الـنوافذ تفتح لوحدها كالعادة, المروحة تتحرك رغـم أن الكهرباء مـنقطع, طـلاء الـمنزل يتقشر شيء فشيء والجدران تتشقق وكأن هناك شـخص يريد الـخروج !
تـحدثت أمي وهي تجـمع أغراضنا
- سأخرج الآن وأخذ أبنائي معي
يرد أبي
- ولكـن إلى أين نذهب, وضعـنا المعيشي صعب يا عزيزتي وهذا ما استطاعت أموالنا شراءه لناوالمنزل كبير
- سأبقى عـند أمي وأنت ابقـى عند أخيك حتى نـجد حلا
- ماذا أسنفترق ؟؟ أأنتِ جادة ؟
- حتى نـجد حلا, نعـم أنا جادة
نـهاية الجدال خـرج كل أفراد العائلة, أمي أبي وأخي الكبير وأخي الـصغير, فور خروجي تذكرت حقيبتي الـمدرسية هرولتُ عائدة لـغرفتي, حقيبتي على سريري..
أمسكتها والتفتُ نحو البـاب للخروج لـكنها تـقف حائلة دون خروجي !!
امرأة طـويلة وجهها مليء بالتجاعيد ترتدي عباءة بيـضاء متقطعة وشعرها مبعثر يبدو أن الماء لم يلمسه منذ مدة طويلة, رددت الـسيدة
- أهلا " عبير "
بصدمة طفل في عـمر الـتسع أعوام
- كيف عرفتي اسمي ؟
- أنـا أعرف عنك كل شيء, أرجوك لا تتركيني وتذهبي يا " عبير "
بـعد قـولها لكلمة " أرجوك " بدأت دموعها تتساقط وتحركت في هدوء نحـوي, لحـظات لم أدرك ما يحدث حتى اقتربت يدها مني لأفلت منها وأركض من بين أرجلها نـحو الباب بيـنما أسمع صرخاتها
- عبيـــــــر لا تتركيني لوحدي يا عــــــبير
لـم أأبه لكلامها وانطلقت مع عائلتي, تفـرقنا ليـنام أبي بمنزل عمي ونحن بمنزل جـدتي, لـم تخرج الـسيدة الـطويلة من عقـلي بـل أصبحت كل تفكيري, جعلتني أكره الـوحدة والظلمة
بـعد مرور بضع أيام, أتى أبي ليخبر أمي أنه سيعود للمنزل فأخيه لم يحتمل ضيافته وأبي لا يريد أن يكون ضيفاً ثقيلا, تـوقع رداً إيجابيا من أمي لـكن لم يقابله إلا الـرفض فأمي لا تريد العودة للمنزل المرعب
أنا لـم أعرف ما أقول خفت على أبي مـن الامرأة الطويلة حاولت منعه وللأسف لـم أستطع
بـعد يـوم دراسي أتى أبـي ليأخذنا إلى منـزل جدتي كالعادة, أبي يأخذنا من المدرسة انا واخي الصغير إلى منزل جدتي ثـم يعود إلى الـمنزل المرعب, ذلك الـنهار أخي " مؤمن " لـم يذهب معي للمدرسة, ونـحن في الـطريق قـال أبي
- أمـك مجنونة يا " عبير " تـظن أن الـمنزل حقا مسكـون
أجبته في قلق
- أنا أيضـا أرى بعـض الأشياء المرعبة به يا أبي, لا تنسى أن منزلنا دوما يـهتز والـكهرباء تنقطع منه من تلقاء نفسها, العديد من الأمور المخيفة به
- لأن منزلنا عتـيق لـكن مع الوقت والصيانة ستنتهي هذه المشاكل
- أبي أنا رأيت امرأة مشردة بمنزلنا وكانت تريدني أن أبقى معها
- امرأة بمنزلنا ؟ أمـك زرعت بـك هذا التـفكير, أمك فعلت كل هذا حتى تستطيع خيانتي بـسهولة وسأثبت لـك أنني مـحق
شرارة الـغضب تطايرت من أعين أبي وضغـط البنزين لـيغير مساره, سألته
- إلى أين نحن ذاهبون يا أبي ؟
- إلى الـمنزل
- منزل جدتي ؟
- لا منـزلنا, قلتِ لي هـناك امرأة مشردة بمنزلنا ؟ حسنا دعينا نراها معاً
لـم أعرف ماذا جرى لعـقل أبي خصوصا انه أخاف ابنته ذات الـتسع أعوام, ما إن وصلـنا أمام باب الـمنزل لمحتها مـن نافذة الطابق الـثاني تلوح لي, صـرختُ
- بـابا إنها فـوق
بـغضب قال أبي
- أنزلي أنزلي وسنرى الـتي تتحدثين عنها تلك !
دخلت والـخوف يسري في عروقي, إلى جانب أبي أسير, الـمنزل في حالة هـدوء وأبي يكرر
- أرأيتِ أمك تـهلوس ّ! الـوضع طبيعي
أخـذني للطابق الـثاني, دخلنا الـغرف واحدة تلوى الأخرى حـتى وصلنا لغرفتي, فتح أبي الـباب وهنـاك رأيتـها ! جالسة تبتسـم إلي
صـرختي كـادت أن تطرش أبي, احتضنته خوفا بينما أبعدني عنه وقـال
- ما الذي حصل يا فتاة ؟
- ألا تراها يا أبي, إنها جالسة على سريري
- أرى مـن ؟؟ أتريدين اخافتي يا عبير ؟
قـاطعت حديثنا الامرأة المشردة
- إنه لا يراني يا " عبير " أنت فـقط من ترينني وأنتِ فقط من أحتاج
اغمضت أعيني وفتحتهم عشرات المرات ولاتزال الامرأة جالسة على سريري, قالت
- أنا حقيقة يا " عبير " لـكنني أخفيت حقيقتي عـن الجميع إلا أنتِ
- لماذا إلا أنا ؟
- لأنـك ....
قـبل أن تكمل المرأة حديثها شدني أبي من يدي وتحدث
- بماذا تهلوسين يا " عبير " ؟
وقـفت المرأة على أرجلها ثـم قالت
- اسمـي " مـيسون " وسأجعل أبيك يؤمن بوجودي رغـم أنه لم يؤمن بوجودي حتى حين كنتُ حية
- ماذا تقصدين ؟
- سـتعرفين كل شيء لاحقا
كـل ما بغرفتي تطاير بينما أصاب الـذهول أبي, اتجهنا لأسفل الدرج بسرعة وكذلك باقي المنزل كل ما به يتطاير, فـور خروجنا قـالت لي " ميسون "
- لا تقلقي لـن أقول لكي لا تتركيني يا " عبير " فأنا أعلم أنكِ ستعودين لي لوحدك
بـعد ركوبنا للـسيارة ردد أبي
- أيعقـل أن ...
قُلت
- أيعقل ماذا يا بابا ؟
- أأأأ لالا لا شيء لا تشغلي بالك عزيزتي
عـدنا لـمنزل جدتي وبقي معـنا أبي للمبيت بـعد ان اعتذر لوالدتي, مـضت اللـيلة دون أن أعلـم ما الذي حصل, استيقظت بحـديقة الـمنزل أشاهد منزل جـدتي يحترق وكل من بداخله يصرخون
تـوفيت كل عائلتي بيـنما تـم نقلي لمركز إعادة تأهيل الـكل ظل يبتعد عني حيـث دارت الشكوك أنني من تسببت في الحريق وقتلتُ عائلتي حـتى أتت من أرادت أن تتبناني طويلة بشعر حريري وجه أملس وملابس أنيقة, وافق الـمركز على التبني وأخذتني الـسيدة معها
ما إن خرجنا وصعدتُ سيارتها قـالت
- أنتِ لم تخطئي في قتلك لعائلتك يا "عبير " فلا تلومي نفسـك
صـعقتني جملتها وفور التفاتي نحوها, ظهـرت التجاعيد وتشتت الـشعر وتبهذلت الملابس, " ميسـون " هـي من أرادت أن تتبناني, يقولون " ضـربة الجـبان تقتل " وهذا ما حدث أمسكت مقبض القيادة وأدرته يمينا بسرعة مـن فوق الـجسر لنسقط على أرض صلبة
استيقظت بالمشفى والـجروح تملئ جسـدي, دخلت الـممرضة لغرفتي والكمامة على وجهها سألتني
- كيـف تشعرين الآن يا " عبير " ؟
- بـخير
- أنتِ لـم تخطئي حين قتلتي " سنـاء " لا تلومي نفـسك هي كادت أن تفشل خـطتي
بـعد أن أنهت الممرضة جملتها أزالت الكمامة ليرتسم أمامي وجـه " ميسون " علمت حينها أن الـسيدة التي أرادت أن تتبناني لـم تكـن " ميسون " وأنني قتلتها !!
اقتربت " ميسون " لتهمس لي ومن الرعب الـشديد لمحتُ إبرة إلى جانبي فحملتها لأغرسها أكثر من مرة في عـنقـ....
عـنق الـممرضة التي لـم تكن " ميسون " خُدعت لثاني مرة من " ميسون " وقتلتُ شخصا بريئا أخر, تـم نقلي إلى إصلاحية ووضعي بـقسم الحالات المـشددة
حمدت الله أن شري لـن يصل إلى أحد أخر, بـعد 11 عام تحديدا خرجتُ للـعالم الخارجي لأرى الـناس والحياة الطبيعية لـم تفارقني " ميسون " بظهورها المفاجئ لـكن لحسن الـحظ لـم تستطع جعلي أقتلُ أي أحد
أنا شابة بالغة علمتُ أن عدد ضحاياي سيزداد مع ملاحقة " ميسون " لي لذلك كـانت وجهتي بـعد خروجي من الإصلاحية الـمنزل الملعون, استمريت بالبـحث عـن إجابة بالمنزل حـتى حصـل ما أردت وحللتُ اللغز !
رائحة عفنة يـبدو أنها مع الـوقت الـطويل لترك الـمنزل مهجورا فاحت, تبعثت أثرها نـحو حديقة المنزل الخلفية, حفرت الأرض لأجد عظام لامرأة قـبل أن أتصل بالشرطة, صوت من خلفي " ميسون " قـالت
- لا داعي للاتصال بالشرطة سأخبرك بـكل شيء, أنا عشيقة والدك كـان يخون أمك معي وحيـن حملتُ منه طلبت أن نعترف بالأمر ويتزوجني فصـدمتُ بأنه يريدني أن أجهض الطفل رفضتُ وحاول مرارا وتكرارا أن يقنعني بل عرض علي حتى المال لكنني رفضت وقلت أنه ان أراد أن ينكرني أنا وطفله فلا بأس لكن لن اجهضه, ذات يوم اتصل بي واعطاني عنوان هذا المنزل أخبرني أنه اشتراه حديثا وهو كبير حتى يتسع لي ولعائلته الأخرى, اتيت كالغبية الى المنزل وفور دخولي طعنني بوحشية بمعدتي حيث يرقد جنيني عاهدته وأنا التلفظ أخر انفاسي أنني سأنتقم وانتقامي كـان عن طريقك يا " عبير "
- لا أصـدق حقا لا أصدق
- ان كنتِ لا تصدقين أحضري فرقة متخصصين وسيخبرونك أن الجثة لامرأة حامل واسمي " ميسون " زميلة أبيك في العـمل
- والآن أستكملين تعذيبك لي ؟
- سأتوقف لكن بشرط
- ما هو ؟
- أدفنيني وأدفني ابني بقبر محترم ولا تنسينا من صلاواتك
- هذا أقل شيء يمكنني فعله من أجلك لكن هل ستتركينني بعد ذلك ؟
- نعم
لاتنتظروا المزيد فميسون صدقت بكلامها وها أنا أعيش في سلام وحيدة الآن لأروي لكم قصتي...
________________________
مقتبس عن قصة حقيقية
#إنتهت