجدداً، وغرقت ايميليا في التفكير الجدي حين عقدت حاجبيها وفكرت في تصرفات آنا الغريبة فور أن بدأتا في الحديث حول الأيرلين وقصرهما.. رُبما هُما أمرا ألّا يتحدث أيٌّ من الخدم عمّا يروه داخل القصر مع انسان؟.

تسلل اليها الشك والفضول، وحدقت في الفراغ تُفكر في الاحتماليات.. فلا يُعقل أن يتصرف الأيرلين بكُل تلك الثقة بينما يمتلكان شيئاً يُخفيانه، هُما غريبين فعلاً! ولم تستثنِ هالة القصر المُريبة ولا جوه الكئيب ليلاً.

هي ليست صحفية، ولا تُحب التدخل في حياة الآخرين ولكن.. الأمر يدفعها للشعور بالفضول رُغماً عنها!.

كانت تلك الليلة طويلة.. فهي لم تنم مُبكراً كونها فكرت كثيراً وجالت العديد من الأفكار في رأسها، فهي لوهلة تظُن ان كُل شيءٍ محضُ أوهام وهي تشعر بالغرابة فقط لأنها لم تعتد أن تعيش مع غُرباء أغنياء وغامضين!.

ولكن لوهلةٍ أُخرى.. تظُن ان كُل شيء لا يحصُل ببساطة هُنا، فلا يُمكنها انكار ما اختبرته حتى الآن.

وعلى صوتِ تلك الأفكار في رأسها، أغمضت عينيها لتستسلم أمام غموض الأيرلين..
وغطّت في النوم بعدما فكرت ملياً في عِدة كلمات قالها أحدُ الأيرلين، فطغى صوته على أُذُنيها مُتذكرة.

" هُنالك الكثير من الأشياء التي لا تتعلمينها ولا تعرفينها عن طريق الكُتب.. آنسة فايوليت، ويُفضل ان تبقى مجهولة. "

ما الذي عناه.. بالأشياء؟.

---------------------------------------------------

صدى وقعُ خطواتها في الممر الواسع، سارت بهدوء نحو وجهتها وهي تأمل انها لا تزال تتذكر تلك المنعطفات.. فهي سمحت لآنا بالانصراف كونها رغبت بوقتٍ تستفرد فيه، ولن تجد شيئاً أفضل لفعله سوى الذهاب للمشغل المُخصص لها وتنظيمه.

عليها أن تبدأ عملها هُنا.

رحب القصر بأشعة الشمس التي أنارت أركانه، انعكس نورها على الثُريات الفارهة والتُحفيّات الفنية فتلمع بمنظرٍ خلاب.. تشع عبر النوافذ الكبيرة والواسعة لتبسُط أرضية الممر اللامعة بسجادة ذهبية من نورها، فقد حلّ صباحٌ جديد على ايميليا التي استيقظت مُبكراً.. وها هي تسيرُ في الممرات فاخرة الزينة تلمح بين فينةٍ وأُخرى مجموعةً من الخدم يقومون بأعمال التنظيف الصباحية، ثم تعود لتُركز على أفكارها المتجولة في رأسها.

لا تزال معلوماتها الشحيحة عن هذا القصر وسُكانه تبثُ فيها الشك وعدم الراحة، لكن ربما انشغالها بالعمل سيُلهيها عن تلك الأفكار والأسئلة التي لن تجد اجوبتها ان بقيت تطرحها على نفسها.

كما انه أخيراً وليس آخراً.. لا حق لها بالتدخل في حياة تلك العائلة العظيمة.

تنهدت واستعادت تركيزها لتتفحص محيطها، وأدركت ان المشغل الخاص بها أصبح قريباً.. فها هو الباب الناصع ينتظر ساكناً على بُعد عِدة خطوات، وسارت نحوه ليُلاحظها بعض الخدم.. وينحنو اليها فتفعل المثل برأسها فقط وهُناك ابتسامة خافتة على محياها.

استمروا بأعمالهم، ولم تُلقِ هي تركيزاً أكبر عليهم بل اهتمت بالوصول الى باب المشغل.. ووقفت أمامه تماماً لتضع يدها على مقبضه الذهبي الذي ومض تحت أشعة الشمس، وقبل أن تهّم بفتحه جذب انتباهها صوتٌ شديد، نبرة باردة وصرامة كبيرة تُغلفها.

" آنسة ايميليا. "

برسمية ناداها، فتوقفت هي عن محاولتها لفتح الباب وقد تفاجأت حتماً من ظهورِ ذلك الصوت على غفلة.. فالتفتت برأسها قليلاً حيث جانبها الأيسر، وتلاقت عيناها فوراً مع عدستين بُنيتين تُحدقان بها بعُمقٍ.. رمشت بعينيها للحظات، وعقدت حاجبيها فتُفلِت مقبض الباب بهدوء لتتفحص الرجُل جيداً.. فلم تتوقع رؤيته أبداً أو مُقابلته هُنا! هي حتى لم تلحظ وجوده مُسبقاً!.

الحارس الشخصي للأيرلين.. الرجُل ذو البذلة الرمادية والبُنية الصُلبة، يقف أمامها بثبات وهالةٌ من البرود والريبة تُحيط به.. فجعلها تُحدق به بترقُب قبل أن تُجيبه.

" أجل؟. "

" يرغبُ الأيرلان بدعوتكِ لقضاء ساعةَ ما قبل الظهر معهما. "

على الفور أبلغ رسالته، فتلمّست ايميليا في طريقة حديثه حزماً وقسوة.. ولم يرسُم أي تعبيرٍ على وجهه الذي تميّز بحِدة الملامح ودقة التفاصيل، وقتها شعرت بالغرابة التامة.. فهي لم تتوقع أن تستلم دعوة من الأيرلين بل لم تعتقد انهما سيُرسلان حارسهما الشخصي لابلاغها بالرسالة بدلاً عن رئيس الخدم جونغهيون!.

فكرت للحظة، ثم تفحصت الرجُل الأشقر جيداً لتلحظ تلك السماعة في احدى أُذُنيه.. فلا شك في انه الرجل نفسه الذي رأته في الليلة الأولى لها في القصر يقف قُرب الأيرلين ويُراقب بصمت درس المبارزة الخاص بهما، ولا شك أيضاً في ان منصبه لا يسمح له بترك الأيرلين حتى خلال تواجدهما في القصر.

اذن.. لم هوَ من يُسلمها الدعوة؟.

" المعذرة، سيد..؟. "

التفتت هي ليُصبح جسدها مُقابلاً لخاصته، وسألته عن اسمه قبل أن تلحظ فرق الطول بينها وبين هذا الرجُل الشديد الذي بقي يُحدق فيها بلا أي بريقٍ في عينيه، وبسُرعة عرّف عن نفسه بلغته الكورية وبطريقة رسمية لا تقُل عن سابقتها.

" لي دونغهي. "

فور أن استقبلت اسمه، أومأت بفهم ونظرت في عينيه جيداً لتُلاحظ انه يُحدق مباشرةً فيها ويترقب ردها.. بينما يقف أمامها كرجلٍ آلي، ولم يُخفى عليها أيضاً تلك النبرة التي أجابها فيها كما لو انه لم يُحبب تفاديها أمر الدعوة التي جاء بها وسألته عن أسمه أولاً.

اذن هو شخصٌ مباشر لا يُفضل أموراً جانبية.

من طريقة وقوفه وحديثه، علِمت كيف لها أن تتصرف وتتكلم معه وفقاً لمعلوماتها المتواضعة في عِلم النفس.. ففكرت في أمرِ الأيرلين الغريب أولاً قبل أن تمنحه ردها.

" اذن سيد دونغهي، يُمكنني أن أعرف الامَ أنا مدعوة تحديداً؟. "

سألته مُجدداً، وهذه المرة ابتغت منه معلومات عن الدعوة المُفاجئة.. وعلى الفور أجابها بوضوح وباختصار.

" لدى الأيرلين درسٌ في الرسم، وهُما ينتظرانكِ آنسة ايميليا.. أنا مسؤولٌ عن ايصالك الى هُناك. "

انه غريب.. بالفعل غريب.

لمَ قد يُرسلان حارسهما الشخصي؟.

بقي هذا السؤال يدور في رأسها، لكن الأهم منه هو.. هل كانا حقاً ليرغبا في قضاء بعضِ الوقت معها؟، هذا جعلها تعقد حاجبيها وتشعر ببعض التردد.. بينما المدعو دونغهي يقف هُناك دون حركة ينتظر ردها بصمتٍ مُريب.

وعلى غفلة شعرت انها سترفض الدعوة تماماً، حين تذكرت أمراً هاماً، فبما انها مدعوة لحضور درس الأيرلين في الرسم، هذا يعني.. انها ستُقابل السيد جيمين ثانيةً!.

ازدردت ريقها فور أن تذكرت الشعور الغريب والتأثير المُخيف الذي تركه فيها بعد لقاءهما الأول يوم أمس، ولم تشعر برغبة في الذهاب.. لكنها لسببٍ ما لم تستطع الافصاح عن الرفض، وبقيت صامتة لدقيقة تحاول اتخاذ قرارٍ نهائي.

لن يكون هذا مُريحاً أو ممتعاً حتى.. لكن فضولها يُخبرها بأنها رُبما ستحصل على بعض الاجابات التي كانت تبحث عنها ليلة أمس.

بصبرٍ انتظر دونغهي، وهي بهدوء أومأت أخيراً موافقة حين نظرت الى نفسها بسُرعة لتتفحص منظرها.. وفور أن حصل على تلك الاجابة البسيطة منها رأته يلتفت، مدّ يده يُخبرها أن تسير أمامه لتقديم الاحترام لها ولكنه فعل ذلك بأكثر طريقة باردة شهدتها.

لم يتحدث كثيراً، لكنها فهمت انه يدعوها للمسير وبِبُطء تحركت قدماها لتصنع لها طريقاً.. فتبعها دونغهي مُحافظاً على مسافة بينهما خلال المسير، وقد اضطر لأن يتقدم عليها بخطوة واحدة بما انه من يحفظ القصر جيداً.. فتتبع ايميليا جسده يميناً أو يساراً في الممرات.

وبصمتٍ كصمتِ القبور.. تمتع به دونغهي، الذي لم تشعُر به حتى يُرافقها لهدوء انفاسه وخِفة حركاته، رُغم ان هالته تفرض وجوده.. وتُخبرها انه رجل لا يقِل غموضاً عن السادة الّذين قابلتهم.

---------------------------------------

حسناً.. سيكون هذا صعباً، وغير مُمتعٍ على الاطلاق.

تمتمت ايميليا في نفسها، وأخذت عِدة أنفاس لتُبعِد ضيق صدرها.. فوجود اولئك الثلاثة في المكان ذاته معها سيكون خانقاً، ظنت لوهلة انها حقاً سترفض وتبتعد.. لكنها وجدت نفسها تقف أمام الباب الكبير والمُزين للغُرفة التي يتواجدون فيها.

دفعت شعرها البُندقي الى الخلف ليفرُش ظهرها، فيُعرَف على الفور انها سرحته باهتمامٍ وبساطة حين فضّلت جمع خُصلات غرتها القصيرة الى الأعلى بربطةٍ بيضاء تماشت مع اللونِ النقي لقميصها الفضفاض والأنثوي.. فهي كالعادة فضّلت الملبس اليومي البسيط حين قررت البدأ بالعمل صباحاً، فهي لم تتوقع أن تحصل على دعوة من الأيرلين على غفلة!.

شجعت نفسها، وقررت أن تكون مستعدة هذه المرة لأي شيء.. أرتدت تعابير الجدية وأيقظت ثقتها في نفسها حين طرق دونغهي على الباب ثلاثاً، ثم أنتظر للحظات قبل أن يفتح بنفسه كلا ذراعّي الباب الكبير ليسطع الضوء القادم من الغرفة على وجهها أولاً.

أفسح لها الحارس الشخصي طريقاً، ووقف باحترام قُريباً من الباب ليدعوها الى الداخل.. فرفعت رأسها لتُشير الى استعدادها، وخطت بثقة الى الغُرفة تُخفي شكوكها وعدم ارتياحها خلف تعابيرٍ ساكنة.

على الفور جذب ناظريها حضورٌ قوي، والتفتت تنظُر بعينيها الى الجسدين الّذين يقبعان على كُرسيين فاخرين مُتفرقين.. ولاحظت أيضاً وجود حامل اللوحات الرُباعي أمام كلاً منهما، يلوّث بياض الورقة بعض التحديدات والأشكال الأولية بالفحم الأسود.

بهدوء توجهت ناحيتهما، بينما تسمع خلفها صوت الباب يُغلق فتشعر انها علقت هُنا لفترةٍ غير معلومة.. لكنها حرصت على عدم اظهار أي تعبير في وجهها، وقررت أن تكشِف عن وصولها بالوقوف أمامهما.

شبكت يديها معاً أمامها، وصافحت أنفها رائحة الألوان المعدنية.. ثم اقتربت أكثر حتى أصبحت ترى وجهيهما.. وعلى الفور سقط ناظّري الأيرلين عليها معاً، فتشعر بالتردد من نظراتهما المُباشرة.

حالكة السواد.. أعماقُ أعيُنهما.

انحنت ايميليا باحترام اليهما، وعلى وجهها يُثبت الأيرلين ناظريهما ببرود.. حتى استقامت وكشفت عن صوتها المُتزن.

" صباحٌ سعيد أيُّها الأيرلين. "

حيّتهُما، ولكنها لم تكُن مرتاحة أو ترغب في النظر اليهما.. حتى مرّت لحظاتُ صمتٍ جعلتها تُفكر بالسبب الذي دفعهما لعدم الاجابة، ووقتها تلاقت عيناها مع خاصة الأيرل الوريث الذي كان يُحدق فيها مُسبقاً.

بادلته الأنظار بكُل هدوء وصمت، ولم تستطع نكران تأثير عينيه الداكنتين ذوات النظرات العميقة.. لا عظمة الهالة المُحيطة به، ولا ثقة وكبرياء الابتسامة الجانبية التي ارتسمت على شفتيه فجأة.. ولا حتى الرجولة والثُقل في صوته.

" آنسة ايميليا، لكم يُسعدنا تلبيتكِ للدعوة. "

حدّثها بهدوءٍ واسترخاء تامّين، كالليلة التي تقابلا فيها على العشاء.. هذه المرة لا يُسند ظهره الى الكُرسي خلفه، بل يجلس باستقامة وهيبة فيُصبح أقرب لحامل اللوحة أمامه بما انها لاحظت وجود قلمٍ أسود في يده اليُمنى.. اذن فالأيرلين باشرا في الدرس مُسبقاً.

" انه شرفٌ لي. "

برسمية تحدثت، وحاولت ألا تُحدق فيه طويلاً وهو تماماً عكس ما كان يفعله.. كان مُهندماً للغاية ومن الصعب ألا تمدح مظهره الرجولي، فهي استطاعت لمح أن الأثنين تخليّا عن سُترتيهما.. وهُناك فقط القميصين الداكنين يُغطيان نصفّي جسديهما العلوي.

بذكرِ هذا.. هي حوّلت ناظريها فوراً الى الأيرل الأصغر، فتلاقت أعيُنهما مُباشرةً.

كانت عيناه مُظلمتان، بشدة.

يُحدق بها ببرود، ورُغم ان أشعة الشمس تسطع خلفه عبر النافذة لكنها لم تقشع ظُلمةَ هالته ولم تحتضن برود هالته بالدفئ.. كان مظهره أقل رسمية، فكُمّي قميصه الأسود مرفوعين حتى كوعيه ويكشِفان عن عضديه القويين بل يفضحان وجود عروقٍ تُزين يديه.

بصمتٍ حيّته حين انحنت برأسها قليلاً دون أن تكسر تواصلهما البصري، لكنه أشاح بعينيه عنها كما لو انه لن يكترث لوجودها مثلما فعل شقيقه.. بل صبّ تركيزه في اللوحة التي يرسُمها حين رفع احدى يديه وبدأ في وضع أساسياتها بهدوء.

رُبما لاحظ تايهيونغ فعلته، ولكنه اكتفى برسمِ ابتسامة هادئة ومُريبة.. وأشار اليها بالجلوس حيث الكُرسي على يساره والذي يبعُد عنه بقليل ليُحدثها ويجعلها تستفيق من شرودها بتجاهل الأيرل جونغكوك لوجودها.

" أرجوكِ.. أمتعينا بحضوركِ. "

نظرت اليه أولاً، ثم حوّلت ناظريها حيث الكُرسي الذي أشار اليه.. وبهدوء توجهت نحوه وانحنت لتجلُس، فوجدت نفسها أمام الأيرلين عن قُربٍ موّتر وغير مُريح.

كانا أمامها.. أعظم ساحرين في العالم، ولم تعرف بعدها ماذا تقول.. فبقيت صامتة تنظر الى الأيرل تايهيونغ الذي بدى انه يحاول قول شيءٍ ما.

كان يُغدقها باهتمامٍ غريب، فهو لم يعاود الرسم كما شقيقه بل كان يُحدق بها دون توقف.. كما لو انه يتفحصها جيداً أو يُفكر في شيءٍ ما تجهله هي، حتى تحدّث أخيراً ليجعل من أعينهما تتلاقى مُجدداً.

" لعلّكِ قابلتِ مُدرس الرسم الخاص بنا؟. "

بنبرةٍ هادئة ونظراتٍ خبيثة سألها، فترتبك من المسافة التي تفصُلهما حيث ان حضوره ثقيلٌ كفاية ليُفقدها توازنها.. ولكنها شعرت بالضيق أكثر حينما ذكر ذلك الشخص، ورأت حدقتّي الأيرل تنظُران الى مكانٍ ما بعدها.. ليجعلها تتفاجئ وتلتفت نحو ذلك الاتجاه.

وبالفعل هي رأته.. ذو السترة المخملية، الأشقر الذي يمتاز بعينين ضيقتين كالذئاب.. فقد صنعّا تواصلاً بصرياً، فقط لترى ان الخُبث يرتسم على وجهه بوضوح ولا يحاول اخفاءه.

كادت تنساه لدقيقة، فهي لم تره ولم تنتبه لوجوده في البداية!.

كان يقف بعيداً قُرب الزاوية، يسنِد كتفه الى احدى الجدران ويخبئ يديه في جيوب بنطاله بينما يُراقبها كما لو انها كائنٌ فريد من نوعه.. وقد ابتسم لها ببساطة حين تقابلت أعيُنهما، ابتسامةً تُناسب كثيراً ذئباً يتنكر بزي حملٍ وديع.

ضاق صدرها، شعرت بالانزعاج وتدفقت ذكريات ما حدث في أول لقاءٍ بينهما أمس في رأسها.. فأشاحت بعينيها عن خاصته على الفور كون تأثيرهما غريب ومُقلق، لا تُريد بالتأكيد التحدث اليه أو النظر اليه حتى.

لا تزال.. تشعر بالخوف والارتباك من حقيقة انه اقتحم بطريقةٍ ما عقلها.

" والآن!.. ظننت اننا أصبحنا أصدقاء آنسة ايميليا!، لا تُحطمي قلبي بردة الفعل هذه!. "

صوته الهادئ ذاته، اللعوب الذي يُخفي خُبثاً خلف نبرة البراءة.. ولم تستمتع هي بحضوره أو سماعِ صوته الذي يُذكرها بحقيقة انه أخضعها بواسطته لتنويمٍ مغناطيسي أو ما شابه بكُل سهولة.

لم تُجبه، ولكنها حدّثت الأيرل الذي لم يكُن لها ان تتجاهل سؤال السابق.. ذلك حين استطاعت التهوين عن نفسها واخفاء نبرة الانزعاج في صوتها.

" أجل بالفعل، حظيت بهذا الشرف مُسبقاً. "

لم يكُن يبدو بانها حظت بالشرف فعلاً، ولم تكُن تهتم ما ان كان تصرفها وقحاً تجاهه فهو كان وقحاً كفاية ليدخل رأسها عنوةً!، لهذا رفعت ناظريها نحو الأيرل تايهيونغ الذي ابتسم في وجهها وشعرت انه قرأ أفكارها للتو حيث انه ينظر عميقاً لعينيها.. ووجدت نفسها تُحدق في وجهه.

يا لتصميمك المُبدع أيُّها الآله.

أشاح بعينيه أخيراً عنها، وبدى مُسترخياً جداً حين عاود الرسم ولم يفقِد هالة الهدوء أو الكبرياء في حركاته.. كان يبدو ان كلاً من الأيرلين انشغل بلوحته، ليتركاها مع السيد الذي تقدم بِضعة خطوات وعلى وجهه ابتسامة لعوبة.. فيراها تتجاهل وجوده حتى استقرَ في الجهة المُقابلة لها.. قريباً من الأيرل جونغكوك.

حين شعرت بالهدوء يُسيطر على المكان، وبزوجِ الأعيُن ذاك يُحدق فيها هي رفعت ناظريها لتنظُر مُباشرةً في عينيه.. كان لا يزال السيد جيمين يُحافظ على ابتسامته "اللطيفة" ويتأمل وجهها بينما تُخبره ايميليا بنظراتٍ وتعابير باردة انها ليست حقاً مسرورةً منه.

كان كما لو انه يختبر صبرها وشجاعتها حين حدق بها مطولاً بتلك الطريقة، كما لو انه يُخبرها..
" أجل، اقتحمت ذهنكِ وها أنا هُنا دون أن تستطيعي قول أو فعل شيءٍ ضدي!. "

أشاحت بعينيها مُجدداً عنه ولم ترسُم حتى تعبيراً يوضح انزعاجها كونها لم ترغب بذلك، لكن أفكارها ومشاعرها بانت في عينيها.. ولهذا فضّلت ان تتفحص الغُرفة مُستغلةً الصمت.

لا خدم، دونغهي هو الوحيد الذي يقف بصمتٍ وسكون قُرب الباب الكبير.. فيجعلها ذلك تتذكر المرة التي اختلست فيها النظر الى الأيرلين خلال احدى الدروس يوم وصولها الى القصر، والشخصُ الذي جعلها تنتفض وتبتعد وقتها لا بُد ان يكون الحارس الشخصي الذي يقف هُناك.

بالنسبة للغُرفة الواسعة، فهي كالعادة مزيّنة بأحدث الأثاث ذو الطراز الانجليزي.. التُحفيات واللوحات والثُريات، كل شيء يبدو باهضاً ولم يفشل في ابهارها، ذوقٌ رفيع تميّزت فيه محتويات الغُرفة.. وقد غلب على أثاثها وزينتها اللون النبيذي الملكي، فحتى أقمشة الأرائك الفاخرة اصطبغت بذلك اللون.

يبدو انهم خصصوا هذه الغرفة لدرس الرسم، فاللوحات في كُل مكان على الجدران أو الأرضية.. وكانت تملأ نصف الغُرفة الآخر، فالنصف الأول يجلس فيه الأربعة.. وكُرسّي الأيرلين يقبعان قُرب النافذة الواسعة والكبيرة.

كانت توّد رؤية تلك اللوحات التي لا بُد ان يكون الأيرلين قد خلقاها، فهي لاحظت بعض الأشياء الغريبة فيها.. وأدركت انه من الممكن التعرّف على دواخل الأيرلين لو أطّلع شخصٌ مُختص عليها.

وكما لو ان الأيرل الوريث قرأ أفكارها للمرة الثانية، أيقظها من شرودها ليمنعها من الاستمرار في تفحص اللوحات خلفه.. وجذب ناظريها على الفور حين تحدّث بهدوء.

" السيد جيمين مُختصٌ في العلاج بالفن، فكما تعلمين آنسة ايميليا.. الرسمُ يعبّر عن مكنونات النفس ويُخلّص البشر من الاضطرابات والتوتر، كما انه مُهدئ جيد للأعصاب. "

في البداية لم تُجاريه في حديثه لأنه افتححه على غفلة، ثم أدركت بعد لحظات انه يُعرّفها على أهمية هذا الدرس الذي يرأسه جيمين، ولكن.. لم يفُتها أن الأيرل حاول أن ينتزع انتباهها من تلك اللوحات القابعة خلفه، وفحين لم يُكمل أو ينظُر اليها رفعت هي ناظريها الى السيد الذي يقف قُرب جونغكوك فتجده يُحدق فيها مُسبقاً.

ابتسم اليها بوداعة، ولكنها لم تستلطفه ومن دون وعيٍّ منها أردفت تُحدّث الأيرل فيما تُحافظ على التواصل البصري بينها وبين جيمين.

" ولكنه لم يبدُ كمُعالج أمس. "

في الواقع قولها لهذا في وجهه جعله يوّسع ابتسامته ويتحداها في تحديقٍ تبادلا فيه النظرات الباردة، فظهرت ابتسامة خافتة على شفتّي تايهيونغ.. بينما يُكمل جيمين بدلاً عنه وبدى فخوراً جداً بنفسه أثناء حديثه.

" درستُ الطب النفسي يا آنسة، وأنا ماهِر في التنويم المغناطيسي والدخول الى اذهان الآخرين.. وأستغل ذلك في عملي كمُعالج عن طريق الفن.. لذلك أنا الأفضل. "

صمتت ايميليا للحظة تُبادله الأنظار، وفكرت في أن جيمين يحظى بثقة كبيرة من الأيرلين.. فهو بعمله هذا يكون مُطّلعاً على دواخلهما جيداً، ولهما عنده معلوماتٌ خاصة كثيرة.. هذا مؤكد!.

رُبما لهذا السبب، جيمين هو المدرس الوحيد الذي يعيش هُنا!، كما تتذكر فان آنا أخبرتها ان هذا القصر مُقفل ولا يدخله أياً كان.. ولأن السيد يعرف الكثير عن الأيرلين فهو مُلزم بالبقاء داخل القصر وتحت مُراقبة العائلة كي لا تتسرب أي معلومة عنهما.

هذا.. مُحكمٌ جداً!.

لا تنكُر ان عمله مُبهر، فهي بنفسها مهتمة في ذلك المجال ولكن.. يبدو ان جيمين مُحترف لدرجة لا تتخيلها، وهذا أزعجها تماماً حين تذكرت انه قرأها بسهولة يوم أمس بل حتى أخضعها لتنويمٍ مغناطيسي..
ان كان هذا حقاً ما أخضعها له.

أشاحت بعينيها عنه، وبدأت تجوّل ناظريها بين الأيرلين الّذين يجلسان بصمتٍ مُنشغلين في لوحتيهما.. ولم تعتقد ان الأيرل تايهيونغ سيتحدث حتى فرّق شفتيه وجذب انتباهها في حين انه لم ينظر اليها حتى.

" أنا مُتأكد بأنكِ تتساءلين عن سبب وجودكِ هُنا. "

هذه الجملة شوشتها، فهي لم تعلم ان كان يقصُد وجودها في القصر أم في الدرس معهما الآن.. لهذا عقدت حاجبيها وأنتظرت منه تفسيراً، حتى توقف عن الرسم وحوّل ناظريه اليها.. فتنتفض ثقتها أمام نظراته المُباشرة.

وحينها أدركت، انه يقصد وجودها في القصر.. مع الأيرلين وتعيش معهما، فعينيه أخبرتاها بأنه يعرف انه السؤال الذي طرحته على نفسها مذ ان خطت داخل ملكية عائلة كيم، فابتسم وقتها بثقة.. وتفحصها سريعاً بعينيه بينما يُكمل حديثه الذي جعلها تستمع جيداً مذ انها حقاً فضولية.

" لا أحد يبدأ العمل معي صُدفة آنسة ايميليا، فأنا لا أترك فرصةً لها.. أنا أنتقي الأشخاص حولي جيداً، وارتأيتُ أن تكوني أنتِ التالية بعدما فعله والدكِ. "

في الواقع، جُملته الأخيرة جعلتها تُحدق فيه بانزعاج.. رُغم ان معه حقٌ تماماً، لكنها لم تشعر بالخجل من فِعلة أبيها لأنها حاولت منعه ولم يكُن لها يدٌ في ذلك.. وان كانت الاتهامات ستوّجه فهي كلها من نصيب والدها، ولكن ها هي تدفع ثمن شيءٍ لم تفعله.

لم تهتز نظراتها وبقي تواصلهما البصري قائماً، وهذا جعل تايهيونغ يهمس لنفسه أن لا بأس بها.. فهي بقيت هادئة تتشبث بثقتها في نفسها، بينما تراجع هو وأسند ظهره الى الكُرسي المريح ليُرخي جسده.. ويحدق فيها بِعُمقٍ حتى فقدت ايميليا قُدرتها على فهم ما يدور في ذهنه كون تعابيره ساكنة تماماً.

" كان بأمكاني جعل والدكِ يخسر كُل شيء، ولكنني رأيت أعمالكِ.. وبسببها أنتِ حرفياً أنقذته، فأنا قررتُ أن تعملي لصالحي.. رُغم اني أعلم تماماً أن أعمالكِ لا تُباع كثيراً، ليس لأنها ليست جيدة كفاية أو غير مُفيدة.. بل لأنها مميزة ولا يستطيع أي ساحر استخدامها، ستتعلمين سريعاً أن هذا ما أُفضله.. التميُّز. "

في البداية شرح سبب عدم مُقاضاته لوالدها بنبرة لامبالية كما لو ان أمره لا يُهمه أبداً، ثم فاجأها باطراءه الغير مُباشر لأعمالها حتى انها لم تستطع اخفاء تعابير التعجُب.. وفي جُملته الأخيرة أدركَ انها ليست سيئة بالفعل، فهي قادرة تماماً على مواجهة عينيه بثقة رغم تشوشها.

ابتسم لها بوضوحٍ أكثر هذه المرة، أمال برأسه قليلاً الى جهتها لتنزلق خُصلاته القاتمة على جبهته.. ضيّق عينيه لتشُعر ايميليا بحِدة نظراته ومدى عُمق عينيه الداكنتين، وأدركت انها بدأت ترتبك من هالته الساحِرة رُغم تعابيرها الساكنة ونظراتها الثابتة.

ومن ثم.. همس لها كما لو انها يُخبرها بسر، وثُقل صوته الرجولي ظهر في كُل كلمة ينطُقها بنبرةٍ مُريبة.

" لي اعجابٌ عُنصري للمميزين. "

ولأنها .. "مميزة"، أحضرها لتعيش في قصره؟، رُبما انه السبب الذي جعله يرغب بتوظيفها.. لكنه لم يكُن منطقياً كفاية لكي يُدخلها قصره.. فبكل سهولة تستطيع العمل معه دون أن تبقى قريبةً منه بهذا الشكل.

بادلته الأنظار للحظات، وقررت أن تسأل عن هذا الأمر.. لكنه قرأ أفكارها بسهولة، وتظاهر بأنه لم يتوقع سؤالها بل التفت برأسه نحو شقيقه الذي يجلس قريباً منه.. وتركها تُحدق فيه بحيرة بينما يُحدث تايهيونغ شقيقه.

" ولكن على أي حال، لم ندعُها الى هُنا من أجل هذا أليس كذلك.. جونغكوكي؟. "

لم تكُن جُملته الأخيرة عادية، فهو أمر بها شقيقه أن يُشارك في الحديث لسببٍ ما.. بينما ينظُر اليه بعينين جادتين ينتظر اجابته، وعلى الفور حوّلت ايميليا عينيها الى جونغكوك المنسي الذي لم ينطُق بكلمة حتى الآن.. وربما لم يُعجب هذا التصرف تايهيونغ.

رأت جيمين يتراجع ويسند ظهره الى الجدار قُرب جونغكوك، يعقد ذراعيه الى صدره وينظُر الى الأيرل الأصغر ليُصبح الهدف الجديد لأعيُن الجميع.. وهذا ما جعله يُطيع أوامر شقيقه.

تنهد، واستطاعت ايميليا رؤية انه أخفى ما أراد اخفاءه بسهولة خلف تعابيرٍ ساكنة.. فانتزع اهتمامه عن اللوحة أمامه والتي كان مشغولاً بها طوال الوقت، ورأته ايميليا يمد احدى يديه الى الطاولة الصغيرة القابعة قُربه بسكون.. فقط ليلتقط شيئاً من على سطحها.

التفت نحوها، وتلاقت أعينهُما أخيراً ليُحدق فيها ببرودٍ جعلها تشعر انها ارتكبت خطئاً بحقه أو ما شابه.. أو انه فقط لا يستلطفها بل لا يرغُب في المشاركة في الحديث أصلاً.

انتبهت أخيراً الى يده التي امتدت نحوها، فنظرت اليها لترى ظرفاً باهت اللون ومُزيّن باحترافيةٍ ليبرُز جماله.. ولم تستطع أن تمنع انعقاد حاجبيها من الظهور بما انها لم تعرف ما يعنيه هذا، وسرعان ما رفعت عينيها مُجدداً الى الأيرل الذي قرر اخبارها.

" استلمتِ دعوة.. آنسة ايميليا. "

بكُل اختصار تحدث جونغكوك ليكشف عن صوته الهادئ، صارمٌ لكنه يحمل جمال وقعِ الموسيقى على الأُذُنين.. فتذكرت بسببه ما حدث يوم أمس حين اقترب وهمس لها بتلك الكلمات الغريبة، فيُحررها مما كانت تُعانيه بعد مُقابلة جيمين، وخطر لها هذا التساؤل فجأة..
لمَ ساعدها وقتها؟.

أخفضت صوت أفكارها، وتمالكت نفسها حين رفعت احدى يديها لتستلم الظرف منه وتبدأ في التفكير في أمر هذه الدعوة المُفاجئة.. وفي اللحظة التي أمسكت فيها بالظرف الجميل أفلته جونغكوك سريعاً ليجذب بذلك ناظرّي ايميليا.

وبعدما حاول اخفاء رد فعله أو جعل ايميليا تنساها -حيث انها لا تُشير الا لعدم رغبته في الحديث- شرح لها بنبرةٍ تتخللها اللامبالاة والجدية، حاملاً نظراتٍ مُباشرة الى عينيها.

" يبدو أن الاعلام بدأ يهتم بالآنسة المعروفة باسمِ لي فايوليت التي تعمل لصالح عائلة كيم، بل تعيش في قصرهم أيضاً.. وسريعاً بدأ الجميع بفعلِ ذلك، فآنسات الطبقة الراقية يرسلنَ لكِ بدعواتهنَ منذ أمس، وبما أننا لا نُحب الضجة اخترتُ بنفسي الآنسة التي تستحق وحدها أن يتم قبول دعوتها. "

تفاجأت ايميليا لأن تلك قد تكون أطول فترة سمعت بها صوته حتى الآن، لكنها لم تبدُ مسرورة من الخبر الذي جعلها تعقد حاجبيها وتُحدق في الدعوة بينما تتقلب الأفكار في رأسها.

سابقاً، لم يكُن أحدٌ يهتم بها، خصوصاً آنسات الطبقة الراقية.. فشعرت انه سيتم استغلالها من قِبلهِن لو قبلت باحدى دعواتهن، فهُن بالطبع سيُغدِقنها بالأسئلة الكثيرة حول الأيرلين فقط.. انه هدفهن بالتأكيد مذ انهما مُحاطين بالغموض رُغم شعبيتهما الكبيرة بين الفتيات بل آنسات انجلترا الغنيات.

جذب ناظريها بعدها تلك الأختام والحروف الأنجليزية المصفوفة بعناية أعلى يسار الدعوة، وشعرت بأن الأسم المكتوب هُناك يبدو مألوفاً جداً.

( منزل الدوق كيم سوك مين. )

أليس.. هذا..؟.

توسعت عيناها قليلاً، اعتلى التفاجؤ محياها ولم تجد الكلمات المُناسبة التي قد تُجيب بها.. فهي تعرف هذا الأسم جيداً!، ان الدعوة هذه مُقدمة من الآنسة نايون، شقيقةٌ لأشهرِ فاضح سحرة في بريطانيا..
كيم سوك جين!.

انه يحضر جميع عروض السحرة المُقامة في ارجاء بريطانيا، يشاهدهم عن كثب بعينيه الثاقبتين ويكشِف أسرارهم للعالم بأسره ليُثبت انهم مُجرد مُحتالين ولا وجود لمن يُسمى بالساحر الحقيقي.. لقد فضح الكثير من السحرة سابقاً، وهو شابٌ ذكي لا تفوته خدعةٌ الا وكشفها.

ولكن.. انها تعلم جيداً انه فشل بجدارة في كشفِ اسرار عروض عائلة كيم العظيمة، ولا يزال يحاول جاهداً حتى هذا اليوم ليوقع بطريقةٍ ما بهم، هو يُشاهد عروضهم باستمرار بل يحضُر مُعظمها.. لكن لا فائدة تعودُ عليه.

شعرت ايميليا بأنها مشوشة، ورفعت عينيها سريعاً الى الأيرل تايهيونغ الذي كان يُحدق فيها مُسبقاً فتلاقت أعيُنهما.. ويبدو انه استطاع قراءة تعابيرها بسهولة حين نطقت بتردد كما لو انها تتساءل عن سبب اختيار شقيقه لهذه الآنسة.

" لكن.. هذا الرجل.. "

استوقفها بعدها، بكُل ثقة حدّثها بينما تُلاحظ مدى استرخاء تعابيره.

" أخي على معرفة تامة بمن يكون هذا الرجل، ولهذا قرر الموافقة على دعوة شقيقته.. ولهذا أيضاً عيّنتُ لكِ بنفسي مُرافقاً سينضم اليكِ ليلتها. "

لم يبدُ أن أي شيءٍ وقتها منطقي، لم تستطع ايميليا التفكير في السبب الذي يدفعه للقبول بهذه الدعوة خصيصاً.. رُبما هو ليس قلِقاً بشأنِ تسرّب أي معلومةٍ منها عن القصر بما أنها لا تعرف الكثير أساساً ولكن.. ماذا بشأن الـ"مُرافق"؟.

أمام نظراته الجدية والمُباشرة شعرت أنه لا يطلب منها الذهاب، بل هو يأمُرُها بذلك.. فلم ترغب بالمجادلة وقتها وألقت بتركيزها على الظرف بين يديها، ففتحته بعناية بعد أن قررت قراءة البطاقة المختبئة فيه.

شعرت ان جميع العيون عليها، فحتى الأيرل جونغكوك يُحدق فيها دون أي بريقٍ أو اهتمام في عينيه وتعابيره الساكنة.. بينما تجد الصرامة والحِدة في نظرات الوريث تايهيونغ، ثم هُناك الابتسامة اللعوبة والمُكر في وجه جيمين.

انكشفت البطاقة أمامها، وتفحصتها سريعاً عينّا ايميليا الواسعتين.. لتكتشف انها دعوةٌ لحفلة شاي مساءية خاصة بآنسات الطبقة الراقية تُقام ليلة غد، وعلى الفور خطرت لذهنها فكرة ان جميع من رُفِضَت دعواتهُن سيتواجدن في هذه الحفلة الوحيدة.. فقط لأنها ستذهب اليها، وستكون فرصة ذهبية لهُن لمعرِفة ما يقبع خلف أسوار القصر المُقفل لعائلة كيم.

هذا مُزعج جداً.

فكرت ايميليا بهذا، وسرعان ما أعادت تلك البطاقة المُزينة الى داخل الظرف ولا يبدو انها مُرتاحة مع هذا القرار.. فهو لم يكُن اختيارياً لسببٍ ما، وعلى أي حال هي لن تستطيع رفض ما يطلبه الأيرل تايهيونغ منها ببساطة.

لكنها ترفض بالطبع أن تخضع لهذا رُغماً عنها، فضيّق تايهيونغ عينيه بفضولٍ من ردة فعلها حين رفعت عينيها اليه.. وتبادلا الأنظار الجدية للحظات قبل أن تسأله.

" ولكن لمَ علّي الذهاب أيُّها الأيرل؟، ظننتُ انك ستُفضّل البقاء بعيداً عن هذا الرجل. "

وقتها لم تفهم تماماً لم ابتسم الأيرل، فقد كانت ابتسامته خفيفة لكن مليئة بالغرور والثقة.. وأجابها سهولة بالغة كما لو انه لا يهتم حقاً للمدعو كيم سوك جين.

" لستُ انا من ينبغي عليه البقاء بعيداً آنسة ايميليا، انجلترا مدينتي أنا.. وسيبقى السيد كيم سوك جين بعيداً عني ان كان يوّد مصلحة الجميع، وأولهم خاصته. "

نظرت اليه ايميليا بتمعُن، وأدركت انه ذو نفوذ كبير في انجلترا بالفعل.. ولم يكُن ليقلق بشأن ابن الدوق سوك مين، وفي خضم هذا اقتحم جيمين المشهد.. وجذب اهتمام ايميليا التي نظرت اليه لتراه يبتسم مُتظاهِراً بالبراءة بينما يُحدثها.

" كنت سأوّدُ كثيراً أن أكون أنا مُرافقكِ أيّتُها الحسناء. "

كان من الواضح انها يحاول العبث معها أو الحصول على بعضِ المُتعة، والأسوأ من هذا هو يعلم تماماً أنها لن تستطيع حقاً فعل شيءٍ بخصوص هذا.. فناظرته بانزعاج وأظهرت برود تعابيرها له بينما يكشِف هو عن مُكر الثعالب في نظراته.

قاطع هذا همسة صغيرة من الوريث، جعلتها تحاول النظر اليه لتعرف مقصده.. فهو وجّه تلك الكلمتين اليها.

" اسمحي لي. "

ظهر التفاجؤ على وجهها حين شعرت بيدٍ تحُطُ على خاصتها، انكمش جسدها ولم تستطع ايجاد رد فعلٍ مُناسب لما حدث.. فتايهيونغ مد يده نحو خاصة ايميليا حين ومضَ بريقُ خاتمٍ ترتديه في عينيه، وعلى غفلة وجدت يدها في يده.. يرفعها نحوه ويحتضن أصابعها برقة ليبدو كما لو انه يدعوها لرقصة.

ارتبكت وقتها لأن هذا لم يحدث لها مُسبقاً، وشعرت بعدم الراحة حين نظرت الى الوريث ورأته يُلقي باهتمامه الى لوحته تارة.. ثم يعاود النظر الى يدها في خاصته تارةً أُخرى، فتساءلت وقتها ان كان ينوي رسم يدها أيضاً لسببٍ ما.

كانت تعابيره جادة تماماً، يضيّق عينيه ليُركز على التفاصيل الدقيقة وهالته الساحِرة توترها عن قُرب.. خصوصاً وأنها شعرت ببرودِة يده أخيراً بعد ان استسلمت وقررت عدم سحب يدها، فهو تصرفٌ فظٌ تماماً.

لا تستطيع قول انها كانت راضية، فهي جوّلت عينيها هُنا وهناك للحظات كما لو انها لم تعتد بعد على لمسته.. ثم رفعت عينيها لتُحدق في يديهما معاً. إنه.. باردٌ جدًا، كقطعة ثلج.

كانت بشرته السمراء جذابة، وتكوّن صورة رائعة مع خاصتها الناصعة.. عروقٌ اتضحت على ظهرِ يده الكبيرة بينما نعومة خاصتها تضادت معه، وتساءلت في نفسها وقتها عن امكانية ان يمتلك رجلٌ كهذا شعورًا غريباً تحتضنه يده.

يمسكها برقة كما لو انها تويجةُ زهرةٍ يخافُ أن تسقط، وهذا جعلها تحاول اخفاء حقيقة انها ازدردت ريقها وأشاحت بعينيها عن يديهما غيرُ راغبة في النظر الى وجهه الذي يُخفي الجاذبية فيه.

حينها.. حطّت عيناها على الأيرل الأصغر، ولمحته وهو يُشيح بعينيه أيضاً عن يدها الأسيرة في خاصة شقيقه، ثم يعاود الرسم بصمت ليُلقي بتركيزه على لوحته أمامه.. لكن ايميليا استمرت بالنظر اليه. كان هادئاً كما لو انه يحاول أن يخفي وجوده، لكن هذا مُستحيل لكونه يمتلك تلك الهالة الرجولية.. كانت نظراته وتعابيره مُظلمة، لكنها اعتقدت انه جذّاب تماماً بالطريقة التي هو فيها، فهو لا يبذل أي جُهد ليبرُز حِدة عينيه ودِقة تفاصيل وجهه المرسوم بعناية.

للحظات.. نسيت انها تُحدق به، وتأملت وجهه جيداً حين شعرت بشيءٍ غريب داخلها.. ثم ومضت أمام عينيها ابتسامةٌ أرنبية لطيفة لصبيٍّ صغير كانت تعرفه، ورأتها فقط حين ركزت في ملامح الأيرل جونغكوك.

وقتها شعر هو بشخصٍ ما يُحدق به، وعلى الفور نظر الى الآنسة على يساره.. وتلاقت أعيُنهما ليتصادم برود نظراته مع دفئ خاصتها، فارتبكت وشعرت انه من الفظ أن تستمر في التحديق به.

لكن وقتها، لم تستطع ازاحة عينيها عنه خصوصاً وأنه لم يُحدث أي رد فعلٍ يُذكر.. فهو أبطئ من حركة يده التي كان يستخدمها للرسم، وبادلها التحديق دون أن يحمل بريقاً في عينيه.

كان هذا غريباً.. لكنه جعلها تدرُك انه ورغم كُل بروده، فهو يحمِل في نظراته شيئاً يُذكرها بجونغكوك الصغير.. ذو العروض السحرية على ناصيةٍ قديمة في شوارع لندن.

شعرت بأن الأمر تجاوز الحد بعض الشيء، فأبعدت عينيها عنه بِبُطءٍ كي لا يشعُر بأنها تحاول اخفاء شيءٍ ما.. وبالمُقابل أشاح هو بنظراته عنها في الوقت ذاته، كما لو انهما يرفُضان ان يدخُلا في أي حديث رُغم تلاقي أعيُنهما والصمت المُطبق حولهما.

لم يكُن هُناك ما يستحق أن يُذكر بينهما، ففي النهاية هُما غريبين عن بعضهما.

لكن السيد جيمين، ذو النظر الثاقب انتبه وبسهولة لتلك النظرات بينهما.. وجوّل عينيه بهدوء بينهما ليُلاحظ تجاهل كلاً منهما للآخر، فضيّق عينيه بفضول وراح يبتسم مع نفسه كما لو ان هذا كان مُمتعاً بالنسبة اليه.

فهو يعرف العديد من الأمور التي لا يعرفها غيره.

أخيراً استعادت ايميليا شعورها بيد تايهيونغ تُقيّد خاصتها، ليس وكأنها نسيته ولكنها تشوشت قليلاً بعد نظرات جونغكوك المُباشرة لها.. وكان الوقت مُناسباً جداً لتستعيد انتباهها فالأيرل توقف عن الرسم ورأته يضع الفُرشاة جانباً.

" كان درساً مُثيراً للاهتمام.. أشكُرُكِ. "

تمتم في بداية حديثه، ثم رفع عينيه ليضعها في خاصة ايميليا عندما نطق الكلمة الأخيرة بوضوحٍ لها.. ولم يتركها تفهم ان كان يشكُرها لجعل الدرس مُثيراً للاهتمام -رُغم انها لم تفعل شيئاً يُذكر- أم انه يشكُرها لاقراضه يدها لفترة.

ابتسم بريبة في وجهها، وشعرت بنظراته تخترقها حين أفلت يدها بِبُطء لتفترق عن خاصته.. فأعادت يدها الى حضنها سريعاً لتتمسك بظرفِ الدعوة المُزين بكلتا يديها قبل أن تشيح بعينيها عن عينيه الثاقبتين.

انها تشعُر.. كما لو انه سينتهز كُل فُرصةٍ تجمعهما ليضعها في اختبارٍ ما، فهو يتركها مُعلقة بأسئلةٍ كثيرة تجول في رأسها.. وتتعجب من نظراته وجُمله الغريبة.

كان يبدو انه انتهى من لوحته، فهو تراجع ليُسنِد ظهره الى الكُرسي مُجدداً باسترخاءٍ تام ليُشير بذلك الى جيمين الذي تقدم بخطواتٍ مُتزنة ناحيته، فراقبته حتى توقف خلف كُرسّي الأيرلين.. استند بمرفقه على ظهر كُرسي تايهيونغ وانحنى ليُلقي بتركيزه على لوحته.

علِمت انه يدرُسها بعناية بعينيه، ولم تستطع كبح فضولها حين مالت برأسها قليلاً لتحصُل على رؤيةٍ أفضل للوحة الوريث.

كانت عبارة عن رسمةٍ لسلة فواكه تتباهى بألوانها الخلاّبة على طاولةٍ خشبية، وقد دُهِشت من دقته في نحتِ تلك الطاولة فتبدو حقيقة للغاية.. ثم ها هي يدُها التي يحتضن أحد أصابعها خاتمٌ برّاق صغير، تلتقط تُفاحة حمراء لامعة من تلك السلة الجميلة.

كانت اللوحة.. مثالية!.

لا بُد ان هذا ما يفعله كيم تايهيونغ، ينسب المثالية دوماً اليه.. ولم يكُن لها أن تنكر مدى جمالِ لوحته المُتقنة، لقد اعتنى بكُل تفصيلٍ فيها حتى باتت خالية من العيوب.

بفضولٍ نظرت الى جيمين لترى رد فعله وتسمع تشخيصه -رُغم انها تعتقد بأنه لن يقول شيئاً طالما انها متواجدة-، لكنها لاحظت كم هو راضٍ عن تلك اللوحة بوضوح.. فهو ابتسم ونظر الى تايهيونغ الذي كان يستمر في التحديق فيه كما لو انه يتوقع أي اطراء يُقدمه له.

" كالعادة أيُّها الأيرل، ممتاز!. "

بكُل ثقة أشاح تايهيونغ بعينيه عن مُدرسه، بينما جذب الأيرل جونغكوك الانتباه حين ترك الفُرشاة الخاصة به أيضاً.. وأعلنَ بهدوء.

" انتهيتُ أيضاً، نملِكُ موعداً مُهماً أخي. "

كان يبدو انه على عجلة للرحيل، فهو ذكّر تايهيونغ بموعدٍ ما دون أن يكون لهذا حاجة.. فعينّي جونغكوك حدقتا في خاصة أخيه الأكبر للحظاتٍ تبادلا فيها الأنظار الجادة، وهذا جعل ايميليا تعقد حاجبيها بتساؤل.

كان يبدو انهما يتحدثان معاً.. بعينيهما.

فجأة أشاح تايهيونغ بعينيه، وبهدوءٍ نهض من كُرسيه فيدفع بايميليا الى النهوض أيضاً لتقديم الاحترام اللازم للأيرلين.. فجونغكوك تبع شقيقه من فوره ليستقيما معاً، ويُصبح الجميع واقفاً على قدميه.

قبل أن ينصرف أحد، حدق جيمين في لوحة جونغكوك المخفية عن ايميليا، ولكنها لاحظت كم تغيرت تعابيره بالنظر اليها.. وعلى الفور نظر جيمين الى الأيرل الأصغر بنظراتٍ جادة لكن غير مفهومة بالنسبة اليها، وجونغكوك وقتها نظر اليه للحظات قصيرة فقط ثم أشاح بعينيه كما لو انه غير مُهتم بتشخيصه.

كما لو انه يعلم تماماً ما تعني لوحته دون أن يُخبره جيمين بذلك.

" درسٌ ممتاز، أيّها الأيرلين.. أرجو أن تقضيا يوماً رائعاً. "

تفاجأت ايميليا من رد جيمين الذي تجاهل فيه وبكل وضوح أمر لوحة جونغكوك.. وسمحا لهما بالأنصراف مُعلناً عن نهاية الدرس، فاستعادت ايميليا رُزنَ تعابيرها على الفور حين نظر كلاً من الأيرلين اليها في الوقت نفسه.. أومئا لها برأسيهما ليودعاها، لكن كان عليها أن تُقدم احتراماً أكبر فانحنت لهُما برأسها بالمقابل.

لكنها ثبتت ناظريها على الأيرل تايهيونغ بما انه من حدّثها برسمية شديدة ونظراتٌ يشع منها الكبرياء والترّفُع.

" نهاراً سعيداً.. آنسة ايميليا. "

" نهاراً سعيداً لكُما أيضاً أيُها الأيرلين، مُمتنةٌ لدعوتكما. "

أجابته برسمية هي الأُخرى لتشكُرهما على هذا الوقت معهما باحترام، وسرعان ما التفت تايهيونغ وجونغكوك في الوقت نفسه ليومئا الى جيمين الذي انحنى برأسه بابتسامة لعوبة، ثم تركهما ينصرفان تحت مُراقبة ايميليا لهُما حين كانا يتجهان نحو الباب.

فتحه لهُما دونغهي الذي كان يقف هُناك طوال الوقت بصمت، وانصرفا ببساطة ليختفيا من هُناك مع حارسهما الشخصي ببساطة.. تاركّين ايميليا تُقلّب الأفكار في رأسها.

كادت تنسى وجود جيمين معها، أو ربما هي تجاهلته كفاية لتنساه.. فهي بكُل شرود تحركت من مكانها ناويةً الانصراف أيضاً.. لكن خطواتها كانت تختلف عن خاصة الأيرلين الواثقة والمُتزنة، فهي كانت بطيئة وحذرة.

بفضولٍ اتجهت عيناها نحو لوحة جونغكوك المتروكة هُناك بعد أن أصبحت أقرب لها، ووجدت نفسها تُحدق فيها لتعرِف أن جيمين طلب منهما أن يرسُما سلة فواكه ببساطة ليتخذوها موضوعاً لدرسِ اليوم.. فلوحته كانت تحتوي عليها أيضاً كخاصة تايهيونغ.

لكنها.. كانت مُختلفة.

كانت السلة تتزين بشريطٍ برّاق، وهي قابعةٌ على قطعةِ قُماشٍ تفترش مساحة على عُشبٍ أخضر بهي اللون.. وكان هُنالك كأسٌ زُجاجي يمتلأ بالماء حتى نصفه، يحوي زهرتين فيه.

وهُنا حيث عقدت حاجبيها، فاحدى الزهرتين كانت حيوية ومُشرقة بل ذات لونٍ أخاذ.. لكن الأُخرى كانت تختبئ خلفها، ذابلةٌ ومُتيبسة.

لقد اعتنى بتفاصيلٍ أُخرى لطيفة.. كأشعةِ الشمس الذهبية التي تنعكس عن الكأس الزجاجي أو سطوح الفواكه، تباهي الزهرة المُتفتحة وحُزن المُختبئة خلفها.. وبالتأكيد كانت لوحة جونغكوك تُعطي طابعاً دافئاً، عكس هالته تماماً.

تُرى.. ما الذي رآه جيمين فيها؟.

على ذِكر هذا، هي استفاقت من شرودها في اللوحة عندما تذكرت وجوده على غفلة.. وحوّلت بناظريها اليه سريعاً لتكتشف انه كان يُحدق فيها مُسبقاً بما انها تقف هُناك بلا حراك.

كانت تعابيره ساكنة، لكنه ابتسم بطريقة مُريبة اليها عندما نظرت اليه.. ضيّق عينيه بِخُبث وأمال رأسه قليلاً الى اليمين كما لو انه يتأمل جيداً وجهها بينما يُخفي يديه في جيوبه، فسرعان ما تداركت ايميليا الأمر ورمقته بنظراتٍ مُنزعجة قبل ان تُشيح بعينيها عنه.

سارت نحو الباب الذي لا يزال مُنفرجاً، وخرجت من تلك الغُرفة أخيراً لتترك الأشقر خلفها.. وبدأت في السير في الممر الواسع دون هدف.

أفكارها كانت مُبعثرة، لكنها حاولت ترتيبها بهدوء بينما تتمسك جيداً بالدعوة في احدى يديها.. وفي عقلها تتراكم الأسئلة التي تبدأ بِـ "لمَ؟".

أصبحت غير مُتأكدة مما تفعله منذ لحظة دخولها الى هذا القصر، فهو بشكلٍ ما لا يجعلها مُرتاحة خلف جدرانه..
خصوصاً وانه المتاهة الخاصة بالأيرلين الغامضين.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

.

انتهى!.

رأيكم؟ اتركوه رجاءً في التعليقات استمتع جداً بقراءتها!🤩.

أي توقعات؟😶.

أحبكم جميعاً!😍.

بيس!✌️.

Continue Reading

You'll Also Like

Eve By نيارلا

Mystery / Thriller

1.3K 326 8
جرائم قتل متتالية بين مجموعه اصدقاء، والقاتل واحد منهم فـهل سيعرفون من هو ام سوف تنكشف حقائق لم يكن يعرفها غيرهم وينجوا القاتل؟ *تحتوى على الفاظ ومش...
371K 33.6K 24
كيم تايهيونغ أم كيم تايهيونغ ؟ عليكِ إختيار أحدهما جيون لورا .. #btsffawardarWinner #1-kim taehyung ✨ مكتملة ⭐
389 68 5
« _فِي هَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي لَمْ يَلْقَ بِي يَوْمًا كَأُنْثَى، وَجَدْتُ ذَاتِي. «بـارك جـيمـين «ڤيـنيـسيـا مـارتـن
118K 14.8K 17
-الرواية خاصة للمتابعين فقط- " انتً جُرعةٍ اتنشط بها في الصباح ، وجُرعةٍ يلجأ اليها قَلبي حتى يبقى مُستيقظاً لأجلكَ في المسَاء " •جيون جونغكوك •اوه...