" مابك ؟ "
لم ترد ، اكتفت بالصمت لتلعب بكفيها ، دون أن ترد على المُصرة بجانبها .
نادتها للمرة العاشرة ربما ، لكن أغنيس إما تعض شفتيها أو تلعب بالوسادة ذاك إن اختارت أن ترحم كفيها.
تنهدت لتكشف ورقها ، هي أرادت أن تخبرها أغنيس بما حدث لكن الاخيرة اكتفت بالصمت كعادتها الكتوم .
" والدك إتصل بك ؟ أخبرك بموعد السفر "
أومئت بينما تحدق بالفراغ ، هي ما زالت تسمع في أذنها نبرة والدها المُتحمسة للقائها .
وبسبب ذلك تشعر بالذنب لأنها وببساطة ليست سعيدة إطلاقا .
لا تريد العودة للوس انجلوس ، على الأقل ليس الآن .
" أغنيس "
التفتت على صاحبة الصوت أخيرا لترد " مينا أنا لا أريد العودة "
المذكورة لم تتفاجأ لكنها استغربت إفصاح صديقتها عما بقلبها بسرعه .
ابتسامه ارتسمت على شفتيها إلا أن نبرتها كانت ثابته " لِم ؟ كنتِ أول المعارضين حين قُرر بقائنا لإسبوعين كاملين"
تعلم السبب رغم ذلك أرادت سماعه من أغنيس .
" فقط هكذا ، لا أريد العودة أ يمكننا تأجيلها قليلا ؟ همممم ؟ " التفتت لمكان تكهنت وجود مينا به ، حدقت بالفراغ مطولاً تستمع لهمهات مينا الخافته التي أكدت وجودها معها في الغرفة ، ولسبب ما إفتقدت أنامل بيكيهون حين يخبرها بوجوده .
" لا أعلم ، إلى متى تريدين تأجيل الأمر ؟"
هي لم تترد في الإجابة " الخامس والعشرين من يناير "
في ليله الرابع والعشرين عليها البقاء في كوريا ، حتى تلك الليلة عليها البقاء .
" بسبب بيكهيون؟!"
رغم أنه السبب الرئيسي لبقائها ، الوحيد لبقائها إن صح القول ، لكنها لا تريد الإفصاح لنفسها اولا .
" ليس كذلك مينا "
قاطعتها الأخرى " لا تحاولي إنكار الأمر ، حفل بيكهيون في الرابع والعشرين ، لم اخترتِ اليوم الذي يليه ، بل كيف عرفتِ بموعد الحفل !!!"
وللحقيقة هي لم تخبرها بموعد الحفل ، تنتظرها لتسأل الى أن فاجأتها بإختيار اليوم الذي يليه ! .
هل أخبرها بيكيهون بنفسه ؟ وإن فعل هذا أمر جيد لتطور العلاقات لديها .
بحثت عن الغطاء بكفيها ، لتستلقي على سريرها همهمات بسيطة خرجت منها لتدرك مينا أن أغنيس تحاول النوم .
" أغنيس انتِ تتجاهليني ؟!" تحدثت بدرامية مُفرطة ، مُنتظرة إعتذار الأخرى .
لتجيبها أغنيس بـ " أجل أفعل "
الدرامية المُفرطة تحولت لصدمة ، وقبل أن تتحدث قاطعتها أغنيس " أريد النوم مينا ، أيقظيني صباحًا كي أتصل بوالدي ! "
صباحا ؟
أغنيس ؟
هي حتى لم تتمنى لها ليله سعيدة
لم تجد ردا منها لتستقيم من سريرها ، ولتطفئ إضاءة غرفتها .
**
الساعة احتضنت منتصف الليل .
أدخل رمز شقته ليلقي جاكيته على الاريكة بعبث بينما يهمهم لحن أغنية إسبانية هو لن يعرف الكلمات على اي حال فاختار الهمهمة .
إن كنت لا تعرف الكلمات ليس بسبب يمنعك أن تغني !
" بيكهيون ألقِ ثيابك في الخزانة " سمع تذمر صديقه من الخلف ليلتفت له كليّا .
" إن نسيت كيونغسو هذا منزلي ، يمكنني طردك منه إن أردت "
الأخير لم يتردد في قول " جرب فعل ذلك بيون "
وهو بالفعل لم يتجرأ على قول ذلك ، بل أخذ جاكيته بأدب مُفرط.
فتح باب غرفته ليلقي بجسده على السرير ، أخرج هاتفه ليبدأ بالعبث به .
طرقات خفيفة على الباب متبوعه برأس كيونغسو المتمرد ، مازال بثياب العمل 'بنطال اسود رسمي وقميص أبيض ، ترك أطرافه تعانق مرفقه بدون ربطة عنق '
" إغتسل لتأكل "
جلس على السرير ليحدق بصديقه " كيونغ لما تتصرف كـ جدتي ؟" .
هو كان جاداً في سؤاله ، إلا أن الاخير حدق به بعدم فهم .
ما أن أدرك معنى حديثه أجاب بـ " حرك جسدك قبل أن أتصرف كـ والدك وأضربك " .
لم ينتظره لـ يكرر حديثه مرتين لـ يجد نفسه في الخزانة يبحث عن ملابس منزلية .
اختار مياه باردة كي لايفكر بها ، إلا أن برودة المياه جذبتها لعقله اكثر فـ اكثر .
طريقة حديثها ، تحسسها للكوب ، وضياعها .
هو ا٦حب ضياعها بشده ، ليس بأناني إلا أنه أحب كونه منتشلها من ذلك الضياع .
أحب وجود عالم خاص بها معه ، عالم لهما دون غيرهما .
أنهى حمامه بسرعه قبل أن يُسرف اكثر مما هو فيه ، وضع منشفه حول رقبته يمنع الماء منال تسرب لكنزته ، لـ يجد كيونغ بانتظاره في المطبخ .
أتخذ له مقعدا لـ يبدأ بالأكل دون انتظار صديقه .
" إن كنت لا تعلم بيك ، عليك انتظاري !"
" أنت ستأتي علي اي حال كيونغ وأنا جائع "
لم يجادله حين رأى طريقة أكله ، ويبدو أن الاخير مُتعب بحق ، ليجلس مقابلا له محاولاً الحديث معه .
" بيكهيون"
همهم فقط
" اليوم كنت جادًا في التحضيرات مالأمر ؟ أنت بخير "
هو أدرك مُسبقا أن صديقه صعب الإرضاء ، إن تكاسل سيغضب ، وإن أصبح نشيطا سيتساءل لِم .
اختار الرد بـ " لتتغير الساعتين فتصبح ثلاث "
وكيونغسو كان على علم بذلك مسبقا ، هو اختار الصمت إلا أن صديقه لم يفعل ولو للحظة واحدة .
بيكهيون يظل بيكيهون.
**
بين الحب والكراهية خط رفيع ، ربما كرهت شيئا حد الموت وبلحظة يتغير كل شئ .
رغم كرهها للصباح ، لكنها استيقظت مُبتسمه حين تذكرت ما قاله .
مدت يديها لتصطدم بوجه مينا النصف نائمة " ابعدي يدك عن وجهي "
" لِم انتِ نائمة في سريري مينا ؟ " رسمت تساؤلها على وجهها ، لتشعر بتحرك مينا ، والذي تكهنت تقلبها للجهة الاخرى ، أدركت أنها محقة حين أتاها صوتها المكتُوم "كنت أشاهد فيلما وسقطت نائمة والآن عودي للنوم "
لم ترد عليها ، لتبحث عن هاتفها .
وجدته بطرف الطاولة لتبدأ بتحسس الأثاث حتى خرجت لغرفة المعيشة ، اصطدمت بالأريكة وبسبب اعتيادها لم تفعل شيئا حيال ذلك .
الألم كان خفيفا ، أو ربما حماسها جعلها لم تشعر به .
فتحت هاتفها لتنطق اسم والدها ، وضعت الهاتف على أذنها ليتم الإتصال تلقائياً ، لحظات لتسمع صوت الرنين .
" صغيرتي تشتاق لأبيها ؟!" والدها كان ذلك النوع اللطيف من الاباء وربما كان ذلك سبب اختيار والدتها له وترك كوريا بأكملها والسكن معه .
جديّها لم يمانعا ارتباطها مع إيطالي الجنسية ، لكن مجتمعهم فعل ووالدتها ببساطة لم تكترث لهم .
ووالدها كان يستحق تلك التضحية .
" أغنيس تريد طلباً من والدها " همسها خرج خافتا ، محتاجا ووالدها كان مُلبيا .
ربما ؟
**
هو لم يُكن متحمسا للمساء هكذا من قبل ، هو حتى طلب من الجدة الإتصال به إن أتت أغنيس مُبكرًا .
لعب بأصابعه ، عد خطواته في المسرح طولا وعرضا .
" بيون توقف عما تفعله حالا " سمع تذمر صديقه من أسفل المسرح ليصرخ " دو كيونغسو يالعين قاطعت أفكاري "
افكاره كـ كيف سيصورها دون أن تنبه ؟ وهل يطلب لها مشروبا في كوب كبير كي لاينتهي بسرعه ؟ .
وقبل أن يخطط جيدا كيونغسو قاطعه .
" أغرب عن وجهي بيكيهون " تهديد صديقه كان كتوعد بالنعيم ؟
كطالب قد تم طرده من محاضرة عجوز مملة .
أخذ مفتاح سيارته ، ولم يتردد في الهرب لانه وربما كيونغسو قد يغير رأيه .
هو لم يهتم بنظرات العاملين المستغربة ناحيته ، هو من المفترض أن يكون مسؤولاً أكثر ؟ هو بحق الإله صاحب الحفل كله ورغم ذلك يتصرف كطفل .
لم يكترث لأن نعيمه بانتظاره .
وصل للمقهى ليدفع الباب بسرعه ، كان متحمسًا لرؤيتها ليملأ عينيه بها ، لحفظ تفاصيلها بداخله .
إلا أنها لم تأتي.
ولتوه أدرك أن الوقت لم يتأخر بعد ، إلا أنه يصعب الخروج به .
كذلك ادرك أن الجدة لم تتصل به ، وذلك يعني أنها لم تأتي من الاساس !
قاد خطواته لطاولته ليضع رأسه على الطاوله .
هو قد أسرف في التفائل ونسيّ انها قد لا تأتي ! وربما أسرف بملامساته لها فظنته مُريبا ! .
من يلومها !
احمق منحرف يستغل كونها لا تراه ذلك يبدو منطقيا لتهرب كذلك كلماته لها هو شبعه اعترف بمشاعره ! .
رفع رأسه ليلقيه على الطاوله مجددا ،
" لِم لَم تأتي أغنيس! " همس لنفسه عدة مرات .
أغمض عينيه يحاول التفكير بطريقة ما ليعتذر منها ، أن اتصل بها ستخاف أكثر ، وإن ذهب لمنزلها سيزيد الأمر سوءاً .
سمع خطواتٍ خفيفة ظنها للجده لذلك لم يرفع رأسه لكن الجدة لم تلمس شعره هذه المرة بل سحبت الكُرسي المقابل له .
فتح عينيه ليجد اغنيس أمامه .
" أغنيس " همس باسمها لتحمر خجلا ، لـ يتسائل عن السبب ، أليس من المفترض أن ترتعب ؟.
ترك سؤاله في قاع عقله .
ليجلس بإعتدال " أين كنتِ ؟ ".
هو متأكد من أن جرس الباب لم يرن فكيف دخلت !
ذلك يعني بأنها هنا مُسبقا ! لكن كيف ؟
الجدة لم تخبره ، رغم انها رأت عبوسه حين دخل لكنها لم تخبره بأنها أتت ! بل أين كانت ؟
" ذهبت لدورة المياه بيكهيون ! " همهمت بخفوت .
لم تخبره بأنها طلبت من الجدة مراقبة النافذة من أجلها في حال إن أتى لتهرب لدورة المياه لـ تعدل شكلها .
هي لم تنتظر مينا لتقلها بل هربت منها ومتأكده أن شكلها كان كـ الفوضى رغم إخبار سِيرا لها بأنها العكس تماما إلا أنها لسبب ما لم تقتنع .
وحين سألها عن مكانها إحمرت بسبب فعلتها .
" انتظريني هنا إياك والذهاب أنا سأعود " وبحركة لا ارداية ضغط على كفيها مؤكدًا كلامه ، وهي لم تمانع تأكيده اطلاقا .
ولكونه زبون مفضل ، دخل للمطبخ بسرعه ، فتح الباب ليجد الجدة تخرج بعض الكوكيز من الفرن .
" جدتييي " تذمر بصوت عالٍ
لتلتفت الجدة له " رأيتها ؟! "
" انتِ كنتِ تعلمين بوجودها ؟" تذمر مجددًا .
هو قام بركل الهواء حتى .
وضعت الكوكيز على الطاولة لتبدأ بصفهم على الطبق ، ابتسامة خفيفة ارتسمت على ثغرها .
" لِم لَم تتصلي بي جدتي !"
وضعت الكوكيز برفق لينساب حديثها الهادئ ، تبدو وكأنها تخاف على الكوكيز من ان تتفتت إن علت نبرة صوتها " أفضل العلاقات حين لايتدخل الأخرين "
" أنا فقط لا أريد تركها تنتظرني جدتي " اكتفى ببقية حديثه لنفسه - لا اريد تركها وحيدة -
التفتت له لتكمل حديثها " دعها تنتظرك مرة لتأتي غدًا مُسرعا لتنتظرها بدورك ، يجب على أحدكما انتظار الآخر "
" لِم؟ " هو لم يفهم حديثها المليء بالألغاز .
التفتت للكوكيز مجددا لتجيبه " الانتظار يولد الإشتياق بُني ، حين تنتظر أحدهم ستبدأ بسؤال نفسك عما ستفعله حين تراه ؟ مالذي ستقوله ؟ كيف ستتصرف ؟ ستسترجع ذكرياتك معه ، كلها المحببة لديك أولا ، ثم ما بغضته لتمحيه حين إلتقائك به "
مع كل عبارة نطقتها تزامنت مع صف الكوكيز .
أسند جسده على الخزانة بجانبه يستمع لحديث الجدة جيدا " كذلك الانتظار لا يعني الوحدة ، بالنسبه لك سيجعلك ترى ما بداخلها ، اللهفة في عينيها ، أما لها سيجعلها تأتي لتلتقي بك لتشعر بالأمان في وجودك بيكيهوني " .
قد تكون كبيرة في السن إلا أنها انتبهت لحركات أغنيس في وجود بيكهيون وعدمه .
حين وجودها وحيدة تحدق بالفراغ تلفت حين يصدح صوت الجرس وكأنها ستراه ، تعبث بالطاولة وتصنع ضوضاء خافته .
أما في وجود بيكهيون ، إما أن تحاول إخفاء ضحكتها ، وفي كل مرة كأنها ك أول مرة إلتقيا به ، ترمش بكثرة وتترك كفيها تحتضن من قبله على أن تصنع ضوضاءها الخافته .
الأمان في وجوده ؟!
مالذي تعنيه الجدة ؟ وقبل أن يُكثر الاسئلة أعطته طبقاً من الكوكيز .
" لقد طلبتها قبل قليل قم بإيصالها لها " أومئ بسرعه ليتحرك ناحيتها .
وجدها تلعب بكفيها ، ليضع طبق الكوكيز أمامها .
" طبقك جاهز " قال بمرح لتسأله
" ماهذا ؟ "
" ألم تطلبي كوكيز ؟ "
نفت برأسها لتتحدث دفعه واحدة " ربما الجدة اخطئت في الطلب أعده لها بسرعه "
رفع رأسه ناحية الجدة لتلوح له ، حادثته بمزامنه الشفاة - بعض المساعدات لن تضر -
انزل راسه ليبتسم بخجل لا يعلم لم ، لكن الجدة فتحت بابا أراد إغلاقه منذ زمن .
وأغنيس من اعطتها المفتاح .
أخذ كفها اليُسرى ليمسكها بكفه " لا بأس أنا طلبته ونسيت "
لم ترد وقبل أن تسحب يدها هو امسكها بقوة
" دعينا هكذا اغنيس ، أيمكنك ؟"
لتسأله " أيوجد أحد في المقهى ؟ "
نفى لها " لا أحد سوانا ، المقهى فارغ ! "
والمقهى كان به البعض ، ولكونهم في نهاية المقهى لم تسمع همهاتهم بسبب طبيعة المقهى الهادئة ، بالإضافه للموسيقى التي طغت على أصواتهم كذلك .
"لكن جرس الباب يستمر بالرنين بيكهيون "
كذبة اخرى لا تحتسب " فقط يأخذون ما يطلبون ".
أومئت مجددا ليضغط على كفها " يمكنني فعل ذلك ؟!" .
ان صمتت يعني الموافقة ! وان نفت سيترك كفيها .
لا تمانع بأن يمسك كفيها أو أن يضغط عليها ، هي أحبت ذلك الشعور ، أحبت نبضات قلبها المؤلمة حين يمسك كفيها ، وفي ذات الوقت تريد إبعاده .
ولا تريد لبيكهيون ان يفهمها على نحو خاطئ !
لا تريد ان يفهمها على أنها خائفه منه ، هي العكس تماما .
إلا أنها لا تريده أن يتعلق بها كما هي فعلت ! لا تريد ان تترك بصمة في حياته كما فعل بحياتها .
لا تريد لاسمها مكانة في دفتر حياته .
ضغطة اخرى انتشلتها من أفكارها لتنفي برأسها ، وما تخشاه قد حدث .
راقب شرودها ، عبوسها ، ليفعل فعلته المحببة له ، ضغط مجددًا لتنفي براسها ، وحين نفت ، ندم .
الندم أكله ليسحب يده وقبل أن يفارق كفها هي أمسكت به
" انا لا أعني ذلك.. أنا فقط ... " صمت ليكمل عنها
" إبعاد بعض الافكار " اومئت بينما تحدق بالفراغ ناحية حجرها .
" بماذا تفكرين ؟ "
شردت مجددا في حديث مينا هذا الصباح لتسترجع ما قالته .
' فلاش باك '
"أغنيس "
" هممم ؟!"
" ستخبرين بيكهيون ؟ "
" اخبره بماذا ؟!"
تنهدت مينا لتجلس بجانبها
" اياك والتفكير بالهروب منه ، إن رفضتي الإعتراف به لنفسك ، اعتذري عن دعوته فقط "
' اند '
" بيكهيون "
لم يرد عليها ، لتعلم بإهتمامه بطريقته هو .
"انا سأعود للوس انجلوس " همست بتردد لتشعر بكفيه ترتخي عن كفيها ولم تحب ذلك الشعور إطلاقا .
تعود ؟
كيونغسو كان محقًا حين سأله عن عائلتها .
" لِم ؟ "
احبت كُل نبرات صوته ، العابثة ، أو حين يتغزل بنفسه ، حين يخبرها بأن تترك ضحكتها وشأنها و حين يتذمر ، حين يهمس لها ، احبت كُل نبراته ما عدا الإنكسار .
نبرته كانت منكسره ، وهو مدرك لها ، لم يكن خجلا من إخراج الضعف في صوته .
لانها وبعد كل شئ أغنيس .
ويعلم بداخل نفسه أنها تعيش ما يعيش به ، ذات الاضطراب ، ذات الإنكسار .
عينيها تحوم في الأرجاء مابين وجهه وما بخلفه وكأنها تحاول تثبيتها في وجهه ، جسده أو اي شئ يعود إليه .
لكنها لا تستطيع .
" لَـ أرى بيكهيون سأعود لِأرى " .
" ماذا ؟!" همس مجددا
لتبرر وهذه المرة هي من ضغطت على كفه
" أخبرتك بأني لم أولد هكذا صحيح ؟"
أومئ لها ، ليتحدث بعد أن أدرك غلطته " نـ نعم "
صوته كان مهزوزا .
" أنا أتيت لكوريا ليعاينني الطبيب هوانغ ، هو لن يأتي للوس انجلوس حتى نهاية الشهر فأبي أرسلنا إليه "
أردفت
" أتيت ليعاين حالتي ، وهل سيشارك في إجراء العمليه أم لا "
" عملية ؟"
أومئت له
ذلك سبب قدومها الأساسي ، ما أن وافق الطبيب هوانغ تم إدراج اسمها في قائمة العمليات التى سيشارك بها في لوس انجلوس عند وصوله .
وذلك سبب رفض والدها للتأجيل ، حتى وإن كانت ابنه والدها المُدللله هو لن يستطيع تأخير طاقم كامل بسببها .
" سأُجري عمليه لكي أرى مجددًا ، ربما سيقومون بفتح رأسي او الاكتفاء بعيني أما لا أعلم تفاصيلها بعد ، لذا على الطبيب هوانغ الإنضمام للطاقم وهو قد وافق "
ضغط على كفيها بقوة هذه المرة ليرد " لكن أغنيس هذا خطر "
أومئت لتنزلق الدموع من عينيها وذلك ما كرهته
" أعلم ، لكن علي فعل ذلك ، أنا لا أريد العيش هكذا لا أحب ان يهتم بيّ الغير أو يُجبر علي احد "
" أغنيس "
" لا تحاول بيكهيون ، لا تحاول إقناعي بشيء لا لن أتحمله " سحبت كفها الأيمن لتمسح دموعها .
أردفت
" أنا فقط أريد الرؤية مجددًا قد تُخطئ العمليه ، قد تُفلح لكنني لن اخسر شيء بل سأكسب ربما ؟" آخر كلمة خرجت تساؤلا هامسا .
والدها كذلك رفض إجراءها للعمليه رغم أن نسبة نجاحها جيده ،لكنها اصرت عليه .
والدتها كذلك وقفت بصفها .
وبعد ان إقننع وحُدد الموعد فاجأته بتأجيلها قليلا .
" ماذا تريدين أغنيس " همس لها لتجيبه " أريد أن أرى بيكهيون هل هذا كثير ؟" .
جلس بجانبها ليحتضن وجهها بكفيه " لا تبكِ ، تُصبحين بشعه ان بكيت ِ"
ابتسمت رغم دموعها ليمسحها بإبهاميه " انتِ جميلة في كل الأحوال لكن لاتبك ارجوك" .
حاولت ان تسكت نفسها ليكمل حديثه
" متى ستذهبين ؟ " وكأنه طلب منها البكاء مجددا .
موعد ذهابها يحتاج لنحيب آخر .
" الواحد والعشرون من يناير " والدها وافق على تاجيل سفرها لهذا اليوم فقط .
غصه اعتلت حنجرته ليصمت مطولًا ، ولولا كفيه المحيطة لوجهه لظنته قد ذهب .
" بـ بـ بيكهيون أنا حاولت تأجيله اكثر لكـ "
ليقاطعها بكونه مميز مجددا " تأجيل سفرك من اجلي ؟ " وسع عينيه لتومئ بخجل .
" لن أستطيع حضور حفلك "
أسند جبينه على جبنيها " أيمكنني فعل هذا ؟!"
هذه المرة لم تتردد في الإيماء لتهمس " أخبرني أين أحدق " .
وجهها كان ملفُوتا للجانب قليلا ، عدل وضعية رأسها ليسند جبينه بجبينها .
" أنا أقيم حفلاً كل عام أغنيس ، حفلي ليس بالأمر الكبير " .
كاذب .
" أنت تكذب بيكهيون " ولا تعلم لم فعل ذلك .
تنهد ليرد " أجل أنا اكذب "
" لم ؟!"
" لا أريد أن أضغط عليك إلا أني وددت حضورك ، وجودك بين الجميع يعني لي ! "
لم ترد فقط اكتفت بالصمت .
هل تعني له كما يعني لها ؟ لكن كيف وهي لا تراه !
شعرت بحركة الكُرسي المألوفة لها " في العشرين من يناير سيكون هناك تجارب نهائية يمكنك الحضور صحيح ؟!"
اومئت بغير فهم وهو لم يبرر لها ، لأنه افتعل الحماس ، حركة الحرسي وتربيته خدها بكفيه كانت مُفتعله . كل شئ كان مفتعل .
ولسبب ما هي ميزتها .
بيكهيون سيء في إخفاء حزنه .
" الآن لأعيدك " .
أرادت النفي لكنها تراجعت ، تريد قضاء وقت معه ، وقتا قبل الذهاب .
أخذ طبق الكوكيز المنسي ليشير لسِيرا بأن تأخذه ، والاخيرة فهمت حديثه خطئاً ، قامت بترتيبها في كيسين ورقين واحد له والاخر لأغنيس .
لم يسأل سِيرا عما فعلته فاكتفى بأخذ كيسه .
تقدمها ليزيح الكرسي من خلفها ، كُرسي الطاوله المجاورة كذلك ..
خطواته كانت غاضبة ، لم ينتبه لعرجتها الخفيفة حتى وصلت الباب الزجاجي ، كان ستصدم به لكنه كان اسرع منها .
فتح الباب وانتبه لعرجتها .
" مالذي حدث لقدمك اغنيس !" صوته كان عاليا ، أرعبها بحق .
عض شفتيه بندم حين رأى الخوف بعينيها " إصطدمت بالطاولة او الاريكة في المنزل ، لا أعرف حقا "
" أنت "
أراد توبيخها كي تهتم بنفسها أكثر إلا أنه ترجع في آخر لحظة .
حدق بها امام باب المقهى ، هو يرتدي كنزة بيضاء بنطال جينز كذلك هي بنطال جينز اسود و قميص أبيض .
أحب تطابق الالوان بشدة .
أخذ شهيقا ليزفره بينما يتحدث " أيمكنني امساك يدك ؟".
احبت كونه يأخذ اذنها في كل شئ يفعله لها ، إلا أن فكرة أنه يريد امساك يدها كي لا تتعثر باغتتها .
" يمكنني الذهاب وحدي بيكهيون "
شابك كفيه معها ليهمس أمام وجهها تماما " أريد امساك يدك لأني أريد أغنيس ".
لم ينتظر ردها ليسحبها ناحية السيارة ، تأكد من دخولها ليجلس في مقعد الراكب .
الجو كان خانقا بشده ، بيكيهون كان هادئا على غير العادة ، كذلك لم يمسك بكفيها كما فعل آخر مرة .
قيادته كانت سريعه ، اخافتها بشدة .
" بيكهيون أبطئ قليلا "
همهمت لنفسها ليضغط على الفرامل بقسوه ولولا حزام الأمان لما كان عنقها في مكانه !
لم توقف بتلك الطريقة ؟
وأين هم .
احتضن وجهها بكفيه بسرعه ليقربها منه
همس لها " أغنيس "
لتجيب " بيكهيون.. ماذا هناك.. أين نحن ؟ "
" هل لدي مسمى في حياتك ؟" احتفظت بالجواب لنفسها ، لأنها وإن فعلت ستكون أنانية .
لم يكترث لعدم جوابها ليكمل " الواحد والعشرين ، يعني بعد تسعه ايام ؟ "
همهمت له
" لدينا ثمان مواعيد " .
وسعت عينيها بتفاجأ ليبتسم لها " لنخرج في ثمانية مواعيد أغنيس "
ردت بسرعت " لم ستخرج معي ان كنتُ سأغادر بيكهيون ، لم ستخرج معي إن كنت لا أراك !"
كفيها تلعب بخدها ليهمس " سأجيب على السؤال الثاني ، سأخرج معك لأني أريد أن تشعري بي كما أفعل الان " .
حمرة اعتلت خدها لتسمع ضحكته الخافته " لِم تضحك ؟ " عبست له .
هو لم يهتم لكونهم أمام منزلها تماما ، قيادته كانت سريعه لتدرك أنهم قد وصلو بالفعل .
وهو لم يهتم لمينا التي خرجت من المنزل حين رأتهم في الخارج .
هو لم يهتم لشيء سوى من أمامه " أردت أن تشعري بروعتي في الحفل إلا أن القدر كان أقوى مني "
" بيك ! "
" لكني سأكون رائعا في الثمان مواعيد سنيوريتا تأكدِ من ذلك " .
همسه كان خافتا ، يزداد خفوتا كلما اقترب من وجهها .
توقف تنفسها لتغمض عينيها حين لاحظت تنفسه فوق شفتيها .
أمالت رأسها للجانب ليطبع قبلة خفيفة بجانب شفتها ، في المنطقة بين نهاية شفتها وخدها تحديدا .
نبضاتها تسابقت لتطرق بعنف ضد قفصها الصدري ، رئتيها احتاجت للهواء رغم ذلك لم تنتبه لها .
كل شيء توقف عندما لامست شفاهه خدها ، طرف شفتيه سرق تلامسا خفيفا من طرف شفتيها لتمسك بالكيس الورقي بقوة .
" لم أخذ إذن تقبيلك بعد " همس لشفتيها ليمرر ابهامه أسفلها .
راقب مينا المُتصنمة في الخارج ليهمس لأغنيس مغمضة العينين .
" أغنيس " لم تفتح عينيها.
" إفتحِ عينيك! " رغم أنه لا فرق بالنسبة لها لكن الأمر مُحرج .
" إن لم تفتحِ عينيك سأقبلك ومينا في الخارج تُحدق " لم يكمل حديثه لتفتح الباب بتخبط ، هو كان شاكرا لمينا التي أتت بسرعه لها .
فتحت الباب وقبل أن تنزل شعرت بكفي مينا تحيط معصمها استطاعت تمييزها برائحة عطرها " إياكِ والبدء مينا " حادثتها بالإيطاليه كي لايفهم بيكهيون .
رغم ذلك تكهن ماقالته ، وجهها المحرج كان أكبر دليل .
" مينا لا تغيظيها كثيرًا "
وقبل أن ترد هو قد هرب .
***
وصل لشقته ليلقي كل شيء على الأريكة ، كيس الكوكيز ، هاتفه ، مفتاح سيارته وجاكيته .
تجاهل عيني كيونغسو المتسآئله ليدخل لغرفته صافعًا الباب خلفه .
صفعه بقوة أخبرت كيونغسو أن لايأتي ناحيته لأنه وإن فعل سينفجر .
حدق بوجهه في المرآة ليسأل نفسه لم الحياة دوما ضده ؟
مالذي فعله لها ؟
هو أدرك مشاعره ناحيه أغنيس وقبل ان ينطقها علانيه فاجأته هي برحيلها !
هو لم يكتفي منها لتتركه ! ولِم يشتاق لها الآن وهي لم تذهب بعد ! كيف اذا غادرت ؟
أعاد شعره للخلف بقوة محدقا بوجهه المنعكس على المرآة مجددا .
ليسأل نفسه إن ذهبت هل سيلتقيا مجددا ؟
لِم يشعر وكأنهما انفصلا قبل أن يبدأ حبهما حتى ؟
إغتسل ليغير ثيابه ولم تغادر فكره إطلاقا ، عاد لغرفة المعيشة ليأخذ هاتفه ، بحث عن اسمها ليتصل بها وقبل أن ينتهي الرنين اجابت ..
**
هي قد هربت من مينا بعد أن أخبرتها مختصر ما حدث ، أن بيكهيون طلب الخروج معها ، سألها عن مسماه في حياتها ، ومينا لم تتوقف عن الأسئله لتتركها حين إتصل بها حبيبها .
اتصاله كان كـ رحمة ، كحياة بالنسبة لأغنيس .
بدلت ثيابها لكنزة طويلة وشورت اسود لتسمع صوت هاتفها يصدح برقم غير معروف ..
ترددت في الإجابة بسبب أن الرقم غير مضافٍ لجهات الإتصال لكنها أجابت حين استمر الرنين .
" سنيوريتا " تعرفت على لقبها المحبب لها ، لتبتسم بقوة ، استلقت على السرير ، جاذبة الغطاء لها .
الوقت كان متأخرا قليلا ، وبيكهيون على الهاتف .
" من أين أتيت برقمي بيكهيون ؟" همست له
" أنا كنت رئيس عصابة في المدرسة أغنيس ، رقم هاتفك لن يكون صعبا " .
قهقهت لتضع يدها على ثغرها وكأنه يراها ليهمس " أبعدِ يدك أغنيس ".
أبعدت يدها بسرعه لتسأله عن سبب اتصاله .
تنهيدة خرجت منه لتسمع حركة شيء ما ويبدو أنه استلقى كذلك .
" أغنيس ؟"
همهمة خرجت منها
" أنا خائف "
" مما بيك؟" تنهد ، لـ يكمل حديثه
" أنتِ تعلمين بأن الكثير في قلبي لك لا أريد لأعترافي أن يكون عبر الهاتف ، لكنني خائف ، خائف من أن تتعلقي بي وتفرقنا الحياة ، خائف من أن أرمي نفسي عليك ، خائف من أجبرك علي أغنيس "
تحدث دفعة واحدة .
لم ترد عليه ، حتى صوت تنفسها لا يسمعه .
أبعد الهاتف عن أذنه ليرى عداد المكالمة لم يتوقف بعد .
" أغنـ"
قاطعته " أريد أن أراك بيكهيون "
- قد لا تكفي الكلمات للبوح عما بداخلنا لـ نلجأ لطرق أخرى ، غصة في منتصف الحديث يكمل تواصل الاعين ما تبقى ، ضغطات الكفين تكمل بدلا عن الكلمات المحجوبة بسبب الخجل -
- انا ..
' انتهي '
(4)