صندوق الدنيا 💕

By NadeenGoher

9.2K 253 18

#صندوق_الدنيا المقدمة ... صندوق الدنيا ...صندوق صغير يحوى حكايات أغرب من تلك المدعاة ألف ليلة وليلة ...حكاي... More

الفصل الاول 💕
الفصل الثاني
الفصل الرابع
الخاتمة

الفصل الثالث

1.2K 42 2
By NadeenGoher


#صندوق_الدنيا
#الفصل_الثالث
ما كان يجب أن تأتى هنا !
ما كان يجب أن تخرج من عزلتها أبدا .....الأن ...الأن كل شئ سيكشف وستوضع حياتها فى مهب الرياح مجددا ....
قلبها الخائن يهرع بنبض متعثر ...تحتضن ذيل فستانها وتركض ...ليس فقط من هذه اللحظة ...
بل تهرب من ماضى يتزاحم ليقحمها بداخله مجددا ....
أن تعيش الحكاية مجددا ...لا تملك بالا لفراق أخر ...يكفى ما حدث ....
وجود عمر فى محيطها الأن يعنى أنها فى خطر !!!
إنهمرت دموعها وهى تلوم حظها ...هذا الحظ المتعثر الذى لا ينصفها أبدا للأن ....
لم تكد إسراء تستوعب بعد إنسحاب أختها حتى إعتذرت لعمر وهى تركض خلف أختها ...تحاول اللحاق بها ...نادت عليها مرة ...
ثانية ...لكنها لا تستجيب ولا تتوقف ...كأن شئ ما يدفعها لتركض ..
وشئ أخر يؤلمها لتشقق شهقاتها السماء ووقار الليل ...تسرد شئ يحاك بصدرها لا يرحمها ...
أخذت يسرا أول سيارة أجرة وجدتها لترحل بها بعيدا عن هذا المكان ...بينما وقفت إسراء تلتقط أنفاسها وهى ترى أختها ترحل ...بينما وقفت عاجزة عن فهم ما حدث !!
شعرت بيد تربت على كتفها وبأنفاس هائجة مثلها ...إلتفتت فوجدته عمر ...بملامح غريبة ...قاتمة كقتامة الليل الذى يكتنفهما ....
أسنانه تصطك فبدا عرق وجهه ينتفض حتى وإن حاول التحكم به ...لم تجد أى تفسير لإضطرابه ...
أجفلها صوته الرخيم وهو يسألها بخفوت :
-" أختك مالها ؟!"
للحظة حاولت التفكير فى أى حجة تخفى بها جنون أختها هذه الليلة ....مهما تغيرت ستظل يسرا متهورة ...
تفعل ما يخطر على بالها ...
لا تراعى أحدا ولا تلقى لأحد بالا ....
زفرت وهى تهمس بغموض :
-" متاخدش فى بالك يا عمر ...يسرا أختى كدا ...دماغها طقة !"
مالت شفتيه بإبتسامة جانبية ...تهكم ببرود :
-" هى إسمها يسرا !"
ضيقت إسراء عينيها ...حال عمر غريبة ...كأنه تبدل فى لحظة من الوضوح للغموض ...
من النقاء للكدر ...
من الإفصاح ...للتوارى والكتمان ...
يخفى شئ وكأنه يحاول إستنباط منها أى شئ ...ولكنها عاجزة عن سبر أغواره والوصول لما يخفيه بين ضلوعه ...وفى قلبه ...ولكنه صعب عليها الطريق بكلماته التى حولت مسار حوارهما :
-" اسمها عاقل مش لايق على تهورها ...مش مهم ..تعالى ندخل الجو برد هنا ولسا فى كلام عايز اقوله لك ..."
مد يده يسند ساعدها وقدمها بالفعل تأن من الركض بالكعب العالى ....
سار كلا منهما بمحازاة الأخر ...ولكن كان كلا منهما فى عالم مختلف ...
إسراء تفكر فى ماهية تصرف أختها ...وعمر ...اه من عمر حلقت ذاكرته فى ذكرى أسعدت قلبه بقدر ما ألمته ....عرفها ...وكيف لا ...
إرتجافة شفتيها ....تلك التى قبلهما فى الوداع ...وليته كان يعلم أنه الوداع ...
جسدها الصغير بقوامه الأنثوى المغرى .....هذا الذى إحتواه يوما بين ذراعيه ...وكان ملكا له فى دنيا صغيرة إحتوتهما
مبتدأها عناقه ونهايتها قبلته ....
حتى وهى تركض كالبلهاء .....تطاير شعرها ...ولمحه ...لمح وشم صغير أسفل عنقها ...وشمته على جرح قديم ....يحفظ كل تفصيلة به ...بل يحفظ عدد ندوب هذا الجرح ونقوشات وروده بأكملها....سرد عليهما بقبلاته حكاية قلب وقع فى غرامها ....
رحلت ....
تركته مصدوم عاجز عن إيجاد السبب ؟
لما هجرته بعد أن أحبها هكذا ...
خذلته حين إحتاج لها ...
هربت منه حين إحتواها ...
كذبت عليه حين هواها ...
أكان قلبه رخيص ملقى على أرصفة الهوى غير أمل فى بيعة تنصفه ؟؟؟
أم أن حبه كان مخيف كصوت دوى مدفع على بيت يقصفه ؟؟
والأن ...هى ليست حبيبته رنا التى عرفها ....هى يسرا ..عقل مدبر وشخص متهور غزل له قصة حب واهنة كان فريسة سهلة متعثرة فى خيوطها ....
زفر عمر والشرود يكتنفه من كل جانب ...
سار بتخاذل مهملا تلك التى تسير معه وعقله وقلبه وكيانه كرجل ...كلهم تعاونوا لا لشئ إلا لإثبات أنه كان الضحية ...وأنها كانت المتجبرة ؟؟
ولمعرفة شئ واحد ...لم وأدت حبا حيا كان يتنامى لها فى قلبه ...
وكانت الخواطر روائح الذكريات ...تناثرت فى الهواء حتى حلت عليها ...يسرا ...
وصلت لحيث شقتها وصعدت الدرج فى لمح البصر ...ظلت تطرق الباب بعنف متجاهلة ما تحدثه من فضيحة !! وبكائها صار يعلو صوته ....
فتحت لها المربية مذعورة من شكلها ...ولكنها كانت تبحث عن شئ واحد ...إبنتها ...رهف ...هى القادرة الأن على ترويضها ...
طمأنتها ....
إشعارها أن كل شئ سيكون بخير ....
وجدتها نائمة على فراشها الصغير تتوسطه ...تضع إبهامها الصغير بفمها تمتصه وتسرح بعالمها الوردى الصغير نائمة بعمق ...حينها فقط إبتسمت يسرا وهى تراقبها ....وزاح عنها هما ...وهى تدرك أنها لم تخرج خاسرة من حياتها ...بوجود إبنتها معها ....ستحل كل شئ !!
إقتربت يسرا من فراشها بتمهل وهى تخلع حذائها ...وتمد يدها لتحتضنها ...
حين ضمتها لقلبها سكن ...وتوقف عن أنينه المزعج ....إستنشقت رائحتها فكانت كمخدر قوى أوقف تبعات رحلتها المضنية إلى الماضى .....
نامت بها على الفراش ولازلت رهف بين ذراعيها ...كان زفيرها شهيق يسرا ...هذا الذى يبعث الحياة بصدرها .....
وضعتها جوارها ولازالت تحتضنها ...وغصبا عنها لم تستطع منها ذاتها من الولوج لباب من أبواب ذاكرتها لتتذكر هذه الليلة بالذات .....

______________منذ أربعة أعوام___________

فى الجزائر ....

-" أنا بحبك ..."
رنت هذه الكلمة على مسمعها ....فكانت هى لحن تعزفه نبرته الرخيمة الواثقة ...وكانت هى طرب تناغمت عليه مشاعرها ...ودف ضرب فتراقصت عليه أنوثتها بتغنج ....
فى هذا المكان الشاعرى الهادئ ....يحمل عبق الماضى وسحر الحاضر وزهوة المستقبل ..ملتقى لكل ما هو جميل قلبا وقالبا
هنا حيث رأته لأول مرة ...حيث أعجبها ...وتسلل حبه لقلبها ..وهنا مع إعترافه الساحر كانت إيذانا بتملك عشقه لقلبها ....
لوهلة نكزها عقلها ألا تسعد بعلاقة مكتوب فى قدرها الفشل والنسيان ....
فكيف لا وهو يحب شخصية وهمية تفننت هى فى رسمها ....شخصية لا تمس حقيقتها السوداء أبدا !
كانت عينيه تطلب الجواب ...ومهما كانت كاذبة فكلماتها كانت أصدق ما كانت تملكه حينها
-" وأنا كمان بحبك .." زفرت ببيأس ضائق ...
-" وبتقوليها بضيق ليه ؟ "
-" عشان مكنتش عاملة حسابى ..عشان مكنش ينفع أحبك يا عمر !"
كلماتها غريبة لأول مرة منذ عرفها تكون بهذا الغموض ...وهذه السوداوية :
-" بس الحب مش بيتحسبله حساب ...دا قدر !"
همست بحرزن منكسر :
-" أنا عمر قدرى ما كان حلو ...تفتكر دا مش سبب عشان أخاف ..."
-" بس أنا جنبك ...وبحبك ومش هسيبك !"
-" وأنا مش هستحمل أنك تسيبنى !"
مد يده ليحتضن يدها يمسد كفها باعثا الدفء به ...لتهدأ ..ولم يحسب أنه هكذا يحثها على البكاء...سالت دموعها فتعجب أكثر ...لما فجأة خيم هذا الحزن على ملامحها ....
وهو الذى إنتوى أن يخبرها أخيرا ....أن يغدقها بأبيات وأشعار ليعبر لها عن تلك المكانة الوردية المزدهرة التى صنعتها بداخله ....حال كل هذا فجأة لرغبة فضولية فى معرفة سبب هذا الحزن ...
ليطمئن ...وليطمئنها ...
-" رنا أنتى مخبية عليا حاجة ...."
تهكمت فى داخلها وتمنت أن تخبره بها " الكثييييير " لكنها حركت رأسها رفضا بدلا عن ذلك ...وهى تكتم شهقاتها وتحاول جاهدة أن تتحكم بعاطفتها البائسة مبدلة حال ملامحها من العبوس إلى التبسم ...لتهمس برفق :
-" هخبى عنك إيه يعنى يا عمر ..."
-" أمال خايفة من علاقتنا ليه !"
-" أهلى مش هيسمحوا بالعلاقة دى !"
همست بها وهى تعلم أنها كاذبة مجددا ولكنها لم تكن تدرك أن الكذب صار مختلطا بدمائها كلما حاولت الفرار منه كلما تمكن منها أكثر ....
سمعته يهمس بحرارة وإندفاع :
-" وأنا مش هسيبك يا رنا ...لأنك الوحيدة الى أنا حبيتها ! يمكن وضعى دلوقتى مش كويس بس هحسنه ...هحسنه عشان خاطرك ...عشان أقدر أتقدملك !"
كانت تود البوح بها وشعرت بها ثقيلة على قلبها ...
-" هتتجوز بنت الراجل الى أنت بتكرهه يا عمر ! "
لكنها فضلت الإحتفاظ بها كما ستحتفظ بهذا الحب طى الغموض ....لن تضع نفسها موضع إختيار بين ماله الذى يريد إسترجاعه وبين حب مزيف لها ...
بالطبع لن يختارها ! ومنذ متى إختارها أحدهم !!
أومأت برأسها مبتسمة بهدوء :
-" وأنا هستناك يا عمر ! "
بعدها بإسبوعين ....
كانت قد أعدت كل شئ لتغادر ....لتترك شخصية رنا هنا بين أحضان الجزائر ..ولتعود لشخصيتها الحقيقة بعودتها لبلادها ....لم يهن على قلبها أن تغادر دون أن تودعه ....دون أن ترى عينيه الرمادية للمرة الأخيرة ....دون أن تخبره أنها تحبه للمرة الأخيرة ....
تركت حقيبتها بالفندق الذى تقيم فيه ....وإستقلت سيارة أجرة لبيته فى أحد شوارع الجزائر ....كانت متأنقة ببساطة لطالما أثنى عليها تخالف شخصيتها الغجرية كثيرا !!
دقت الباب فلم يجيب ...دقته مرة أخرى فتأخر الرد ...قلقت ....وزاد قلقها حين فتح الباب بوهن ولم يبدو أبدا بحالة جيدة .....عيناه الرمادية الاسرة حالت دموية من البكاء ...وعروق وجهه الأسرة حالت منتفضة من الغضب !
لوهلة ظنت أنه كشفها ....أطلق ناقوس الخطر بداخلها وإستعدت مسامعها لكل ما هو سئ وموجع لتتلقاه ...هى من أقدمت على هذا الغباء وهى من ستتألم الأن !!
كان ظنها خاطئ !
جذبها من يدها بقوة لتصطدم بصدره العريض وهو يلف ذراعيها ليقبض على خصرها بقوة ويترك العنان لدموعه ...أن تنهمر ....ليهمس فى أذنها بما جعلها تنتفض :
-" أنا خسرت كل حاجة يا رنا ..خسرت أهلى وشغلى ودلوقتى خسرت رأس مالى كله ..... ......"
لم تملك شيئا سوى أن تحتضنه بقوة وتمسد على ظهره ....
قدر ساخر .....أن يكون العناق الذى يخفف عنه هذه المصيبة ....هو من نسل الشخص الذى تسبب بها ....وكيف لا ووالدها الجليل هو الأساس فى هذه القصة الصغيرة ....
دخلت معه للداخل بعدما أغلقت الباب وكان متعلق بها كالطفل المتشبث بعناق أمه ...رافضا أن يتركها ....نجحت فى جعله يستريح على أحد المقاعد ....ولازال يحتضنها ....وتحول لجرو مثير للشفقة وهو يلقى برأسه على صدرها يبكى بقهر ...شاركته البكاء فى صمت ....وهى تمسد ظهره داعية إياه نحو الهدوء عاجزة هى عن الوصول له .....
همس من بين شهقاته :
-" خليكى معايا يا رنا بالله عليك ....متسبنيش ....أنا محتاجلك أوى ! مفضليش حد غيرك دلوقتى !"
هذا التوسل ضرب قلبها فى مقتل ....همست بإندفاع لم تحسبه وهى تلقى بكل شئ خلف ظهرها لتكون معه على الأقل الأن ....
-" أنا جنبك يا عمر ....أنا جنبك يا حبيبى مش هسيبك ...."
أطمأن لكلماتها وكانت له مسكن عن ضربة مؤلمة لم يحللها عقله ولم يستطع حتى تحملها ..نام بين ذراعيها وتركها حائرة ....حائرة وهى تبكى بصمت عاجزة عن البوح بما تشعر به ...
بأى صفة ستجلس معه !
بأى صفة ستكون له هذا العناق الذى يتمناه وهذه الصحبة التى يرجوها !
هل بصفتها رنا هذا الملاك الذى وقع فى طريقه فجأة وإنتشله من الوحدة .....أم أنها يسرا ..يسرا إبنة الرجل الذى سرق والده وتسبب فى غربته ....
وإن بقت ...هل سيسامحها يوما ...
هل ستملك يوما وجه فى قولها الحقيقة ؟
أم أنها ستعيش دوما داخل هذه الشخصية الوهمية التى صنعتها ...وزيفت أوراقها ....
وهل عليها حقا العودة لشخصيتها الحقيقة التى تمقتها ...ألا يمكنها العيش هكذا "رنا" !
وما الذى يمنع ...لن يسأهلا أحد هنا عن كيانها ...ولديها حبيب يحبها كما هى ...ولتتخلص من شبح أبيها وهيمنته على حياتها ....ولتتخلص من ماضى أسود لم ينفك يلاحقها .....
إرتاح عقلها لهذه الفكرة وإنتفض قلبها ...فبرغم مساؤها لم تكن يوما مخادعة ...
ويعز عليها حين تكون ...أن تخدع اقرب قلبا لها وأمسسهم بها شعورا .....
حين لمست نومه ...تحركت محاولة فك عناقه الحاد لها لكنه رافض ...متمسك بقوة ...
لكنها فى نهاية المطاف نجحت ! مددته على الأريكة وإلتقطت غطاء ثقيل دثرته به ....وإتجهت إلى المطبخ لتعد له شيئا يغذيه ويدفئه ....ولتخرج كل ما يعتمل بداخلها فى أكثر شئ تحبه الطبخ !!
_____________________________________
بعدها بساعات ....
كانت فى المطبخ بعدما تحررت من بعض ملابسها ...لتبقى ببنطال من الجينز ..و ثوب أبيض بحمالات رفيعة ....كانت تخرج كل ما بداخلها فى هذه الصينية التى تطبخها ....كانت عصبية إلى حد كبير فلم يجفلها إلا رأسه التى إرتمت على كتفها بوهن ...ويده التى حاطت خصرها بقوة ....إحتياجه وضعها بين نارين ...
لم ترد التخلى عن نفسها فى دوامة لم تعرف لها نهاية وتسمح بتكرار خطأ إمها ....
ولم ترد صده والتخلى عنه فى عز إحتياجه لها ...
تأففت خفية وهى تحاول التملص منه دون جرحه فسمعته يهمس بضعف :
-" تتجوزينى يا رنا !"
صدمها ....بل إنتفضت على وقع كلمته ...بتهور أجابته :
-" عمر ...أنت كويس ! عمر أنت لسا واقع فى مصيبة ..."
-" عشان كدا عايزك جمبى ...عشان مش هعرف اقوم إلا وأنتى جمبى ...مش هعرف أخد حقه من غير دعمك ...عشان بحبك !"
وجهه كان غامضا ..عابس بقتامة لا تلائم أبدا هذا العرض بالزواج ....
فهمست وهى تحتضن وجهه تمسد ذقنه ووجنته وتهمس :
-" يا عمر أنا هفضل جمبك لحد ما تعدى ...لحد ما تحقق إلى أنت عايزه ..."
-" أنت رافضة الجواز منى عشان أنا مش فى مستواكى صح ؟ عشان كدا عايزة تسيبينى وتمشى ..عايزة تسافرى وتسيبينى يا رنا !"
تعجبت من كلماته ...والادق من معرفته بالأمر ...رفعت حاجبيها وعيناها تطلب التفسير ...فاردف وهو يريها هاتفها :
-" فى رسالة على تليفونك بتأكيد حجز تذكرتك فى رحلة العودة يا رنا ....هتسيبينى ! هنقنع اهلك بس وإحنا سوا ...."
سالت دموعها وهى تقع الأن بشر أعمالها ...
-" خايفة يا عمر ..."
بقوة همس :
-" من إيه يا روح عمر !"
-" قرار زى دا مينفعش يتاخد فى لحظة حزن أو ضعف يا عمر ...مينفعش ...أنت محتاجلى دلوقتى ...بس الإحتياج دا هيروح ...هيروح وهتفضل حقيقة واحدة ...إننا إتسرعنا !"
ضايقته كلماتها ..
نكزه ضعفه وكواه بلا رحمة ....
الأن هو ضعيف ...خائف ...فقير ومعدم ...
لا يملك أى شئ ....لا يملك سواها هى ...هى وحبها له ....فكيف بربه أن يتخلى عنها ..
-" أنتى ليه متخاذلة فى علاقتنا كدا ...ليه خايفة ومتراجعة ....ندمانة على حبك ليا ؟
خايفة من حاجة مخباياها ؟ "
-" أنا خايفة عليك !" إرتجفت شفتيها وخرج صوتها ضعيف ....وجسدها ينتفض من البكاء ....
-" أنا أقوى بيكى !"
لم يترك للكلام بقية ...وهو يحتضن ذقنها لترفع عينيها وتواجهه وهو يسألها مجددا ليس بكلمات عابرة ولا صوت أهوج
بل بقلب عاشق ...
وروح محتاجة
وحال مهترئ ...
-" تتجوزينى !"
لم تملك حل وهى تحتاج ...تحتاج له ...تحتاج أن تكون له ...لتعيش تجربة بحياتها ..تجربة لها هى ...دون أن تعير لأحد ولا لعرف ولا لقانون بالا ...فماذا فعلت الأعراف سوى أنه ظلمتها وأذاقتها ثمن جرم لم ترتكبه ....
لتتحرر من يسرا إبنة الراقصة ....ولتكون الأن رنا ...رنا المحبة .....ولو لفترة قصيرة ...
لم تدرك شيئا بعد ذلك سوى أنها تمضى ورقة صغيرة تحمل إسميهما كميثاق مؤقت لهذا الزواج ...
ولم تدرك غير أنها باتت بين أحضانه فعليا ....تشاركه جنون اللحظة وعنفوانها ...
تسلم له قلبها الصادق ...
لم تشعر بغير قبلاته على عنقها ...جيدها ...يلثم شفتيها بجموح وهو يستعير روحها ليحلق بها فى عالم من الجنون والرغبة والشغف ....
يشعرها أنها مرغوبة وأسرة ...
وقادرة أن تخلق عالم خاص بها تكون هى ملكته .....
تحررت من ملابسها ومن ماضيها ومن كل شئ ...
بعدها بساعة ...
كانت بين أحضانه يفترش شعرها الداكن صدره العارى ....يغط بنوم عميق تاركا إياها تستوعب بعد ..ما حدث ...أنها إجتازت مراحل كثيرة بتهورها ...
ربما برغتبها فى الحصول على هذه الحب بكل مراحله ..
أو ربما رغبتها فى إيلام والدها بمصيبة جديدة كهذه .....
لم تعلم سوى أنها خاضت تجربة مثيرة جميلة أنعشت تهورها مجددا الذى أخمده العلاج من الإدمان لتدفعها نحو هوة مستعرة تسمى المستقبل ....
ماذا ستفعل ؟
إنه يريد توثيق هذه الورقة ليضمن أنها ستكون زوجته !!
هل حقا ستفعل !
شيئا ما دفعها لتنهض وهى تتأكد من نومه العميق ...ترتدى ما طالتها يدها من ملابسها الملقاة ...لتكتب ورقة عريضة توسطتها جملة واحدة ...
-" إنسانى يا عمر ...أنا أسفة " أخذت تلك الورقة التى وقعا عليها سويا ...
ورحلت ....رحلت هاربة من هذه اللحظة ولم تعلم أنها حفرت بداخلها ....أنها ستلازمها ما بقى من عمرها
...................
عادت من ذكراها ودموعها تنسدل على وجنتيها ....قبلت وجنتى إبنتها ...وإنغمست فى عناقها تدس أنفها فى عنقها للصغيرة ....تستمد هى منها القوة ...والإطمئنان ......
_____________________________________

على أطراف العاصمة ....توقفت هذه السيارة الضخمة التى تحوى أربع رجال شدائد يحملان جسد مؤيد الغائب عن الوعى ....لم يكن هؤلاء الرجال سوى أمن المخازن فى مشفى أبيها ...إستعارتهم دون علمه ...وبمزيد من المال فوق راتبهم وعداها بالصمت ....حجة كاذبة أن هذا الملقى بين أذرعتهم قد أذاها جعلتهم ينفذون لها ما تريد .....
حمله رجلان لحيث مستودع لوالدها متطرف فى نواحى العاصمة ....تركته سارة وقت كافى كى يستفيق ....فكان لها ما ارادت ...
بعد ساعة تقريبا ...كانت جالسة على مقعد أمامه تراقبه ...شعرت به يتململ ...ويتأرجح بين الوعى وفقدانه ...فعلمت أن اثار هذه الضربة يذهب من جسده ...وها هو يعود لوعيه ...ظل يفتح عينيه ويغلقها ...مرة واخرى ...وثالثة ...حتى نجح فى فتحها فى هذا الضوء الطفيف ...جحظت عينيه بقوة وهو يدرك تلك التى تقف امامه إنها سارة !!
هتف بها قلقا :
-" إنت بتعملى إيه هنا ؟؟ مين الى جابك هنا ؟ حد أذاكى ..انتى كويسة !؟"
إبتمست بتهكم ...وهى ترفع حاجبها ...تراقبه بحالته القلقة تلك ....
كان قلبها يؤلمها عما تفعله به ....ولكن عقلها ينهرها مذكرا أياها بنيته فى جعلها طرف معلق فى حياته ...مستبدلا مكانتها التى تمنتها بتلك الشخصية الباردة المسماة رؤى ....
همست بغموض :
-" أيوا ..أنت يا مؤيد ...أنت اذتنى ..."
لم يبدو فاهما ...ولم يكن له نية وسط هذا الإرهاق ان يبذل جهدا فى فهم ما تقصده ....فزفرت مختصرة عليه الطريق :
-" أذتنى بتجاهلك لمشاعرى ...رغم إنك عارف أنها ليك ...
أذتنى يا مؤيد ...وأنت بتعرفنى على خطيبتك ...وأنت عارف أنا أتوجعت قد أيه ...
أذتنى يا مؤيد ...وانت بتحاول تضمن وجودى فى حياتك ...بس فى المكانة الى انت اختارتها ....مش الى تريحنى أنا ....أذتنى ولا لا يا مؤيد !"

مشدوها بكلماتها المتوجعة وملامحها المنقبضة تلك ...تتحدث بجدية لأول مرة منذ عرفها ...منذ ولدت معه فى نفس العام !!
سارة تحبه !
لما الكذب ! كان يعلم ...أخبره قلبه ...ولكنه إختار الغباء ...والتجاهل سلاح له ....ليمتنع عن علاقة لا يعرف نهايتها ...ولا عواقبها .....
لكنه لم يكن يعلم أن يصل حبه فى قلبها لهذه الدرجة التى تؤلمها ...ولأول مرة يرى سارة تتألم هكذا ..لأول مرة يلمح من عينيها دموع تترقرق ...المصيبة ان هذه الدموع كانت بسببه ...ولم يكن هو هذا المرة الذى يمحيها .....
حاول الإستقامة فى جلسته ....ولم ينجح بسبب ذراعيه المعقودين خلف ظهره ...تحركت من مكانها بتمهل وبرود وهى تقترب منه تزفر بوهن وتجثو كى تحرره من قيده ....قربها جعله يستبط شيئا ولو بسيطا عن هذا الصراع الذى تعيشه....
سمع همسها فى أذنه ....بشجن
-" أذتنى يا مؤيد ..وانت بتتحكم فى نبضك...عشان ميفضحكش قلبك ...بس متخافش أنت مشرف معايا هنا عشان أعرف قلبك أقوى ولا عقلك ...."
كان يريد وبشدة الخروج من هذا الموقف ...بعد ما قالته لا يريد أحد ...سوى نفسه ليستفرد بها لعله يصل لأى منطق لما يحدث ....
هتفت به ...
-" أيوا يا مؤيد ...أنا الى خطفتك !!"
-" إنتى أتجننتى يا سارة ...أكيد مفيش تفسير تانى ...."
إبتسمت بتهكم وهى تهتف بسخرية وضيق :
-" أنا مجنونة من زمان يا مؤيد ...بس أنت مش بتاخد بالك ....مش بتاخد بالك غير من الى انت عايزه ....أنت هتفضل هنا لحد ما تفكر ....من غير ما تهرب منى ومن نفسك !!"
قالتها وهى تنهض لترحل ...ترحل وتبقيه قيد لعبة قدر لا يعلم أى ورقة عليه أن يلعب لينجو ....
ولكنه يملك ورقة غافل عنها ... ....
كانت هذه الورقة هى سارة ....سيدة المتناقضات ....
تلك التى تضحك وتبكى فى أن واحد ....
تتحدث بجد وتبدله بهزل ....
هى النقيض والواقع ...هى الورد والوحل القاتم ...
هى قمة الفرح وهوة الحزن ....
هى سارة التى لا يعرف موقعها من الإعراب فى جملة لا يعرف سوى فاعلها
-" هو يحب !"
زفر مؤيد وهو يلقى بجسده على الأرض ليترك نفسه يفكر فيما حدث ....وكيف سيتعامل معه !!!
_____________________________
مر يومان ...
يومان منذ تلك الحفلة ولا تعرف إسراء عن يسرا أى شئ ...حادثتها أكثر من مائة مرة حتى الأن وهذه الغبية لا تجيب ....صعب عليها الأن أن تذهب لشقتها .. فوالدها هذه الأيام تقريبا يراقبها بل يكثف عليها المراقبة فى محاولة منه لإقناعها بقبول عرض عمر عليها ...والأحرى العرض الذى أجبر عمر عليه ....
لو ذهبت لها ستكشفها هذه الغبية ....من المفترض أنها هنا بأحد الفنادق ....
ولكنها عادت لتهورها مجددا بعدما عاهدتها أن تتخلص منه بولادتها لرهف ....
لم تتحمل إسراء أن تظل هكذا صريعة القلق والغموض ...ونجحت فى التملص من والدها لساعات ....
وأسرعت لشقة أختها وداخلها نبتة قلق يرويها نمرودها ...وخوفها ...
هل يمكن أن يكون عمر هذا هو نفسه حبيبها الذى تركته ...
ولكن كيف ؟ كيف وهى عرفته فى الجزائر ....
كيف وهو لم يسألها مجددا عنها ...وإقتصر فى كلامه عليها هى ..." إسراء " ....
وصلت إسراء ...وطرقت الباب ...أكثر من مرة ...وهتفت بها " يسرا إفتحى أنا إسراء ..."
دقائق رتيبة مرت كأنها دهر قبل أن تفتح يسرا بتمهل بارد ....لم تكد تستوعب حتى سمعت صوت إسراء غاضب يؤنبها بقسوة :
-" هتفضلى طول عمرك عديمة المسؤلية صح ....يعنى إيه تليفونك صامت ...ومرة مقفول ...أنتى بتهزرى صح ....بابا عارف إنك هنا ...وأنا معرفش عنك حاجة من يومين ...."
دخلت إسراء الشقة بزوبعة صغيرة سرعان ما تنامت لإعصار جارف يكاد يفتك بأى شئ أمامه ....
كادت تهدئ ولكن صوت يسرا البارد بحجة واهنة أغاظها أكثر :
-" أنا كويسة يا إسراء ...كنت محتاجة أقعد مع نفسى من غير ما أكون مضطرة أجاوب على أى سؤال لأى حد .....غلطت عشان عايزة أقعد مع نفسى ...."
هتفت إسراء مستنكرة هذا المنطق المتخاذل :
-" كان مممكن تطمنينى وبعدها إعملى الى إنتى عايزاه ...."
حاولت إسراء التهدئ من روعها ...غيظها ...
والأهم حاولت حصر قلقها لتدفنه مجددا ...هذا القلق الذى يوسوس لها كشيطان ...يفتك بأى منطق أو يقين ...لتظل متوجسة من شئ يخيفها ولكنها لا تعرف ماهيته ...
-" يسرا انتى فى حاجة ضايقتك فى الحفلة !"
زفرت يسرا بتمهل ...وهى تغلق الباب جيدا ....وتخطو نحو مقعدها المفضل ...تجلس عليه بخواء وهى تستحضر بداخلها ما لقنته لنفسها ...كى لا تخطئ ...
-" إيه الى هيضايقنى ...أنا بس تعبت ...وجودى هناك فكرنى بماضى مش عايزة إفتكره ...حسيت نفسى بيروح منى كان لازم أمشى يا إسراء ...."
لم تقتنع ومجسات الصدق لديها تستنفر من هذه الكلمات المنمقة بعناية ولكنها تفتقر للصدق ...
-" يسرا إنتى تعرفى عمر ؟! "
جزت على أسنانها ولم تدر أن القلق قد ساد على ملامحها ....لتهتف بتلعثم نجحت فى إخفائه ...ونجحت إسراء فى الإحساس به :
-" وهعرفه منين يا إسراء ....أنا حتى ملحقتش أشوفه ...."
إقتربت منها إسراء حتى جلست جوارها ....مدت يدها لتسحب يد يسرا ....باردة وتتعرق ...
يسرا تكذب !وهى تدرك ذلك ....
أصرت فى سؤالها :
-" يسرا ....أنا عمرى ما هأذيكى ...وإنتى عارفة ...أنتى تعرفى عمر صح ؟!"
مصممة ...
لم يكن البوح خيارا لها الأن ...
إعترافها بهذا الواقع سيلج بها لباب سيرد منه مصائب كثيرة ...
وجود عمر فى محيطها الأن أكبر خطأ ....
هى تعرف ...كانت تعلم أنه سيأتى ....سيقع فى طريقها مجددا ...لذلك هربت ...هربت كى لا تكشف ...
لأنه لن يكف عن ملاحقة والدها ...ولن تكف هى عن كونها يسرا ....يسرا إبنة الراقصة وإبنة هاشم المنبوذة ....
هو لن يكف عن رغبته الجامحة فى الإنتقام ....
وهى لن تكف يوما عن حبه ....
لن يكف عن إصراره ...ولن تكف عن ندمها ....
وجودهما معا فى نفس المكان سيؤذيهما ويؤذى غيرهما ...
هما المجاهيل فى معادلة لو حلت ستقلب موازين كثيرة .....
زفرت يسرا وهى تسحب يدها من بين يدى إسراء ...,تترك سؤالها معلقا وتهمس بشئ مغاير :
-" إسراء أنا هرجع فرنسا تانى ...هعيش هناك ....رهف ...هتتأذى لو فضلت بيها هنا ...أنا هسافر فى اقرب وقت !!"
لم تجد إسراء بدا من إيلامها ,,,من إيقاعها فى هذا الضغط ....لعلها تقر بما تعترف به عينيها ....
-" مش هتحضرى خطوبتى ! "
كانت الكلمة أشبع بعلقم حقن بها ...شحبت وهى ترددها داخلها لتهمس عفوا :
-" عمر ...مش كدا !"
كانت ملامحها تجسدي صارم للألم ....ربما خيبة الأمل ...والأقوى ...كانت غيرة ...رماد غيرة مطوية بين جوارها ...تأجج الأن وتوهج ليشعل عينيها ....باحت بما عجزت أن تنطقه ..فإبتلعته بغصة كادت تخنقها وهى تهمس بشئ مغاير :
-" بالسرعة دى ...أنتى تعرفيه كويس ؟"
هتفت إسراء بلامبالة متعمدة كأنها حقا صدقت هذه التمثيلية السخيفة التى تمثلها يسرا :
-" أمال الخطوبة معمولة ليه ....انتى متعرفيهوش ..ولا أنا ...بس هى فترة أكيد هتعرف عليه فيها ...بابا مصر ...وهو إتقدم بشكل رسمى إمبارح ...منتظر ردى ,....."
-" وافقى !! "
لم تتوقع إسراء رد أختها ...
ولم تتوقع يسرا نفسها أن تتفوه به ....
كانت متأرجحة بين نارين ...
أن تخبرهها بدعمها ...أن توافق ..فهى تستحق أحد كعمر ...يحبها ...
أو تخبرها ألا تفعل ...فعمر لم يأتى هنا ليحب ....بل جاء ليأخذ شئ يسعى خلفه منذ زمن ...
ولكن كيف ...إنتقام عمر من والدها سيؤذى إسراء ...وبوحها الأن بنية عمر ...لن يجعله يسامحها أبدا ...وغير ذلك سيكشف ما تود فى إخفائه ....فضلت أن تدعمها ...على الأقل تترك أختها تعيش تجربة حلوة ,,,وهى تفكر كيف عليها أن تحميها ....
لكن إسراء ...لم تكن طائشة كى تخدع فى عمر ...أو فى كذبة يسرا ...إن كانت تخوض هذه التجربة فهى تفعل لشئ واحد ...أن تجمع بين إثنين ...فرقتهما الظروف ....أن تمنح عمر فرصة أن يعرف بشئ يخصه ...وأن تمنح رهف الصغيرة حق فى حياة عادلة ...
لازالت غير متأكدة ولكن شئ ما بداخلها يخبرها بصدق ظنها ....إذا لا بد من التأكد .....
_____________________________________
فى مكتب عمر ...
شرد عمر فى ذكراه الخاصة ...بينما يحتضن بيده أحد أقلامه الرصاص الغالية التى يحب جمعها ....ودون أن يشعر ...سرحت يده لتخط بوادر ملامحها .....لم يدرك إلا ورسمتها كلها تكتمل ...
رسمة أخرج بها كل مشاعره ...كل ما يعتمل بداخله ...
جرح حفر بداخله ...وكانت حروفها المعول الذى زاده عمقا ...نزفا ...
حب وأد قبل أن يرى النور بعد ...
كرامة أهدرت ...حين رأى حروف بالية على ورقة تنهى بها ما حدث ...
كأنها ليلة بين قواد وغانية ....وليس شخص أحب ...أحب بصدق لأول مرة ...
ولكنه الأن لا يعلم ...من أحب بالظبط ...
رنا ...البريئة ...الحنونة ...
أم يسرا ...يسرا المتهورة التى لا يعرف عنها شيئا سوى إسم ووشم ....
إن كانت حقا يسرا ....إبنة هاشم الجندى عدو والده اللدود ...فلقد باح لها بكل ما ينتويه ....
بقى عالقا فهو يعرف أن رنا لا تخونه ...,لكنه لا يعرف عنها شئ ...
إتضح أنه مغفل كبير ...لا يعى أى شئ ....
والأن ...الأن هو وصل لما يريد ولم يحسب أبدا ان تقف فى طريقه عقبة لا يعرف هل سيتجمل قلبه ان يهدمها ....أم أنه سيتوقف عن طموحه لأجلها ....
لازال لا يصدق نفسه...حين رأها تهرب ...شعر بقلبه يننتفض بين عروقه كأنه يحثه أن يركض خلفها ....ليلحق بها قبلما تختفى ...ولكنها كانت كالحورية ...وكان هو كالشمس ...ما عاد مقدر لهما الإجتماع أبدا .....
سؤال عازم تردد صداه بداخله :
-" وماذا بعد عمر ....هل ستكمل ما بدأت ؟ "
ووجد عقله يجيب بكل صرامة :
-" وهل سأنهى تعب أيام وشهور ....لأجل قلب لم يعتبرنى ...وسافر وهجرنى ....حتى أنه كان قلبا مزيفا ...بلا دما ولا رونقا ..."
-" ألا تثق بقلبك ! هل حقا تخاله مندفع أحب دون أن يرى ...."
-" لم أعد أفهم أى شئ !"
-" انت لم تحب جمالها ولا كلماتها المنمقة ...أنت أحببت ما هو اعمق وابقى ...أحببت روح ...والروح لا تطلى بألوان الخداع أبدا ...مهما تجملت المظاهر وإختلفت الأوجه تظل الروح باقية على عهدها ..."
-" وإسراء ؟ ماذا عنها !!"
-" فى كل رواية حب ضحايا تظلمهم الحروف ...أنت هنا الراوى عمر ....إختار ما شئت وما يرتضيه قلبك ..."
فكر حقا أن يكون الأن شرير يتخذ إسراء جسر ليصل لما يريد ....ولكن حقا ماذا يريد ...يسرا أم ...أم والدها !!!"
إنتشله من عمق تفكيره صوت هاتفه ....فكانت رسالة مقتضبة من إسراء .....محتواها بسيط
-" أنا مواقفة "
جملة صغيرة وضعته على بداية طريق ...طريق بخط سير واحد دون رجعة .....
___________________________________
فى المستودع حيث مؤيد ...
غفى فى نوم عميق كان له إستراحة من تفكير اتعبه ...
لكنه شعر بزفير ناعم جواره ...لم تكن رائحة غريبة عليه ....
نهض فوجدها جالسة وعلى فخذيها صنية طعام يحبه ....وهى تعرف جيدا أنه يحبه ....
تغريه وتمارس ألعن وسائل الضغط عليه ....
سمع همسها الأنثوى الذى لا تستخدمه إلا لشئ واحد إستعطافه وإقناعه بفعل خدمة لها :
-" قالولى إنك ممتنع عن الاكل ...أنت أهبل يا مؤيد ....أنت فاكر نفسك مخطوف بجد..."
وضعت الصنية ارضا وهى تنهض ...فنهض خلفها وهو يهتف بضيق كاره هذا الحصار على مشاعره :
-" سارة ألى بتعمليه دا جنون ....أنتى خطفانى ...."
هتفت بزفير حانق :
-" أنت الى اضطرتنى لكدا ...."
هرب من هذه الجدية التى تجثم على أنفاسه ....وسرعان ما إستبدل الكفة بأخرى هزلية ....تخفف من وطأة الموقف ولو قليلا ...
فصرخ بها متصنعا الذعر والحنق ....
إنتى إتجننتى يا سارة بعتالى ناس يخطفونى يوم خطوبتى !"
هتف بها مؤيد بصرامة تلك الشرسة الصغيرة ولكنها لم تبالى وقررت أن تجاريه بمنطقه ...وإن كان الجد لا يصله ...فربما الهزلية تفعلها ...صرخت هاتفة :
-" بص يا إبن الحلال أنا بحبك....وأنا لما بحب حاجة مش بحب حد غيرى ياخدها فمن الآخر كدا مفيش خطوبة ولا يحزنون ....إلا يعنى لو قررت تخطبنى !"
أمسك مؤيد بياقة قميصها كالمخبر حين يمسك باللص وهو يهزها بعنف صارخا :
-" سارة إنتى كويسة ...سارة إصحى المفروض الراجل الى بياخد الخطوة الأولى "
ثم تهكم بنبرة ساخرة :
-"انتى حولة انا الى المفروض اخطفك !"
قبضت على يده بعنف تزيحها عنها وهى تهتف غاضبة بوجه أحمر :
-" يا ديناصور ...راعى فرق الأطوال ...فى ناس هنا عالكوكب غيرك ...ثم يا خويا استنيتك تاخد خطوة مخدتش طيب احبى طيب ولا حتى سنن مفيش لدرجة انى شكيت ان عندك شلل رعاش ...ويوم ما خدت خطوة رايح تخطب واحدة تانية على أساس إنى إيه سحلفاة هنا !!!"
تخصر مؤيد بضيق من هذه المجنونة ....مستحيل ...هذه ستكون زوجته من عاشر المستحيلات بل من العشرين ...إنها قصيرة !
متهورة ! غبية ! مندفعة ! وتحبه ...وفوق ذلك إنها سارة التى كان يذاكر لها الرياضيات ويحملها لتفقز من سور المدرسة كى تهرب معه ....مستحيل أن يراها سوى سارة صغيرته ...الآن تبدلت الأوضاع وتختطفه ليقر بحبها ...لكنه لن يفعل ....لأنه يحبها لكن ليس كما تريد ...
هتف مؤيد بحزم :
-" سارة كفاية لعب مبقتيش صغيرة ...أنا لازم أمشى وأنتى لازم تعقلى ...وأكيد هتحبى حد غيرى يليق بيكى ويستحقك !"
صرخت به ساخرة :
-" كلام مسلسلات دا صح !!! من الأخر كدا يا مؤيد انت هتخرج من هنا فى حالتين ..لإما للمأذون عشان نكتب كتابنا ...يإما للحانوتى عشان أدفنك ....وإنت حر بقى !!!
قلوب البنات مش لعبة يا طويل العمر انت ...."
قالتها وهى تختفى من أمامه ليغلق الباب رجل طويل القامة عريض المنكبين لتقحمه مجنونته بمصير غريب يرد عليه للمرة الأولى ...
____________________________
تم تحديد موعد الخطبة ....ودعا السيد هاشم كل من يهمه أن يحضروا ....
لم تكن الخطبة مهمة له هكذا ...بل كانت ميثاق تأكيد على نجاح عائلة هاشم الجندى ...وحسن تربيته لأولاده ...,ها هى إبنته الكبيرة تخطب لرجل أعمال ناشئ إستطاع أن يجذب إنتباه الجميع فى فترة قصيرة .....
تأنقت إسراء بفستان بلون الفيروز ...كان هادئ فى تطريزه جذاب فى تصميه يظهرها كأميرة هاربة من بلاد الإغريق قديما .....وكان وسيما ببذلته السوداء ....ورابطة عنقه السوداء كذلك ...إعتنى بشعره ...ووضع عطره الخاص لهذه الليلة ....وصل عمر لمنزل عائلة الجندى ....فعلت الزغادريد ....من أصدقائها السعداء بشدة لهذه الخطوة الجميلة فى حياة صديقتهم الهادئة ....بينما شاركتهن سارة فى جنونهن ...فلقد تركت مؤيد لساعات الخطبة ...وستعود مجددا ....لحسن حظها أن والدها كان مشغولا بخطبة أختها هذه .....جلس عمر مع إسراء على هذه الأريكة المزدانة بالورود ...كان يتأمل جمالها وتأنقها لأجله هذه الليلة ...وللحظة شعر بوجه " رنا " يتجسد على ملامحها لإسراء وصوتها الهادئ يسرى فى أذنه " عمر " وكأنه حروف إسمه طلاسم لتعويذه تسحبه نحو عالمها ....فأدرك أنه متأهبا لشئ واحد وصولها ....ولم تكن إسراء باقل حالا منه ...ولكنها أيضا كانت تنتظر يسرا التى وعدتها أنها ستأتى ....
لم يطل إنتظارهما ...وطلت عليهما يسرا متأنقة ...بشكل ساحر ....
لم ترد إثارته فإبتعدت عن الأسود لونه المفضل ..وإختارت أكثر لون يكرهه الأخضر ....كانت هادئة كبستان يانع ....وروائح الربيع تفوح منها ...كانت جميلة بحق ...كما كانت دوما فى عينيه جميلة ....
لم تتأنق لأنها خطوبة إختها ....ولا حتى لكون عمر حبيبها هنا ...
بل تأنقت لتخبر والدها أنها مازلت بخير ...وأنها رغم كل شئ ...لازلت ستظهر أمام العالم كونها إبنته ....لتؤكد حقيقة سعى دوما فى إخفائها ...
لأول مرة تتصرف حقا كإبنة هاشم الجندى متناسية عرق والدتها الغجرى الذى يبث بها الحياة ...
ولأول مرة تكون حقا إنثى راقية ....تتحرك كما تتحرك الأميرات ....
لم تكن علاقة سارة ويسرا بهذه القوة فإكتفيا بعناق ظاهرى خفيف ...لم يحمل أى مشاعر فكلتاهما عقلها وقلبها مشغول بما هو أهم ....
حين إقتربت يسرا ....تأكد ظن إسراء ...عمر هو والد رهف ...هو ذلك الشخص الذى لطالما حكت لها عنه فى رحلتهما بفرنسا ....
إبتسمت بتهكم وهى تراه يحاول جاهدا التحكم بعينيه ...بقلبه الخائن الذى سارع بإنتفاضته فرأت نبضه يتزايد فى عنقه....ووجهه يتعرق ...ولو لم تكن متأكدة لظنت أنها اخطأت سماع هذه الكلمة الخافتة
" رنا ! "
إذا هذا الإسم المستعار وهذه الشخصية الهزلية التى توارت خلفها يسرا ...تحركت يسرا لتقبل أختها فأخفت إسراء تشنجها وضيقها وقابلتها بترحاب ...إنطلى عليها ...
بينما تجنبت أن تطيل سلامها مع عمر .بمجرد لمسة واحدة منه ليدها ...شعرت أنها بنار الغيرة تتأجج بداخلها مجددا ....لكنها زفرت بقوة تستعيد رباطة جأشها .....
بعد دقائق قدم عمر لإسراء شبكته ...وكان الكل ممثل جيد فى دوره بهذه المسرحية الهزلية ...
ولكن حان ليسرا أن تمثل ما تكره ....أن تمثل أنها حقا إبنة هشام الجندى البارة ...
كانت منزوية على أحد الطاولات تتناول كأس عصير ....فلحق بها جمع من اصدقاء والدها ...وسمعت تهكم عجوز منهم بصوت خبيث :
-" إيه دا يا يسرا إنتى خرجتى من المصحة إمتى ؟؟!"
زفرت يسرا بملل ...لم تكن تلك الكلمات قادرة على مضايقتها ...ولكنها كانت مشغولة بشئ أهم أن ترد كرامتها ....إلتفتت لتراهم وإبتسامة معتزة كانت مرتسمة على وجهها ....
وإزدادات توهجا وإتساعا وهى ترى والدها مقبلا بإتجاها وهى تراه لأول مرة منذ تقريبا ثلاثة أعوام ...ينظر لها بعينيه ...يأمرها لا يستعطفها ...ألا تفسد حفله الفخم ...
لم يكن هذا بنيتها على كل حال :
-" ااه يا طنط خرجت من المصحة من حوالى 3 سنين ....بس والله ندمت ...القعدة هناك أكيد كانت اريح ..."
لم تكد تنهى جملتها حتى شعرت بيد والدها تحوط كتفيها ...كأنه يدعمها والحال أنه يضغط بأصابعه حروف تخبرها الا تخطأ ....
تلقت سؤال مقزز اخر من كهل مستفز فضولى :
-" لسا مش ناوية ترجعى الجامعة !!"
هتفت يسرا ببرود :
-" جامعة إيه ...أنا الشهر الجاى هستلم شهادتى من جامعة فرنسية ....درست فن المطبخ !"
رأت الصدمة تتجلى على ملامحهم فعلمت أنها أصابت هدفها وبشدة ...وكم أسعدها ...هذا ولكن كالعادة لازالوا يقاومون :
-" طباخة يا يسرا !! "
إبتسمت مجددا وهتفت ببرود بدا مثيرا للإستفزاز :
-" أيوا....يا طنط طباخة ...على الأقل هعمل حاجة بحبها ..."
أومأ الجمع وقد بدات فكرة تغيرها للأحسن تغرس فى أفاقهم ....ولم تكن هذه الكلمات وليدة لحظة بل هى وليدة رغبة فى رد الإعتبار تولدت من سنين ....
تحرك الجميع وبقى والدها يحيطها ...فتحررت منه تنفض يده بخفة كى لا يلاحظهما أحد ...فجذبها من يدها ...إلتفتت فوجدته يسألها بصوت غريب :
-" إنتى كويسة ؟؟ "
همست بخفوت :
-" بتسأل ليه ؟؟؟"
زفر وهو يقربها منه :
-" مش يمكن عايز أطمن عليكى ...."
لوهلة كادت تصدقه ولكنها أدركت أنهما محط مراقبة أقاربهما ....لهذا أراد أن يثبت انه الأب المثالى ...
وهى الحمقاء ...ظنت أنه يسألها عن حالها ....
هتفت بغيظ وصوت بدا سام فى اذنه :
-" وأنا مش عايزة أشوفك تانى ...."
وتركته هذه المرة بعنف لتتحرك بعيدا ...ولم تدرك هذا الذى يراقبها ...وينتظر فرصة واحدة مناسبة كى يستفرد بها ...لكنه لم ينجح أبدا وهذا العدد الغفير من الناس يراقبه ....بحكم أنه عريس الليلة ...
راقبها وهى تتحرك نحو الشرفة فلم يجد حلا سوى بعث رسالة لها ....
إعتذر للذهاب للمرحاض ونجح فى كتابة رسالته ...طواها وعزم أن تصل إليها ....
بينما كانت سارة تراقب الجو لتقتنص أنسب فرصة لترحل لمؤيد ...فاجأها أن يخبرها نادل ما أن أحدهما بإنتظارها فى الخارج ...
ذعرت وهى تجد والد مؤيد وزوج خالتها اشرف ومعه رؤى ...يسالان سارة بحرارة :
-" يعنى أنتى مشفتهوش يا سارة ....ازاى يا بنتى دا كل أسراره معاكى !! مكلمكيش طيب ...انا عايز اطمن عليه "
تضايقت ...من جنونها الذى دفع غيرها للتألم ...والخوف ...
لم تحسب أبدا حساب العم أشرف فى الأمر ...
تجهم وجهها ...وشعرت بالحزن ...لكن ما حال لغضب وهى تسمع صوت رؤى كصوت صرصور الحقل بالظبط :
-" مؤيد ملوش أعداء ...وإختفائه يوم خطوبتنا ...معناه حاجة واحدة "
هتفت بها مغتاظة :
-" ايه هى يا كونان عصرك ..."
ضضيقت عينها وهى تهتف بحنق :
-" إن إنتى السبب يا سارة ....."
صرخت بها تهاجمها والأدق تدافع عن نفسها :
-" هأذى مؤيد ...إنتى أتجننتى ...محدش يعرف مؤيد زيى يا رؤى حتى عمو أشرف مع إحترامى ليه ....مؤيد توأمى ..."
هتف العم أشرف ينهى هذا الصراع :
-" سارة ..لو وصلتى لمؤيد كلمينى ...طمنينى عليه ضرورى يا بنتى !"
أومأت رأسها بالإيجاب وهى تنسحب للداخل لتبدل ملابسها وترحل لهذا الغبى ...دائما يورطها بالمشاكل ...صاحب أسمك جلد فى العالم ....
______________________
تناولت الرسالة من أحد النادلين فتحتها وليتهما لم تفعل :
-" رنا ...أو يسرا ...إسمين لروح واحدة ...روح حبيتها بخيرها وشرها ...
حتى لو كدبتى سنة ...ألف ..
عينيكى هتفضحك ....قلبك ...شفايفك ...حتى الوشم على رقبتك ....فضحك ....
مستحيل أنساكى بالسهولة دى ...ومستحيل تقدرى تهربى تانى بعد ما اخيرا لقيتك ...
بس قبل كل حاجة انا لازم اشوفك ...فى كلام كتير لازم اعرفه ...منك انتى مش من حد تانى ...بكرا الساعة عشرة فى جاردينيا على النيل...رنا الى اعرفها مكنتش هتتاخر ...بس تفتكرى يسرا تعملها !!
هستناكى !!"
وحينها سمعت صوت تعرفه جيدا يهتف بتهكم :
-" قعدتى كتير فى فرنسا مش كدا !"
_____
تفتكروا مين الصوت دا ؟؟ وتفتكروا يسرا هتروح فعلا ...وسارة هتفلت من رؤى ...
التجميعى :
https://www.facebook.com/groups/rawae3rewayat/permalink/259785511326588/

Continue Reading

You'll Also Like

217K 8.5K 37
رجال آلقوة.. وآلعنف آلغـآلب آلمـنتصـر.. وكذآلك آلعقآب لآ نهم ينقضون على صـيده بــكسـر جـنآحـيهم آي بــضـمـهمـآ آوبــكسـر مـآيصـيدهم كسـرآ آلمـحـطـم آ...
840K 24.7K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
1.1M 90.3K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
249K 21.9K 11
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...