الفصل الثالث

1.2K 42 2
                                    


#صندوق_الدنيا
#الفصل_الثالث
ما كان يجب أن تأتى هنا !
ما كان يجب أن تخرج من عزلتها أبدا .....الأن ...الأن كل شئ سيكشف وستوضع حياتها فى مهب الرياح مجددا ....
قلبها الخائن يهرع بنبض متعثر ...تحتضن ذيل فستانها وتركض ...ليس فقط من هذه اللحظة ...
بل تهرب من ماضى يتزاحم ليقحمها بداخله مجددا ....
أن تعيش الحكاية مجددا ...لا تملك بالا لفراق أخر ...يكفى ما حدث ....
وجود عمر فى محيطها الأن يعنى أنها فى خطر !!!
إنهمرت دموعها وهى تلوم حظها ...هذا الحظ المتعثر الذى لا ينصفها أبدا للأن ....
لم تكد إسراء تستوعب بعد إنسحاب أختها حتى إعتذرت لعمر وهى تركض خلف أختها ...تحاول اللحاق بها ...نادت عليها مرة ...
ثانية ...لكنها لا تستجيب ولا تتوقف ...كأن شئ ما يدفعها لتركض ..
وشئ أخر يؤلمها لتشقق شهقاتها السماء ووقار الليل ...تسرد شئ يحاك بصدرها لا يرحمها ...
أخذت يسرا أول سيارة أجرة وجدتها لترحل بها بعيدا عن هذا المكان ...بينما وقفت إسراء تلتقط أنفاسها وهى ترى أختها ترحل ...بينما وقفت عاجزة عن فهم ما حدث !!
شعرت بيد تربت على كتفها وبأنفاس هائجة مثلها ...إلتفتت فوجدته عمر ...بملامح غريبة ...قاتمة كقتامة الليل الذى يكتنفهما ....
أسنانه تصطك فبدا عرق وجهه ينتفض حتى وإن حاول التحكم به ...لم تجد أى تفسير لإضطرابه ...
أجفلها صوته الرخيم وهو يسألها بخفوت :
-" أختك مالها ؟!"
للحظة حاولت التفكير فى أى حجة تخفى بها جنون أختها هذه الليلة ....مهما تغيرت ستظل يسرا متهورة ...
تفعل ما يخطر على بالها ...
لا تراعى أحدا ولا تلقى لأحد بالا ....
زفرت وهى تهمس بغموض :
-" متاخدش فى بالك يا عمر ...يسرا أختى كدا ...دماغها طقة !"
مالت شفتيه بإبتسامة جانبية ...تهكم ببرود :
-" هى إسمها يسرا !"
ضيقت إسراء عينيها ...حال عمر غريبة ...كأنه تبدل فى لحظة من الوضوح للغموض ...
من النقاء للكدر ...
من الإفصاح ...للتوارى والكتمان ...
يخفى شئ وكأنه يحاول إستنباط منها أى شئ ...ولكنها عاجزة عن سبر أغواره والوصول لما يخفيه بين ضلوعه ...وفى قلبه ...ولكنه صعب عليها الطريق بكلماته التى حولت مسار حوارهما :
-" اسمها عاقل مش لايق على تهورها ...مش مهم ..تعالى ندخل الجو برد هنا ولسا فى كلام عايز اقوله لك ..."
مد يده يسند ساعدها وقدمها بالفعل تأن من الركض بالكعب العالى ....
سار كلا منهما بمحازاة الأخر ...ولكن كان كلا منهما فى عالم مختلف ...
إسراء تفكر فى ماهية تصرف أختها ...وعمر ...اه من عمر حلقت ذاكرته فى ذكرى أسعدت قلبه بقدر ما ألمته ....عرفها ...وكيف لا ...
إرتجافة شفتيها ....تلك التى قبلهما فى الوداع ...وليته كان يعلم أنه الوداع ...
جسدها الصغير بقوامه الأنثوى المغرى .....هذا الذى إحتواه يوما بين ذراعيه ...وكان ملكا له فى دنيا صغيرة إحتوتهما
مبتدأها عناقه ونهايتها قبلته ....
حتى وهى تركض كالبلهاء .....تطاير شعرها ...ولمحه ...لمح وشم صغير أسفل عنقها ...وشمته على جرح قديم ....يحفظ كل تفصيلة به ...بل يحفظ عدد ندوب هذا الجرح ونقوشات وروده بأكملها....سرد عليهما بقبلاته حكاية قلب وقع فى غرامها ....
رحلت ....
تركته مصدوم عاجز عن إيجاد السبب ؟
لما هجرته بعد أن أحبها هكذا ...
خذلته حين إحتاج لها ...
هربت منه حين إحتواها ...
كذبت عليه حين هواها ...
أكان قلبه رخيص ملقى على أرصفة الهوى غير أمل فى بيعة تنصفه ؟؟؟
أم أن حبه كان مخيف كصوت دوى مدفع على بيت يقصفه ؟؟
والأن ...هى ليست حبيبته رنا التى عرفها ....هى يسرا ..عقل مدبر وشخص متهور غزل له قصة حب واهنة كان فريسة سهلة متعثرة فى خيوطها ....
زفر عمر والشرود يكتنفه من كل جانب ...
سار بتخاذل مهملا تلك التى تسير معه وعقله وقلبه وكيانه كرجل ...كلهم تعاونوا لا لشئ إلا لإثبات أنه كان الضحية ...وأنها كانت المتجبرة ؟؟
ولمعرفة شئ واحد ...لم وأدت حبا حيا كان يتنامى لها فى قلبه ...
وكانت الخواطر روائح الذكريات ...تناثرت فى الهواء حتى حلت عليها ...يسرا ...
وصلت لحيث شقتها وصعدت الدرج فى لمح البصر ...ظلت تطرق الباب بعنف متجاهلة ما تحدثه من فضيحة !! وبكائها صار يعلو صوته ....
فتحت لها المربية مذعورة من شكلها ...ولكنها كانت تبحث عن شئ واحد ...إبنتها ...رهف ...هى القادرة الأن على ترويضها ...
طمأنتها ....
إشعارها أن كل شئ سيكون بخير ....
وجدتها نائمة على فراشها الصغير تتوسطه ...تضع إبهامها الصغير بفمها تمتصه وتسرح بعالمها الوردى الصغير نائمة بعمق ...حينها فقط إبتسمت يسرا وهى تراقبها ....وزاح عنها هما ...وهى تدرك أنها لم تخرج خاسرة من حياتها ...بوجود إبنتها معها ....ستحل كل شئ !!
إقتربت يسرا من فراشها بتمهل وهى تخلع حذائها ...وتمد يدها لتحتضنها ...
حين ضمتها لقلبها سكن ...وتوقف عن أنينه المزعج ....إستنشقت رائحتها فكانت كمخدر قوى أوقف تبعات رحلتها المضنية إلى الماضى .....
نامت بها على الفراش ولازلت رهف بين ذراعيها ...كان زفيرها شهيق يسرا ...هذا الذى يبعث الحياة بصدرها .....
وضعتها جوارها ولازالت تحتضنها ...وغصبا عنها لم تستطع منها ذاتها من الولوج لباب من أبواب ذاكرتها لتتذكر هذه الليلة بالذات .....

صندوق الدنيا 💕حيث تعيش القصص. اكتشف الآن